خطبة الجمعة القادمة بعنوان : جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 12 محرم 1443هـ ، الموافق 20 أغسطس 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 20 أغسطس 2021م بعنوان : جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع.
أولاً: جبر الخاطر عبادة مهجورة .
ثانيـــًا: رسولنا صلى الله عليه وسلم أعظم مَنْ جَبَرَ الخواطر.
ثالثـــًا: صور من جبر الخواطر.
رابعًا: أحق الناس بجبر الخواطر أهل بيتك.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 20 أغسطس 2021م بعنوان : جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة بعنوان: جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع د. محمد حرز بتاريخ: 12 من المحرم 1442هــ – 20 أغسطس2021م
الحمد لله القائلِ في محكم التنزيل جبرًا لخواطر المؤمنين ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ آل عمران: 139، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ولي الصالحين ، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيه من خلقه وحبيبه ,كان من دعائه صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قال: كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ بينَ السَّجدتينِ في صلاةِ اللَّيلِ:“ ربِّ اغفِر لي وارحَمني واجبُرني وارزُقني وارفَعني“ فاللهم صل وسلم وزد وبارك على النبي المختار وعلى آله وصحبه الأطهار الأخيار وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد …..فأوصيكم ونفسي أيها الأخيار بتقوى العزيز الغفار{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (أل عمران :102)
ثم أما بعد :(( جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع)) عنوان وزارتنا وعنوان خطبتنا
عناصر اللقاء:
أولاً: جبر الخاطر عبادة مهجورة .
ثانيـــًا: رسولنا صلى الله عليه وسلم أعظم مَنْ جَبَرَ الخواطر.
ثالثـــًا: صور من جبر الخواطر.
رابعًا: أحق الناس بجبر الخواطر أهل بيتك.
أيها السادة : ما أحوجنا إلي أن يكون حديثنا عن جبر الخواطر وخاصة وكلنا في حاجة إلى جبر خواطرنا من ربنا جل جلاله وتقدست أسماؤه فهو سبحانه صاحب المن والفضل والجود والكرم وخاصة ونحن نعيش زمانًا قلّ فيه من يجبر بخواطر الناس إلا ما رحم الله وخاصة وأن جبر الخواطر عبادة مهجورة مع أننا نرددها طوال اليوم« جبر الخواطر على الله »و ربنا يجبر بخاطرك “، دعوة نسمعها كثيرا ،و بشكل خاص من كبار السن ، و لكن قد لا يعلم معناها كثيرون ، و لا يدركون سرها و عظمتها ,وخاصة وأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، وكثر الجشع والطمع وطغت المادة والشهوات على القيم والمثل، وانتشرت الخلافات الأسرية والزوجية، وكثرت المشاكل وكثر الطلاق وكثر الحقد والبغضاء والكراهية، والسبب: عدم جبر الخواطر، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أولاً: جبر الخاطر عبادة مهجورة .
أيها السادة : جبر الخواطر هو الإحساس بآلام الناس وعدم جرح مشاعرهم ، ومواساتهم في مصابهم، والوقوف بجانبهم في الشدائد والكروبات ,فمراعاة المشاعر وجبر الخواطر جزء من شريعة الإسلام، وعبادة نتقرَّب بها إلى الرحمن,وجبر الخواطر عبادة يحبها الله ,عبادة مهجورة غفل عنها الكثير من الناس إلا ما رحم الله , وجبر الخواطر خلق عظيم من أخلاق الدين, ومبدأ كريم من مبادئ الإسلام, وشيمة الأبرار المحسنين من الناس, وصفة من صفات المؤمنين، وهي عبادة جليلة ، وسهلة وميسورة ، أمر بها الدين ، وتخلق بها سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ،تدل على سمو النفس وعظمة القلب وسلامة الصدر ورجاحة العقل ووعى الروح ونبل الإنسانية وأصالة المعدن ,وجبر الخواطر عبادة يحرص عليها دائمًا الأصفياء الأنقياء من أصحاب الأرواح الطيبة والمشاعر الفياضة، لذا قال سفيان الثوري إمام الدنيا في الزهد والورع والحديث :ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم. أيها السادة :الجبر كلمة مأخوذة من الجبار، والجبار اسم من أسماء الله الحسنى والجبار بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرؤوف الجابر للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز، ولِمَن لَاذَ بِه ولجأ إليه ، والجبار هو الذي يُطمئنُ القلوبَ ويريحُ النفوس فهو سُبْحَانَهُ “الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ”. (تفسير أسماء الله للزجاج ص33 )فتجد في كلِّ تقدير تيسير، ومع كلِّ قضاءٍ رحمة، ومع كل بلاءٍ حكمة، فإن كان الله قد أخذ منك فقد أبقى، وإن منع فلطالما أعطى، وإن ابتلاك فكثيرًا ما عافاك، وإن أحزنك يومًا فقد أفرحك أيامًا وأعوامًا وكيف لا؟ وهو ينزل -سبحانه- كل ليلة إلى سماء الدنيا، إكرامًا للمؤمنين، وقبول دعاء الداعين, وإلحاح المستغفرين, وجبرًا لخواطر السائلين فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “يَنْزِلُ رَبُّنَا –تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ“ (متفق عليه) فيجبر كسيرًا، ويعافي مبتلى، ويشفي مريضًا، ويغيث ملهوفًا، ويُجيب داعيًا، ويُعطي سائلا، ويُفرِّج كربًا، ويزيل حزنا، ويكشف همًّا وغمًّا. فكم من مريض جبر الله خاطره فشفاه!! وكم من فقيرًا جبر الله خاطره فأغناه !! وكم من مكروب جبر الله خاطره ففرج عنه كربه !! كَم مِن ضِيقٍ مَرَّ بالنَّاسِ ولَم يَكشِفْهُ إلاَّ اللهُ؟! وكَم مِن بَأسٍ نَزَلَ بِهم ولَم يَرْفَعْهُ إلاَّ اللهُ؟! وكَمْ مِن بَلاءٍ أَلَمَّ بِهِمْ ولَمْ يُفَرِّجْهُ إلاَّ اللهُ؟! ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ (سورة النمل : 62)
وفي القرآن العظيم يُخبرنا الجبارُ -سبحانه- بجبر قلوب أنبيائه ورسله، فهذا نبي الله موسى -عليه السلام- لَمَّا رغبت نفسُه إلى رؤية الله -تعالى- وطلب ذلك منه، أخبره سبحانه أن ذلك غير حاصل له في الدنيا، ثم سلَّاه، وجبر خاطره بما آتاه من فضله ونعمه ، فقال تعالى: ((قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ))الْأَعْرَافِ: 144 وجبر الله خاطر أم موسى عندما رد لها ولدها كي تقر عينها ولا تحزن فقال ربنا: ((فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)) القصص: 13 وجبر الله بخاطر نبيه صلى الله عليه وسلم عندما أُخرِجَ من مكة المكرمة ، وهي أحب البقاع إليه، وقَف النبي صلى الله عليه وسلم مودعا مكة بكلمات تألم القلب وتبكي العين بدل الدموع دما , بكلمات حنين ومحبة وألم وحسرة على الفراق , بكلمات كلها انتماء وتضحية ووفاء: “يا مكة ما أطيبَكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ، واللهِ إنكِ لَخيرُ أرضِ الله، وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى الله، ولولا أني أُخرجتُ منكِ ما خرجتُ))(رواه الترمذي بسند صحيح)، فجبر الله -تعالى- خاطره، وأنزل قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة وهو في طريقه إلى المدينة: ((إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ))(الْقَصَصِ85) أي: إن الذي أنزل عليكَ القرآن وأمركَ بتبليغه لَرَادُّكَ إلى الموضع الذي خرجت منه، عزيزًا فاتحًا منتصرًا، ولقد صدَق اللهُ وعدَه، ونصَر عبدَه، بل جبر الله خاطر نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته ووعده بأن يعطيه حتى يرضيه،((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)((الضُّحَى: 5) ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قال – أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ تَلا قَوْلَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبْراهِيمَ: {رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فمَن تَبِعَنِي فإنَّه مِنِّي} (إبراهيم: 36) الآية، وقالَ عِيسَى عليه السَّلامُ: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فإنَّهُمْ عِبادُكَ وإنْ تَغْفِرْ لهمْ فإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} )المائدة ( 118:، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وقالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي، وبَكَى، فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ فأتاهُ جِبْرِيلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بما قالَ، وهو أعْلَمُ، فقالَ اللَّهُ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوءُكَ((بل عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أعرض عن الأعمى، وقد جاءه يستفيد، يسأل يا رسول الله: علمني مما علمك الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم منشغلاً بدعوة بعض صناديد قريش، فأعرض عنه، فأنزل الله🙁 عَبَسَ وَتَوَلَّى ,أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى , وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى , أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) سورة عبس:1 – 4 قال القرطبي في التفسير: “فعاتبه الله على ذلك؛ لكي لا تنكسر قلوب أهل الإيمان” وها هو -عزَّ وجلَّ- يجبرُ خاطرَ الرَّحمِ لمَّا عاذتْ به من القَطيعةِ، قَالَ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ“.الله الله في جبر الخواطر وصدق من قال :من سار بين الناس جابرًا للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر, واعلم من جبر خواطر الناس جبر الله خواطره , ومن جرج الناس في مشاعرهم جرحه الله في مشاعره فالديان لا يموت
وأفضل الناس ما بين الورى رجل ***تقضى على يده للناس حاجاتُ
لا تمنعن يد المعروف عن أحد*** ما دمت مقتدرًا فالعيش جناتُ
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم*** وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ
ثانيـــًا: رسولنا صلى الله عليه وسلم أعظم مَنْ جَبَرَ الخواطر.
أيها السادة : نبينا صلى الله عليه وسلم أسوتنا قدوتنا معلمنا مرشدنا كان جابرًا لخواطر الناس , فالكلّ يأوي إليه ويسعى لديه ويستجيرُ به، وكيف لا؟ وهو الذي قال يومًا لخديجة رضى الله عنها عندما عاد من غار حراء: “ لقَدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي، فقالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ، واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَداً، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ) يجبرُ بخاطر الطفلِ الصغير، و يسأله عن عصفوره الذي فقده وهو قائد أمَّة عليه من الهموم ما عليه،ويقول كما في صحيح البخاري ((يا أبَا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ نُغَرٌ كانَ يَلْعَبُ به)) ويجبر خاطر أحد أصحابه لما وجده حزينا ومتألما على فقد أبيه ، وقد ترك ديونا أثقلته ، ففي سنن الترمذي بسند حسن ( أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي « يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِى قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ « أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِىَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ يَا عَبْدِى تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ. قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيةً. فانظر كيف جبر الرسول صلى الله عليه وسلم خاطره، وأزاح عنه الهم بهذه الكلمات؟!
عندما جاء فقراء المهاجرين مكسوري الخاطر، وقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدَّقُون بفضول أموالهم، فجبر خاطرهم فقال: ((أوليس قد جعل الله لكم ما تَصدَّقون؟ إن بكل تسبيحة صدقةً، وكلِّ تكبيرة صدقةً، وكلِّ تحميدةٍ صدقةً، وكلِّ تهليلةٍ صدقةً، وأمرٌ بالمعروف صَدَقةٌ، ونهيٌ عن منكر صدقةٌ، وفي بُضْعِ أحدكم صدقةٌ))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجرٌ؟ قال: ((أرأيتُم لو وضعها في حرامٍ، أكان عليه فيها وِزْر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ))؛ رواه مسلم. فانظر كيف جبر الرسول صلى الله عليه وسلم خواطرهم، وأزاح عنهم الهم بهذه الكلمات؟!
وكشفت الريح يومًا عن ساقَي ابن مسعود رضي الله عنه فضحك القوم منه، فجبر النبي -صلى الله عليه وسلم- خاطره، وأعلى شأنه وبيَّن مكانتَه عند ربه، فقال🙁 والذي نفسي بيده لهما أثقلُ في الميزان من أُحُدٍ (رواه أحمد
فانظر كيف جبر الرسول صلى الله عليه وسلم خاطره؟!
ويجبر النبي الله صلى الله عليه وسلم خواطر اليتامى ويطيب نفوسهم بقوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري :من حديث سهل بن سعدـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا » . وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ))رواه البخاري وكيف لا؟ وكان يُتمُه تشريفًا لكل يتيم على ظهر الأرض إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها وكيف لا؟ والله خاطبه بقوله {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} سورة الضحى9-10 ، أجمل تطييب للخاطر وأرقى صورة للتعامل: الإحسان إلى اليتامى في كل زمان ومكان جبرًا للخاطر وطلبًا للثواب والمغفرة بل إنه صلى الله عليه وسلم جبر بخواطرنا نحن الذين نحبه ونشتاق إليه، ونتمنى لقاءه ورؤيته ، فقال فيما رواه أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « وَدِدْتُ أَنِّى لَقِيتُ إِخْوَانِي“ قَالَ فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ قَالَ « أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي((
ثالثـــًا: صور من جبر الخواطر.
أيها السادة: جبر الخواطر عبادة لا تحتاج إلى أن تبذل مالًا أو جهدًا بل لها صور متعدة وكثيرة ربما تكفي ابتسامة أو كلمة طيبة أو دعاء بالخير أو مساعدة محتاج أو إغاثة ملهوف ، تكون جبرًا لخواطر الناس، وتكون سببًا في تأليف القلوب وزيادة التراحم، وإدخال السرور والسعادة إلى قلوب متألمة, ولها أثر كبير على الفرد والمجتمع .
فتبسمك في وجه الناس تطيبًا للخواطر صدقة . وجَبْر خواطر المُعْسرين بانظار المعسر فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (إِنَّ رَجُلاً لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ اللَّهَ – تَعَالَى – أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَمَّا هَلَكَ، قَالَ اللَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ – لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً قَطُّ؟ قَالَ: لا، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ لِي غُلامٌ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى، قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، قَالَ اللَّهُ – تَعَالَى -: قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ)) تجاوز سبحانه وتعالى عن هذا الرجل بما جَبَرَ به خواطر عباده المُعْسرين، فالله سبحانه وتعالى لا يضيع أجرَ من أحسن عملاً، فمن كان متسامحًا مع الآخرين رحيمًا بهم جابرًا خواطرهم يُقَدّر ظروفهم المعيشية، كان الله سبحانه وتعالى رحيمًا به متجاوزًا عنه يوم القيامة، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فالجزاء من جنس العمل.
جَبْرُ خواطر المكروبين والمحتاجين كما جاء في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: (أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَـأ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ(( رواه الترمذي
و عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما -، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْناً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْراً، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لهُ، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ ىالأَقْدَامُ)) رواه الطبراني في الأوسط. فجبر الخواطر على الله ومن جبر خواطر الناس جبر الله خاطره
أحزان قلبي لا تزول** حتى أبشر بالقبول
و أرى كتابي باليمين ** وتقرعيني بالرسول
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية الحمد لله ولا حمد إلا له وبسم الله ولا يستعان إلا به وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعد
رابعًا: أحق الناس بجبر الخواطر أهل بيتك.
أيها السادة :أنَّ أحقّ الناس بحسن الخلق وجبر الخواطر هم الوالدين أمك وأبوك لِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ} أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم. وصدق ربنا إذ يقول:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ) سورة الإسراء: 23
وأحق الناس بجبر الخواطر الزوجة ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد اللهـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أن النبي قال في خطبة الوداع : (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ)وفي الصحيحين من حديث أبي هريرةt أن النبي r قال : (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا)وفى الحديث الذي رواه أحمد والترمذى، وأبو داود وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا)
و أحق الناس بجبر الخواطر: الأقارب ؛لذا كانت الصدقة على القريب أفضل من الصدقة على غيره لقول النبي المختار صلى الله عليه وسلم ( الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ) رواه الترمذي
وجبر الخاطر خلق كريم من أخلاق الإسلام لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) فإكرام الضيف وصلة الرحم والكلمة الطيبة كلها جبر ًا للخواطر لذا قال ربنا ((وَقُولُوا لِلنَّـاسِ حُـسْنًا )) البقرة: 83 أي تخيروا من الكلمات أحسنها ومن العبارات أدقها ومن الألفاظ أجملها جبرا لخواطر الناس ومراعاة لمشاعرهم فجبر الخاطر بابٌ من أبواب الخير والفلاح في الدنيا والآخرة ، وسبيلٌ إلى الفوز برضوان الله جل وعلا في الدنيا والآخرة ، فالله الله في جبر الخواطر، الله لله في التخلق بأخلاق الإسلام، الله الله في مراعاة مشاعر الناس لتسعد في الدنيا والآخرة .
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف