أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة بعنوان : صحح مفاهيمك ، للدكتور أحمد رمضان – 10 أكتوبر

صحح مفاهيمك ، إعداد: رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 18 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 10 أكتوبر 2025م

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : صحح مفاهيمك ،  حصريا  و انفراد إعداد: رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 18 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 10 أكتوبر 2025م.

حصريا ل صوت الدعاة لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 أكتوبر 2025م بصيغة word بعنوان :  صحح مفاهيمك ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

 

 انفراد لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 أكتوبر 2025م بصيغة pdf بعنوان :  صحح مفاهيمك ، للدكتور أحمد رمضان.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 10 أكتوبر 2025م بعنوان : صحح مفاهيمك ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.

 

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: أَهَمِّيَّةُ تَصْحِيحِ المَفَاهِيمِ

العُنْصُرُ الثَّانِي: الغِشُّ وَخُرُوجُ جِيلٍ بِلَا مَسْؤُولِيَّةٍ وَأَثَرُهُ فِي تَخْرِيبِ المُجْتَمَعِ.

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: الخِلَافَاتُ الأُسَرِيَّةُ وَخَطَرُهَا عَلَى المُجْتَمَعِ

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: تَصْحِيحُ المَفَاهِيمِ مِفْتَاحٌ لِنَهْضَةِ الأُمَمِ وَعِزَّتِهَا

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 10 أكتوبر 2025م : صحح مفاهيمك ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:

 

 صحح مفاهيمك

18 ربيع الثاني 1447هـ – 10 أكتوبر 2025م

إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ الذي أرسَلَ رُسُلَهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهِرَهُ على الدِّينِ كلِّهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةً نرجو بها النجاةَ يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمينَ، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِه الطاهرينَ، وعلى منِ اتّبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.   أمّا بعدُ؛

عناصر الخطبة:

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: أَهَمِّيَّةُ تَصْحِيحِ المَفَاهِيمِ

العُنْصُرُ الثَّانِي: الغِشُّ وَخُرُوجُ جِيلٍ بِلَا مَسْؤُولِيَّةٍ وَأَثَرُهُ فِي تَخْرِيبِ المُجْتَمَعِ.

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: الخِلَافَاتُ الأُسَرِيَّةُ وَخَطَرُهَا عَلَى المُجْتَمَعِ

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: تَصْحِيحُ المَفَاهِيمِ مِفْتَاحٌ لِنَهْضَةِ الأُمَمِ وَعِزَّتِهَا

أيُّها الأحبّةُ في اللهِ، خُطبتُنا اليومَ تأتي في سياقِ مبادرةٍ مباركةٍ أطلقتها وزارةُ الأوقافِ بعنوان: “صحِّحْ مفاهيمَك”؛ مبادرةٌ دعويّةٌ إصلاحيّةٌ تسعى إلى إعادةِ ترتيبِ المعاني في القلوبِ والعقولِ، وبيانِ أنَّ كثيرًا من صورِ الانحرافِ في مجتمعاتِنا إنّما تنطلقُ من مفاهيمَ مغلوطةٍ وموازينَ مختلّةٍ، فإذا صحَّ المفهومُ صَفَتِ السُّلوكياتُ، واستقامَ المجتمعُ، وزَهَتْ الحضارةُ.

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: أَهَمِّيَّةُ تَصْحِيحِ المَفَاهِيمِ

أيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ، إنَّ أخطرَ ما يُصيبُ الأُمَمَ والشُّعوبَ ليسَ فَقْرَ المَوارِدِ، ولا قِلَّةَ العَدَدِ والعُدَدِ، بَل الخَطَرُ الحَقِيقِيُّ يَكمُنُ فِي انحرافِ المفاهيمِ واضطرابِ الفُهومِ. ذلك أنَّ الأُمَمَ تُبنى على الفِكرِ الصَّحيحِ، فإذا فسدتِ المَفاهِيمُ فسَدَ السلوكُ، وإذا صَحَّتِ المَفاهِيمُ استقامَتِ الحَياةُ.

قالَ رَبُّنا جَلَّ جَلالُه: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الملك: 22].

قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِه: “أَيۡ: يَمۡشِي مُنۡحَنِيًا لَا مُسۡتَوِيًا عَلَى وَجۡهِهِ، أَيۡ: لَا يَدۡرِي أَيۡنَ يَسۡلُكُ، وَلَا كَيۡفَ يَذۡهَبُ؟ بَلۡ تَائِهٞ حَائِرٞ ضَالّٞ، أَهَذَا أَهۡدَى (أَمۡ مَن يَمۡشِي سَوِيّٗا عَلَى صِرَاطٖ مُّسۡتَقِيمٖ) أَيۡ: عَلَى طَرِيقٖ وَاضِحٖ بَيِّنٖ.” (تفسير ابن كثير، 8/181).

لقد بَعثَ اللهُ أنبياءَهُ لِيُصَحِّحوا مَفاهيمَ البَشرِ، ويُقَوِّموا اعوجاجَ الفِكرِ.

جاءَ النَّبِيُّ ﷺ في جَزيرةٍ تَعبُدُ الأصنامَ، فَصَحَّحَ مَفهومَ العِبادةِ وأعلن: «قُولُوا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا» (السيرة لابن هشام 1/420).

ولَمَّا ظَنَّ بعضُ الناسِ أنَّ الكَرَمَ بالإسرافِ، صَحَّحَ القرآنُ المفهومَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].

وحينَ اعتقدَ بعضُهم أنَّ القُوَّةَ بالقوة الجسدية فحسب، صَحَّحَ النَّبِيُّ ﷺ المفهومَ فقال: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِندَ الغَضَبِ» (صحيح البخاري 6114، ومسلم 2609).

قِصَّةٌ تُصَحِّحُ مَفهُومَ “المَسؤُولِيَّةِ”: وجاء في (تاريخ الطبري 4/218) والدينوري في المجالسة (84/ 2 ح:216) وأحمد في الفضائل (290/ 1 ح: 382) عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ طَافَ لَيْلَةً، فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَةٍ فِي جَوْفِ دَارٍ لَهَا، وَحَوْلَهَا صِبْيَانٌ يَبْكُونَ، وَإِذَا قِدْرٌ عَلَى النَّارِ قَدْ مَلَأَتْهَا مَاءً، فَدَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنَ الْبَابِ، فَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللهِ! أَيْشَ بُكَاءُ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانِ؟ فَقَالَتْ: بُكَاؤُهُمْ مِنَ الْجُوعِ. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْقِدْرُ الَّتِي عَلَى النَّارِ؟ فَقَالَتْ: قَدْ جَعَلْتُ فِيهَا مَاءً هُوَ ذَا أُعَلِّلُهُمْ بِهِ حَتَّى يَنَامُوا، وَأُوهِمُهُمْ أَنَّ فِيهَا شَيْئًا. فَجَلَسَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَبَكَى، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ إِلَى دَارِ الصَّدَقَةِ، وَجَعَلَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ دَقِيقٍ وَسَمْنٍ وَشَحْمٍ وَتَمْرٍ وَثِيَابٍ وَدَرَاهِمَ حَتَّى مَلَأَ الْغِرَارَةَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَسْلَمُ! احْمِلْ عَلَيَّ. قَالَ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَنَا أَحْمِلُهُ عَنْكَ. فَقَالَ لِي: لَا أُمَّ لَكَ يَا أَسْلَمُ، بَلْ أَنَا أَحْمِلُهُ لِأَنِّي أَنَا المسؤول عنه فِي الْآخِرَةِ. قَالَ: فَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ مَنْزِلَ الْمَرْأَةِ، قَالَ: وَأَخَذَ الْقِدْرَ فَجَعَلَ فِيهَا دَقِيقًا وَشَيْئًا مِنْ شَحْمٍ وتمر، وجعل يحركه بيديه، وَيَنْفُخُ تَحْتَ الْقِدْرِ، قَالَ أَسْلَمُ: وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ عَظِيمَةً، فَرَأَيْتُ الدُّخَانَ يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِ لِحْيَتِهِ، حَتَّى طَبَخَ لَهُمْ، ثُمَّ جَعَلَ يَغْرِفُ بِيَدِهِ وَيُطْعِمُهُمْ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجَ وَرَبَضَ بِحِذَائِهِمْ كَأَنَّهُ سَبُعٌ، وَخِفْتُ مِنْهُ أَنْ أُكَلِّمَهُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى لَعِبُوا وَضَحِكُوا الصِّبْيَانُ. ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُهُمْ يَبْكُونَ؛ فَكَرِهْتُ أَنْ أَذْهَبَ وَأَدَعَهُمْ حَتَّى أَرَاهُمْ يَضْحَكُونَ، فَلَمَّا ضَحِكُوا؛ طَابَتْ نَفْسِي”.

قالَ الشاعرُ:

إذا غابَ عَقلُ المرءِ ضلَّ فُؤادُه *** وصارَ يَرى الزَّيفَ الهَشيمَ حَقائِقَا

ومَن عاشَ بالفَهمِ السَّليمِ مُوجَّهًا *** أقامَ بُنيانًا من الهُدى ورَواسِخَا

وقال آخر:

إنَّ الفَهمَ سُلطانُ العقولِ بهِ *** تَرقى الأُممُ وتَزُولُ مِحَنُهَا

أيُّها الأحبَّةُ، إنَّ مبادَرةَ “صَحِّحْ مَفَاهِيمَك” لَيسَتْ شِعارًا إداريًّا أو حَملةً عابِرَةً، إنما هِيَ عَودَةٌ إلى جَذورِ الإصلاحِ النبويِّ:

فالغَشُّ مَفهُومٌ فاسدٌ يُولِّدُ جيلًا بلا أمانة.

وتَخريبُ المَرافقِ مَفهُومٌ مريضٌ يُخرِّبُ الأوطانَ.

والخِلافاتُ الأُسَرِيَّةُ مَفهُومٌ مُعوجٌّ يُهدِّدُ المُجتمعَ.

فإذا صَحَّحنا الفِكرَ، استقامتِ الأخلاقُ، وإذا أَصلَحنا المَفاهِيمَ، بَنَينا الحَضارةَ.

العُنْصُرُ الثَّانِي: الغِشُّ وَخُرُوجُ جِيلٍ بِلَا مَسْؤُولِيَّةٍ وَأَثَرُهُ فِي تَخْرِيبِ المُجْتَمَعِ

أيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ، لقد بَيَّنَّا في العنصر الأول أنَّ المفاهيمَ إذا انحرفتْ أفسدتْ الحياةَ، وأخطرُ ما يُصيبُ الأجيالَ أن ينشئوا على مفهومٍ خاطئٍ يُزيّنُ لهم أنَّ “الغشَّ مهارةٌ” أو “حيلةٌ للنجاحِ” أو “طريقٌ للترقّي”.

ولذلك جاءَ النبيُّ ﷺ ليصوِّب هذا المفهومَ من جذورهِ فقال قولتَهُ الصارخةَ الخالدةَ:

“مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (صحيح مسلم 101).

لم يقل: “فقد أذنب” أو “فعلَ صغيرةً”، بل نفاهُ عن أمةِ الإسلامِ، كأنهُ خَلعَ نفسَهُ من دائرةِ الإيمانِ الصادقِ.

 الغِشُّ هَدْمٌ لِلأَمَانَةِ: أيها الأحبةُ، الأمانةُ عِمادُ الدّينِ والحياةِ. فإذا تربَّى الطالبُ على الغشِّ في الامتحانِ، كَبُرَ ليكونَ موظفًا يغشُّ في عملهِ، وتاجرًا يغشُّ في سلعتهِ، ومهندسًا يغشُّ في بناءٍ قد ينهارُ على رؤوسِ الأبرياءِ.

قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 85]. فَجَعَلَ الغشَّ مِن أعظمِ أسبابِ الفسادِ في الأرض.

مرَّ النبيُّ ﷺ على صُبرةِ طعامٍ فأدخلَ يدَهُ فيها، فإذا هي مبتلَّة، فقال: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قال: أصابته السماءُ. قال: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (صحيح مسلم 102).

هنا يربطُ النبيُّ ﷺ بين غشٍّ صغيرٍ في الطعام، وبين خيانةٍ تُسقطُ صاحِبَها من شرفِ الانتماءِ إلى الأمة.

عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ والغِشُّ: خرجَ رضي الله عنه في الليلِ، فسمعَ أمًّا تقولُ لابنتها: امزجي اللبنَ بالماءِ لنكثرَ ربحنا. فقالت البنتُ: يا أُمَّاه، إن كانَ عُمَرُ لا يرانا، فربُّ عُمَرَ يرانا! فكانت هذه الكلمةُ سببًا أن يتزوَّجَها ابنُ عُمَرَ، ويخرجَ من نسلها الخليفةُ العادلُ عُمَرُ بنُ عبدِ العزيز (تاريخ الطبري 5/230).

قِصَّةٌ تُبين أن تركَ الغشِّ لم يَحرمها الرزقَ، بل أورثها نسبًا مباركًا وخلافةً راشدةً!

الغِشُّ وَتَخْرِيبُ المُجْتَمَعِ: أيها الإخوةُ، الغشُّ ليسَ ذنبًا شخصيًّا وحسب، بل جريمةٌ عامّةٌ:

يُخرّبُ التعليمَ فيُخرِّجُ أجيالًا بلا علمٍ.  يُدمّرُ الاقتصادَ حينَ يُفسِدُ التجارةَ، يُضعفُ ثقةَ الناسِ حينَ يعمُّ في الوظائفِ والإداراتِ.

قالَ الشاعرُ:

إذا غُشَّ في الميزانِ ضاعَ عدالُه *** وخانَ الرَّعيةَ مَن وُكِلوا بها

فهذي البلادُ تَهوي بغيرِ أُسسٍ *** إذا صارَ غشٌّ للحقوقِ سبيلَها

قالَ الحسنُ البصريُّ رحمهُ اللهُ: “المؤمنُ لا يَغُشُّ ولا يُخادعُ، ولا يُحبُّ أن يَخدَعَ أحدًا” (الزهد لأحمد بن حنبل ص 226).

وقالَ ابنُ المبارك: “الغشُّ في العلمِ أشدُّ من الغشِّ في الطعامِ والشرابِ” (الزهد ص 324).

أيها المؤمنونَ، من هنا نعلمُ أنَّ الغشَّ ليس مجرّد خطأٍ فرديٍّ، بل هو أساسُ انهيارِ المسؤولية. الطالبُ الذي يتربى على الغشِّ اليومَ هو نفسُه الموظفُ الذي يخونُ الأمانةَ غدًا، وهو نفسُه الذي قد يتعاملُ مع المالِ العامِ بلا وازعٍ، فيخرِّبُ المرافقَ، ويُهدرُ الطاقاتِ، ويُفسِدُ ثقةَ المجتمعِ.

إنَّ مبادرةَ “صحِّح مفاهيمك” جاءت لتقولَ للأمة: إنَّ الطريقَ إلى النهضةِ يبدأُ من تصحيحِ مفهومٍ بسيطٍ في قاعةِ امتحانٍ، لكنهُ يُخرّجُ إنسانًا صادقًا مسؤولًا، لا غشاشًا مخادعًا.

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: الخِلَافَاتُ الأُسَرِيَّةُ وَخَطَرُهَا عَلَى المُجْتَمَعِ

أيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ، إذا أردنا أن نبحثَ عن جذرٍ من جذور الانهيار الاجتماعي، فلن نجدَ أعظمَ من تفكك الأسرة. فالأسرةُ هي اللَّبنةُ الأولى التي يقومُ عليها بناءُ الأمة، فإذا انكسرتْ هذه اللبنةُ، تَصدَّع البناءُ كله.

ولهذا جاء الإسلامُ بالتأكيدِ على حُرمةِ الروابط الأسرية، وجعلها عبادةً يتقرّبُ بها العبدُ إلى اللهِ. قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾ [النساء: 36].

وقالَ النبيُّ ﷺ: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» (صحيح الترمذي 3895).

فدلّ ذلك على أنَّ معيارَ الخيريةِ الحقيقيةِ لا يكونُ في السوقِ أو الميدانِ أو المجلسِ، وإنما في البيتِ، حيثُ تُختبَرُ الأخلاقُ والطباعُ.

أيها الإخوةُ، إنَّ الغشَّ الذي تحدَّثنا عنه في العنصر السابق، حين يُخرِّجُ جيلًا بلا مسؤولية، فإنَّ أوَّلَ ما ينعكسُ أثرُهُ هو على الأسرةِ نفسها: رجلٌ غشَّ في دراسته، فنال شهادةً بلا استحقاقٍ، ثم عجز عن الإنفاقِ أو التصرّفِ برشدٍ.

امرأةٌ لم تُربَّ على المسؤوليةِ، فصارت ترى الزواجَ صفقةً لا ميثاقًا غليظًا.

أبناءٌ ينشؤونَ على الكذبِ والخداعِ، فيحملون هذا الداءَ إلى داخل بيوتهم.

فإذا اجتمعَتْ هذه المفاهيمُ المنحرفةُ، انفجرتِ الخلافاتُ الزوجيةُ، وتحوَّلت البيوتُ إلى ساحاتِ صراعٍ، بدل أن تكونَ مواطنَ سكينةٍ ورحمةٍ.

قال اللهُ تعالى في وصفِ الغايةِ من الزواج: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].

فأين المودةُ والرحمةُ حين تسودُ لغةُ الاتهامِ، وينتشرُ الغشُّ، ويغيبُ التصحيحُ للمفاهيم؟

 أَثَرُ الخِلَافَاتِ الأُسَرِيَّةِ عَلَى المُجْتَمَعِ: أيها الأحبة، الخلافُ في بيتٍ صغيرٍ ليس حدثًا عابرًا؛ إنه شرارةٌ قد تحرقُ أجيالًا:

الأبناءُ الذين يعيشون في صراعٍ أسريٍّ، يكبرونَ بقلوبٍ مضطربةٍ، فينقلون أزماتهم إلى المدارسِ والمجتمعِ.

المجتمعُ يُرهقُ بمعدلاتِ الطلاقِ، وما يترتبُ عليها من مشكلاتٍ اقتصاديةٍ ونفسيةٍ وأمنيةٍ.

الأمةُ تخسرُ طاقاتها حين تتفتّتُ الأسرةُ، ويضيعُ التعاونُ والسكينةُ.

قال الشاعر: إذا البيتُ انقسمتْ جُدرانُه *** تداعى بناؤُه وانهدَّ أساسُه

وكيف.َ يُقيمُ الناسُ مجتمعًا *** إذا الأسرُ تفككتْ حُبُوسُه؟

قالَ عليٌّ رضي الله عنه: “البيتُ أساسُ صلاحِ الولدِ” (نهج البلاغة، خطبة 23).

وكان ابنُ مسعودٍ يقول: “لا سعادةَ لِمَن شقيتْ به أسرتُه” (المصنف لابن أبي شيبة 5/214).

وقال الحسنُ البصري: “البيتُ الصالحُ نعمةٌ من اللهِ، يُهيئُ به صلاحَ المجتمع”.

أيها الأحبةُ، لقد رأينا كيف أنَّ الانحراف في المفاهيم (العنصر الأول) يُنتجُ غشًّا وتفلتًا (العنصر الثاني)، ثم ينتهي إلى خلافاتٍ أسريةٍ وتمزقٍ اجتماعيٍّ (العنصر الثالث).

فالخيطُ الذي يربطُ هذه العناصرَ جميعًا هو: أنَّ الخطأَ الصغيرَ في المفهومِ يولّدُ انكسارًا كبيرًا في المجتمع.

ولذلك جاءت مبادرةُ “صحح مفاهيمك” لتقولَ: ابدأوا من الداخلِ، من تربيةِ الأبناءِ على الصدقِ، من غرسِ الأمانةِ في نفوسهم، من جعلِ الأسرةِ مدرسةً للقيمِ، قبل أن تكونَ مجردَ مكانٍ للمعيشة.

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: تَصْحِيحُ المَفَاهِيمِ مِفْتَاحٌ لِنَهْضَةِ الأُمَمِ وَعِزَّتِهَا

أيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ، لقد تبيَّنَ لنا من خلال المحاور السابقة أنَّ كثيرًا من مآسينا تبدأ من مفهومٍ خاطئ أو فكرةٍ منحرفةٍ:

مفهومٌ يرى أنَّ الغشَّ ذكاءٌ أو وسيلةٌ سهلةٌ للنجاح.

مفهومٌ يعتبر أنَّ الممتلكاتِ العامةَ لا حرمةَ لها، فيتلفُها ويخربُها.

مفهومٌ يظنُّ أنَّ الخلافاتَ الزوجيةَ أمرٌ هيّنٌ، حتى ينتهي الأمرُ إلى الطلاقِ وتشريدِ الأبناء.

وهذا ما يجعلُ مبادرةَ “صحح مفاهيمك” ليست مجرّدَ حملةٍ توعويةٍ، بل رسالةً دينيةً وحضاريةً؛ لأنَّ تصحيحَ المفهومِ هو تصحيحٌ للطريقِ بأسره، وإنقاذٌ للمجتمعِ من الانهيار.

 أَصْلُ الدَّاءِ: مَفَاهِيمُ مُنْحَرِفَةٌ

قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الملك: 22].

قال الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين: “فسادُ القلوبِ منشؤهُ فسادُ التصوراتِ والمفاهيمِ، فإذا صلحَتْ تصوراتُ الناسِ استقامَتْ أعمالُهم” (إحياء علوم الدين 1/37).

قصة الغزالي مع طلبة العلم: دخل الغزالي يومًا على طلابه، فقال: “يا أبنائي، لا تُحفظ العلومُ بألفاظها فقط، وإنما تُحفظ بمقاصدها، ومن ضيّعَ المقاصدَ فقد ضيّعَ الدين”. درسٌ بليغ: أنَّ العلمَ بلا فهمٍ صحيحٍ يُخرِّجُ أناسًا يفسدون أكثر مما يصلحون.

قصة عمر مع ولاته: كان عمرُ رضي الله عنه يكتبُ إلى ولاته: “إنَّ أهمَّ أمركم عندي الصلاةُ، فمن ضيّعها فهو لما سواها أضيع.

 مفهومٌ واضحٌ يضع الأمورَ في نصابها: إذا ضاع الأصلُ ضاع الفرعُ.

قال الشاعر: إذا استقامَ الفَهمُ لانَ طريقُنا *** وانقادَ في دربِ الحياةِ مُرادُنا

ما ضلَّ قومٌ صَحَّحوا أفكارَهم *** لكنْ تفرّقَ بالخطأْ أولادُنا

وقال آخر:  وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ *** فإنْ همُو ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا

أيها الأحبة، إنَّ تصحيح المفاهيم هو الركيزةُ التي تُبنى عليها الأمم:

يصححُ الطالبُ مفهومَه عن الغشِّ، فيُصبحُ عالمًا نافعًا.

يصححُ الشابُّ مفهومَه عن الممتلكاتِ العامةِ، فيُصبحُ مواطنًا صالحًا.

تصححُ الأسرةُ مفهومها عن الزواجِ والطلاقِ، فيثبتُ المجتمعُ على المودّةِ والرحمة.

ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].

اللَّهُمَّ أصلِحْ قلوبَنا، ونوِّرْ بصائرَنا، وصحِّحْ مفاهيمَنا، واجعلْنا هداةً مهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مضلِّينَ.

أيها الأحبة، لقد رأينا كيف أن: الغشَّ يخرجُ جيلًا بلا مسؤولية.

تخريبَ الممتلكاتِ يعكسُ قلبًا بلا أمانة.

الخلافاتِ الأسريةَ ثمرةُ غيابِ التربيةِ الصحيحةِ.

وجميعها يجتمعُ تحت عنوانٍ واحدٍ: مفاهيمُ تحتاجُ إلى تصحيح.

فإذا نجحت مبادرةُ “صحح مفاهيمك”، فقد نجحنا في غرسِ بذرةِ الإصلاحِ، وأقمنا صرحَ النهضةِ، ووضعنا الأساسَ المتينَ لبناءِ المجتمع.

عبادَ اللهِ، ألا فلتعلموا أنَّ هذه المبادرةَ المباركةَ ليست خيارًا تجميليًّا، وإنما هي ضرورةٌ إيمانيةٌ ومجتمعيةٌ. فصحّحوا مفاهيمَكم، وعلّموا أبناءَكم الصدقَ والأمانةَ، واغرسوا في بيوتِكم معاني المودّةِ والرحمةِ، يكنْ لكم عند اللهِ أجرٌ عظيمٌ، وعند الناسِ ذِكرٌ جميلٌ.

اللَّهُمَّ أصلِحْ قلوبَنا، ونوِّرْ بصائرَنا، وصحِّحْ مفاهيمَنا، واجعلْنا هداةً مهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مضلِّينَ.

اللَّهُمَّ اجعلْنا من الَّذين يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنَهُ.

اللَّهُمَّ اجعلْ هذه الأمةَ يدًا واحدةً على الحقِّ، وأصلِحْ بيوتنا، وحَفِّظْ أبناءَنا، وزَيِّنْ نساءَنا بالعفافِ والصلاحِ.

وصلَّى اللهُ على سيّدنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعينَ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

 

د. أحمد رمضان

خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير: الدكتور أحمد رمضان

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وأيضا للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وكذلك للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

-كذلك للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

وأيضا للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى