أخبار عاجلة
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 20 ذو القعدة 1444هـ ، الموافق 9 يونيو 2023م
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز : الحج رحلة إيمانية

شارك الخبر علي صفحات التواصل الإجتماعي

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 20 ذو القعدة 1444هـ ، الموافق 9 يونيو 2023م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 يوينو 2023م بصيغة word بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م بصيغة pdf بعنوان : الحج رحلة إيمانية ، للدكتور محمد حرز.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م بعنوان : الحج رحلة إيمانية .

 

أولًا:  و ا شوقاهُ إلى الحجِّ  .

ثانيًا: الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ تهفُو إليهَا قلوبُ المسلمين.

ثالثًا وأخيرًا: بشرياتٌ لمَن عجزَ عن الحجِّ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 9 يونيو 2023م بعنوان : الحج رحلة إيمانية : كما يلي:

 

خطبة الجمعة القادمة : الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ  للدكتور محمد حرز ، 20ذو القعدة بتاريخ  1444هـ، الموافق، 9 يونيو2023م

الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العَالمِينَ ﴾ آل عمران: 97، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائلُ  كما في صحيحِ البخارِي مِن حديثِ  أبي هريرةَ – رضي اللهُ عنه – قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ فقالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللهَ قَد فَرَضَ عَلَيكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا)، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَسَكَتَ حتى قالها ثَلاثًا، فقال رَسُولُ اللهِ ﷺ:  لَو قُلتُ: نَعَم، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا استَطَعتُم، ثم قال: (ذَرُوني مَا تَرَكتُكُم إنَّما هلَكَ من كانَ قبلَكُم بِكَثرةِ سؤالِهِم واختلافِهِم علَى أنبيائِهِم ، فإذا أمرتُكُم بالشَّيءِ فخُذوا بهِ ما استَطعتُمْ ، وإذا نَهَيتُكُم عن شيءٍ فاجتَنبوهُ))، فاللهّمّ صلّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ  المختارِ، خير مَن صلّى وصامَ وتابَ وأنابَ ووقفَ بالمشعرِ وطافَ بالبيتِ الحرامِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا .

أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).

عبادَ اللهِ:  ((الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

عناصر اللقاء   .

أولًا:  و ا شوقاهُ إلى الحجِّ  .

ثانيًا: الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ تهفُو إليهَا قلوبُ المسلمين.

ثالثًا وأخيرًا: بشرياتٌ لمَن عجزَ عن الحجِّ.

أيُّها السادة: ما أحوجنَا إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن الحجِّ رحلةٌ إيمانيةٌ، وخاصةً ونحن في مواسمِ الحجِّ وكلُّنَا أملٌ وشوقٌ إلى حجِّ بيتِ اللهِ الحرام، وخاصةً و حجاجُ بيتِ اللهِ الحرام يستعدون للرحيلِ إلى البيتِ العتيقِ، وجهزوا أمتعتَهُم لهذه الرحلةِ الإيمانيةِ، وخاصةً وأنّ الحجاجً قد استجابوا لنداءِ الخليلِ في البريةِ عندما فَرَغَ إِبرَاهِيمُ عليه السلام مِن بِنَاءِ البَيتِ، أمرَهُ اللهُ بأنْ يؤذنَ في الناسِ بالحجِّ (وأَذِّن فِي النَّاس بِالحَجِّ) فقَالَ إبراهيمُ: يا ربِّ  وَمَا يَبلُغُ صَوتِي؟ قَالَ: عليك الآذانُ وَعَلَيناَ البَلَاغ! فَنَادَى إِبرَاهِيم: أَيّهَا النَّاس كُتِبَ عَلَيكُم الحَجّ إِلَى البَيتِ العَتِيقِ فَحُجُّوا فأجابَ كلُّ مَن كان في أصلابِ الرجالِ وأرحامِ الأمهاتِ لبيكَ اللهُمّ لبيكَ…. لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكَ….. إنّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك ….لا شريكَ لكَ لبيك.

تنادِي الأوطانُ وأنت تدعُوا فلا لبيّك إلّا لك، وتمسكُ الأهل وأنت تدعوا فلا لبيكَ إلّا لك، ويدعُوا المالُ والولدُ إلي أنْ يظلّ الإنسانُ خليفتَهُم وأنت تدعو فلا لبيك إلّا لك.

وخاصةً عندما تهلُّ علينَا أشهرُ الحجِّ المباركةِ ونتذكرُ قولَ اللهِ تعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]   وتهفو القلوبُ وتشتاقُ الأرواحُ إلى تلك البقعةِ الطاهرةِ الطيبةِ، حينها تنهمرُ الدموعُ وتسكبُ العبراتُ، وتتقطعُ النفوسُ شوقًا إلى مغفرةِ ربِّ البريات .

يا سائرينَ إلى الحبيبِ ترفقُوا … فالقلبُ بينَ رحالِكُم خلفتهُ 

مالِي سوَى قلبِي وفيكَ أذبتهُ … مالي سوى دمعِي وفيكَ سكبتهُ

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة

أولًا: و ا شوقاهُ إلى الحجِّ.

أيُّها السادة: الحجُّ قصدُ البيتِ الحرامِ لأداءِ أفعالٍ مخصوصةٍ نصَّ عليها القرآنُ ونصتْ عليها سنةُ النبيِّ العدنانِ ﷺ كالإحرامِ والطوافِ والسعيِ والوقوفِ بعرفةَ، والحجُّ ركنٌ مِن أركانِ الإسلامِ وعمودٌ مِن أعمدةِ الدينِ؛ لقولِ النبيِّ الأمينِ ﷺ :بُنيَ الإِسلامُ على خمسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ محمدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيتِ، وَصَومِ رَمَضَانِ((متفق عليه ،والحجُّ فرضٌ على كلِّ مسلمٍ مستطيعٍ يملكُ الزادَ والراحلةَ التي تبلغُهُ لحجِّ بيتِ اللهِ الحرام، لذا قالَ النبيُّ ﷺ: مَن أَرَادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَد يَمرَضُ المَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعرِضُ الحَاجَة.وصدق المعصوم ﷺ فلقد حالتْ الأمراضُ والأوبئةُ وكورونَا عن حجِّ بيتِ اللهِ الحرام، ووقعَ الناسُ في المحظورِ، وبفضلِ اللهِ وحدَهُ عادتْ الأوضاعُ إلى طبيعتِهَا، فتعجلْ وخدْ الدرسَ مِمّا فاتَ، فالمؤمنُ كيسٌ فطنٌ، فيامَن منّ اللهُ عليهِ بالمالِ والصحةِ والعافيةِ ولم تحجْ بغيرِ عذرٍ اعلمْ بأنّك محرومٌ وربِّ الكعبةِ، فعن أبي سعيدٍ الخدرِيِّ رضى اللهُ عنه قال :قال رسولُ اللهِ: إنَّ اللهَ تعالى يقولُ : إنَّ عبدًا أصحَحتُ لهُ جسمَهُ ، ووسَّعتُ عليهِ في مَعيشتِهِ ، تمضِي عليهِ خمسةُ أعوامٍ لا يَفِدُ إليَّ لمَحرومٌ) رواه البيهقي وأبو يعلي بسند صحيح.

والحجُّ عبادةٌ ماليةٌ وبدنيةٌ ثوابُهَا عظيمٌ ونفعُهَا للمسلمين عميمٌ، وكيف لا ؟ وهو جهادٌ في سبيلِ اللهِ لمَن عجزَ عن الجهادِ وحملِ السلاحِ في ميادينِ القتالِ، فعن الحسنِ بنِ عليٍّ رضى اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ : جهادُ الكبيرِ والصغيرِ والضَّعيفِ والمرأةِ: الحجُّ والعمرةُ) (رواه النسائي) بل قالت عائشة: يَا رَسولَ اللَّهِ، نَرَى الجِهَادَ أفْضَلَ العَمَلِ، أفلا نُجَاهِدُ؟ قالَ: لَا، لَكِنَّ أفْضَلَ الجِهَادِ: حَجٌّ مَبْرُورٌ. رواه البخاري

والحجُّ مِن أفضلِ الأعمالِ وأعظمِ القرباتِ، فعن أبي هريرةَ – رضي اللهُ عنه- قال: سُئِلَ النبيُّ ﷺ: أيُّ الأعمالِ أفضل؟ قال: (إيمانٌ باللهِ ورسولهِ)، قِيل :ثم ماذا؟ قال: (جهادْ في سبيلِ اللهِ)، قِيل : ثم ماذا؟ قال: (حجٌّ مبرورٌ)“متفق عليه”.

واشوقاهُ إلى الحجِّ!!! وكيف لا يشتاقُ الإنسانُ إليه؟ والحجُّ المبرورُ ليس له ثوابٌ إلّا الجنة، فعن أبي هريرةَ –رضي اللهُ عنه- أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لمَا بينهمَا، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلّا الجنة) “متفق عليه”

واشوقاهُ إلى الحجِّ!!! وكيف لا يشتاقُ الإنسانُ إليهِ؟ والحجُّ يكفرُ الذنوبَ صغيرَهَا وكبيرَهَا إلَا ردّ المظالمِ إلى أهلِهَا، لحديث أبي هريرةَ رضى الله عنه قال قال رسولُ اللهِ:” مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ »  رواه البخاري

وهذا هو عمرُو بنُ العاصِ رضى اللهُ عنه قال: أتيْتُ النَّبيَّ ﷺ فقلتُ: يا رسولَ اللهِ ابسُطْ يمينَك لأبايعَك فبسط يدَه فقبضْتُ يدي فقال:” ما لك يا عمرُو؟“ قال: أردْتُ أن أشترِطَ قال:” تشترِطُ ماذا؟“ قال: أن يُغفرَ لي قال:“ أما علمتَ يا عمرُو أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كان قَبلَه وأنَّ الهِجرةَ تهدِمُ ما كان قبلَها وأنَّ الحجَّ يهدِمُ ما كان قبلَه) رواه مسلم

بل إذا أردتَ أنْ تكونَ غنيًّا فعليكَ أنْ تحجَّ بيتَ اللهِ الحرام، لحديث ابنِ مسعودٍ رضى الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ:“ تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ ، كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنَّةِ)) أخرجه الترمذي وأحمد.

وكيف لا يشتاقُ الإنسانُ إليهِ؟ ورؤيةُ الحجرِ واستلامُهُ شهادةٌ بالإيمانِ، وقد قال ﷺ” ليبعثَنَّ اللهُ الحجرَ يومَ القيامةِ ولهُ عينانِ يُبصرُ بهما ولسانٌ ينطقُ بهِ يشهدُ بهِ على من استلمَهُ بحقٍّ” رواه ابن ماجة والترمذي.

وكيف لا يشتاقُ الإنسانُ إليهِ؟ والركنُ والمقامُ يا قوتتانِ مِن يواقيتِ الجنةِ، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرو رضى اللهُ عنهما قال: قال ﷺ: إنَّ الرُّكنَ والمقامَ ياقوتتانِ مِن ياقوتِ الجنَّةِ طمسَ اللَّهُ نورَهما ، ولو لَم يَطمِسْ نورَهما لأضاءتا ما بينَ المشرقِ والمغرِبِ) رواه الترمذي.

كيف لا أشتاقُ إلي الحجِّ و هو إلي بيتُ اللهِ؟ وهو البيتُ الذي طهرَهُ وطيبَهُ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ قال تعالي { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]وهو مثابُ الناسِ وأمنُهُ، قال تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، وهو مِن شعائرِ اللهِ، قال تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158]، وبه قيامُ أمرِ الناسِ في معاشِهِم ومعادِهِم، قال تعالى {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: 97].

بل كفَى بالحجِّ شرفًا وفضلًا أنّ اللهَ جلّ وعلا يُباهِي بأهلِ عرفةَ ملائكتَهُ، فعن أبي هريرةَ رضى الله عنه قال : قال رسولُ اللهِ ﷺ: إنَّ اللهَ يُباهي بأهلِ عرفاتٍ ملائكةَ السماءِ ، فيقولُ : انظُروا إلى عبادي هؤلاءِ ، جاءوني شُعْثًا غُبْرًا، أنفقوا الأموال وأتعبوا الأبدان أشهدكم  يا ملائكتي أني قد غفرت له (صحيح ابن خزيمة.

لبيكَ ربّي وإنْ لم أكنْ بينَ الزحَام مُلبيَا***   لبيكَ ربّي وإنْ لم أكنْ بينَ الحجيجِ ساعيَا

لبيكَ ربّي وإنْ لم أكنْ بينَ عبادِكَ داعيَا ***  لبيكَ ربّي وإنْ لم أكنْ بينَ الصفوفِ مصليَّا

لبيكَ ربّي وإن لم أكنْ بينَ الجموعِ لعفوِكَ طالبَا **لبيكَ ربّي فاغفرْ جميعَ ذنوبِي أدقهَا وأجلهَا

فسبحانَ مَن قدسَ البيتَ وعظمَه، سبحانَ مَن جعلَ مكةَ هي البلدُ الحرامُ، سبحانَ مَن خصّهَا دونَ بقاعِ الأرضِ بالتقديسِ والإعظامِ، سبحانَ مَن هدَي خليلَهٌ إليهَا بعد طولِ شوقٍ وهيامٍ، سبحانَ مَن فجّرَ زمزمَ لإسماعيلَ إجلالًا له وإكرامًا، سبحانَ مَن جعلَ مكةَ مشرقًا للنورِ بعدَ أنْ كانت مصدرًا لكلِّ ظلمٍ وظلامٍ، سبحانَ مَن جعلَهَا أصلَ التوحيدِ بعدَ أنْ كانتْ مصدرًا لعبادةِ الأصنامِ، سبحانَ مَن اصطفَي رسولَهُ منها وجعلَهُ رسولًا لخيرِ دينٍ هو الإسلامُ، سبحانَ اللهِ وبحمدِه سبحانَ اللهِ العظيم.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة

ثانيًا: الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ تهفُو إليهَا قلوبُ المسلمين.

أيُّها السادة: الحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ، وتربيةٌ روحيةٌ، وتجسيدٌ عمليٌّ للعبوديةِ للهِ ربِّ البريةِ جلّ جلاله، وفيه التخلقُ بأخلاقِ الإسلامِ الساميةِ، وتطهيرٌ للنفسِ مِن الذنوبِ والخطايا والآثامِ، ليعودَ المسلمُ منها بنفسٍ سويةٍ، وروحٍ تقيةٍ نقيةٍ، والحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ تهفُو إليهَا قلوبُ المسلمين، وتهيمُ شوقاً إليها نفوسُ المحبين المخلصين، فيأتون مِن كلِّ فجٍّ عميقٍ ليجسدُوا معنى الوحدانيةِ للهِ ربِّ العالمين، ويذكروا اسمَ اللهِ في أيامٍ معدوداتٍ، منيبين إليه، خاشعين لعظمتهِ، تاركين الدنيا بكلِّ ما فيها وراءَ ظهورِهِم، مقبلين على الآخرةِ بقلوبهِم وأرواحهِم وأجسادهِم، حامدين اللهَ تعالى شاكرين لأنعمِهِ أنْ وفقَهُم لأداءِ هذه الفريضةِ العظيمةِ. والحجُّ عبادةُ العمرِ وختامُ الأمرِ وتمامُ الإسلامِ، وكمالُ الدينِ. لذا وجبَ على كلِّ حاجٍّ أو معتمرٍ أنْ يبدأَ بالتوبةِ، وردِّ المظالمِ وقضاءِ الديون، وإعدادِ النفقةِ لكلِّ ما تلزمهُ نفقتُهُ إلى وقتِ الرجوعِ، ويردَّ ما عندَهُ مِن الودائعِ، ويستصحبَ مِن المالِ الحلالِ الطيبِ ما يكفيِه لذهابهِ وإيابهِ، كما ينبغِي أنْ يلتمسَ رفيقًا صالحًا محبًّا للخيرِ معينًا عليه، إنْ ذكرَ اللهَ أعانَهُ، وإنْ جبنَ شجعَهُ، وإنْ عجزَ قواهُ، وإنْ ضاقَ صدرُهُ صبّرَهُ، والحجُّ فيهِ مِن الدروسِ والعبرِ الكثيرُ والكثيرُ، فهو يغرسُ في نفسِ المسلمِ مكارمَ الأخلاقِ، وعظائمَ الخصالِ، وطهارةَ القلبِ، والمسارعةَ إلى الخيراتِ، والكفَّ عن الجدالِ العقيمِ، الذي لا طائلَ مِن ورائهِ، قال اللهُ تعالى : ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة 197، وفي الحجِّ تعظيمٌ لحرماتِ اللهِ، واستشعارٌ لعظمتهِ في كلِّ لحظةٍ، قال اللهُ تعالى :  (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) الحج 30. وقال اللهُ تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج(32)، والحجُّ يغرسُ في نفسِ المسلمِ الشوقَ والحنينَ إلى لقاءِ العالمين، قال رسولُ اللهِ ﷺ: ( وأسألُكَ لذَّةَ النظرِ إلى وجهِكَ ، والشوْقَ إلى لقائِكَ في غيرِ ضراءَ مُضِرَّةٍ ، ولا فتنةٍ مُضِلَّةٍ ) النسائي، والشوقُ إلى اللهِ عزّ وجلّ يكونُ بالشوقِ إلى ما يحبهُ اللهُ جلّ جلالُه مِن أفعالٍ، وأقوالٍ، وأماكنَ، ومِن الأماكنِ التي يحبُّهَا اللهُ عزّ وجلُ مكة شرفَهَا اللهُ، أحبُّ البقاعِ إلى اللهِ، وأفضلُ بقاعِ الأرضِ، قال رسولُ اللهِ ﷺ عنها : ( واللهِ إنك لخيرُ أرضِ اللهِ وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ ولولا أني أُخرجتُ منك ما خرجتُ)، فكلُّ مسلمٍ يحبُّ اللهَ جلّ جلاله يحبُّ بيتَهُ ويشتاقُ إلى المجيءِ إليه، قال سبحانَهُ وتعالى : { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } [إبراهيم:37] يالله!! فهل شممتَ عبيرًا أزكَى مِن غبارِ المحرمين؟. هل رأيتَ لباسًا قط أجْملُ وأجَلُّ مِن لباسِ الحُجَاجِ والمعتمرين؟ هل رأيتَ رؤوسًا أعزُّ وأكرمُ مِن رؤوسِ المحلقين والمقصرين؟ هل مرّ بك رَكْبٌ أشرفُ مِن رَكْبِ الطائفين؟ هل هزَّكَ نَغَمٌ أروعُ مِن تلبيةِ الملبيين وأنينِ التائبين، وتأوهِ الخاشعين ومناجاةِ المنكسرين؟ جموعٌ مُلبيةٌ، وأعينٌ باكيةٌ وعبراتٌ ساكبةٌ وألسنةٌ ذاكرةٌ وقلوبٌ خاشعةٌ ونفوسٌ خاضعةٌ وأيدٌ داعيةٌ وجباهٌ ساجدةٌ. . تُفرحُ كلَّ مؤمنٍ وتغيظُ كلَّ عدوٍّ وكافر. . بتلك النفوسِ المؤمنةِ. . الزمانُ يزدهرُ والأيامُ تحتفلُ والأرضُ في طربٍ والأرجاءُ تتقدُ. إنّه حنينُ الأفئدةِ وشوقُ القلوبِ وشغفُ النفوسِ، ترنُوا إليه الأبصارُ وتمتدُّ إليه الأعناقُ، تعلقُ به الخواطرُ وتلهجُ به الأفكارُ. إنّها مكةُ إنّها بكةُ، إنّها أمُّ القرى، البلدُ الأمينُ و مهبطُ الوحيِ، كيف لا تحنُّ إليه الأفئدةُ؟ وهو بلدُ اللهِ وبلدُ رسولِ اللهِ وصحبهِ الكرام، بلدُ التوحيدِ، بلدٌ تضاعفُ فيه الحسناتُ وتعظمُ فيه السيئاتُ، بلدٌ يحرمُ فيه القتالُ، بلدٌ مباركٌ لا يدخلهُ الدجال، بلدٌ يحرمُ صيدهُ وتنفيرهُ وقطعُ أشجارِه، بلدٌ لا يدخلهُ مشركٌ، كيف لا تحنُّ إليه الأفئدةُ؟ وهو تاريخُ الإسلامِ والمسلمين وفخرهُم وعزهُم ومحضنهُم، قلعةٌ مِن قلاعِ الدينِ، وحصنٌ مِن حصونِ الإسلامِ، مكة ذلك الاسمُ الخالدُ في قلبِ كلِّ مسلمٍ ومؤمنٍ. . كيف لا والقلوبُ تتوجَّهُ إليها كلَّ يومٍ مراتٍ ومرات؟! بل حتى بعدَ الموت. .بلدٌ اختارَهُ اللهُ واصطفاهُ وأقسمَ بهِ فقالَ: { وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين: 3]إنّ مِن أسرارِه وفضائلِه انجذابُ الأفئدةِ وهوي القلوبِ وانعطافُهَا ومحبتُهَا له، فجذبُهُ للقلوبِ أعظمُ مِن جذبِ المغناطيسِ للحديدِ، لذا أخبرَ سبحانَهُ أنّه مثابةٌ للناسِ، أي: يثوبون إليه على تعاقبِ الأعوامِ مِن جميعِ الأقطارِ، ولا يقضون منه وطرًا، بل كلما ازدادُوا له زيارةً ازدادُوا له اشتياقًا…لا يرجعُ الطرفُ عنها حين ينظرُهَا. . . حتى يعودَ إليها الطرفُ مشتاقًا                                فللهِ كم لها مِن قتيلٍ وسليبٍ وجريحٍ، وكم أنفقَ في حبِّهَا مِن الأموالِ والأرواحِ، ورضي المحبُّ أنْ يفارقَ فلذَ الأكبادِ، والأهلَ والأحبابَ والأوطانَ،  قال عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مِنْ خُرَاسَانَ وَمَعَنَا امْرَأَةٌ، فَلَمَّا دَخَلَتِ الْحَرَمَ جَعَلَتْ تَقُولُ: أَيْنَ بَيْتُ رَبِّي؟ أَيْنَ بَيْتُ رَبِّي؟ فَقِيلَ لَهَا: الْآنَ تَأْتِينَ بَيْتَ رَبِّكِ، فَلَمَّا دَخَلَتِ الْمَسْجِدَ قِيلَ لَهَا: هَذَا بَيْتُ رَبِّكِ، قَالَ: فَاسْتَنَدَتْ إِلَى الْبَيْتِ فَوَضَعَتْ خَدَّهَا عَلَى الْبَيْتِ، فَمَا زَالَتْ تَبْكِي حَتَّى مَاتَتْ. والحجُّ يغرسُ في نفسِ المسلمِ التجردَ للهِ والتحررَ مِن شهواتِ الدنيا وملذاتِهَا، وينمّي التعاونَ وروحَ المحبةِ بين المسلمين، ويدعُو إلى الوحدةِ الشاملةِ الكاملةِ بينَ المسلمين. ويشِيعُ روحَ الأخوّةِ بين المسلمين ويقوِّي العلاقاتِ بينَ المسلمين ويدعُو إلى الألفةِ ويؤكّدُ معنى الإخاءِ وينشرُ المحبّةَ،  وهذا ما دعا إليه الإسلامُ ونبيُّ الإسلامِ ﷺ كما في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)وفريضةُ الحجِّ تعتبرُ رسالةً إنسانيةً عالميةً بامتيازٍ لإظهارِ تسامحِ الإسلامِ ووسطيتهِ واعتدالهِ، حيث يقومُ الحجاجُ مِن كلِّ فجٍّ عميقٍ مِن أجناسٍ وألوانٍ وأعراقٍ مختلفةٍ بلباسٍ واحدٍ ويلهجون بنداءٍ واحدٍ مِن كافةِ أنحاءِ المعمورةِ بأداءِ نسكِ الحجِّ بعيدًا عن النعراتِ الطائفيةِ والشعاراتِ السياسيةِ، وليس هناك شكٌّ أنّ وسطيةَ الإسلامِ واعتدالَهُ هو عاملٌ جوهريٌّ في موسمِ الحجِّ كونهُ يعكسُ سماحةَ الإسلامِ ويسرَهُ وبعدَهُ عن الغلوِّ والتشددِ.والحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ  التجرُّدُ مِن المخيطِ فيها تذكُّرُ بلباسِ الأكفَانِ بعدَ الرحيلِ، وفيه إرشادٌ إلى التواضعِ ونبذِ الكبرياءِ، الجميعُ كلُّهُ إزارٌ ورداءٌ، الرأسُ خانعٌ للدّيان، هيأتهُ الخضوعُ والاستكانةُ للرحمنِ، واجتماعُ الناس في عرفةَ تذكيرٌ بالموقفِ الأكبرِ يومَ الحشرِ لفصلِ القضاءِ بينَ الخلائقِ ليصيرُوا إلى منازلِهِم، إمّا نعيمٌ وإمّا جحيم.ٌ التذكيرُ بالرحيلِ الى الدارِ الآخرةِ، فالحاجُّ يُغادرُ وطنَهُ الذي ألفَهُ ونشأَ في ربوعهِ، وكذا الميتُ إذا انقضَى أجلُهُ يُغادرُ دنياهُ التي عاشَ فيها، والميتُ يُجردُ مِن ثيابهِ، ويُغسلُ ويُكفنُ في أكفانٍ بيضاء، وكذا الحاجُّ يتجردُ من ثيابهِ طاعةً للهِ تعالى، ويغتسلُ ويلبسُ رداءينِ أبيضينِ لإحرامهِ، وفي عرفاتٍ والمشعرِ الحرامِ يجتمعُ الحجيجُ في صعيدٍ واحدٍ، وفي يومِ القيامةِ يُبعثُ الناسُ ويساقونَ إلى الموقفِ: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴾، فالحجُّ مظهرٌ مصغرٌ ليومِ القيامة، ولذا افتتحَ اللهُ سورةَ الحجِّ مذكرًا بيومِ القيامةِ، فقالَ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ فالحجُّ رحلةٌ إيمانيةٌ تذكرُ بيومِ القيامةِ يومهَا ستعرضُ السجلاتُ، وتوزَنُ الأعمالُ، وتكشفُ السرائرُ.. إنَّهُ يومٌ عظيمٌ: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾، ﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴾، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾، ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾، فالمقصِّرُ، يتحسَّرُ على تقصِيرِهِ، ﴿ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾، والمحسنُ يتمنَّى أنَّه ازدادَ إحسانًا.. ومِن حرصِ المصطفَى ﷺ فقد أوصَى أُمَّتَهُ بوصيةٍ عظيمةٍ.. كما جاء في الحديثِ الصحيحِ: أَن رَسُولَ ﷺ أَخَذَ بِيَدِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَقَالَ: “يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللهِ إِني لَأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُل صَلَاةٍ تَقُولُ: اللهُمَّ أَعِني عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ”، هذا الحديثُ العظيمُ: يحثُ المسلمَ على تحسينِ العبادةِ، وأنَّ هذا مِن أعظمِ ما يُريدهُ اللهُ تعالى مِن عبادهِ المؤمنين، تأملْ: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾….والحجُّ رحلةٌ ايمانيةٌ تغرسُ في النفسَ ذكرَ اللهِ جلّ وعلا بالليلِ والنهارِ وتربيةٌ على كَثرة الذكرِ والمناجاةِ، والتضرُّعِ والدعاءِ، فاللهُ جلَّ وعلا يقولُ: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾، وإذا تأملتَ أعمالَ الحاجِّ رأيتَ أنَّها كلَّهَا ذكرٌ ومناجاةٌ: فالتلبيةُ ذكرٌ ومناجاةٌ، وهكذا الطوافُ والسعيُ، والوقوفُ بعرفةَ ومزدلفةَ، وبعدَ رَمْيِ الجَمْرتين الوسطَى والصغرَى؛ وعند الحلقِ والذبحِ، وفي كلِّ موطنٍ وموقفٍ ذكرٌ ودعاءٌ ومناجاةٌ.. بل حتى بعدَ انقضاءِ المناسكِ قالَ ربُّنَا (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ * وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [البقرة:200-202] أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبة الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  …………………… وبعد

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة

ثالثًا وأخيرًا: بشرياتٌ لِمَن عجزَ عن الحجِّ.                                        

 أيُّها السادة :هناك بشرياتٌ لمَن عجزَ عن الحجِّ سواءٌ لمرضٍ أو لفقرٍ، منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر.

 أولها: مَن صلّى الفجرَ في جماعةٍ، وظلَّ يذكرُ اللهَ حتّى طلوعَ الشمسِ، وصلّى ركعتينِ بعدَهَا، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ:“ مَن صَلَّى الفَجرَ في جَماعةٍ، ثمَّ قعَدَ يَذكُرُ اللهَ تَعالى حتى تَطلُعَ الشَّمسُ، ثمَّ صَلَّى رَكعَتينِ، كانتْ كأجْرِ حَجَّةٍ وعُمرةٍ، تامَّةٍ تامَّةٍ تامَّةٍ“.

ومنها: نيةُ الحجِّ والعمرةِ نيةٌ خالصةٌ صادقةٌ للهِ تعالي، كما في الحديثِ عن أنسٍ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ رجعَ مِن غزوةِ تبوكٍ فدنَا مِن المدينةِ فقالَ:« إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ » . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ،وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: « وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ ».رواه البخاري .صدقُوا في الطلبِ فأعطُوا الأجرَ وذلك فضلُ اللهِ يؤتيهِ مَن يشاءُ.

ومِن هذه البشريات: العمرةُ في رمضانَ حجةٌ فى الأجرِ.. فاتَ بعضُ النساءِ الحجَّ مع النبيِّ ﷺ فلمَا قدمَ سألتهُ عما يجزئُ مِن تلك الحجةِ قال يا أمَّ سليم: “اعتمرِي في رمضانَ فإنّ عمرةً في رمضانَ تعدلُ حجةً أو حجةً معِي”.

ومِن هذه البشرياتِ  :ذكرُ اللهِ دبرَ كلِّ صلاةٍ، عن أبي هريرةَ رضى اللهُ عنه قالَ: إنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسولَ اللهِ ﷺ، فَقالوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالدَّرَجَاتِ العُلَى، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَقالَ:“ وَما ذَاكَ؟ “قالوا: يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقالَ رَسولَ اللهِ ﷺ : “أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ به مَن بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنكُم إلَّا مَن صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ“ قالوا: بَلَى، يا رَسولُ اللهِ قالَ:” تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً.“ قالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إلى رَسولِ اللهِ ﷺ، فَقالوا: سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأمْوَالِ بما فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقالَ رَسولِ اللهِ ﷺ: “ذلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ“ رواه مسلم

ومِن هذه البشرياتِ :حتى لا أُطيلَ عليكُم تعليمُ الخيرِ للناسِ ،عن أبي أُمامةَ رضي اللهُ عنه قال : قال رسولُ اللهِ ﷺ ( مَن غدَا إلي المسجدِ لا يريدُ إلّا أنْ يتعلمَ خيرًا أو يعلمهُ كان لهُ كأجرِ حاجٍّ تامًا حجتهُ) رواه الطبراني في الكبير وأخرجه الحاكم بلفظ ” أجرُ معتمرٍ تامٌ العمرة  “.

ومِن البشرياتِ: جبرُ الخواطرِ وقضاءُ حوائجِ الناسِ حجٌّ واعتمارٌ بلا ترحال.. قال الحسنٌ: مشيُكً في حاجةِ أخيكَ المسلمِ خيرٌ لكَ مِن حجةٍ بعدَ حجةٍ… وللهِ درُّ القائلِ

وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورَى رجلٌ ***تُقضَى على يدهِ للناسِ حاجاتُ

لا تمنعنَّ يدَ المعروفِ عن أحدٍ*** ما دمتَ مقتدرًا فالعيشُ جناتُ

قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مكارمُهُم*** وعاشَ قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ

فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ -، وَاحرِصُوا عَلَى فَرَائِضِهِ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيهِ بها، فَإِنَّهَا أَحَبُّ ما يتقربُ به العبادُ إليهِ سبحانه، وَتَزَوَّدُوا مِنَ النَّوافِلِ وَاستَكثِرُوا مِنهَا يُحبِبْكُمْ وَيُوَفِّقْكُم وَيَجعَلْ لَكُم نُورًا تَمشُونَ بِهِ وَيَغفِرْ لكم، قال -تعالى ذِكرُهُ- في الحَدِيثِ القُدسِيِّ: (وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ ممَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حتى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سمعَهُ الذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التي يَبطِشُ بها، وَرِجلَهُ التي يَمشِي بها، وَإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ)

إلهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ أهلًا.. وَ لاَ اَقْوَى عَلَى النَّارِ الْجَحِيْمِ                                                                                   فَهَبْ لِي تَوْبَةً وَ اغْفِرْ ذُنُوْبِي.. فَاِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ الْعَظِيْمِ

حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

عبادَ اللهِ: اذكرُوا اللهَ يذكركُم واستغفرُوهُ يغفرْ لكم وأقمْ الصلاةَ …كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

                                                                                 د/ محمد حرز

                                                                            إمام بوزارة الأوقاف

 

 

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

عن كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

شاهد أيضاً

وزارة الأوقاف

الأوقاف : 35 مجلس فقه ، تحت عنوان: ” أحكام الوساطة والشفاعة في قضاء الحوائج

الأوقاف : 35 مجلس فقه ، تحت عنوان: ” أحكام الوساطة والشفاعة في قضاء الحوائج …

وزارة الأوقاف

الأوقاف تعقد الأسبوع الثقافي بجميع المديريات: بأسماء المحاضرين والقراء والمواضيع والأماكن

في إطار دور وزارة الأوقاف العلمي لتحقيق مقاصد الشريعة وتقديم خطاب ديني وسطي رشيد ، …

وزارة الأوقاف

بأسماء الواعطات : 5 قوافل دعوية للواعظات بـمديريات أوقاف: (القاهرة – أسيوط – سوهاج – بني سويف – الإسكندرية)

في إطار عناية الأوقاف بالمرأة عمومًا والواعظات على جهة الخصوص، وضمن جهودها في نشر الفكر …

خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024م لوزارة الأوقاف pdf و word : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، بتاريخ 8 ربيع الآخر 1446 هـ ، الموافق 11 أكتوبر 2024م

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف pdf و word : رحم اللَّه رجلًا سمحًا

خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024م لوزارة الأوقاف pdf و word : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Translate »