لا تُسَوِّدُوا وَجْهِي عبارة استغربتها ووقفت أمامها طويلا حينما سمعت
أن حبيبنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالها فبحثت عن الحديث
فوجدته هكذا بسنده ومتنه ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْمُخَضْرَمَةِ بِعَرَفَاتٍ ، فَقَالَ : ” أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا , وَأَيَّ شَهْرٍ هَذَا وَأَيَّ بَلَدٍ هَذَا ؟ ” ، قَالُوا : هَذَا بَلَدٌ حَرَامٌ ، وَشَهْرٌ حَرَامٌ ، وَيَوْمٌ حَرَامٌ , فَقَالَ : ” أَلا إِنَّ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا , فِي بَلَدِكُمْ هَذَا , وَيَوْمِكُمْ هَذَا , أَلا وَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ أنظركم , وَمُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ , فَلا تُسَوِّدُوا وَجْهِي ، أَلا إِنِّي مُسْتَنْقِذٌ النَّاسَ , وَمُسْتَنْقَذٌ مِنِّي أُنَاسٌ , فَأَقُولُ : يَا رَبِّ أَصْحَابِي , فَيَقُولُ : إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ” (1)
، وقال علماؤنا والمقصود من تسويد وجهه الشريفة صلى الله عليه وسلم : الاستياء الذي يحصل له صلى الله عليه وسلم من فعل بعض أفراد أمته يوم القيامة ، وهذا القول معروف في كلام العرب الأقدمين والمعاصرين ؛ يقال : لاتسوِّد وجهي ، أى : لا تسئني عند الناس بقبيح فعلك ، أو لا تعمل عملاً يحزنني ويسيئني
. والسؤال : هل مايحدث من البعض من سب وقذف وتطاول بل وقتل للنفس أحيانا يرضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وقصدى من وراء هذا السؤال ليس الاتهام ، وإنما الانتباه ومراجعة كل مايتعلق بالأقوال والأفعال فى السر والجهر ، والليل والنهار والحركات والسكنات ، وأن نبتعد عن كل أمر من شأنه وهج الفتن ، وإشعال الدمار، والمساعدة على الهدم. وأن نتذكر أن مقصود الشرع من الخلق أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقولهم وأنسابهم وأموالهم. وإن ننتبه إلى أن الاعتداء على دماء وأعراض المسلمين ليس من خلق المؤمن الصالح؛ لأن الإيمان حاجزٌ قويٌ دون الشر والفساد ، يأمر بالعدل وينهى عن الظلم في الدماء والأموال والأعراض والحقوق كلها، فالمؤمن حقًا لا يغدر ولا يفجرُ ولا يغش ولا يخدع ولا يطغى ولا يتجبر
. ولنعلم جميعا أن الخلق كلهم عباد الله عز وجل، وأنه سبحانه يحب من الناس أن يكونوا إخوة يحب كل فرد منهم لأخيه ما يحب لنفسه ، وأن يتعاملوا بالتسامح والعدل والتعاطف والود، لا بالظلم والتناحر، وأن لا يسفك بعضهم دماء بعض . فعلاقة المسلم بأخيه المسلم علاقة أخوية غالية عزيزة، فليس في رغبات الدنيا ما يوهن ارتباطها، ولا ما يقطع حبل الصلة فيها، ولا ما يعكر صفوها؛ ولهذا أمر الله عزوجل ونبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأسباب الألفة ونهى عن أسباب الفرقة
. وأحذر نفسى وإياك من أن نكون ممن يسود وجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة بأفعالنا ولنذكر جميعا أن البشرية كانت قبل بعثته ، تعيش حياة غير مستقرة ، بل حياة مستعرة ، يسودها الخلاف ، وينعدم فيها الائتلاف عمها الاستخفاف ، واكتنفها الإسفاف ، قتال وتناحر ، قطيعة وتداحر ، صراع من أجل البقاء ، غثاء وجفاء ، لا محبة ولا إخاء ، ولا إيثار ولا صفاء ، تلكم كانت مجمل الحياة الوثنية ، والرغبات الإنسانية ، في وقت غابت فيه الدساتير الإلهية ،
والنصوص الربانية ، فرحم الله البشرية ، حيث أرسل لها أرحم البرية ، محمد بن عبد الله صلى الله وسلم عليه ، حيث أماط لثام الأنانية ، وخلع قناع الجاهلية ، فأنارت الدنيا بالرسالة ، وأشرقت بالبشارة ، فتحول الظلام نهاراً ، وأصبح العلم مناراً ، فاشرأبت النفوس لهذا الدين العظيم ، فدخل الناس فيه أفواجاً ، طاعة وإقراراً ، لأنه دين رب العالمين . ولنعلم أن الإسلام دين ليس فيه التباس ، صالح لكل الناس ، من آمن به سعد ، ومن دخل فيه رشد ،
دين حفظ الأموال والأنفس والأعراض والدماء والعقول ، من الإزهاق والأفول ، دين حب وسلام ، دين ألفة ووئام ، دين هدىً لا ضلال ، محفوظ من الزوال ، له البقاء إلى أمد ، وله الظهور إلى أبد ، دين حق لا باطل ، ارتضاه سبحانه للملأ الكرام ، ولنبتعد كل البعد عن كل أحداث دامية ، ومشاجرات حامية ، نتائجها تدور بين القتل والجرح والقذف للأبرياء ، وفى النهاية إياك إياك من أن تكون ممن يسود وجهه ………….. وكن من الذين يبيضون وجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ