خطبة الجمعة استرشادية : القرآن الكريم ونعمة الماء: دراسة تأملية

خطبة الجمعة القادمة استرشادية بعنوان : القرآن الكريم ونعمة الماء: دراسة تأملية ، بتاريخ 7 صفر 1447هـ ، الموافق 1 أغسطس 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة بتاريخ 1 أغسطس 2025 بصيغة word
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة بتاريخ 1 إغسطس 2025 بصيغة pdf
عناصر خطبة الجمعة القادمة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة ، كما يلي:
- الماء أصل الحياة وبدء الخلق
- دلائل القدرة الإلهية في تنوع الماء واختلاف مصادره
- تنوع النباتات مع كونها تسقى بماء واحد
- إعجاز الله في وظيفة الماء
- الماء بين الرحمة والعقاب
- الخلاصة
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة ، بتاريخ 1 أغسطس 2025 ، كما يلي:
يُعَدُّ الماء أساس الحياة، ورمز النماء، جعله الله تعالى أداةً للتطهير والإحياء، ووسيلةً للرزق والإنبات، فما من كائن حي إلا ووجوده مرهون بوجود الماء، وقد أولى القرآن الكريم هذه النعمة العظيمة عناية خاصة، فجعلها من دلائل قدرة الله تعالى في خلقه، ووسيلة للتذكير بعظيم فضله ورحمته على عباده.
لم يكتفِ القرآن بذكر الماء من منظور مادي فقط، بل عالجه بمنهج متكامل، يجمع بين الجانب العقدي، والبيئي، والأخلاقي، داعيًا إلى شكر هذه النعمة العظيمة، والاعتبار بما تحمله من دلالات على وحدانية الخالق سبحانه.
الماء أصل الحياة وبدء الخلق
الماء هو سر الحياة ومنبعها، وهو من أول المخلوقات وجودًا، فهناك من العلماء من قال بأن الماء أول المخلوقات، حتى قيل إنه خُلق قبل العرش، ثم خُلق العرش بعد ذلك، استدلالًا بقول الحق سبحانه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [سورة هود: ٧].
يقول الإمام الطبري: “إن الله كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء” [تفسير الطبري].
وقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية الماء في الخلق والإعجاز الإلهي في العديد من الآيات، يقول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}. [سورة الأنبياء: ٣٠].
فهذه الآية الكريمة تُقرّر أن الماء هو أصل الحياة، وأن كل كائن حيّ على الأرض لا يمكن أن يوجد أو يستمر بدون الماء، وهذا ما أثبته العلم الحديث أيضًا، حيث تبين أن أكثر من ٧٠% من جسم الإنسان والكائنات الحية يتكوّن من الماء، فالقرآن سبق إلى هذه الحقيقة قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا، مما يُعدّ من أوجه الإعجاز العلمي الموجود في القرآن الكريم.
والماء ليس ضرورة شرعية فقط، بل هو ضرورة علمية وواقعية لا يمكن إنكارها، إذ إن الماء يدخل في كل العمليات الحيوية من شرب وهضم وتنفس ونمو وغيره، وبدونه لا يستطيع الإنسان ولا الحيوان ولا النبات أن يستمر في الحياة.
وعلى مر التاريخ، قامت الحضارات وازدهرت على ضفاف الأنهار والينابيع، فالماء هو أساس الزراعة والصناعة والنقل، وبدونه لا يمكن لأي مجتمع أن يحقق التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
دلائل القدرة الإلهية في تنوع الماء واختلاف مصادره
يُعدّ تنوع أشكال الماء واختلاف مصادره من أبرز مظاهر الإعجاز الإلهي في الخلق، فالله تعالى خلق الماء في صور متعددة: المطر، والثلج، والينابيع، والأنهار، والمياه الجوفية، والبحار، وجعل لكل نوع خصائصه ووظائفه المختلفة التي تخدم حياة الإنسان والبيئة من حوله.
يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [سورة الزمر: ٢١].
حيث تُبرز هذه الآية الكريمة بوضوحٍ بديعًا من بدائع خلق الله، يتمثل في دقة نظام الدورة المائية، فالله عزّ وجل يُنزل الماء من السماء، ثم يُجريه في الأرض عبر مسارات متعددة؛ فمنه ما يُخزَّن في أعماق الأرض كالينابيع والمياه الجوفية، ومنه ما يَسري ظاهرًا على شكل عيون وأنهار، وهذا التنوّع في منابع الماء وتوزيعه ليس أمرًا عشوائيًا، بل هو مظهر من مظاهر الحكمة الإلهية، ونظام دقيق سَخّره الله لخدمة الحياة على وجه الأرض.
كما بيّن الله تعالى اختلاف طعم الماء ومصدره، فجاء في قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [سورة فاطر: ١٢].
ففي هذه الآية تتجلى القدرة الإلهية في خلق نوعين متباينين من الماء: العذب الفرات الصالح للشرب، والملح الأجاج شديد الملوحة، مع أن كليهما يوجدان في نفس البيئة، ويتجاوران دون أن يختلطا، كما قال تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [سورة الرحمن: ١٩–٢٠].
وهذا التنوع في أشكال الماء ومصادره يدل على إتقان الخلق، وحكمة التدبير الإلهي، ورعاية الله تعالى لخلقه، حيث لم يَخلق الله الماء بشكل واحد أو منبع واحد، بل وزّعه بين السماء والأرض والبحار والجبال، ليتناسب مع حاجات البشر والنبات والحيوان.
تنوع النباتات مع كونها تسقى بماء واحد
التنوع في النباتات مع كونها تسقى بماء واحد ظاهرة طبيعية، حيث تنمو أنواع مختلفة من النباتات في نفس التربة وتسقى بنفس الماء، ومع ذلك تنتج ثمارًا وأوراقًا ذات خصائص وفوائد مختلفة، وهذه الظاهرة تُظهر قدرة الله تعالى في خلقه، وعظيم دقته في صنعه، حيث إن كل نبات يمتلك القدرة على استخلاص ما يحتاجه من العناصر الغذائية من نفس التربة والماء.
وهذا ما أشار إليه سبحانه وتعالى في كتابه بقوله: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. [سورة الرعد: ٤].
فتشير هذه الآية إلى أن الأرض تتكون من قطع مختلفة ومتباينة، رغم تجاورها وقربها من بعضها البعض، “فهذه تربة حمراء، وهذه بيضاء، وهذه صفراء، وهذه سوداء، وهذه محجرة، وهذه سهلة، وهذه سميكة، وهذه رقيقة، والكل متجاورات” [تفسير ابن كثير].
كما تُصوَّر الآية أيضًا هذه الأراضي كجنّات عامرة، تضمّ أصنافًا متعددة من النباتات، من ثمار وزروع ونخيل وأعناب، وعلى الرغم من هذا التنوّع، فإن جميعها يُسقى بماء واحد، ومع ذلك تختلف في طعمها، وشكلها، وقيمتها، وهذا التباين رغم وحدة المصدر يُعدّ من دلائل قدرة الله تعالى وآياته الباهرة، التي لا يدرك عظمتها إلا من تفكّر وتدبّر.
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: “هذا الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع، في أشكالها وألوانها وطعومها وروائحها وأوراقها وأزهارها … مع أنها كلها تستمد من طبيعة واحدة وهو الماء … ففي ذلك آيات لمن كان واعيًا، وهذا من أعظم الدلالات علي الفاعل المختار الذي بقدرته فاوت بين الأشياء، وخلقها علي ما يريد، ولهذا قال تعالي: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}”. [تفسير ابن كثير].
إعجاز الله في وظيفة الماء
الماء لا يُستخدم فقط للشرب، بل له وظائف متعددة، تظهر فيها حكمة الخالق سبحانه وتعالى، من هذه الوظائف:
الإحياء: الماء أساس الحياة، وهو ضروري لجميع الكائنات الحية، بما في ذلك الإنسان والحيوان والنبات، حيث إنه لا يمكن لأي كائن حي أن يعيش بدون ماء، فالماء هو المكون الرئيسي لمعظم الخلايا الحية، حيث يشكل نسبة كبيرة من وزن الجسم، يقول الله تعالى: {وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [سورة الأنبياء: ٣٠]، وقال في آية أخرى: {فَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَٰلِكَ النُّشُورُ} [سورة الأعراف: ٥٧]، فهذه الآية تربط بين إحياء الأرض بالماء وإحياء الإنسان بعد الموت، مما يعكس بعدًا إيمانيًا في النظر إلى هذه النعمة العظيمة، وهى نعمة الماء.
الإنبات: الماء عنصر أساسي لنمو النبات، فهو يعمل على نقل العناصر الغذائية من التربة إلى الأوراق والسيقان، ويساعد في تنظيم درجة حرارة النبات، بالإضافة إلى ذلك، يحافظ على تماسك الخلايا النباتية ويدعم هيكلها، يقول الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [سورة ق: ٩].
التطهير: الماء هو الأصل في الطهارة في الإسلام، ولا تصح العبادات التي تتطلب الطهارة إلا باستعماله، كما أن الماء ليس فقط لتنظيف الجسد، بل له دور في الطهارة الروحية، يقول الله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ}، [سورة الأنفال: ١١].
الماء بين الرحمة والعقاب
في الماء حياة الناس، ورحمة الله تعالى لهم، ونعمته عليهم، وفيه هلاكهم وعذابهم وانتقامه سبحانه وتعالى منهم.
فمن دلائل قدرة الله تعالى في خلقه، أن يجعل في الشيء الواحد فعلين متضادين، كما جعل في الماء حياة وهلاكًا، ونعيمًا وعذابًا؛ فلا حياة للأرض وما عليها إلا بالماء، كما أن فيه هلاكها ودمارها.
إن الناظر في القرآن الكريم يجد أن الماء ملازم للإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وتكون به حياته وهلاكه، ونعيمه وعذابه.
ففي الدنيا يعذب الله تعالى به قومًا فيمسكه عنهم حتى يموتوا جوعًا وعطشًا؛ وقد يغرق به المكذبين المعاندين، كما أغرق قوم نبي الله نوح عليه السلام، ففتح عليهم ماء السماء، وفجر لهم ماء الأرض، فَحَدَثَ الطوفان العظيم الذي أغرق الأرض وما عليها، ولم ينج منه إلا نوح ومن آمن معه، يقول الله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [سورة القمر: ١١، ١٣].
وعندما طغا فرعون وتجبر، كان هلاكه بالماء، يقول الله تعالى: {فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً} [سورة الإسراء: ١٠٣].
يقول الإمام القشيري: “أراد فرعون إهلاك بنى إسرائيل واستئصالهم، وأراد الحقّ سبحانه نصرتهم وبقاءهم، فكان ما أراد الحقّ لا ما كاد اللعين”، [لطائف الإشارات]
وكانت هذه معجزة من المعجزات التي أيد الله تعالى بها نبيه موسى عليه السلام حيث نجاه والمؤمنين معه، وأغرق فرعون وجنده.
هذا في الدنيا، وفي الآخرة جعل الله الماء من أرقى أنواع النعيم الذي يُنَعَّم به المؤمنون في الجنة، يقول الله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}، [سورة محمد: ١٥]، أي أن في الجنة أنهارًا من الماء العذب الطاهر، لا يتغير طعمه ولا رائحته، بخلاف ماء الدنيا الذي يعتريه الفساد، وهو جزء من التكريم الإلهي للصالحين من عباده.
أما أهل النار، فإنهم يُسقَون ماءً على صورة العذاب لا الرحمة، كما قال تعالى: {وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [سورة الكهف: ٢٩]، والمُهل هو الماء المغلي الشديد الحرارة، يشوي الوجوه قبل أن يُشرب، وهو دليل على شدة العذاب.
فالماء الذي كان في الدنيا نعمة، يتحول يوم القيامة إلى عذاب ونقمة للكفار، جزاءً لما قدموا من كفر وعصيان.
فبهذا التباين، بَيّن القرآن الكريم أن نفس العنصر (الماء) يمكن أن يكون في الآخرة وسيلة رحمة أو وسيلة نقمة، بحسب حال الإنسان، وهذا يدعو المؤمن إلى التفكر في مصيره، والاستعداد ليكون من أهل الأنهار الجارية، لا من طالبي الغوث بالماء الذي لا غوث فيه ولا رحمة.
الخلاصة
إنّ الماء في القرآن الكريم ليس مجرد عنصر مادي فحسب، بل هو آية ربانية تدل على عظمة الخلق، وكمال التقدير الإلهي، فقد ربط الحق سبحانه وتعالى في كتابه بين نعمة الماء وبين الجزاء الأخروي، فصوّر الماء في الجنة بأبهى صور النعيم المطلق، بينما صوّره في النار بأشد ألوان العذاب والنكال، هذا التباين يُعزز من فهم الإنسان لمسئوليته تجاه هذه النعمة العظيمة، ويُحفزه على الشكر والعمل الصالح.
وفي الختام، يُمكن القول إن القرآن الكريم قد عالج نعمة الماء من منظور شامل، يجمع بين العلم والإيمان، داعيًا البشرية كلها إلى التدبر في خلق الله، والشكر له على نعمه وآلائه، والحفاظ على هذه النعمة العظيمة التي هي أساس وجودهم في هذه الحياة.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف