أعمال تعدل أجر الحج في الجزاء ، للدكتور خالد بدير
ولقراءة المقال كما يلي:
إن كثيرًا من المسلمين يشتاقون إلى أداء شعيرة الحج ؛ وتهوي أفئدتهم إلى زيارة المسجد الحرام؛ أقول لكل المشتاقين: اعلموا أن من رحمة الله – تبارك وتعالي – بعباده أن جعل من حالت دونه السبل عن الحج لعذر شريكًا لمن ذهب في الأجر، بل شرع الله لنا أعمالًا تعدل أجر الحج والعمرة ، لكن لا تغنيه هذه الأعمال عن حج الفريضة إذا بلغ حد الاستطاعة؛ وهذه الأعمال لا تكلفك تأشيرةً ولا مالًا ولا سفرًا، وقد جمعتها لكم مدعمة بالأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة ومن أهم هذه الأعمال:-
أولا: المكث في المسجد بعد صلاة الفجر حتى الشروق ثم صلاة ركعتين:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ” من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة”. ( الترمذي بسند صحيح ).
ثانيا: حضور صلاة الجماعة والمشي إلى صلاة التطوع: فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي أمامة أن رسول الله ﷺ قال: “من مشي إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهى كحجة، ومن مشي إلى صـلاة تطوع فهي كعمرة نافلة . وفي رواية: ومن مشى إلى سبحة الضحى كان له كأجر المعتمر“ـ (صحيح الجامع).
ثالثا: حضور مجالس العلم في المساجد: فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:”مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ”. (الطبراني بسند صحيح). فضلاً عن نزول السكينة عليهم، فعن النبي ﷺ قال: ” ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”. (مسلم).
رابعا: الأذكار بعد الصلاة: فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : ” أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله ﷺفقالوا : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم فقال وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق، ولهم فضول أموالهم يحجون ويعتمرون، فقال رسول الله ﷺ أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله ﷺ فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله ﷺ ذلك فضل الله يؤته من يشاء ” .
خامسا: عمرة في رمضـان: فعن ابن عباس أن النبي ﷺ قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان :”ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت: ناضحان كان لأبي فلان – تعنى زوجها – حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا، قال ﷺ: فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معى”. (مسلم).
سادسا: بـرُّ الوالـديـن: أخرج أبو يعلي أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه؛ قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد
سابعا: صدق النية: إن النية تلعب دورًا كبيرًا في مجال العبادات ؛ وقد يصل الإنسان بصدق نيته أعلى المراتب في الإسلام؛ فمن كان قد نوى الحج أو العمرة هذا العام فلم يستطع ، أو حبسته نازلة أو جائحة أو نحو ذلك؛ وهو صادق النية؛ كتب الله له مثل الذي حج؛ وكان أجرهما سواء ، فَعَن أَبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ” إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ”.( الترمذي وصححه) .
فنية العبد خيرٌ من عمله، فقد يحج ولا يقبل منه لسوء نيته، وقد لا يحج ويكتب له أجر حجة وعمرة تامتين تامتين لصدق نيته، لذلك جاء أول حديث في البخاري ”إنما الأعمال بالنيات“. ونحن نعلم أن جمعًا من الصحابة الكرام حبسهم العذر عن الخروج في غزوة تبوك؛ ومع ذلك شاركوا من خرج في الأجر لصدق نيتهم وتحقق العذر لديهم ؛ فعَنْ أَنَسِ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: ” إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ ”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: ” وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ ”. (البخاري). فإذا كان الحج قد فاتك هذا العام فإن أعمال الخير لا تفتك، وما أجمل مقولة أحد السلف: ” من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قرَّبه وأزلفه، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى، ومن لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إليه من حبل الوريد”.
وبعد : فهذه بعض الأعمال التي تعدل أجر الحج؛ فالزموها حتى تنالوا ثواب الحج بصدق نياتكم .
وهنا تنبيه مهم: هذه الأعمال تعدل الحج في الجزاء لا في الإجزاء فمن عملها لا تسقط عنه حجة الإسلام . يقول الإمام النووي عن فضل العمرة في رمضان: ” تعدل حجة : أي تقوم مقامها في الثواب ، لا أنها تعدلها في كل شيء ، فإنه لو كان عليه حجة فاعتمر في رمضان لا تجزئه عن الحجة “. ( شرح النووي ) .
فمن وجب عليه الحج وتحققت عنده الاستطاعة؛ فعليه حجة الإسلام بعد رفع موانع الاستطاعة بأمر الله تعالى .
نسأل الله أن يرزقنا حج بيته الحرام، وأن يحفظ مصرنا من كل مكروه وسوء ؛؛
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي