ورد لفظ السعادة صريحًا في القرآن الكريم مرتين اثنتين في ثنايا الحديث عن أحوال الخلق يوم القيامة في سورة هود (عليه السلام) ، الأولى في قوله تعالى : “ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ” ، والثانية في قوله تعالى : ” وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ” .
وفي هذا ما يؤكد أن السعادة التامة الكاملة الحقيقية المستقرة لن تكون إلا لمن أنعم الله تعالى عليه بالرضا وجنة الرضوان في الآخرة ، أما السعادة في الدنيا فأمر نسبي ، وقد قال أحد الحكماء : من طلب الراحة في الدنيا يعني الراحة المطلقة طلب ما لم يخلق ومات ولم يرزق لأن الله (عز وجل) يقول : ” لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ” .
وفي مقابل السعادة المرتبطة بالإيمان يذكر القرآن الكريم حياة الضنك للمعرضين عن ذكر الله ومنهجه ، فيقول سبحانه : “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ” ، ويقول سبحانه : ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ “.
أما السعادة في الدنيا فهي أمر نسبي ، فقد يراها بعض الناس في المال ، ويراها بعضهم في الولد ، ويراها بعضهم في الجاه ، أما المال الذي هو نعمة والذي يمكن أن يحقق جانبًا من السعادة فهو ما قال عنه نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” نعم المال الصالح للعبد الصالح” .
وأما الولد الذي هو نعمة فهو الولد الصالح ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاث مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”.
وأما الجاه الذي يكون خيرًا لصاحبه فهو ما يكون في خدمة الدين والوطن وصالح الرعية بالحق والعدل ، وهو الذي يكون صاحبه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله حيث ذكر نبينا (صلى الله عليه وسلم) الإمام العادل في مقدمتهم.
ولا شك أن السعادة إنما ترتبط بأمور أهمها : الإيمان والعمل الصالح ، حيث يقول الحق سبحانه :” مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ” .
ومنها الرضا بما قسم الله (عز وجل) ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ”.
وقد طُلِبَ إلى مجموعة من المفكرين والكتاب أن يكتب كل واحد منهم عن رؤيته للسعادة فأفاض بعضهم في الحديث عن المال ، وبعضهم عن الولد ، وبعضهم عن الجاه ، غير أن أحدهم قد لخص الأمر في عبارة واحدة : ” السعادة هي الرضا بما قسم الله” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ” .
ومن أهم أسباب السعادة أن ينظر الإنسان إلى النصف الممتلئ من الكوب لا إلى النصف الفارغ منه ، وإلى من هو أسفل منه لا من هو فوقه ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم”، وقد يتعلق أمر السعادة بأمور يراها الإنسان غاية المراد ، لكنها سرعان ما تتحول إلى أمر عادي أو اعتيادي بمجرد تحققها ، على حد قول الشاعر :
وَما السَّعادَةُ في الدُّنيا سِوى شَبَحٍ |
يُرجى فَإِن صـــارَ جِسماً ملّهُ البَشَرُ |
كَالنَّهرِ يَركُضُ نَحوَ السَّهل مُكتَدِحاً |
حَتّــــــــــى إِذا جاءَهُ يبطي وَيَعتَكِرُ |
ويقول الآخر :
ولست أرى السعادة جمع مال |
ولكن التقي هو الســــعيد |
وتقوى الله خير الزاد ذخرا |
وعند الله للأتقى مــــزيد |