خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 16 فبراير 2024 م بعنوان : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 6 شعبان 1445هـ ، الموافق 16 فبراير 2024 م .
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 فبراير 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 فبراير 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 فبراير 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 16 فبراير 2024 م بعنوان : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، للدكتور محروس حفظي :
(1) رعايةُ الإسلامِ للطفلِ وعنايتُهُ بهِ.
(2) حقوقٌ للطفلِ أوجبَهَا الإسلامُ على الوالدينِ.
(3) كيفَ حالُنَا مع أطفالِنَا في عصرِنَا الحالِي ؟!
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 16 فبراير 2024 م بعنوان : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«حقُّ الطفلِ ورعايتُهُ بينَ الضرورياتِ والحاجياتِ والتحسينياتِ»
بتاريخ 6 شعبان 1445 هـ = الموافق 16 فبراير 2024 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كمَا ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة 16 فبراير : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات
(1) رعايةُ الإسلامِ للطفلِ وعنايتُهُ بهِ:
لقد أولَى الإسلامُ الأطفالَ عنايةً فائقةً، واهتمَّ بهِم اهتمامًا خاصًا؛ لِمَا تؤديهِ مِن دورٍ حيويٍّ في بقاءِ النسلِ البشرِي، واستمرارِ الحياةِ على هذه البسيطةِ، فهي بمثابةِ اللبنةِ الأولَى في إعدادِ المجتمعِ القويمِ، وهي التي تُشكلُ حجرَ الأساسِ في البناءِ المجتمعِي، بل تمتدُّ حتى بعدَ الموتِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (مُسْلِمٌ)، ولذا يكونُ صلاحُ الأبناءِ شفاعةً للآباءِ، وقرةً لأعينهِم، كما قالَ ربُّنَا: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً﴾، بل رفقاءَ لهُم في الجنةِ «وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَمَلَهُمْ؛ لِتَقَرَّ أَعْيُنُ الْآبَاءِ بِالْأَبْنَاءِ عِنْدَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَرْفَعَ النَّاقِصَ الْعَمَلِ بِكَامِلِ الْعَمَلِ، وَلَا يَنْقُصَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ وَمَنْزِلَتِهِ لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَاكَ» قالَ ربُّنَا: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ .
وقد أعطَى الإسلامُ للأطفالِ حقوقًا لا حصرَ لهَا بدءًا مِن حقِّهِ في الحياةِ فلا يملكُ أحدٌ إزهاقَ روحِهِ أو سلبَ حياتِهِ قالَ تعالَى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً﴾، ثُمَّ أوجبَ على الوالدِ الإنفاقَ عليهِم ورعايتَهُ والاهتمامَ بهِ ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، كما أوجبَ على الوالدينِ العدلَ بينَ الأطفالِ والمساواةِ بينَهُم وعدمَ تمييزِ أحدهِمَا على الآخرِ، وأنْ نلاطفَهُم ونتوددَ إليهِم، وقد كان ذلك سمتَ نبيِّنَا ﷺ فقد كان يطيلُ السجودَ عندما يأتيهِ الحسنُ أو الحسينُ رضي اللهُ عنهما فيحملهمَا على ظهرهِ حتى «قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ، قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» (النسائي).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة 16 فبراير : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات
(٢) حقوقٌ للطفلِ أوجبَهَا الإسلامُ على الوالدينِ: تعددتْ حقوقُ الطفلِ في دينِنَا الحنيفِ، ومِن أبرزِ تلك الحقوقِ ما يلي:
أولًا: حسنُ اختيارِ الزوجِ والزوجةِ خُلقيًّا وصحيًّا: رغّبَ الشارعُ الرجلَ أنْ يحسنَ اختيارَهُ الزوجةَ الصالحةَ، وكذا المرأة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال ﷺ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» (متفق عليه)، فحدّدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهمَّ الأُسسِ التي بها يختارُ الإنسانُ شريكَ حياتِهِ «الخُلقُ، المالُ، الحسبُ، الجمالُ»، وهذه الأشياءُ الأربعُ عليها مدارُ طلبِ الإنسانِ ولا تخرجُ عنها، وأخّرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الدينَ»؛ لأنَّه هو الأساسُ المتينُ الذي تقومُ عليه الرابطةُ الأسريةُ وبهِ تدومُ، ثم تأتِي المعاييرُ بعدَهُ تباعًا.
ثانيًا: حسنُ اختيارِ الاسمِ وتأديبُهُ وتعليمُهُ شيئًا مِن كتابِ اللهِ عزّ وجلّ: لا شكَّ أنَّ الإنسانَ يتأثرُ نفسيًّا وسلوكيًّا بما يسمعُهُ، ولذا وجّهَ الإسلامُ الأسرةَ إلى حسنِ اختيارِ اسمِ ولدِهَا الذي سيحملُهُ طيلةَ حياتهِ، فعن أبي هريرةَ قال، قال ﷺ: “إنّ مِن حقِّ الْوَلَدِ على وَالِده أَنْ يُعلمَهُ الْكِتَابَة، وَأَنْ يحسنَ اسْمَهُ، وَأَنْ يزوجَهُ إِذا بلغ” (إسناده ضعيف)؛ ولذا كان ﷺ يغيرُ الاسمَ القبيحَ إلى الحسنِ.
ولم يقفْ الأمرُ عندَ هذا الحدِّ بل أوجبَ تعليمَ الولدِ ما يصلحُهُ ويقوّمُهُ مِمّا يناسبُ ظروفَهُ وحالتَهُ مِن تعليمٍ ورياضةٍ وغيرهِ؛ لِأَنَّهُ عونٌ لَهُ على الدينِ وَالدُّنْيَا، وَكَذَا يُعلمُهُ الْقُرْآنَ والآدابَ وكلَّ مَا يضْطَرُ إِلَى مَعْرفَتِه، فعَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِلْوَلَدِ عَلَيْنَا حَقٌّ كَحَقِّنَا عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: “نَعَمْ، حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكِتَابَةَ وَالسِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ، وَأَنْ يُؤَدِّبَهُ طَيِّبًا” (شعب الإيمان)، فهلا تمثلنا مع أولادنا قول رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» (أبو داود) .
تابع/ خطبة الجمعة 16 فبراير : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات
ثالثًا: إعدادُ جيلٍ على الإيمانِ الكاملِ: إنّ الإيمانَ يحملُ صاحبَهُ على التفكيرِ، وإعمالِ عقلِهِ في جميعِ الموجوداتِ مِن حولِهِ، ويعززُ العلاقةَ بينَ العبدِ وخالقِهِ، ويورثُ الراحةَ والطمأنينةَ، ويقضِي على الخوفِ والقلقِ الذي قد ينجرفُ بصاحبهِ نحوَ اليأسِ، فالمؤمنُ باللهِ يخضعُ لهُ ويذعنُ لأوامرِهِ ونواهيهِ، وهذا ما حرصَ عليهِ نبيُّنَا ﷺ في إعدادِ النشءِ عليهِ، وتنشئتِهِم نشئةً ربانيةً إيمانيةً، أنبتَهُم بالقرآنِ إنباتًا، وأنشأَهُم على عينهِ، فكانوا ذلك الجيلَ الفريدَ الذي لم يعرفْ لهُ التاريخُ مثيلًا، وقد لا يتاحُ للبشريةِ في مستقبلِهَا أنْ ترَى لهُ أيضًا مثيلًا، ويتبينُ ذلك في مواقفَ مختلفةٍ، وحوادثَ متباينةٍ ظهرَ مِن خلالِهَا سرعةَ الاستجابةِ لأمرِ اللهِ وأمرِ رسولِهِ ﷺ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا، فَقَالَ: يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» (الترمذي وحسنه)، فهذا يجعلُهُ متمسكًا بعقيدتِه فلا تزلزلُهُ رياحُ الشكوكِ ولا أبواقُ الإلحادِ.
رابعًا: الحوارُ والمناقشةُ الهادئةُ عندَ التعرضِ لمواقفَ محرجةٍ: إنَّ الحوارَ الجَاد الراقِي، والمناقشةَ البناءةَ، والتزامَ آدابِ الحديثِ مِن خفضِ الصوتِ، والإنصاتَ الجيد لهو أقربُ سبيلٍ لحلّ مشاكلِ النشءِ، أمَّا رفعُ الأصواتِ، والسبابُ، وتراشقُ الألفاظِ، بل قد يصلُ الأمرُ إلى حدِّ الضربِ، فهو مذمومٌ شرعًا وطبعًا.
لقد اتبعتْ السنةُ منهجًا فريدًا في الإفساحِ للأسئلةِ التي تترددُ في الصدورِ كي تخرجَ إلى حيزِ الوجودِ، فسمحَ لهم بالبوحِ بما تكنهُ صدورُهُم ثم أرشدَهُم إلى الجوابِ الصحيحِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ”(مسلم)، ولم يقتصرْ الأمرُ على الإجابةِ عن التساؤلاتِ بل تعدَّى ذلك إلى الحثِّ على التساؤلِ، فكان ﷺ يطرحُ أسئلةً على صحابتِهِ مِن بابِ توفيرِ البيئةِ المناسبةِ لنموِّ القدراتِ العقليةِ نموًّا سليمًا، وتشجيعُهُم على ممارسةِ التفكيرِ المتوازنِ، فعن ابْنِ عُمَرَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:«إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ فَقَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، قَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا (متفق عليه) .
خامسًا: التكاتفُ والمشاركةُ بينَ الوالدينِ في تربيةِ الأطفالِ: لقد ضبطَ الإسلامُ إنجابَ الأولادِ بضوابطَ محكمةٍ تضمنُ إخراجَ ذريةٍ طيبةٍ تَقَرُّ بها الأعينُ، ويتقدمُ بها المجتمعُ والوطنُ، وذلك بوجودِ نسلٍ قويٍّ خالِي مِن الأمراضِ الوراثيةِ، والعُقدِ النفسيةِ، والمشاكلِ الاجتماعيةِ فإنَّ هذا يكونُ سببًا قويًّا في برِّ الأولادِ لآبائِهِم وأمهاتِهِم، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«رَحِمَ اللَّهُ وَالِدًا أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ بِالْإِفْضَالِ عَلَيْهِ» (ابن أبي شيبة) .
وقد أمرَ دينُنَا الزوجينِ معًا المشاركةَ في إعدادِ وتربيةِ الأولادِ سواءٌ كان ذلك خلقيًّا، أو علميًّا، أو بدنيًّا، أو اجتماعيًّا، ولم يجعلْ المسئوليةَ ملقاةً على عاتقِ أحدهِمَا دونَ الآخرِ قالَ ربُّنَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه)، لذا يجبُ عليهمَا تنشئَةُ الأولادِ على القيمِ الصحيحةِ، والأخلاقِ الرفيعةِ، والعاداتِ والتقاليدِ النافعةِ، وغرسِ المعانى الساميةِ كحبِّ الخيرِ، والأعمالِ الصالحةِ، وأهميةِ الوقتِ وتنظيمِه، وحبِّ الأوطانِ والنهوضِ بها، والبعدِ عن رفقاءِ السوءِ كما يجبُ أنْ نوفرَ لهم الصحةَ والأمانَ والاستقرارَ الأسرِي حتى نُخرجَ منهم شخصيةً نعتزُّ ونفتخرُ بها، وتكونُ طريقًا لنَا للفوزِ بخيريِ الدنيا والآخرةِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة 16 فبراير : حق الطفل ورعايته بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات
(3) كيفَ حالُنَا مع أطفالِنَا في عصرنَا الحالي ؟!:
لقد غدا العالمُ اليومَ قريةً صغيرةً بفضلِ التقدمِ التكنولوجِي الهائلِ الذي تشهدهُ كافةُ المجالاتِ، وصارَ الإنسانُ يستطيعُ أنْ يحصلَ على ما يريدُ بلمسةٍ واحدةٍ، وهذا ما أومأتْ إليهِ السنةُ قالَ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الإِنْسَ، وَحَتَّى تُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَتُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ مِنْ بَعْدِهِ» (الترمذي وحسنه)، وفي ظلِّ وجودِ وسائلِ التواصلِ المختلفةِ، وانفتاحِ الفضاءِ الإلكترونِي نجدُ النشءَ الصغيرَ وفي ظلِّ غيبابِ الآباءِ والأمهاتِ الذين ينشغلونَ عنهم يجلسونَ ساعاتٍ وساعاتٍ مع هذا العالمِ فتنشأُ العزلةُ والوحدةُ لدى الأولادِ الصغارِ مِمَّا يؤثرُ سلبًا على العلاقاتِ بينَ عائلاتِهِم، إذ الطفلُ لم يجدْ فرصةً كي تُستمعَ شكواهُ وما يأنُّ منه، ولم يجدْ مَن يأمرهُ بالخيرِ، ويتعهدهُ بالرعايةِ والمتابعةِ ثم تكثرُ الشكوى ويضجُّ الوالدانِ مِن أولادِهِم، ألَا ما أحوجَ المجتمعُ إلى غرسِ القيمِ والمبادىءِ الأخلاقيةِ في النشءِ الصغارِ حيثُ تستمدُّ أولُ ما تستمدُّ مِن الأسرةِ التي تتشكلُ بهَا النواةُ الأولَى لسلوكياتِ الأطفالِ، فهي المزرعَةُ الأولَى لبناءِ القيمِ حيثُ أسرةٌ يقودُهَا أبوانِ صالحانِ، يتعلَّمُ الولدُ في بيتِه الصغيرِ الأخلاقَ ويمتثلُهَا، يمارسُ الفضيلةَ، وينأىَ بنفسِهِ عن الرذيلةِ، ويؤكدُ علماءُ الاجتماعِ أنَّ الطفلَ تتشكلُ أخلاقُهُ بنسبةِ 80% داخلَ الأسرةِ، وانظرْ في هذا الموقفِ العمليِّ الذي حرصَ فيهِ رسولُنَا ﷺ على أنْ يعلمَ النشءَ الصغيرَ الصدقَ، وأنْ نكونَ لهُ القدوةَ الحسنةَ في التخلقِ بهِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ:«أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِنَا وَأَنَا صَبِيٌّ قَالَ: فَذَهَبْتُ أَخْرُجُ لِأَلْعَبَ، فَقَالَتْ أُمِّي: يَا عَبْدَ اللَّهِ تَعَالَ أُعْطِكَ، فَقَالَ ﷺ: وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ؟ قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، قَالَ: فَقَالَ ﷺ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذْبَةٌ» (أحمد وأبو داود) .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا الأمنَ والأمانَ، والسلمَ والسلامَ، وحسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، الَّلهُمَّ أَوْرِدْنَا حَوْضَ نبيِّكَ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهُ، وَأَنِلْنَا شَفَاعَتَهُ، وَاجْعَلْنَا فِي الجَنَّةِ بِجِوَارِهِ ﷺ، واجعلْ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف