لا شك أن للتنمية مفاتيح كثيرة غير أن المفتاح الرئيس والأهم الذي لا غنى عنه ولا بديل له إنما هو مفتاح الأمن , وقد ربط النص القرآني بين الأمن والرزق برباط وثيق , حيث يمن الله (عز وجل) على عباده بأن جمع لهم أسباب الأمن والرزق معًا , فيقول سبحانه : ” لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ” , ويقول سبحانه : ” أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” , ويقول سبحانه : ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ”.
وهذا نبي الله إبراهيم (عليه السلام) يطلب لزوجه هاجر وولده إسماعيل (عليهما السلام) الأمن والرزق , فيقول كما حكى القرآن الكريم على لسانه (عليه السلام) في سورة البقرة : ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ” , وهذا قبل أن يصير المكان بلدًا , فلما صار المكان بلدًا وجاء سيدنا إبراهيم (عليه السلام) لزيارته دعا له بالأمن مرة أخرى على حد ما حكى القرآن الكريم على لسانه (عليه السلام) , في سورة إبراهيم : “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ “.
وهذا نبي الله يوسف (عليه السلام) يقول لأبويه وإخوته : ” ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ” , وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) يجعل الأمن في مقدمة النعم التي يستتب بها أمر الحياة , فيقول (عليه الصلاة والسلام) : ” مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها” .
وهنا نؤكد على أمور , أهمها:
- أن الإسلام جعل جزاء حماة الأمن حماة الأوطان المرابطين عند حدودها , الواقفين على ثغورها , الساهرين على أمنها وسلامتها , جد عظيم , فرباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ : عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّه” , على أن إعانة هؤلاء المرابطين على حماية الحدود ، الساهرين على أمن الوطن واجب ديني ووطني , أن نمدهم بما يحتاجون من عدة وعتاد , نضمد جراحهم , ونواسي جرحاهم ومصابيهم , ونخلف شهداءهم في أهليهم وذويهم بكل التكريم والتقدير.
- أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) نفى الإيمان والإسلام عن كل من يهدد أمن المجتمع وسلامه , فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا” (صحيح البخاري) , ويقول : “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ ، وَاللَّهُ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ، وَلا يُؤْمِنُ ” . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا ذَلِكَ ؟ قَالَ : ” جَارٌ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَه” , سواء أكان الجار شخصًا أم قرية أم دولة , فللجوار حق يجب أن يصان , وأول حقوق الجار هو شيوع الأمن , وعدم الاعتداء أو التطاول أو التجاوز في حقه.
- أن الحفاظ على الأمن مسئولية مجتمعية شاملة أعم من أن تنحصر في دور الجيش أو الشرطة مع كل التقدير لما يقومان به من جهود وتضحيات , فهناك واجبات على العلماء والمفكرين والمثقفين وعامة الناس وخاصتهم , ذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ” , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا ، أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ تَحْجُزُهُ ، أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ” , أي تكفه عن الظلم.
- علينا أن نتحلى بالجد والحسم في مواجهة الإرهاب , وبالعمل الجاد الدءوب , والصبر وطول النفس , واليقين في الله (عز وجل) , وذلك حيث يقول الحق سبحانه : ” وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ” , ويقول سبحانه : ” أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ” , ويقول (عز وجل) : ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ”.