على هامش مشاركتنا في المؤتمر الشهري للشباب غالبًا ما نجد فرصة للحديث مع الزملاء والمشاركين من الشباب وغيرهم في الجوانب الثقافية والوطنية والقضايا العامة , وعلى متن الطائرة ذهابًا إلى أسوان لحضور مؤتمر الشباب الذي أقيم بها دار حديث طويل بيني وبين معالي وزير الكهرباء الدكتور المهندس / محمد شاكر حول بعض القضايا العامة، ثم استرسل بنا الحديث حول بعض معاني الآيات القرآنية , فقال بالحرف الواحد: سأعود مرة أخرى إلى قراءة القرآن الكريم هذه القراءة المتأنية الدقيقة المتأملة في المعاني ، ذلك أن القرآن الكريم معطاء لا ينفد عطاؤه إلى يوم القيامة , فهو الذي لا تنتهي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد ، أي كثرة القراءة والتكرار , بل كلما أعدت قراءته ازداد عذوبة وألقى إليك بالمزيد من أسراره .
ثم كان الحديث مع معالي السيد/ طارق عامر رئيس البنك المركزي فقال : لقد وقفت عند قوله تعالى : ” وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ” فتأملت وأدركت وأيقنت أن جميع الأعمال الكبرى لا يمكن أن تقام ولا أن تتم إلا بالحق ، فاسترعى كلامه ذلك انتباهي بشدة وجعلني أجيل النظر مرات ومرات في النص وفيما أعلم من كواليس السياسة, وما يطرح في المنتديات الكبرى عن ممارسة السياسة النظيفة, التي لا تعرف المؤامرة على أحد , تراعى وبأمانة حق الجار , وحق الصديق , وحق الدول الشقيقة والصديقة , وتتحلى بالحكمة وضبط النفس والترفع عن الصغائر والدنايا , ولا تنجر إلى معارك كلامية , ولا تنزل إلى ما لا يليق بتاريخها وحضارتها , ونظرت وبحق وصدق في ممارستنا السياسية فأيقنت أننا في أزهى عصور ممارسة السياسة النظيفة , وأن السياسة يمكن أن تكون طهارة , وأننا يمكن أن نبدد النظرة التي كانت في بعض الفترات سلبية تجاه السياسة وبعض السياسيين , وأؤكد أن الغايات الشريفة لا يمكن أن تتحقق إلا بالوسائل الشريفة , وأن مبدأ الانتهازية وأن الغاية تبرر الوسيلة يمكن بسهولة نقضه أو على أقل تقدير تجاوزه.
وإذا كانوا يقولون : الناس على دين ملوكهم , فهذا صحيح إلى حد ما , إذ يسير الناس في الغالب حول سياسة ملوكهم ويدورون في فلكها , فإذا كان القائد متقيًّا لله (عز وجل) في جميع تصرفاته ، مراقبا له , ووقّافًا عند مرضاته , فإن ذلك وبلا أدنى شك سينعكس على كل مَنْ حوله .
وإنني لأرى أننا قادرون أن نكون الأنموذج الأمثل في ممارسة السياسة النظيفة , علمًا بأن ممارسة هذه السياسة لا بد لها من ضريبة تدفع , فقد حفت الجنة بالمكاره , وحفت النار بالشهوات , والحق سبحانه وتعالى يقول : ” أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ” (العنكبوت : 2-3) , ويقول سبحانه : “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” (البقرة : 214).