خطبة الجمعة بعنوان : إدمانُ الأطفالِ وسائلَ التواصلِ الاجتماعيِّ ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 16 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 7 نوفمبر 2025م
خطبة الجمعة بعنوان : إدمانُ الأطفالِ وسائلَ التواصلِ الاجتماعيِّ ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 16 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 7 نوفمبر 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 7 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إدمانُ الأطفالِ وسائلَ التواصلِ الاجتماعيِّ:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إِدْمَانُ الْأَطْفَالِ السُّوشِيَالَ مِيدِيَا ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إدمانُ الأطفالِ وسائلَ التواصلِ الاجتماعيِّ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 7 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : إِدْمَانُ الْأَطْفَالِ السُّوشِيَالَ مِيدِيَا : كما يلي:
أوّلًا: وسائلُ التواصلِ وإضاعةُ الوقتِ.
ثانيًا: نعمةُ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ بينَ شُكرِها وكُفرِها.
ثالثًا: وسائلُ حمايةِ الأطفالِ منْ خطورةِ السوشيال ميديا.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 7 نوفمبر 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : إدمانُ الأطفالِ وسائلَ التواصلِ الاجتماعيِّ: كما يلي:
خُطبةٌ بعنوانُ: إدمانُ الأطفالِ وسائلَ التواصلِ الاجتماعيِّ.
16 جمادى الأولى 1447هـ – 7 نوفمبر 2025م
المـــوضــــــــــوعُ
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أوّلًا: وسائلُ التواصلِ وإضاعةُ الوقتِ.
من الظواهر الاجتماعية السلبية المنتشرة في الآونة الأخيرة (ظاهرة إضاعة الوقت على السوشيال ميديا).
لذلك عنيَ القرآنُ والسنةُ بالوقتِ مِن نواحٍ شتَّى وبصورٍ عديدةٍ، فقدْ أقسمَ اللهُ بهِ في مطالعَ سورٍ عديدةٍ بأجزاءٍ منهُ مثلَ الليلِ، والنهارِ، والفجرِ، والضحَى، والعصرِ، وغيرِ ذلكَ. ومعروفٌ أنّ اللهَ إذَا أقسمَ بشيءٍ مِن خلقِهِ دلَّ ذلكَ على أهميتِهِ وعظمتِهِ، وليلفتَ الأنظارَ إليهِ وينبّهَ على جليلِ منفعتِهِ.
وكذلكَ جاءت السنةُ لتؤكدَ على أهميةِ الوقتِ وقيمةِ الزمنِ، وتقررَ أنّ الإنسانَ مسئولٌ عنهُ يومَ القيامةِ، فعن معاذِ بنِ جبلٍ أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ:” لنْ تَزُولَ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ؟ وعَنْ شَبابِهِ فيمَ أَبْلاهُ؟ وعَن مالِهِ مِن أينَ اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ؟ وعَنْ علمِهِ ماذَا عمِلَ فيهِ.“ [البيهقيُّ والترمذيُّ بسندٍ حسنٍ].
وأخبرَ النبيُّ ﷺ أنّ الوقتَ نعمةٌ مِن نعمِ اللهِ على خلقِهِ، ولابدَّ للعبدِ مِن شكرِ النعمةِ وإِلّا سُلبتْ وذهبتْ. وشكرُهَا يكونُ باستعمالِهَا في الطاعاتِ، واستثمارِهَا في الباقياتِ الصالحاتِ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنه: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ” [البخاري].
فالآياتُ والأحاديثُ تشيرُ إلى أهميةِ الوقتِ في حياةِ المسلمِ، لذا لابُدَّ مِن الحفاظِ عليه وعدمِ تضييعِهِ في أعمالٍ قد تجلبُ لنا الشرَّ وتبعدُنَا عن طريقِ الخيرِ، فالوقتُ يمضِي ولا يعودُ مرةً أُخرى.
إنّ الإنسانَ إذَا عَرفَ قيمةَ شيءٍ مَا وأهميتَهُ حرصَ عليهِ وعزَّ عليهِ ضياعُهُ وفواتُهُ، وهذا شيءٌ بديهيٌّ، فالمسلمُ إذَا أدركَ قيمةَ وقتِهِ وأهميتَهُ، كان أكثرَ حرصًا على حفظِهِ واغتنامِهِ فيمَا يقربُهُ مِن ربِّهِ.
يقولُ ابنُ الجوزيِّ رحمَهُ اللهُ تعالى: “ينبغِي للإنسانِ أنْ يعرفَ شرفَ زمانِهِ وقدرَ وقتِهِ، فلا يضيعُ منهُ لحظةً في غيرِ قربةٍ، ويقدمُ فيهِ الأفضلَ فالأفضلَ مِن القولِ والعملِ، ولتكنْ نيتُهُ في الخيرِ قائمةً مِن غيرِ فتورٍ بمَا لا يعجزُ عنهُ البدنُ مِن العملِ“.
ويقولُ الحسنُ البصريُّ: “يا ابنَ آدمَ، إنَّما أنتَ أيامٌ، إذَا ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُكَ”. وقال: “يا ابنَ آدمَ، نهارُكَ ضيفُكَ فأحسِنْ إليهِ، فإنّكَ إنْ أحسنتَ إليهِ ارتحلَ بحمدِكَ، وإنْ أسأتْ إليهِ ارتحلَ بذمِّكَ، وكذلكَ ليلتُكَ”. وقالَ: “الدنيا ثلاثةٌ أيامٍ: أمّا الأمسُ فقدْ ذهبَ بمَا فيهِ، وأمَّا غدًا فلعلَّكَ لا تُدركُهُ، وأمَّا اليومُ فلكَ فاعملْ فيهِ”.
لذلكَ كانُوا لا يندمُونَ إلَّا على فواتِ الوقتِ الذي لم يرفعْهُم درجةً، قال ابنُ مسعودٍ: “ما نَدمتُ على شيءٍ نَدمِي على يومٍ غَربتْ شمسُهُ، نقصَ فيهِ أجلِي، ولم يزددْ فيهِ عملِي”.
وقالَ أحدُ السلفِ:” إذَا أتَي عليَّ يومٌ لم أزددْ فيهِ علمًا ولم أزددْ فيهِ هديً فلا بوركَ لِي في طلوعِ شمسِ ذلكَ اليوم”،
ويقولُ علىٌّ بنُ أبي طالبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه :” مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ، أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ، أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ، فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ”.
هذهِ هي قيمةُ الوقتِ وأهميتُهُ ومكانتُهُ في الإسلامِ، فعلينَا أنْ نستغلَّ الأوقاتَ وأنْ نجعلَ حياتَنَا كلَّهَا للهِ، فلا نضيعُ مِن أوقاتِنَا ما نتحسرُ عليهِ يومَ القيامةِ، فالوقتُ سريعُ الانقضاءِ، فهو يمرُّ مرَّ السحابِ.
ثانيًا: نعمةُ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ بينَ شُكرِها وكُفرِها.
لقد أنعمَ اللهُ علينا بنعمٍ كثيرةٍ لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم: 34)، وقال سبحانه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل: 18).
وهنا وقفةٌ لطيفةٌ، فتجدُ أنَّ اللهَ ختمَ الآيتينِ بخاتمتينِ مختلفتينِ؛ ففي سورةِ إبراهيمَ ختمَ بقولهِ تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، وأمّا في سورةِ النحلِ فختمَ بقولهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}. فما تعليلُ ذلكَ؟
ولتلمُّسِ العلّةِ في ذلكَ أنقلُ ما ذكرَهُ الطاهرُ بنُ عاشورٍ في تفسيرهِ التحريرِ والتنويرِ حيثُ يقولُ: “وقد خولفَ بينَ ختامِ هذهِ الآيةِ (آيةِ النحلِ)، وختامِ آيةِ سورةِ إبراهيمَ؛ إذ وقعَ هنالكَ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} لأنّ تلكَ جاءتْ في سياقِ وعيدٍ وتهديدٍ عقبَ قولهِ تعالى: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرًا} فكانَ المناسبُ لها تسجيلَ ظلمِهم وكفرِهم بنعمةِ اللهِ. وأمّا هذهِ الآيةُ فقد جاءتْ خطابًا للفريقينِ، كما كانتِ النِّعَمُ المعدودةُ عليهم منتفعًا بها كلاهما. ثمَّ كانَ من اللطائفِ أنْ قُوبِلَ الوصفانِ اللذانِ في آيةِ سورةِ إبراهيمَ {لظلوم كفار} بوصفينِ هنا {لغفور رحيم} إشارةً إلى أنَّ تلكَ النعمَ كانتْ سببًا لظلمِ الإنسانِ وكفرهِ، وهي سببٌ لغفرانِ اللهِ ورحمتِهِ. والأمرُ في ذلكَ منوطٌ بعملِ الإنسانِ”.
وأقفُ وقفةً عندَ قولِ الإمامِ ابنِ عاشورٍ، فأقولُ: وسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ نعمةٌ، فإذا استخدمتَها في طاعةٍ وحافظتَ عليها فقد شكرتَ النعمةَ وأديتَ حقَّها؛ فبذلكَ تنالُ الرحمةَ والمغفرةَ {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.
أمّا إذا استخدمتَها في معصيةٍ وأسرفتَ فيها؛ فقد ظلمتَ نفسكَ وكفرتَ بالنعمةِ ولم تؤدِّ حقَّها، فبذلكَ دخلتَ في دائرةِ الظلمِ والكفرانِ {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}. فالأمرُ في ذلكَ منوطٌ بعملِ الإنسانِ، وقِسْ على ذلكَ بقيةَ النِّعَمِ من المالِ والتكنولوجياتِ الحديثةِ من الإنترنتِ والدِّشِّ والفيسِ بوكَ والمحمولِ وغيرِ ذلكَ.
لقد ذكرَ القرآنُ لنا نماذجَ عديدةً من الأممِ السابقةِ ممّن بدّلوا نعمةَ اللهِ كفرًا وماذا أحلَّ بهم؛ وأكتفي بذكرِ مثالينِ:
الأولُ: قولهُ تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} (النحل: 112)؛ الثانيُ: قولهُ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (سبأ: 15 – 17). قالَ ابنُ كثيرٍ رحمهُ اللهُ: “كانتْ سبأٌ في نعمةٍ وغبطةٍ في بلادِهم، وعيشِهم واتساعِ أرزاقِهم، وزروعِهم وثمارِهم، وبعثَ اللهُ إليهم الرسلَ تأمرُهم أنْ يأكلوا من رزقِهِ، ويشكروهُ بتوحيدِهِ وعبادتِهِ؛ فكانوا كذلكَ ما شاءَ اللهُ، ثمَّ أعرضوا عمّا أُمروا بهِ، فعوقبوا بإرسالِ السيلِ، والتفرّقِ في البلادِ شذرَ مذر.” (تفسيرُ ابنِ كثيرٍ).
إنَّ الأطفالَ اختبارٌ للإنسانِ كبقيّةِ النِّعَمِ؛ لا بدَّ أنْ نستخدمَهُم في طاعةِ اللهِ. قالَ تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}. قالَ ابنُ كثيرٍ: “أيْ: اختبارٌ وامتحانٌ منهُ لكم؛ إذْ أعطاكموها ليعلمَ أتشكرونهُ عليها وتطيعونهُ فيها، أو تشتغلونَ بها عنهُ، وتعتاضونَ بها منهُ؟” (تفسيرُ ابنِ كثيرٍ).
ثالثًا: وسائلُ حمايةِ الأطفالِ منْ خطورةِ السوشيال ميديا.
هناكَ عدّةُ وسائلَ لحمايةِ الأطفالِ من خطورةِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، منها:
التوجيهُ والتعليمُ والتربيةُ: فالأطفالُ يحتاجونَ إلى توجيهٍ وتعليمٍ وتربيةٍ ومجاهدةٍ. يقولُ الإمامُ الغزاليُّ رحمهُ اللهُ: “اعلم أنَّ الطريقَ في رياضةِ الصبيانِ من أهمِّ الأمورِ وأوكدِها، والصبيُّ أمانةٌ عندَ والديه، وقلبُهُ الطاهرُ جوهرةٌ نفيسةٌ ساذجةٌ خاليةٌ عن كلِّ نقشٍ وصورةٍ، وهو قابلٌ لكلِّ ما نُقِشَ ومائلٌ إلى كلِّ ما يُمالُ بهِ إليهِ، فإنْ عُوِّدَ الخيرَ وعلِّمَهُ نشأَ عليهِ وسعدَ في الدنيا والآخرةِ، وشاركهُ في ثوابِهِ أبوهُ وكلُّ معلِّمٍ لهُ ومؤدِّبٍ، وإنْ عُوِّدَ الشرَّ وأُهمِلَ إهمالَ البهائمِ شقيَ وهلكَ، وكانَ الوزرُ في رقبةِ القَيِّمِ عليهِ والوالي لهُ”. (إحياءُ علومِ الدينِ).
إنَّ للأسرةِ دورًا كبيرًا في رعايةِ الأولادِ منذُ ولادتِهم، وفي تشكيلِ أخلاقِهم وسلوكِهم، وما أجملَ العبارةَ: “إنَّ وراءَ كلِّ رجلٍ عظيمٍ أبوينِ مُربِّيَينِ”، وكما قيلَ: “الرجالُ لا يُولَدونَ بل يُصنَعُونَ”. وكما قالَ الشاعرُ:
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنَّا …………….. على ما كانَ عوَّدَهُ أبوهُ
وإهمالُ تربيةِ الأبناءِ جريمةٌ يترتّبُ عليها أوخمُ العواقبِ، على حدِّ قولِ الشاعرِ:
إهمالُ تربيةِ البنينِ جريمةٌ …………….. عادتْ على الآباءِ بالنكباتِ
ومنها: اتباعُ المنهجِ النبويِّ في التربيةِ والتعليمِ: فقدْ ضربَ النبيُّ ﷺ لنا المثلَ والقدوةَ في التربيةِ، فعنِ ابنِ عباسٍ قالَ: كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ ﷺ يومًا فقالَ: “يا غلامُ، إني أعلِّمُكَ كلماتٍ: احفظِ اللهَ يحفظْكَ، احفظِ اللهَ تجدْهُ تُجاهَكَ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوكَ بشيءٍ، لم ينفعوكَ إلا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لكَ، وإنِ اجتمعوا على أن يضرّوكَ بشيءٍ لم يضرّوكَ إلا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفّتِ الصُّحفُ” (أحمد والترمذي – حديثٌ حسنٌ صحيحٌ).
وعن عُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ يقولُ: كنتُ غلامًا في حجرِ رسولِ اللهِ ﷺ، وكانتْ يدي تطيشُ في الصَّحفةِ، فقالَ لي رسولُ اللهِ ﷺ: “يا غلامُ، سمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينِكَ، وكُلْ مما يليكَ”، قالَ: فما زالتْ تلكَ طِعمتي بعدُ. (البخاري).
إنَّ صلاحَ أولادِنا أن نغرسَ فيهم منهجَ نبيِّنا ﷺ في جميعِ شؤونِ الحياةِ، وذلكَ بتعليمِهم آدابَ الصلاةِ والصومِ والاستئذانِ، ودخولِ البيتِ وخروجِهِ، واحترامِ الكبيرِ وتوقيرِهِ، وغيرِ ذلكَ من الآدابِ التي حثَّ عليها الشارعُ الحكيمُ.
ومنها: تنظيمٌ وترتيبُ الوقتِ: فالطِّفلُ الذي يُنظِّمُ وقتَهُ، ويُحدِّدُ هدفَهُ، ويُرتِّبُ أولويّاتِهِ، يُصبِحُ أكثرَ إنجازًا من غيرِهِ، وأقربَ إلى التوفيقِ والسدادِ؛ وعندما تنظرُ في تاريخِ السابقينَ تجدُ أنَّهُم قد حرصوا على ترتيبِ الأوقاتِ؛ فكانوا يُسابقونَ الساعاتِ، ويُبادرونَ اللحظاتِ؛ فعن عبدِ الرَّحمنِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ سابِطٍ، قالَ: “لمَّا حضرَ أبا بكرٍ الموتُ، دعا عمرَ رضيَ اللهُ عنهُما فقالَ لهُ: اتَّقِ اللهَ يا عمرُ، واعلمْ أنَّ للهِ عملًا بالنَّهارِ لا يقبلُهُ باللَّيلِ، وعملًا باللَّيلِ لا يقبلُهُ بالنَّهارِ، وأنَّهُ لا يقبلُ نافلةً حتى تُؤدَّى الفريضةُ” (حليةُ الأولياءِ للأصبهانيِّ).
ومنها: تنويعُ ما يُستغلُّ بهِ الوقتُ: فإنَّ النفسَ بطبيعتِها سريعةُ المَلَلِ، وتنفرُ من الشيءِ المكرَّرِ، وتنويعُ الأعمالِ يساعدُ النفسَ على استغلالِ أكبرَ قدرٍ ممكنٍ من الوقتِ. قالَ الإمامُ الغزاليُّ رحمهُ اللهُ: (ترويحُ النفسِ وإيناسُها بالمجالسةِ، والنظرِ، والملاعبةِ، إراحةٌ للقلبِ، وتقويةٌ لهُ على العبادةِ؛ فإنَّ النفسَ ملولٌ، وهي عن الحقِّ نفورٌ؛ لأنَّه على خلافِ طبعِها، فلو كُلِّفَتِ المداومةَ بالإكراهِ على ما يُخالفُها جمحَتْ، وثابتْ، وإذا رُوِّحَتْ باللذاتِ في بعضِ الأوقاتِ، قويَتْ ونشطَتْ، وينبغي أنْ يكونَ لنفوسِ المتقينَ استراحاتٌ بالمباحاتِ، قالَ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ: “روحوا القلوبَ ساعةً، فإنها إذا أُكرهتْ عميتْ”) أ.هـ. (إحياءُ علومِ الدينِ).
ومنها: استشعارُ المسؤوليّةِ عن الأطفالِ يومَ القيامةِ: فاعلمْ أنَّ الطفلَ غيرُ مكلَّفٍ شرعًا، وأنتَ مسؤولٌ عنهُ مسؤوليّةً كاملةً أمامَ اللهِ يومَ القيامةِ، فكما أنَّكَ راعٍ في مالِكَ وأهلِكَ، فأنتَ راعٍ في تربيةِ ولدِكَ وسلوكِهِ، قالَ ﷺ: “كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيّتِهِ”، فاحرصْ على أنْ تكونَ رعايتُكَ لهُ سببًا في سعادتِهِ في الدنيا والآخرةِ، لا سببًا في ضياعِهِ، فالأبناءُ أمانةٌ، والتقصيرُ في تربيتِهِم تفريطٌ في الأمانةِ، يُسألُ عنها العبدُ يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمينَ. فاتقوا اللهَ في أهليكُم وأزواجِكُم وأولادِكُم، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُما أنَّهُ سمعَ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفقٌ عليه). وعن أنسٍ رضيَ اللهُ عنهُ، عن النبيِّ ﷺ قالَ: “إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» (النسائي وابن حبان – بسندٍ صحيحٍ). قالَ العلماءُ: الراعي هو الحافظُ المؤتمنُ، الملتزمُ صلاحَ ما قامَ عليه، وما هو تحتَ نظرِهِ، ففيهِ أنَّ كلَّ مَن كانَ تحتَ نظرِهِ شيءٌ فهو مطالبٌ بالعدلِ فيهِ، والقيامِ بمصالحِهِ في دينِهِ ودنياهُ ومتعلّقاتِهِ (شرحُ النوويِّ).
ومنها: غرسُ مراقبةِ اللهِ في نفوسِ الأطفالِ: فيجبُ أنْ نغرسَ في نفوسِ أبنائِنا خلقَ مراقبةِ اللهِ، ويقظةَ الضميرِ الإنسانيِّ في جميعِ أحوالِنا وأعمالِنا وحركاتِنا وسكونِنا؛ قالَ سهلُ بنُ عبدِ اللهِ التستريُّ رحمهُ اللهُ: “كنتُ وأنا ابنُ ثلاثِ سنينَ أقومُ بالليلِ، فأنظرُ إلى صلاةِ خالي محمدِ بنِ سواءٍ، فقالَ لي يومًا: ألا تذكرُ اللهَ الذي خلقكَ؟ فقلتُ: كيفَ أذكرُهُ؟ قالَ: قلْ بقلبِكَ عندَ تقلّبِكَ في ثيابِكَ ثلاثَ مراتٍ من غيرِ أنْ تُحرّك بهِ لسانَكَ: اللهُ معي، اللهُ ناظرٌ إليَّ، اللهُ شاهدي. فقلتُ ذلكَ ليالي، ثمَّ أعلمتُهُ، فقالَ: قلْ في كلِّ ليلةٍ سبعَ مراتٍ، فقلتُ ذلكَ، ثمَّ أعلمتُهُ، فقالَ: قلْ ذلكَ كلَّ ليلةٍ إحدى عشرةَ مرةٍ، فقلتُهُ فوقعَ في قلبي حلاوتُهُ، فلمَّا كانَ بعدَ سنةٍ قالَ لي خالي: احفظْ ما علّمتُكَ، ودمْ عليهِ إلى أنْ تدخلَ القبرَ، فإنَّهُ ينفعُكَ في الدنيا والآخرةِ، فلم أزلْ على ذلكَ سنينَ، فوجدتُ لذلكَ حلاوةً في سرِّي، ثمَّ قالَ لي خالي يومًا: يا سهلُ، مَن كانَ اللهُ معهُ، وناظرًا إليهِ، وشاهدهُ، أيعصيهِ؟!” (إحياءُ علومِ الدينِ).
فانظرْ — رعاكَ اللهُ — كم تضيعُ وقتَكَ في مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ بلا فائدةٍ! بل قد تضرُّ الآخرينَ بمنشوراتِكَ وكتاباتِكَ، فاحرصْ على أنْ تكونَ عضوًا نافعًا في كلِّ ما تكتبُ وتسطرُ، ليكونَ شاهدًا لكَ لا عليكَ يومَ القيامةِ. وصدقَ مَن قالَ:
وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلَّا سَيَفْنَى ** وَيَبْقَى الدَّهْرُ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ
فَلَا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ ** يَسُرُّكَ فِي الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ
نسألُ اللهَ أنْ يهدي أبناءنا وبناتنا، وأنْ يحفظَ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.
الدعاءُ،،،، وأقم الصلاةَ،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف












