أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة، بعنوان: من أسرار وأنوار تشريف الله تعالى للزمان فضل العشر الأوائل من ذي الحجة، د/ أحمد علي سليمان

خطبة الجمعة، بعنوان: من أسرار وأنوار تشريف الله تعالى للزمان فضل العشر الأوائل من ذي الحجة كيف نتعرض لنفحات الله فيها؟ الأضحية معانيها ومراميها ومقاصدها التربوية الانتحار يأس من رحمة الله، بقلم المفكر الإسلامي الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الجمعة: 3 ذي الحجة 1446هـ / 30 مايو 2025م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 30 مايو 2025م ، للدكتور أحمد علي سليمان بعنوان : من أسرار وأنوار تشريف الله تعالى للزمان فضل العشر الأوائل من ذي الحجة :

لتحميل خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 30 مايو 2025م ، للدكتور أحمد علي سليمان بعنوان: من أسرار وأنوار تشريف الله تعالى للزمان فضل العشر الأوائل من ذي الحجة، بصيغة  pdf أضغط هنا.

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 30 مايو 2025م ، للدكتور أحمد علي سليمان ، بعنوان : من أسرار وأنوار تشريف الله تعالى للزمان فضل العشر الأوائل من ذي الحجة : كما يلي:

الحمد لله الذي أقام من كل موجود دليلاً على عزته، ونَصَبَ عَلَمَ الهدى على باب حجته، الأكوان كلها تنطق بالدليل على وحدانيته، وكل موافق ومخالف في الخلق يمشي تحت إرادته ومشيئته..
إن رفعت بصرَ الفكر ترى الفلك في قبضته، وتُبصر شمسَ النهارِ وبدرَ الدجى يجريان في بحرِ قدرته…
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وقيوم السموات والأرضين..
وأشهد أن سيدنا محمدًا (ﷺ) عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، قال تعالى في شأنه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107) ، فاللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على مبعوث العناية الإلهية، وشمس الهداية الربانية، خير الخلق عندك، وأكرمهم لديك، وأحبهم إليك، سيدنا محمد (ﷺ) الذي جاءنا بالبينات والذكر الحكيم.
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فإنها وصيه الله للأولين والآخرين، قال تعالى: (…وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ…) (النساء: 131)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران: 102)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 70-71).
أما بعد .. أيها المؤمنون في كل مكان:
من عظيم رحمات الله بالإنسان أنه لم يجعل الأيام تسير على وتيرة واحدة، أو على نحو رتيب يبعث الملل والرتابة في النفوس والعقول والقلوب، والحياة؛ بل إنه (جلَّ وعلا):
• نوَّعها
• وصنَّفها
• ومهَّدها
• وعبَّدها للحياة (للعبادات والمعاملات)،
• وجعل فيها مواسم للعبادات والطاعات والأعياد؛ لتسعد القلوب والنفوس والأجساد والحياة بمنهج الله.
أشهر الحج، وأيام الحج، والأيام المعلومات، والأيام المعدودات
ولنا هنا وقفة توضيحية مع أشهر الحج، ومع أيامه، ومع الأيام المعلومات، والأيام المعدودات…
• فأشهر الحج أيها المؤمنون هي شوال وذو القعدة وذو الحجة
• وأيام الحج ستة أيام، وهي: (يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، ويوم عرفة، وهو اليوم التاسع، ويوم النحر وهو يوم العاشر، إضافة إلى أيام التشريق الثلاثة).
• والأيام المعلومات هي العشر الأوائل من ذي الحجة قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج:27-28) .
• أما الأيام المعددوات فهي أيام التشريق الثلاثة وهي المقصودة في قول الله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (البقرة:203)، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.
فضل الأيام والأزمنة والأماكن
فضَّل الله (سبحانه وتعالى) بعضَ الساعات على بعض، وبعض الأيام على بعض، وبعض الليالي على بعض، وبعض الشهور على بعض، وبعض الأماكن على بعض، وبعض الناس على بعض، ورفع بعض الأنبياء فوق بعض درجات، واصطفى من الأمم أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واختصها بالخيرية والرحمة.
قراءة في تشريف الله تعالى للزمان
1. أنَّ الله تعالى شرَّف ساعةً في جوف الليل وهي وقت السَّحر لمناجاة الله وتقبُّل الدعاء:
جعلها الله وقتًا لا يُردُّ فيه سائل، ولا يُخيَّب فيه داعٍ، وهي أقرب ما يكون العبدُ من ربِّه.
2. أنَّ الله تعالى شرَّف ساعةً في يوم الجمعة، فجعلها ساعةً عظيمة يُستجاب فيها الدعاء، ولا يُرد فيها السائل، وقد أخفاها في اليوم ليتحرَّاها المؤمن، فيظلّ مقبلًا على ربِّه برجاءٍ وخشوع.
3. أنَّ الله تعالى شرَّف يومًا في الأسبوع وهو (الجمعة):
سيِّد الأيام، فيه خُلق آدم، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة إجابة لا يُردُّ فيها الدعاء.
4. أنَّ الله تعالى شرَّف ليلةً في العام وهي (ليلة القدر):
ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، أُنزل فيها القرآن، وتتنزَّل فيها الملائكةُ بالرَّحمة والسَّلام.
5. أنَّ الله تعالى شرَّف يومًا في العام وهو (يوم عرفة):
يومُ العتق الأكبر، ويوم إكمال الدين، ويوم المغفرة، وخير أيام الدنيا.
6. أنَّ الله تعالى شرَّف يومين كريمين في العام وهما (عيد الفطر وعيد الأضحى):
7. أنَّ الله تعالى شرَّف شهرًا في العام وهو (رمضان):
شهرُ القرآن، والصِّيام، والقيام، والرَّحمات، والفُتوحات.
8. أنَّ الله تعالى شرَّف أيّامًا هي تاج الزمان (عشر ذي الحجة):
أحبُّ الأيام إلى الله، والعمل فيها أعظم أجرًا، ويوم عرفة فيها هو ذروتها، وخير أيام الدنيا على الإطلاق.
9. أنَّ الله تعالى شرَّف أيّام التشريق الثلاثة.
لماذا أقسم الله بالفجر وليال عشر؟
أقسم الله تعالى بالفجر في مستهل سورة الفجر، جاء القسم به منفردًا، متبوعًا بأقسام أخرى مثل فقال: (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ . وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ . وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) (الفجر: 1-4) . والله سبحانه لا يُقسم إلا بشيء عظيم، مما يدل على عظمته وأهميته في منظومة الزمن والعبادة والدلالة الكونية.
والله إذا أقسم بشيء من مخلوقاته، فإنما ينبّه العقول إلى أهميته، ويحثّ على التدبر فيه. ومن ذلك قسمه (عز وجل) بـ:
• الشمس (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) (الشمس: 1).
• والقمر (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) (الشمس: 2).
• والنهار (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) (الشمس: 3).
• والليل (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) (الشمس: 4).
• والسماء (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) (الشمس: 5)، (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) (البروج: 1)، (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) (الطارق: 1).
• والأرض (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) (الشمس: 6).
• والنَّفس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) (الشمس: 7).
• والضحى (وَالضُّحَىٰ) (الضحى: 1).
• والتين (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) (التين: 1).
• كذلك أقسم بالفجر (وَٱلۡفَجۡرِ) (الفجر:1)، وهو وقت عظيم لما فيه من أسرار كونية وروحية، ومعانٍ إيمانية وأخلاقية.
فالفجر لحظة انبثاق النور بعد ليل طويل مظلم، كأنها وعد رباني بأن النور آتٍ مهما طال الظلام، وأن الفرج قادم مهما اشتدت الكربات.
وهذا المعنى يتكرر في سنن الله تعالى، فكما يطلع الفجر بعد كل ليل، فإن لكل محنة نهاية، ولكل ظلم زوال، ولكل دولة طاغية كإسرائيل حدّ تقف عنده. ذلك لأن القسم بالفجر جاء في سياق سورة كريمة تتحدث عن مصائر الأمم، كعاد وثمود وفرعون، الذين طغوا وبغوا، فأهلكهم الله، وفي ذلك دلالة عميقة؛ إذ إن الفجر ليس فقط وقتًا زمنيًا، بل هو رمز لبزوغ الحق بعد ظلمة الباطل، ولقيام العدل بعد امتداد الطغيان. فالفجر إيحاء بقدوم الخلاص، وبدء عهد جديد… وهنا نسوق البشارة لكل المستضعفين من أهل في فلسطين الأبية بأن نصر آت مهما فعل الطغاة.
والفجر، إذًا -أيها القارئ الكريم- ليس مجرد وقت من اليوم، بل هو:
– إعلان إلهي ببداية جديدة،
– وهو رمز لفجر الحق،
– وفجر العدل،
– وفجر الهداية.
كما أنه في حياة الفرد بداية جديدة كل يوم، يستفتحها المؤمن بالركوع والسجود والدعاء، ليبارك الله يومه ويسدده.
وقد اختص الله وقت الفجر بفضل عظيم، فجعل فيه صلاة الفجر، التي تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، كما قال تعالى: (…وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء: 78) ، وجعل رسول الله (ﷺ) صلاة الفجر في جماعة من أفضل الصلوات؛ لما فيها من إخلاص ومجاهدة للنفس، وصدق في العبادة.
كما أنه في وقت الفجر:
• تهدأ الدنيا.
• وتسكن النفوس.
• وتتصل الأرواح بخالقها في صفاء ونقاء.
• وهي لحظة يفيض فيها النور، لا في الأفق فحسب، بل في القلب أيضًا.
إن مشهد الفجر في ذاته آية من آيات الله، يتبدل فيه الكون، وتتحرك الكائنات، وتتنفس الأرض، وتنبعث الحياة، فسبحان من أقسم بهذه اللحظة البديعة التي تجمع بين الجمال الكوني، والفضل الرباني، والدلالة الإيمانية. وإذا تأمل المؤمن الفجر بعين بصيرته، أدرك لماذا رفعه الله إلى منزلة القسم، ولماذا جعله مفتتح سورة تتناول مصائر الأمم، وتدعو الناس إلى الرجوع إلى الله والتأمل في آياته.
وبعد هذا الاستهلال والجلال الخاص بالفجر، وكأنه تمهيد وتمجيد لما يأتي… هنا يستكمل الجليل ذي الجلال والإكرام (جل وعلا) القسم بـقوله تعالى: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ)..
ما المقصود بالليالي العشر، في قوله تعالى: (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ)؟
اختلف أهل التأويل في هذه الليالي العشر أيّ ليال هي، فقال بعضهم: هي ليالي عشر ذي الحجة، وقيل غير ذلك كما سنوضح بالتفصيل:
جاء في تفسير الإمام ابن كثير (رحمه الله) أن المراد بالليالي العشر: عشر ذي الحجة . كما قاله ابن عباس ، وابن الزبير ، ومجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف .
وقال الإمام القرطبي (رحمه الله) : وليال عشر أي ليال عشر من ذي الحجة . وكذا قال مجاهد والسدي والكلبي في قوله : وليال عشر هو عشر ذي الحجة ، وقال ابن عباس . وقال مسروق هي العشر التي ذكرها الله في قصة موسى – عليه السلام – وأتممناها بعشر ، وهي أفضل أيام السنة . وروى أبو الزبير عن جابر أن رسول الله – (ﷺ) – قال : ” والفجر وليال عشر – قال : عشر الأضحى ” فهي ليال عشر على هذا القول؛ لأن ليلة يوم النحر داخلة فيه ، إذ قد خصها الله بأن جعلها موقفا لمن لم يدرك الوقوف يوم عرفة .
وجاء في تفسير البغوي (وليال عشر) روي عن ابن عباس : أنها العشر الأول من ذي الحجة . وهو قول مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، والكلبي .
• وقال أبو روق عن الضحاك : هي العشر الأواخر من شهر رمضان .
• وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : هي العشر الأوائل من شهر رمضان .
• وقال يمان بن رباب : هي العشر الأول من المحرم التي عاشرها يوم عاشوراء .
ويحسم الإمام الطبري (رحمه الله) الخلاف بقوله: والصواب من القول في ذلك عندنا: أنها عشر الأضحى لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه، وأن عبد الله بن أبي زياد القَطْوانيّ، حدثني قال: ثني زيد بن حباب، قال: أخبرني عياش بن عقبة، قال: ثني جُبير بن نعيم، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله (ﷺ) قال: “(وَٱلۡفَجۡرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ) قال: عَشْرُ الأضْحَى”.
وَلَيَالٍ عَشْرٍ.. لماذا جاءت نكرة في السياق القرآني، ولماذا أضيفت؟
لماذا جاءت نكرة؟
“وإنما نُكِّرَت (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) ولم تُعَرَّف؛ لفضيلتها على غيرها ، فلو عُرفت لم تستقبل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير ، فنكرت من بين ما أقسم به ، للفضيلة التي ليست لغيرها.
ولماذا أضيفت؟
عن ابن عباس (رضي الله عنهما): (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (بالإضافة) يريد: وليالي أيام عشر”.. والله أعلم ( ) .
علو قدر عشر ذي الحجة
فلماذا فضّلها الله؟
فضَّل الله (سبحانه وتعالى) والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة، فجعلها موسمًا فريدًا للطاعات، تتجلى فيه نفحات الرحمة والفضل.
لقد عظَّم الله هذه الأيام وفضَّلها؛ لأن فيها تجتمع أمهات العبادات: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، وهي العبادات التي لا تجتمع في غيرها من أيام السنة، فكانت بذلك ميدانًا شاملاً للعمل الصالح، الذي هو أحبُّ إلى الله في هذه الأيام من أي وقت آخر، حتى قيل إن العمل فيها أفضل من الجهاد، إلا من خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشيء.
وهي أيام عظيمة أقسم الله بها في كتابه العزيز، وهي الأيام التي يُستحب فيها الإكثار من الذكر والتكبير والتحميد، وهي الأيام التي أكمل الله فيها الدين، ففي يوم عرفة منها نزل قول الله تعالى: (…الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ….) (المائدة: 3).
وقال السعدي (رحمه الله) في أيام عشر ذي الحجة، الوقوف بعرفة، الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان، فما رئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة، لما يرى من تنزل الأملاك والرحمة من الله لعباده، ويقع فيها كثير من أفعال الحج والعمرة، وهذه أشياء معظمة، مستحقة لأن يقسم الله بها.
فيا سعدَ من اغتنم هذه الأيام، وجدَّ واجتهد، وتاجر مع الله في موسم العطاء، فإنها فرصة لا تُعوض، وعطية من الله لمن وفّق وسُدِّد…
وفيما يلي أبرز فضائل هذه الأيام المباركة:
1. اجتماع أمهات العبادات فيها.
فهي الأيام الوحيدة التي تجتمع فيها العبادات الكبرى أو كما قيل أمهات العبادات -كما أشرنا-، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يكون ذلك في غيرها من الأيام.
2. أحب الأيام إلى الله تعالى
عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (ﷺ): (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام يعني أيَّامَ العشرِ).
قالوا : يا رسولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ ؟
قالَ (ﷺ): (ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ) ( ) .
3. أيام خيرات وبركات ونفحات وإجابة الدعوات
لشرف الزمان وفضل الأيام، يُضاعف فيها الأجر والثواب، وتُفتح فيها أبواب الرحمة والمغفرة.
قال رسول الله (ﷺ): (إنَّ لِربِّكم عزَّ وجلَّ في أيَّامِ دهرِكم نَفَحاتٍ فتعرَّضوا لها لعَلَّ أحَدَكم أنْ تُصيبَه منها نَفحةٌ لا يشقى بعدَها أبدًا) ( ) .
4. فيها يوم عرفة
وهو اليوم التاسع، وهو أفضل أيام السنة، ويكفر صيامه سنة ماضية وسنة مقبلة ، يقول النبي (ﷺ): (…صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ…) ( ) .
رواه مسلم.
5. فيها أعظم الأيام: يوم النحر
وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم عيد الأضحى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أعظَمَ الأيامِ عندَ اللهِ يومُ النحْرِ، ثم يومُ القَرِّ. وهو اليومُ الثاني) ( ) .
وهكذا فإن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحْرِ، وهو عاشر ذي الحجة، ثم يوم القَرِّ، وهو ثاني يوم النحر، وسمي بذلك؛ لأن الحجيج يقرون فيه بمنى بعدما أدوا أعمالهم، وليس لهم أن يغادروا منى في هذا اليوم.
6. الذكر فيها مستحب ومندوب
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ . ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (الحج: 25-30).
وكان الصحابة يُكثرون من التكبير والتهليل والتحميد فيها، في البيوت والأسواق والمساجد.
7. فرصة للتوبة والرجوع إلى الله
من ضيّع رمضان، فلا يُضيّع عشر ذي الحجة، فهي فرصة أخرى من الله تعالى، للتوبة والمغفرة ورفع الدرجات.
8. فيها يجهز المضحي أضحيته
كما سنوضح تفصيليا في السطور القادمة.
8. يليها أيام التشريق:
• وسميت بأيام التشريق لأن الحجاج كان يشِّرقون فيها لحوم الأضاحي أي يقطعونها قطعا صغيرة ويعرضونها للشمس؛ أي يقددونها، لكي تجفَ وحتى لا تفسد.
ومن فضائل أيام التشريق أن النبي (ﷺ) قال: ( أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) وفي رواية : زاد فيه (وذكرٍ لله)( ) ، فلا يجوز صومها إلى لمن لم يجد الهدى في الحج.
وفيها يجتمع للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب، ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر
فهي أيام أكل وشرب والإسلام إذًا يريد مسلمًا تجري في عروقه دماء الصحة، والقوة، والسلامة، والعافية، والأخلاق، والإتقان، والإحسان.
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (ﷺ) قال: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) ( ) .
فالأمَّة بحاجةٍ إلى المؤمن القويِّ في عقيدته، القوي في أخلاقه، القويِّ في صلته بالله، القويِّ في علمه وعمله وإبداعه، القوي في مهاراته وخبراته وجداراته، القوي في احترام مخلوقات الله، القوي الحفاظ على وطنه ومقدراته، القوي في جميع مناحي الحياة..
• فمن استعان بنعم الله تعالى على طاعة الله، وتقوى الله، ورضا الله، ومرضاة الله فقد فاز وحاز رضا الله في الدنيا والآخرة.
• ومن استعان بنعم الله على معصية الله وعلى إيذاء خلق الله فقد باء بالخسران المبين..
أيها المؤمنون: إنها أيام أكل وشرب وذكر:
فقد جرت سنة الله الماضية أنه بعد كثير من العبادات يكون الذكر: فعلى سبيل المثال:
*عند الانتهاء من الصلاة جاء الأمر بالذكر، قال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) (النساء: 103) .
**وعند الانتهاء من صلاة الجمعة أوجب الله الذكر، قال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة: 10)
***وبعد الانتهاء من الوقوف بعرفات يكون الذكر: قال تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (البقرة: 198)
***وعند الانتهاء من مناسك الحج أمر بالذكر فقال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (البقرة: 200)
• يُستحب للمؤمن أيضا أن يُكثر من الذكر والتسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، وقراءة القرآن، والصلاة على النبي (ﷺ) في هذه الأيام، وفيها رمي الجمار، والتكبير عند رميها، والدعاء بين الجمرتين، والذبح والتسمية، وفيها التكبير المقيد بعد الفرائض، والتكبير المطلق في الأسواق والطرقات والبيوت وفي كل مكان.. يجب علينا أن نستغل هذه الأيام لنرقي علاقتنا بالواحد الديان..
مراتب الصيام في الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة
كيف نستثمر هذه الأيام المباركات؟
يقول تعالى: (وفي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين:٢٦)،وقال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين) (آل:عمران:١٣٣).
أفضل الأعمال في العشر:
1. الصلاة (في وقتها، بخشوع، مع السنن والنوافل).
2. الصيام، خصوصًا يوم عرفة.
3. بذل الصدقة على الفقراء والمساكين.
4. ذكر الله: تكبير وتهليل وتحميد.
5. قراءة القرآن والتدبر في مبانيه ومعانيه ومراميه ومقاصده.
6. صلة الرحم وبر الوالدين.
7. الحج والعمرة.
8. التوبة النصوح.
إنها أيام ذكر والذكر له أسرار وأنوار وفضله عظيم
إنها أيام تكبير
التكبير في العشر نوعان
• تكبير مطلق لمدة (ثلاثة عشر يوما): يبدأ من أول ذي الحجة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق (13 ذي الحجة).
• تكبير مقيد لمدة (خمسة أيام): يبدأ بعد الصلوات المفروضة من فجر يوم عرفة ويوم العيد حتى عصر يوم الثالث عشر.
أيها الأخوة المؤمنون: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمدًا (ﷺ) رسولُ الله.. عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله.. يقول الحق (تبارك وتَعَالَى): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران: 102) أما بعد..

قراءة في ابتلاءات أبي الأنبياء وإمام المبتلين
الأضحية.. معانيها ومراميها ومقاصدها التربوي
الأضحية لفظة حُبلى بالمعاني السامقة تشع نورا وسرورًا، ولها وقع جليل على القلوب والنفوس.. إنها رمز للفداء وصبر على البلاء واقتداء بأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام.. كما ترمز إلى الامتثال والطاعة.. والرضا والتسليم.. واحترام أقدار الله في الخلق والكون والحياة.. وتعني صدق الصبر وصبر الصدق مع اللطيف الجليل… وتعني الفرج والفرح.. الإيثار، والبعد عن الأنانية، والتكافل والرحمة والتوسعة على أصحاب العوز والفاقة.. إنها حقا السعادة والإسعاد بفضل الله..
وعندما يَهِلُّ علينا شهرُ ذي الحجة، تَحِلُّ علينا النفحات والبركاتُ ونتنسم ذكريات غالية، تدفعنا دفعا للتأمل والتدبر في ابتلاءات خليل الرحمن أبي الأنبياء وإمام المبتلين، والاقتداء به في صبره على البلاء العظيم.. ويحدونا الشوق والحنين إلى زيارة البيت الحرام.. تهفو النفوس وتشتاق القلوب إلى زيارة المصطفى (ﷺ) .
الأضحية في ضمير الزمان:
إن الابتلاء المقرون بالصبر والتسليم والتأدب مع الله والامتثال لأوامره واجتناب نواهيه هو طريق النجاة.. والأضحية تذكرنا دوما بالابتلاء العظيم؛ وتعيد الذاكرة الجمعية للأمة إلى أنواع فريدة وجليلة من الابتلاءات.. ولقد ابتلى الله تعالى سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم (عليه السلام) ابتلاءات عظيمة، حيث ابتلاه في ولده إسماعيل ابتلاءين كبيرين:
• فبينما هو شيخ كبير ظل يرقبه في ضمير الزمان مدة طويلة، إذ به يؤمر بأن يودعه في مكان موحش هو وأمه، حيث لا أنيس ولا ونيس غير الله، بوادٍ غير ذي زرع.. لا ماء ولا غذاء في تلك البقعة الجرداء..!! وتقول زوجته السيدة هاجر: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لن يُضَيِّعنا الله.. ويمر الوقت، وينفد الماء والزاد.. الصغير يبكي جوعًا وعطشًا.. وقلب الأم يبكي.. بكاء الرضيع يزيد.. ويقينها في ربها يزيد.. فإذا بها تندفع وتجري بين الصفا والمروة.. تنظر يمينًا ويسارًا.. تنظر إلى الأمام وإلى الخلف، فلا تجد شيئًا إلا الثقة بالله.. وكلَّما اقتربت من رضيعها ازداد تألُمها.. حرارة الشمس شديدة، والرضيع لا يفتر عن البكاء.. تندفع بين الصفا والمروة مرة ثانية عساها تجد ما لم تجده في جولتها الأولى، وأخذت تتردد سعيًا بينهما رجاء الفرج، وهي بعيدة عنه بجسدها دون قلبها، حتى إذا هلك يهلك وهي بعيدة عنه ولا تراه..!! لم تيأس من روح الله.. بل ظلت تسعى واليقين في الله حليفها.. ولما بلغت شوطها السابع فإذا بلطف الله يأتيهما.. نظرت من بعيد؛ فإذا بها تجد عينًا تتفجر في وسط الرمال!! ويا لها من كرامة كبرى تخطت حدود الزمان والمكان والحال!! فهرعت إليه لتروي ظمَأَه وظمَأهَا الذي كاد أن يُودي بهما.. إنها زمزم التي تعد شاهد عيان على مكافأة الله للممتثلين لأوامره الصابرين على بلائه؛ لذلك شُرِعَ السعي بين الصفا والمروة، وجُعِلَ شعيرة من شعائر الحج، وكذلك الشرب من ماء زمزم.
• ولما بلغ إسماعيل أشده إذا بابتلاء آخر ينتظره وينتظر أباه؛ إذ رأي إبراهيم في منامه أن الله تعالى يأمره بذبح ولده إسماعيل، قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102).
وهنا يتجلى الأدب الرفيع العالي.. أدب إبراهيم مع ربه جل وعلا، وأدب إسماعيل مع أبيه عليهما السلام.. إبراهيم يريد أن ينفذ أمر الله بذبح ابنه الوحيد الذي جاءه بعد شوق طويل!! وإسماعيل يضرب أروع الأمثال في الصبر على البلاء وطاعة الآباء، والتأدب مع والده.. فقال: يا أبت -ولم يقل يا أبي- زيادة في الأدب والتبجيل والتعظيم له.. لم يعترض.. لم يهرب.. لم يتلفظ ببنت شفه تغضب ربه أو أباه، بل سلَّم الأمرَ كله لمولاه!!.
ويا ليتنا نتعلم هذه المعاني من أخلاق الأنبياء، ومن كتاب الله الخالد الذي صوَّر هذا المشهد البالغ الدقة، بقول الله تعالى: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ المُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات:103-107).
وهكذا لما امتثل الولدُ والوالدُ لأمر الله؛ كان الجزاء هذا الفداء المهيب الذي لم يأت من الأرض، بل نزل من السماء.. من أجل ذلك شرعت الأضحيةُ في الإسلام، وجعل الله ثوابهَا عظيمًا ونفْعَهَا عميمًا… وفي هذه الأيام ونحن نتذكر هذه الذكريات.. نتذكرها وقلوبنا تمتلئ إعظامًا وإكبارًا لسيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل وسيدنا محمد ولرسل الله كافة عليهم السلام؛ لما بذلوه من جهد وعناء ومشقة وابتلاءات في سبيل الدعوة إلى الله..
ومن المقاصد التربوية التي نتعلمها هنا أن كلا من الابتلاءين تعلق بحياة ابنه الوحيد برمتها، فالأول وضعه وهو رضيع في مكان موحش لا ماء فيه ولا غذاء ولا أمن ولا أمان، والثاني ما يتعلق بالذبح بعدما شب عن الطوق واشتد ساعده.. وهكذا فإن الابتلاءات التي تتعلق بالحياة ابتلاءات عظيمة، ولكن الخليل يثق في رحمة الجليل.. ويوقن أن ما شاء الله سيكون، وما لم يشأ لن يكون..
وهكذا يجب أن نعود إلى ربنا ونمتثل له؛ حتى يشملنا الجليل برحمته التي شملت الخليل وابنه عليهما السلام.
فقه الأضحية:
الأضحية نوع هدية وقربان يتودد بها المضحي إلى الرحمن.. فانظر أيها المضحي قدر المهدَى إليه، وقدِّم له الأطيبَ الأنضرَ، ولا يغيب عن ذهنك قوله تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج: 37). كم يلحقك من الخجل أخي القارئ الكريم لو قدمت لرئيسك أو صديقك أو زميلك أو صهرك شيئًا معيبًا؟! فما بالك بما تقدمه لله؟! فلا أقل من أن تختار لربك، كما اخترت لصاحبك وصهرك. فاتق الله فيها، حتى لا تكون وسيلة طرد ومقت، بدلًا من أن تكون وسيلة حب وتقرب إلى الجليل جلا وعلا..!!.
وهكذا يجب أن نتحرى الدقة في أضاحينا، ونختار أفضلها وأجودها؛ فالذكر فيها أفضل من الأنثى، وأفضلها البيضاء، ثم الصفراء، ثم العفراء، ثم الحمراء، ثم السوداء. مع الأخذ في الاعتبار أنه لا تُجزئ عوراءٌ بَيِّنٌ عَوَرُها، ولا عرجاء بَيِّنٌ عرجُها، ولا مريضةٌ لا شحم لها، ولا مقطوعة الأذن أو مكسورة القرن.
ومن العجب أن تجد مَن يُضَحِّي بمقطوعة الأذن أو العمياء أو العرجاء أو العوراء، فهؤلاء لم تنعقد لهم أضحية.. كذلك الذين اشتروا لحمًا من الجزار، أو ذبحوا دجاجة أو أوزة.. أو غيرها مما لم يرد نص بإجزائه، أو الذين ذبحوا قبل وقت الوجوب، وهكذا يجب أن نلتزم شروط القربان..
وعن آدابها فيسن لمن أراد أن يضحي ألا يقلِّم أظافره ولا يقصَّ شيئا من شعره حتى يضحِّي. عن أم المؤمنين أم سلمة (رضي الله عنها) أن رسول الله (ﷺ) قال: (إذا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الحِجَّةِ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وأَظْفارِهِ) ( ) .
ويُسن أن تذبح الأضحية بنفسك -إن كنت تحسن الذبح- وأنت تستقبل القبلة، ناويًا بها القرب إلى الله، وتحد شفرتك، وتُرِح ذبيحتك.. والغنم تضجع على شقها الأيسر بيسر، ولا تُرِيها المُدْيَة “أي السكين“.
وإذا كان مقام الإحسان من الغايات الكبرى التي يسعى المسلم لتحقيقها، فإن الله أراد أن يربينا ويدربنا من خلال الأضحية على أن يكون الإحسان منهج حياة..
فعَنْ أبي الأشعث، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أوْسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ: (…إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ…) وقال: (…وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) ( ) .
ويستحب أن تقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك وإليك فتقبله مني وأهلي، كما تقبلته من إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم.
ويستحب –وليس واجبا- أن تقسم ثلاثًا: ثلث لبيتك، وثلث للصدقة، وثلث للهدايا.. ولا يجوز أن تكون أجرة ذبح الأضحية جزءا منها..
دروس من تضحية النبي (ﷺ) عن الفقراء:
أراد النبي (ﷺ) أن يجبر خاطر الفقراء والمساكين من أمته ممن لا يستطيع أن يضحي، فضحى عنهم إكراما لهم كما ضحى عن أهل بيته.
فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: (ضحَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكبشينِ أقرنينِ أمْلَحَيْنِ أحدِهما عنه وعن أهلِ بيتِه والآخرِ عنه وعن من لم يضحِّ من أمتِهِ) ( ) .
وفي صنيع النبي (ﷺ) ، دروس ومقاصد تربوية من بينها: تعليم أمته من بعده معاني التضحية، وجبر الخاطر، والإيثار، وإشاعة معاني المساواة، وأن تتسع معالم الرحمة والتكافل في المجتمع لتشمل شتى الجوانب المادية والمعنوية؛ لينعم مجتمع الإيمان بمنظومة القيم البانية التي من شأنها تحقيق المجتمع الصالح.
من مظاهر تكريم الله للأضحية:
ومن مظاهر تكريم الله للأضحية ما يلي:
– أنها ارتبطت بـ: نبيين كبيرين هما: (أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم)، و (أبو العرب سيدنا إسماعيل) عليهما السلام..
– أن الله تعالى رتب على فعلها أجرا عظيما وحث النبي (ﷺ) على فعلها ورغَّب فيها.
– أن الله عز وجل اختار لها أربعة أيام من أفضل أيام العام (عيد الأضحى وأيام التشريق الثلاثة).
أنها تأتي عقب عبادة وبعد أيام عظَّم الله فيها أجر العبادة وهي العشر الأوائل من ذي الحجة، يقول النبي (ﷺ): (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام يعني أيَّامَ العشرِ). قالوا : يا رسولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ ؟ قالَ (ﷺ): (ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ) ( ) .
– مقاصد تربوية:
إذا كانت التربية عبر العصور تستهدف بناء الإنسان الصالح النافع لنفسه ولوطنه وللإنسانية؛ فإن الأضحية بكل معانيها ومقاصدها الإيمانية والتربوية تسهم في تربية الإنسان الصالح والمجتمع المتصالح المتكافل المترابط المتعاون…
ونشير فيما يلي إلى عدد من من المقاصد التربوية للأضحية:
• الرحمة والإحسان بالحيوان الأعجم، ممثلا في الذبيحة، وتتجلى في طريقة ذبح الأضحية ومعاملتها برفق ورحمة، كما علمنا رسولنا (ﷺ) ، بأن نحد شفرتنا، ونُرِيح ذبيحتنا، ولا نُرِيها المُدْيَة “أي السكين”، حيث قَالَ: (…وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) ( ) .
• الرحمة والإحسان إلى كل إنسان: وإذا كنا مأمورين بالرحمة والإحسان إلى الأضحية، فمن باب الأولى أن نكون رحماء ببعضنا البعض وبأنفسنا وبكل الناس.
• الرحمة والإحسان بالفقراء والضعفاء: فيجب علينا أن نحنوا على الضعفاء وأصحاب العاهات، وذوي الاحتياجات الخاصة وتلبية حوائجهم، وتحصيل البركة بدعائهم، وإدخال السرور عليهم فعن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) أن النبي (ﷺ) قال: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) ( ) .
• الرحمة والإحسان إلى الأطفال: بإدخال البهجة على الأطفال بشتى الوسائل الترفيه المباحة شرعًا؛ حتى يعم الفرحُ والسرورُ، دون ضرر ولا ضرار.
• الرحمة والإحسان إلى الطبيعة، فيجب علينا أن نكون رحماء ورفقاء بشتى مفردات الطبيعة والكون (إنسان- حيوان – نبات – حتى الجماد)، ومن ثم يجب أن نأخذ كل الاحتياطات والاحترازات الصحية التي تعلنها الجهات المعنية عن معايير وطرق وآليات وإجراءات ذبح الأضحية، وتطبيقها بمنتهى الدقة والأمانة، حفاظا على المواطنين، وحتى لا تكون وسيلة لنقل العدوى بدلا من أن تكون وسيلة للسعادة والإسعاد.
• استثمار شعيرة الأضحية لتعليم أولادنا ثقافة التضحية والعطاء والبذل والحنو على الفقراء والضعفاء ومن ثم غرس ثقافة الحب في قلوبهم وفي قلب المجتمع.
وفي هذا الوقت الحرج من تاريخ العالم أدعو الأثرياء إلى التوسع في أضاحيهم، وبذل معظمها للفقراء والجائعين وغيرهم من الضعفاء والمساكين.. ونشر ثقافة التكافل الاجتماعي والسخاء وبذل الصدقات والهدايا، وإطعام الطعام، يقول النبي (ﷺ) : (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ) ( ) .
ولنعلم أن العطاء والسخاء وقت شدة الفقر والجوع والعوز والحاجة أكثر ثوابا وأرجى قبولا، ورافعا لدرجات العبد يوم القيامة..
فطيبوا بها نفسًا وأخلصوها لله رب العالمين. وكل عام وحضراتكم بألف خير. وبالله تعالى التوفيق.

***
وقبل أن أن يتوقف القلم وأغادر الحديث عن هذا الموضوع المبارك أوصيكم يا عباد الرحمن ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وإفشاء السلام، وإطعام الفقراء والضعفاء، وجبر الخواطر، وبذل الصدقة (إنَّ الصَّدقةَ لتطفئُ غضبَ الرَّبِّ وتدفعُ مِيتةَ السُّوءِ) ( ) .
، وإصلاح ذات البين، والعفو عن المسيء، والتنفيس عن المعسرين ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (مَن نَفَّسَ عن مُسلِمٍ كُرْبةً من كُرَبِ الدُّنيا، نَفَّسَ اللهُ عنه كُرْبةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَن يسَّرَ على مُعسِرٍ، يسَّرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن سَتَرَ على مُسلِمٍ، سَتَرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخِرةِ، واللهُ في عَونِ العَبدِ ما كان العَبدُ في عَونِ أخيه) ( ).
و يقول النبي (ﷺ) : (ما آمَنَ بي مَن بات شَبْعانًا وجارُه جائِعٌ إلى جَنبِه وهو يعلَمُ) ( ) .
الانتحار يأس من رحمة الله
حِفظُ النفسِ من المقاصدِ العُليا للشريعةِ الإسلاميةِ، وقتلُ النفسِ بغيرِ حقٍّ من أكبرِ الكبائرِ؛ لذلك حرَّم الإسلام الانتحار تحريمًا قاطعًا، وعدَّه من الكبائر العظيمة التي تُغضب الله تعالى، لما فيه من التعدي على النفس التي كرَّمها الله وجعل لها حرمة عظيمة.
قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء: 29) .
• فالإنسان لا يملك جسده ولا روحه حتى يتصرف فيهما كيف يشاء.
• بل هو مُؤتمن عليهما ومأمور بصيانتهما.
• ومُحاسب على التفريط فيهما.
وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي (ﷺ) أنه قال: (مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) ( ) .
، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم حريصًا على زجرِ المسلمِ عن قتلِ نفسه.
وفي هذا الحديثِ يروي أبو هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ (ﷺ) أنه قال:
(مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ) أي: وقع من فوقِه متعمدًا فمات، فهو في نارِ جهنمَ يتردى فيها خالدًا مخلدًا أبدًا؛ جزاءً وفاقًا لعملِه.
(وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ) أي: تجرع أو شرب (سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ) أي: تعمدَ ذلك، فسُمُّه في يدِه يتعاطاه ويتجرعُه في نارِ جهنمَ خالدًا مخلدًا فيها أبدًا.
(وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ) أي: طعنَ نفسَه بسلاحٍ أو غيرِه، فحديدتُه في يدِه يطعنُ بها في بطنِه في نارِ جهنمَ خالدًا مخلدًا فيها أبدًا.
وقولُه: (خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) محمولٌ على من فعل ذلك مستحلًّا له مع علمِه بالتحريمِ، أو على أنه يعني طولَ المدَّةِ والإقامةِ التي يُخلَّد فيها قاتلُ نفسِه إن أُنفذ عليه الوعيدُ، ولا يعني خلودَ الدوامِ؛ إذ قتلُ النفسِ – دونَ استحلالٍ لذلك – هو ذنبٌ وكبيرةٌ من الكبائرِ، وليس كفرًا مخرجًا من الملةِ، وفي الحديثِ: الوعيدُ الشديدُ لمن قتلَ نفسَه، وفيه: أن نفسَ العبدِ ليست ملكًا له؛ فليس له أن يتصرَّفَ فيها بغيرِ إذنِ مالكِها سبحانه وتعالى.
وبيان خطورة الانتحار وعاقبته الأليمة، فهو لا يخلّص المنتحر من همومه، بل يوقعه في عذاب أشد وأطول ( ).
رحمة الله
ومن رحمة الإسلام بعباده أنه فتح أبواب الأمل والتوبة دومًا، وأرشد من ضاقت به الدنيا إلى الصبر والاحتساب واللجوء إلى الله، فقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة: 155-157) .
وقال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح: 5-6) .
فما من شدة إلا ويتبعها فرج، وما من ضيق إلا وله مخرج، ومن توكَّل على الله كفاه، ومن استعان به أعانه.
يقول النبي (ﷺ): (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَر، فَكانَ خَيْرًا له)( ).
ونقول لكل مُبتلى، ولكل إنسان دخل في غمار الحياة، وتحدياتها، ومشكلاتها، تذكر دائما هذه الكلمات:
لا تخف من أي شيء روعـــــك كن مع اللهِ يكن ربى معــــــــــــــــــك
وإذا نابك كـــــــــــــربٌ فاصطبــــر وادع مولاك وجفف أدمُعــــــــــك
ما لنــــــــــــــــــــــــــــــــــا إلا إلهٌ واحــــــدٌ فاسأل الكون وقل مَن أبدعـــك
واسأل الحمل جنينا في الحشى مَن رعاك الآن مَن ذا أشبعـــــــك
واسأل البدر مضيئا في الدجى باعثـــــــــــــــــا أنـــــواره ما أروعــــــــــــك
واسأل الشطآن عن أمواجهـــا واسأل البحــر أتدري منبعــــــــــك
واسأل الصبح تجلى مسفـــــــــرًا بعد ليل حالك مــــــــــــــــن أطلعك
سل رسول الله قل يا مصطفى يا شفيع الخلق من قد شفعـــــك
إنـــــــــــــــــــــــــــــــــــه ربي إلـــــــــــــه واحد كن مع الله يكن ربى معـــــــك( )
قصة الغزالة التي أحاطها الموت من كل مكان فأدركها الله بعنايته
• رسالة لكل مَن ضاقت عليه السبل
• علمتني غزالة
• قصة تربوية ملهمة
دعوني أقص هذه القصة البديعة، التي قد تكون واقعية أو رمزية أو خيالية، لكنها تمثّل واقعًا كثيرًا ما نمرّ به في حياتنا. تُعَلِّمُنا فيها غزالة كيف يكون التوكل الحق، وكيف تُصنع المعجزات حين نُسلِم الأمر لله.
إنها قصة تُجسد معنى التوكل على الله، والثقة بتدبيره، والثبات عند المحن، وتُقدّم درسًا بليغًا في تواتر رحمات الله وعنايته التي لا تنقطع.
في عمق الغابة، كانت هناك غزالة حامل، اقترب موعد ولادتها، فذهبت إلى مكان ناءٍ في أطراف الغابة، قرب نهر هادئ، تبحث عن مأوى آمن لتلد فيه.
لكن… وبينما هي تتأهّب للولادة، بدأت السماء ترعد وتبرق، واندلع حريق كبير في الغابة بسبب البرق، والنار بدأت تزحف نحوها!
• نظرت عن شمالها… فإذا بصياد يوجّه إليها سهماً يريد أن يقتلها.
• نظرت عن يمينها… فإذا بأسد جائع يقترب منها ليفترسها.
• النار خلفها… تلتهم الأشجار بسرعة وتقترب منها.
• أما أمامها… فلا يوجد إلا النهر العميق الذي إن هربت إليه، فإنها ستغرق حتما.
لقد أُحيطت بالمخاطر من كل جانب… وليس لها مفر!
فكرت الغزالة في لحظة سريعة:
1- إن ركضت، افترسها الأسد.
2- وإن ثبتت، قتلها الصياد.
3- وإن قفزت، أغرقتها المياه.
4- وإن ترددت، أحرقتها النيران!
يا الله يا الله يا الله
فماذا فعلت؟
لم تصرخ، ولم تنهار، ولم تتوقف… بل فعلت ما تستطيع فعله:
ركّزت على الولادة، وأوكلت ما لا تملك أمره إلى الله…
وهنا أدركتها عناية الله…
فانظروا إلى تدبير الله!
• البرق أعمى الصياد، فاختل تصويبه.
• فانطلق السهم فأصاب الأسد الجائع فخرّ ميتًا.
• وهطلت أمطار غزيرة، فأطفأت النيران التي كانت تقترب.
• وولدت الغزالة صغيرها بسلام، وعاشت بعد أن كانت ترى الموت من كل الجهات!
تأملوا!
كم مرة كنّا في مثل حال هذه الغزالة؟
مواقف نحسب أنه لا مخرج منها، وأن الخطر يُحيط بنا من كل صوب…
لكننا إن فعلنا ما نستطيع، وثبتنا على ما نقدر، وأوكلنا ما لا حيلة لنا فيه إلى الله، جاءنا الفرج من حيث لا نحتسب. قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق: 2-3).
فيا من ضاقت عليه السبل…
ويا من حاصره الخوف والقلق والهموم…
قل: “يا رب، عندي همّ كبير”، ففرجه يا رب العالمين.
ومن هذه القصة التربوية الملهمة نتعلم:
– معاني التوكل الحقيقي.
– ترتيب الأولويات.
-الفرج سيأتي حتما.
– الفرح يأتي مع الفرج.
– غلاوة النفس والأولاد والذرية.
– وأيضا نتعلم معاني التضحية من أجل الأولاد.
– وأن مَن أحسن الظن بالله، لا يخيب أبدًا.
– وأن الثبات في الشدة مفتاح كل نجاة.
– وأن الخوف لا يغيّر القدر، لكن الإيمان يُغيّرنا.
– وأن الفزع يضلّ الطريق، والتوكل يهدي السبيل.
– وأن صبر لحظة في الشدة، فيه خير كثير.
– وأنه مع كل عُسر، يُولد يُسر.
– وأن من حافظ على الأمانة وحافظ الله في صغره، حفِظه الله بعينه التي لا تنام (احفظ الله يحفظك).
والله يدبّر ما لا نراه، ويرتب ما لا ندركه، ومن توكل على الله كفاه، ومن احتمى به نجاه…
وبالله تعالى التوفيق
***
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت …. واصرف عنّا سيئها لا يصرف سيئها إلاّ أنت …. اللهم فقّهنا في ديننا وبصّرنا بعيوبنا ….. وارزقنا الثبات واليقين ….
.. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظنا مِن بين أيدينا ومِن خلفنا
وعن أيماننا وعن شمائلنا ومِن فوقنا ونعوذ بعظمتك أنْ نُغتال مِن تحتنا ….
.. اللهم أصلحنا وأصلح لنا أزواجنا… وأصلح أبناءنا وبناتنا.. اللهم اهدنا سُبُل السلام
وأخرجنا مِن الظلمات إلى النور… وجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن يارب العالمين..
اللهم أصلح بيوتنا، وبارك في أزواجنا، وارزق شبابنا الزواج الحلال، واحفظ بناتنا من التأخر والعنوسة، واهدِ كل زوجين إلى التراحم والمودة والسكن.
اللهم اجعل بيوتنا بيوت سكينة ورحمة، واجعلنا من المتراحمين، وبارك في أزواجنا وأبنائنا.
اللهم أصلح ذات بين الأزواج، وألِّف بين قلوبهم، وانزع من بيوتنا الشحناء والبغضاء.
اللهم من كانت له مشكلة في بيته، ففرِّجها برحمتك، وأزلها بحكمتك، وأبدلها طمأنينة وأمانًا.
اللَّهُمَّ أَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَى مِصْرَ وَأَهْلِهَا، وَافْتَحْ لَنَا البَرَكَاتِ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَبَارِكْ فِي مِصْرَ وَرِجَالِهَا وشَعْبِهَا وَجَيْشِهَا
اللهم احفظ مصر شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، طولها وعرضها وعمقها، بحارها وسماءها ونيلها، ووفق يا ربنا قيادتها وجيشها وأمنها وأزهرها الشريف، وعلماءها، واحفظ شعبها، وبلاد المحبين يا رب العالمين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا اللهم طهّر قلوبنا من الكبر، وزيّنها بالتواضع،اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..وأقم الصلاة.

خادم الدعوة والدعاة د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
والحاصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية في خدمة الفقه والدعوة (وقف الفنجري 2022م)
المدير التنفيذي السابق لرابطة الجامعات الإسلامية- عضو نقابة اتحاد كُتَّاب مصر
واتس آب: 01122225115 بريد إلكتروني: drsoliman55555@gmail.com
يُرجي من السادة الأئمة والدعاة متابعة الصفحة الرسمية، وعنوانها:
(الدكتور أحمد علي سليمان)؛ لمتابعة كل جديد

 

 

لقراءة الخطبة أو تحميلها كاملا يرجي تحميل الخطبة من ملف pdf بالأعلي

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى