خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م بعنوان : وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 1 ربيع الآخر 1446هـ ، الموافق 4 أكتوبر 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ .
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م بعنوان :وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ، للدكتور محروس حفظي :
(1) النصرُ آتٍ لا محالةَ، فلنثقْ بوعودِ اللهِ – عزَّ وجلَّ- .
(2) مِن أسبابِ النصرِ والتمكينِ في القرآنِ الكريمِ والسنةِ المشرفةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م بعنوان : وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ»
بتاريخ 1 ربيع الثاني 1445 هـ = الموافق 4 أكتوبر 2024 م
الحمدُ للهِ حمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م
(1) النصرُ آتٍ لا محالةَ، فلنثقْ بوعودِ اللهِ – عزَّ وجلَّ-:
مِن دلائلِ الألوهيةِ وآثارِ الربوبيةِ على الخلقِ حكمتُهُ في تدبيرهِ تقلبِ أحوالِ البشرِ مِن الشدةِ إلى الرخاءِ، ومِن الضعفِ إلى القوةِ، ومِن الضيقِ إلى الفرجِ، وإخراجِ المنحِ مِن أرحامِ المحنِ، ولهُ سبحانَهُ ألطافٌ لا يدركُهَا عبادُهُ، وحكمٌ يجهلونَهَا تخفَى عليهِم، قالَ تعالَى: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ .
إنَّ النفسَ البشريةَ مولعةٌ بحبِّ العاجلِ، والإنسانُ عجولٌ بطبعِهِ، قالَ تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾، فإذا أبطأَ على الإنسانِ ما يريدُهُ نفدَ صبرُهُ، وضاقَ صدرُهُ، ناسيًا أنَّ للهِ في خلقِهِ سُننًا لا تتبدلُ، وأنَّ لكلِّ أجلٍ كتاب، فاللهُ لا يعجلُ بعجلةِ أحدِنَا، فللّهِ سننٌ لا تتخلفُ، وقدرٌ مكتوبٌ لا يتأخرُ، وفي وصيةِ النبيِّ ﷺ لابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما: «… وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» (أحمد) .
ولا تظنونَ أنَّ النصرَ منحةٌ سهلةٌ مبذولةٌ لكلِّ أحدٍ، أو أنَّ الفتحَ شأنٌ قريبٌ يطولُهُ كلُّ مَن مدَّ يدَهُ، فلا يأتِي النصرُ إلّا بعدَ أنْ يُغربَلَ الصفُّ، ويتميَّزَ الصادقونَ، ويُنفَى عن الطريقِ كلَّ فسلٍ خَرِبِ القلبِ؛ يشوِّهُ بناءَ الأمةِ الصقيل، وبناءُ الأمةِ لا يقبلُ الخبثَ، قالَ تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ .
إنَّ الرسولَ ﷺ يربِّي الصحابةَ، وأمتَهُ مِن بعدِهِ، فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ:«كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» (البخاري)، ففي هذا الحديثِ دلالةٌ على وجوبِ الصبرِ والثباتِ وعدمِ الاستعجالِ، وعلى التأسِي بالسابقينَ مِن الأنبياءِ والمرسلينَ وأتباعِهِم، الذينَ تحملُوا الأذَى في سبيلِ اللهِ، فالابتلاءُ والمحنُ سنّةٌ مِن سننِ اللهِ في خَلقِهِ، فعَنْ سعدٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِىَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» (الترمذي وحسنه)، ومِن ثمَّ فلا ينبغِي للمسلمِ أنْ يضعفَ إذا ما عانَى شيئاً مِن المشقةِ والابتلاءِ في طريقِ سيرِهِ إلى اللهِ، فقد سبقَهُ في ذلك رسولُ اللهِ ﷺ وأصحابُهُ، فلا يستعجلُ الثمراتِ والنتائجَ، وليعلمَ أنّهُ كلّمَا اشتدَّ الظلامُ أوْشكَ طلوعُ الفجرِ، وكلّمَا ازدادتْ المحنُ، قَرُبَ مجيءُ النصرِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م
(2) مِن أسبابِ النصرِ والتمكينِ في القرآنِ الكريمِ والسنةِ المشرفةِ:
وردَ في عدةِ أسبابِ لحصولِ النصرِ والفلاحِ في القرآنِ الكريمِ والسنةِ المطهرةِ، مِن ذلكَ:
أولاً: الإيمانُ باللهِ – عزَّ وجلَّ – والعملُ الصالحُ: وعدَ اللهُ – سبحانه – المؤمنينَ بالنصرِ المبينِ على أعدائِهِم وذلك بإظهارِ دينِهِم، وإهلاكِ عدوِّهِم وإنْ طالَ الزمنُ قالَ تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، والمؤمنونَ الموعودونَ بالنصرِ هُم الموصوفونَ بقولِهِ تعالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، وقالَ تعالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، فعلَّقَ اللهُ – تعالى – الوعدَ بالتمكينِ هنَا على حالِ عبادتِهِم لهُ- سبحانَهُ- عبادةً لا يشوبُهَا شركٌ أو رياءٌ أو نقصٌ، فعلينَا أنْ نشغلَ أنفسَنَا بتحقيقِ الإيمانِ، ليتحققَ لنَا النصرُ والتمكينُ ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، فعن أُبيِّ بنِ كعبٍ، رضي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «بشّرْ هذه الأمةَ بالسناءِ والرفعةِ والنصرةِ والتمكينِ في الأرضِ، ومَن عملَ منهُم بعملِ الآخرةِ للدنيَا لم يكنْ لهُ في الآخرةِ مِن نصيبٍ» (أحمد).
ثانياً: نصرُ دينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصبرُ والاحتسابُ: مِن أعظمِ أسبابِ النصرِ نصرُ دينِ اللهِ، والقيامُ بهِ قولاً وعملاً ودعوةً، قالَ تعالَى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾، فالعاقبةُ للمتقينَ، وبمجردِ أنْ يلتزمَ المؤمنُ بدينِ اللهِ ظاهراً وباطناً، يأتِي النصرُ بإذنِهِ – سبحانَهُ – كما قالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، فاللهُ يربطُ على قلوبِ عبادِهِ المؤمنينَ بالصبرِ والثباتِ، ويصبرُ أجسامَهٌم على ذلك، ويعينُهُم على أعدائِهِم، وييسرُ لهُم أسبابَ النصرِ، قالَ ربُّنَا: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ *إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ .
ثالثاً: الحذرُ مِن الأعداءِ المتربصينَ بنَا: اللهُ -عزَّ وجلَّ- أمرنَا بأخذِ الحذرِ مِن خصمِنَا، وهذا يشملُ الأخذَ بجميعِ الأسبابِ التي بها يُستعانُ على حربِهِم، ويُستدفَعُ مكرُهُم وقوتُهُم، وما بهِ يعرفُ مداخلُهُم ومخارجُهُم ومكرُهُم قال ربنا:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً﴾، فالآيةُ قد حثتْ المؤمنينَ على وجبِ النفيرِ على جميعِ الأحوالِ، في المنشطِ والمكرهِ، متفرقينَ ومجتمعينَ، خفافاً مِن السلاحِ وثِقالًا منهُ؛ لأنَّ الوصفَ المذكورَ وصفٌ كليٌّ يدخلُ فيهِ كلُّ هذه الجزئياتِ لكنْ هذا كلُّهُ مشروطٌ بإذنِ الإمامِ أو الحاكمِ أو القائدِ؛ ليكونَ متحسسًا إليهِم وعضدًا مِن ورائِهِم وإلَّا حرمَ ذلك؛ إذ قد يترتبُ عليهِ مفاسدُ عظيمةٌ تضرُّ بمصالحِ البلادِ والعبادِ.
كما أنَّ الأنبياءَ عليهمُ السلامُ كانوا دائماً على حذرٍ مِن أعدائِهِم، فهذا موسى عليه السلامُ أصبحَ خائفًا حذرًا مِن جنودِ فرعونَ ﴿فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، وهذا نبيُّنَا ﷺ كان يحتاطُ مِن عدوّهِ حتى كتبَ اللهُ لهُ النصرَ والتمكينَ، فقد اختبأَ ﷺ في غارِ “ثورٍ” أثناءَ هجرتهِ هو وصاحبُهُ أبو بكرٍ، وأخذَ بكلِّ وسائلِ الحيطةِ كي تنجحَ الهجرةُ سرًّا مع كونِهِ ﷺ مستشعرًا لمعيةِ اللهِ إلّا أنّهُ كان حذرًا مِن إدراكِ المشركينَ لهُ، وطبقَهُ ﷺ أيضاً فلم يفتحْ ﷺ مكةَ بمجردِ وصولِهِ إلى المدينةِ إلّا بعدَ سنواتٍ وبعدَ أنْ أخذَ العُدّةَ اللازمةَ لهذا الفتحِ، وفي هذا ذلك تعليمٌ لأمتِهِ وحثُّهُم على الأخذِ بوسائلِ الحذرِ الممكنةِ، ولذا مدحَ ﷺ المؤمنَ المتيقظَ الحذرَ فقالَ ﷺ: «لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» (متفق عليه) .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م
رابعاً: التوكلُ على اللهِ والأخذُ بالأسبابِ: أمرنَا اللهُ ب “الأخذِ بالأسبابِ”؛ لأنَّ اللهَ أوجدَ الأشياءَ وهيءَ لهَا أسبابَهَا، فمَن أخذَ بهَا مكّنَهُ اللهُ قال سبحانه: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾، وسننُ اللهِ في الكونِ لا تحابِي أحدًا على حسابِ أحدٍ، وهذا مِن عدلِ اللهِ جلَّ جلالُهُ، والمتأملُ في القرآنِ يجدُ أنَّ جلَّ آياتِه تحثُّنَا على الأخذِ بالأسبابِ، وتأمرُنَا بالحركةِ لا بالسكونِ، يقولُ ربُّنَا: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾، وقال أيضاً: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾، فهذا هو شأنُ المسلمِ عملٌ وبيعٌ قبلَ الصلاةِ، وسعيٌ وانتشارٌ في الأرضِ بعدَ الصلاةِ كيلَا تتوقفُ مسيرةُ الحياةِ، والملاحظُ أنَّ اللهَ في الآياتِ الثلاثِ عبَّرَ ب “الفاءِ” التي تفيدُ التعقيبَ والسرعةَ.
وفي مجالِ الحياةِ العسكريةِ يأمرُنَا بإعدادِ العدةِ فقالَ تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾، و”القوةُ” هنا عامةٌ تشملُ الماديةَ والعسكريةَ والاقتصاديةَ والاجتماعيةَ، والتعليميةَ …إلخ، ومَن يتتبعُ سيرَ الأنبياءِ يرى أنّهُم ما عطلُوا الأسبابَ وما ركنُوا إلى التواكلِ بل نجدهُم رغمَ أنَّ اللهَ أيدهُم بالمعجزاتِ الخارقاتِ إلّا أنَّهُم سارعُوا إلى الأخذِ بالأسبابِ، بهذا يكونُ ربُّنَا – عزَّ وجلَّ- قد أرشدَنَا إلى كيفَ كيف نحتفظُ بالثباتِ وتلكَ القوةِ قبلَ النصرِ وبعدَهُ بأنْ يخططَ ويدرسَ ويتعلمَ ولا يتوقف أبداً، وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» (الترمذي) .
أخي الحبيب: إنَّ المسلمينَ قد شغلوا أنفسَهُم بشتمِ أعدائِهِم، ولعنِ خططِهِم، وذمِّ غاراتِهِم معتقدينَ أنَّ ذلك غايةُ المطلوبِ، وهذا لا شكَّ مخالفٌ للهديِ القرآنِي السابقِ، فالقرآنُ إذ يصفُ الصراعَ بينَ الحقِّ والباطلِ يحثُّ المؤمنينَ على التزامِ المنهجِ الربانِي في مواجهتِهِ، ومِن ذلك: معرفةُ حقيقةِ العدوِّ وأوصافِه، فمَن ملكَ تصوراً سليماً عن شيءٍ، فقد ملكَ الوسيلةَ المناسبةَ لردِّ عاديتهِ، وقد وصفَ القرآنُ أعداءَنَا بأوصافٍ كثيرةٍ، وهو لا يكثرُ مِن ذكرِ شيءٍ إلّا ليلفتَ انتباهَ المسلمينَ إلى أهميتِهِ وخطورتِهِ، وقد كان مِن مقاصدِ هذا الوصفِ تنبيهُ المسلمينَ إلى مكرِ خصومِهِم وخبثِهِم؛ لأخذِ الحيطةِ والحذرِ، والاستمرارِ في التجهزِ والاستعدادِ، قالَ ربُّنَا: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾، فوصفَهُم بالقسوةِ في طلبِ قتلنَا، والشدةِ في محاولةِ إفنائِنَا، فهلْ وجدنَا غيرَ ذلك؟!
إنَّ العدوَّ الذي يحوزُ على هذا الكمِّ الهائلِ مِن الصفاتِ المعاديةِ للإسلامِ والإنسانيةِ لا يمكنُ أنْ يجابَهَ بالأمانِي والتأففِ والانزواءِ بل يجابَهُ بالمنهجِ الذي حثَّ عليهِ القرآنُ، ومِن ذلكَ تشجيعُهُ المسلمينَ على الأخذِ بزمامِ العلمِ والتفوقِ فيه، فالأمةُ الماسكةُ بالعلومِ أمةٌ قويةٌ مُهابةُ الجانبِ، أمّا الأمةُ الجاهلةُ فإنّهَا تظلُّ محلَ طمعٍ لجميعِ الأعداءِ، فالضعفُ يغرِي العدوَّ، والجهلُ يفرشُ لهُ الطريقَ ويمهدُهُ.
إنَّ المتأملَ في حالِ الأمةِ يجدُهَا معتمدةً في بعضِ غذائِهَا ودوائِهَا على غيرِهَا، وهذا يُنافِي المبدأَ القرآنِيَّ الذي يحثُّ على العملِ بمفهومِهِ الشاملِ ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، ولا شكَّ أنَّ أشرفَ الأعمالِ ما رفعَ عن الأمةِ الضعفَ والهوانَ، وخيرُ ما يرفعُ ذلك أنْ تكونَ مالكةً لأمرِهَا وغذائِهَا ودوائِهَا، ألَا فلنعدْ إلى خالقِنَا، ولنصلحْ ما فسدَ بينَنَا، ونغيرْ حالَنَا إلى الأفضلِ، ولنفقهْ أمرَ دينِنَا ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾، ولنصبرْ ولنحتسبْ قَالَ ﷺ:«يَا أَبَا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» (أحمد)، والصبرُ وصيةُ ربِّ العالمينَ للنبيِّ الأمينِ:﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م
خامساً: كثرةُ الدعاءِ وذكرِ اللهِ سبحانَهُ: مِن أقوى عواملِ النصرِ الاستغاثةُ باللهِ، وكثرةُ ذكرِهِ؛ لأنَّهُ القويُّ القادرُ على هزيمةِ أعدائِهِ، ونصرِ أوليائِهِ قالَ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ .
وقد أمرَ اللهُ – تعالى – بالذكرِ والدعاءِ عندَ لقاءِ العدوِّ، فقالَ اللهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾، ولذا كان النبيُّ ﷺ يدعُو ويستغيثُ ربَّهُ – سبحانَهُ – في معاركِهِ، فينصرُهُ ويمدُّهُ بجنودِهِ، ومِن ذلكَ ما ثبتَ مِن حديثِ عمرَ بنِ الخطابِ – رضي اللهُ عنه – قال: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ» (مسلم) .
وهكذا كان ﷺ يدعُو اللهَ في جميعِ معاركِهِ، فعن عبدِ اللهِ بنِ قيسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ» (أبو داود) .
ألَا فليحسنْ أحدُنَا الظنَّ باللهِ، فاللهُ أقربُ إلى العبدِ مِن حبلِ الوريدِ، ومِن شراكِ نعلِهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يَقُولُ اللهُ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» (متفق عليه)، وقَالَ بعضُ الصَّالِحينَ: «اسْتعْمِل فِي كلِّ بليةٍ تطرقُكَ حسنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ فِي كشفِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أقربُ بكَ إِلى الْفرجِ»، وصدقَ القائلُ:
إنْ كان لا يرجوكَ إلّا محسنٌ … فبمَن يلوذُ ويستجيرُ المجرمُ
أدعوكَ ربِّي كمَا أمرتَ تضرعاً … فإذا رددتَ يدِي فمَن ذَا يرحمُ
سادساً: الوحدةُ والاجتماعُ وعدمُ التفرقِ والتنازعِ: لا يخفَى على أحدٍ مِن الناسِ أهميةُ جمعِ كلمةِ المسلمينَ، وأنَّ ذلكَ سببٌ في النصرِ على عدوِّهِم، وقد أمرَ اللهُ – تعالَى – بالاجتماعِ في آياتٍ كثيرةٍ محذراً منهُ، وداعياً لهم بالاعتصامِ بحبلهِ المتينِ، وأخبرَ أنَّ التفرقَ والتنازعَ سببٌ في حصولِ الفشلِ والهزيمةِ فقالَ سبحانَهُ: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، والمتأملّ في هذه الآيةِ يراهَا قد رسمتْ للمؤمنينَ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ الطريقَ التي توصلُهُم إلى الفلاحِ والظفرِ، فهي تأمرُ بالثباتِ، والثباتُ مِن أعظمِ وسائلِ النجاحِ؛ لأنّهُ يعنِى تركَ اليأسِ والتراجعِ، وأقربُ الفريقينِ إلى النصرِ أكثرهُمَا ثباتاً، ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
أخي الكريم: مهمَا تلاحقتْ الخطوبُ واشتدتْ وتفننَ الأعداءُ في أساليبِ العداوةِ والبغضاءِ، فلا ننسَى أنَّ نصرَ اللهِ قريبٌ، وأنَّ كيدَ الشيطانِ ضعيفٌ، وأنَّ الغلبةَ في النهايةِ للحقِّ وأهلِهِ، فاللهُ وعدنَا بنصرهِ إنْ كنَّا مؤمنينَ ونصرنَا دينَهُ ورفعنَا رايتَهُ، فالمسلمُ يوقنُ بأنَّ اللهَ ناصرُهُ وناصرُ دينِهِ مهمَا طالَ الزمنُ، ومهما قويتْ شوكةُ الباطلِ ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ في الأرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الاْمْثَالَ﴾، وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024 م
مَن يتتبعْ آياتِ النصرِ والتمكينِ في القرآنِ الكريمِ يجدْ أنَّ نصرَ اللهِ للمؤمنينَ لا يكونُ صُدفةً، ولا ضربةً مِن ضرباتِ الحظِّ بل إنَّ نصرَ اللهِ لا بُدَّ أنْ يسبقَهُ ابتلاء، يختبرُ اللهُ بهِ إيمانَ عبادِهِ – وهو سبحانه- بهم وبإيمانِهِم عليمٌ- ولا بدَّ مِن تمحيصٍ للمؤمنينَ ليظهَرَ وليُّ الرحمنِ مِن وليِّ الشيطانِ حتى إذا جاءَ نصرُ اللهِ استقبلَهُ المؤمنونَ بإيمانٍ راسخٍ، وعقيدةٍ لا تميدُ، ولو مادتْ الأرضُ ومادتْ الجبالُ الرواسِي قالَ تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾، وقال أيضاً: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾، وقد سألَ رجلٌ الشافعيَّ فقال: يا أبا عبدَ اللهِ، أيُّهمَا أفضلُ للرجلِ: أنْ يُمكَّنَ أو يُبتلَى؟ فقال الشافعي: «لا يُمكَّنُ حتى يُبتلَى؛ فإنَّ اللهَ ابتلَى نوحاً وإبراهيمَ وموسَى وعيسَى ومُحمداً – صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعين- فلمَّا صبَروا مكَّنَهُم، فلا يظننَّ أحَدٌ أنْ يخلصَ مِن الألَمِ البتةَ».
يجبُ على كلِّ فردٍ مسلمٍ يوقنُ أنَّ عليهِ دوراً لا يُختزلُ، ولا يسقطُ عنهُ في استجلابِ هذا النصرِ، وأنَّ هذا الدورَ يُحتِّمُ عليهِ مسؤوليةَ إصلاحِ نفسِهِ إصلاحاً شاملاً عميقاً دقيقاً، يُؤهلُهُ لاستجلابِ النصرِ، وتحملِ تبعاتِهِ، كما أنَّ النصرَ لن يتحققَ إلَّا بعدَ أنْ تنفدَ كلُّ الأسبابِ، وتُستفرَغَ كلُّ الحيلِ، وتُستنهَضَ كلُّ الطاقاتِ، وتُستغَلَّ كلُّ الإمكانياتِ، وتتضافرَ كلُّ الجهودِ، وتحفزَ كلُّ نسمةٍ ما أُودِعَ فيهَا مِن قوةٍ؛ لكي تؤدِّي الدورَ المنوطَ بهَا دونَ كسلٍ ولا فتورٍ ولا تراخٍ حينهَا نكونُ أمامَ منظومةٍ قويةٍ ومتكاملةٍ ومؤهلةٍ لحملِ الأمانةِ، والقيامِ بتبعاتِهَا، وصدقَ اللهُ حيثُ قال: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف