خطبة الجمعة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة
خطبة الجمعة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة ، بتاريخ 7 صفر 1447هـ ، الموافق 1 أغسطس 2025م

خطبة الجمعة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة ، بتاريخ 7 صفر 1447هـ ، الموافق 1 أغسطس 2025م.
لتحميل خطبة جمعة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة بتاريخ 1 أغسطس 2025 بصيغة word
ولتحميل خطبة جمعة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة بتاريخ 1 إغسطس 2025 بصيغة pdf
عناصر خطبة جمعة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة ، كما يلي:
- قَدْرُ نِعْمَةِ الْمَاءِ وَكَوْنُهُ أَصْلَ الْحَيَاةِ وَمِقْوَمَ الْحَضَارَةِ.
- مَوْقِفُ الإِسْلَامِ مِنَ الْمَاءِ: تَرْشِيدٌ لِلاِسْتِهْلَاكِ وَتَحْرِيمٌ لِلتَّلْوِيثِ وَالإِسْرَافِ.
- الْمَاءُ ثَرْوَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ وَسُبُلُ تَعْزِيزِ وُفُورِهِ.
ولقراءة خطبة جمعة استرشادية بعنوان : نعمةُ المياهِ مقوِّمٌ أساسٌ للحياة ، بتاريخ 1 أغسطس 2025 ، كما يلي:
نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسَ الْحَيَاةِ
7 صفر 1447هـ – 1 أغسطس 2025م
صوت الدعاة
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، القائلِ في كتابِهِ العزيزِ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيَّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}، وأَشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا ونبيِّنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلمْ وبارِكْ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ، وَمَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
وبعدُ:
عناصر الخطبة:
- قَدْرُ نِعْمَةِ الْمَاءِ وَكَوْنُهُ أَصْلَ الْحَيَاةِ وَمِقْوَمَ الْحَضَارَةِ.
- مَوْقِفُ الإِسْلَامِ مِنَ الْمَاءِ: تَرْشِيدٌ لِلاِسْتِهْلَاكِ وَتَحْرِيمٌ لِلتَّلْوِيثِ وَالإِسْرَافِ.
- الْمَاءُ ثَرْوَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ وَسُبُلُ تَعْزِيزِ وُفُورِهِ.
العُنصُرُ الأَوَّلُ: قَدْرُ نِعْمَةِ الْمَاءِ وَكَوْنُهُ أَصْلَ الْحَيَاةِ وَمِقْوَمَ الْحَضَارَةِ.
فإنَّ مِنْ أَجَلِّ نعمِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) على خلقِهِ، وأعظمِها قدرًا، نعمةُ الماءِ، فهو أصلُ الحياةِ، وأساسُ الحضارةِ والرقيِّ، ومن أهمِّ مصادرِ الرخاءِ وأصلِ النماءِ وسببِ البقاءِ، وقد جاءتِ النصوصُ الشرعيةُ تقرِّرُ أنَّ الماءَ أصلُ الحياةِ، ومصدرُ الإحياءِ، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}، وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ}.
فالماءُ أغلى ما تمتلكُهُ الإنسانيةُ، به حياةُ الأرواحِ، وطهارةُ الأبدانِ، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}، وهو رزقٌ يسوقُهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لخلقِهِ ينزِّلُهُ على مَنْ يشاءُ، ويصرفُهُ عمَّن يشاءُ بقدرتِهِ ، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ }، وقال عزَّ وجلَّ: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ}، وقال سبحانهُ : {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} ، وكثيرًا ما يذكرُنا ربُّ العزةِ سبحانهُ بنعمتي الماءِ والطعامِ ويجمعُ بينهما ، فيقولُ (عزَّ وجلَّ) : {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا}.
وممَّا يُشعرُنا بأهميَّةِ وقدرِ هذه النعمةِ اهتمامُ القرآنِ الكريمِ بالحديثِ عنها : فقد تحدَّث القرآنُ الكريمُ على لسانِ فرعونَ وهو يتباهى باتساعِ وعظمةِ مُلكِهِ قائلًا: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، والنبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم يُخبرُنا بقيمةِ نهرِ النيلِ ويُبشِّرُنا ببقائِهِ، فيقولُ: (فُجِّرَتْ أربعةُ أنهارٍ مِنَ الجنةِ: الفراتُ والنِّيلُ والسَيْحانُ وجَيْحانُ) أخرجهُ أحمدُ بسندٍ صحيحٍ، وهذا يفرضُ علينا جميعًا ألا نفسدَ نهرًا من أنهارِ الجنةِ بتلويثِهِ، أو إهمالِهِ.
العُنصُرُ الثَّانِي: مَوْقِفُ الإِسْلَامِ مِنَ الْمَاءِ: تَرْشِيدٌ لِلاِسْتِهْلَاكِ وَتَحْرِيمٌ لِلتَّلْوِيثِ وَالإِسْرَافِ.
ولقد اعتنى الإسلامُ بنعمةِ الماءِ عنايةً كبيرةً ، وأمرَنا بحُسنِ استعمالِهِ والمحافظةِ عليهِ، وعدَّ ذلك واجبًا شرعيًّا ؛ لذا حذَّر الإسلامُ من الإسرافِ في استخدامِهِ ، أو تلويثِهِ بإلقاءِ النجاساتِ، أو تصريفِ مياهِ الصرفِ الصحيِّ ، أو مخلفاتِ المصانعِ والشركاتِ فيهِ ، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ (رضي اللهُ عنهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم) : (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ : الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ ، وَالظَّلِّ) سنن أبي داود – صحيحٌ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا يَبُولَنَّ أحَدُكُمْ في المَاءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ) البخاري.
وإنَّ من صورِ المحافظةِ على الماءِ ترشيدَ استهلاكِهِ، وعدمَ الإسرافِ، حتى وإنْ كان ذلك في ممارسةِ العباداتِ والطاعاتِ، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، فالمسرفونَ يكرهُهُم اللهُ تعالى فهم مبعدونَ من رحمةِ اللهِ ورضوانِهِ، محرومونَ من نورِهِ وهدايتِهِ، وقد شدَّد النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم في النهيِ عن الإسرافِ في استخدامِ الماءِ واعتبرَهُ تعدِّيًا وظلمًا، فهذا الصحابيُّ الذي جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يسأَلُهُ عن الوُضوءِ؟ فأَراهُ ثلاثًا ثلاثًا، قال: هذا الوُضوءُ، فمَن زاد على هذا؛ فقد أساءَ وتعدَّى وظلَمَ) (سنن ابن ماجه) وأحمدُ والنسائيُّ – صحيحٌ، فجعل صلى اللهُ عليه وسلم الزيادةَ على قدرِ الحاجةِ ظلمًا وإساءةً في استعمالِ النعمِ التي أنعمَ اللهُ تعالى بها علينا، ويقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: (إنَّهُ سيَكونُ في هذِهِ الأمَّةِ قومٌ يَعتدونَ في الطَّهورِ والدُّعاءِ) أبو داود وأحمد – صحيحٌ، وكأنَّهُ صلى اللهُ عليه وسلم يُشيرُ إلى الماءِ أنَّ الإسرافَ في استخدامِ الماءِ تعدٍّ على حقِّ الآخرينَ، ولم لا؟ والإسرافُ صورةٌ من صورِ الفسادِ وإهلاكِ الحرثِ والنسلِ، قال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}.
ومن صورِ المحافظةِ على الماءِ : الحرصُ على الاستفادةِ منهُ مهما كان قليلًا: فقد كان النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم ربما يغتسلُ أو يتوضأُ مع بعضِ نسائِهِ في إناءٍ واحدٍ ، فعلينا أن نقتديَ برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ونحرصَ على الاستفادةِ من الماءِ بكلِّ قطرةٍ منهُ ، وعدمِ تلويثِهِ ، أو الاعتداءِ على مصابِهِ ومصادرِهِ ومجاريهِ التي يعدُّ الاعتداءُ عليها اعتداءً على حقِّ المجتمعِ كلِّهِ، وتضييعًا لمصلحةٍ معتبرةٍ بما يتنافى مع قيمةِ هذه النعمةِ ، فالماءُ الذي نهدرُهُ سيحاسِبُنا اللهُ على كلِّ نقطةٍ منهُ.
ولقد ضربَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم أعظمَ الأمثلةِ وهو يعلِّمُنا قيمةَ الماءِ وضرورةَ المحافظةِ عليهِ، وعدمَ الإسرافِ في استخدامِهِ، حيث كان صلى اللهُ عليه وسلم يتوضأُ بالمُدِّ (والمُدُّ ملءُ كفَّي الرجلِ المتوسطِ) ، ويغتسلُ بالصاعِ (أربعـةُ أمدادٍ) إلى خمسةِ أمدادٍ ، وإنَّما كان هذا القدرُ القليلُ يكفي النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم لوضوئِهِ أو اغتسالِهِ . من شدَّةِ حرصِهِ على الماءِ.
وذاتَ يومٍ يمرُّ النبيُّ (صلى اللهُ عليه وسلم) بسعدِ بنِ أبي وقاصٍ رضي اللهُ عنهُ وهو يتوضأُ، فقال: (مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟). فقال: أفي الوضوءِ سرفٌ؟. قال: (نعم، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ)، وسُئلَ جَابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنهما عَنِ الغُسلِ فقالَ للسائلِ : (يَكْفِيكَ صَاعٌ ، فَقَالَ رَجُلٌ مَا يَكْفِينِي، فَقَالَ جَابِرٌ : كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا وَخَيْرٌ مِنْكَ) ، فالماءُ الذي ساقَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلينا بقدرٍ محدودٍ، ونظامٍ محكمٍ، يجبُ أن يُستخدمَ بحذرٍ؛ ليحيا به الإنسانُ والحيوانُ والطيرُ ، والنباتُ ، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} .
العُنصُرُ الثَّالِثُ: الْمَاءُ ثَرْوَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ وَسُبُلُ تَعْزِيزِ وُفُورِهِ
إنَّ الإسلامَ ينظرُ إلى نعمةِ الماءِ بوصفِها ثروةً قوميةً وإنسانيةً، لكلِّ الناسِ حقٌّ فيها فلا يُحرَمُ منها أحدٌ، ومن ثمَّ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: (المسلمون شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثِ: في الْمَاءِ، وَالْكَلَأ، وَالنَّارِ) سنن أبي داود – صحيحٌ، ولذا حرصَ سلفُنا الصالحُ على الماءِ حرصًا شديدًا، كما حرصوا على بقائِهِ طاهرًا حتى يتمكَّنوا من شربِهِ والتطهرِ به في صلاتِهم وسائرِ عباداتِهم التي تحتاجُ إلى طهارةٍ.
ولقد بلغَ من عنايةِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم بالحفاظِ على الماءِ أنْ وجَّهَ المسلمينَ إلى تغطيةِ أواني الماءِ لحمايتِهِ من الملوثاتِ التي قد تنتقلُ إليه من الهواءِ، أو من الحشراتِ الناقلةِ للجراثيمِ والطفيلياتِ، فعن جابرٍ رضي اللهُ عنهُ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أنَّهُ قال : (غَطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقاءَ، وأَغْلِقُوا البابَ، وأَطْفِئُوا السِّراجَ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ لا يَحُلُّ سِقاءً، ولا يَفْتَحُ بابًا، ولا يَكْشِفُ إناءً، فإنْ لَمْ يَجِدْ أحَدُكُمْ إلَّا أنْ يَعْرُضَ علَى إنائِهِ عُودًا، ويَذْكُرَ اسْمَ اللهِ، فَلْيَفْعَلْ؛ فإنَّ الفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ علَى أهْلِ البَيْتِ بَيْتَهُمْ). وأوكوا السقاءَ أي: اربطوا فوهاتِ أواني الماءِ لحمايتِها من التلوثِ والأوبئةِ.
إنَّ المجتمعَ المصريَّ منذ نشأتِهِ تقومُ عقيدتُهُ على احترامِ نعمةِ مياهِ نهرِ النيلِ، وتمتلئ ثقافةُ أبناءِ مصرَ جميعًا منذ القِدمِ على الحرصِ على نهرِ النيلِ وعدمِ تلويثِهِ واعتبارِ تلويثِهِ جريمةً من الجرائمِ الكبرى، وقد كان المصريُّ القديمُ يكتبُ من ضمنِ وصاياهُ في نهايةِ حياتِهِ أنَّهُ لم يفعلْ كذا وكذا من الجرائمِ، وأنَّهُ لم يُلوِّثْ ماءَ النهرِ، وكأنَّهُ يتقرَّبُ إلى اللهِ بهذه الفضيلةِ وابتعادِهِ عن هذه الجريمةِ النكراءِ، وهي جريمةُ تلويثِ مياهِ النهرِ، فهذه ثقافةُ المصريينَ منذ القدمِ، وعقيدتُهم منذ الأزلِ في احترامِ مياهِ النهرِ، والحفاظِ على المياهِ، وعدمِ تلويثِها، وهو ما أكدتْ عليه شريعتُنا الغرَّاءُ .
لقد اعتبرَ الإسلامُ الماءَ ثروةً يمكنُ التصدقُ بها كالمالِ، وأوجبَ على كلِّ الناسِ المحافظةَ عليها، فحينما أراد اليهودُ أن يحتكروا ماءَ المدينةِ بشراءِ بئرِ رومةَ قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ، فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ المُسْلِمِينَ)، وفي روايةٍ : (مَنْ يَبْتَاعُ بِئْرَ رُومَةَ ؟ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قال: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُهَا ، يَعْنِي بِئْرَ رُومَةَ، فَقَالَ صلى اللهُ عليه وسلم: (اجْعَلْهَا سِقَايَةَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُهَا لَكَ) ، وفي ذلك درسٌ وافٍ لكلِّ الموسرينَ في كلِّ عصرٍ ومصرٍ أن يقفوا بجوارِ أوطانِهم ، وأن يتحملوا مسئولياتِهم تجاه بلدانِهم وأهليهم.
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم
**
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلاةً وسلامًا على خاتمِ أنبيائِهِ ورسلِهِ سيدِنا محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينَ.
إخوةَ الإسلامِ: لقد اهتمَّ الإسلامُ بالمحافظةِ على نعمةِ المياهِ وضرورةِ ترشيدِ استخدامها ، واهتمَّ كذلك بسبلِ تعزيزِ وجودِها ، وتكثيرِها، وذلك بإيجادِ بدائلَ تساعدُ على وفرةِ الماءِ، منها : الترغيبُ في حفرِ الآبارِ واستخراجِ المياهِ الجوفيةِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي اللهُ عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (من حفر ماءً لم تشربْ منه كبِدٌ حرَّى من جنٍّ ولا إنسٍ ولا طائرٍ إلَّا آجَره اللهُ يومَ القيامةِ)، بل جعلَ الإسلامُ ذلك من أبوابِ الصدقاتِ الجاريةِ التي لا ينقطعُ ثوابُها ، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (سبعٌ يجري للعبدِ أجرُهنَّ وهو في قبرِه بعد موتِه : من علَّم علمًا، أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّثَ مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفرُ له بعد موتِه).
إنَّ الماءَ هو عصبُ الحياةِ التي يتوقفُ استمرارُها على بقائِهِ، فبدونِهِ يهلكُ الحرثُ والنسلُ، وتزهقُ الأنفسُ، وتهلكُ الثمراتُ ، فعلينا أن نتقيَ اللهَ (عزَّ وجلَّ) فيما بين أيدينا من نعمةِ الماءِ، إذ إنَّ التقوى هي سبيلُ النجاةِ والخلاصِ من الأزماتِ ، يقولُ اللهُ تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، وأن نراعي هذه النعمةَ التي هي سرُّ الحياةِ ، وليتحمَّلْ كلٌّ منَّا مسئوليَّتَهُ أمامَ اللهِ تعالى بالحفاظِ على ما أولانا من نهرٍ عظيمٍ وماءٍ عذبٍ ، فغيرُنا في أمسِّ الحاجةِ إلى قطرةِ ماءٍ تروي ظمأَهُ ، وتنبتُ كلأَهُ .
وأخيرًا فإنَّنا نؤكدُ أنَّ تلويثَ المياهِ، أو إهدارَها وعدمَ المحافظةِ عليها صورةٌ من صورِ الفسادِ الذي نهى اللهُ عنهُ، قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}؛ لذا واجبٌ علينا جميعًا أن نحافظَ على هذه النعمةِ التي وهبَها اللهُ لمصرَنا الغاليةَ، وأن نشكرَ اللهَ عزَّ وجلَّ عليها، فإنَّ شكرَ النعمةِ يديمُها، ويزيدُها، ويحققُ البركةَ فيها، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، والشكرُ لا يكونُ بالكلامِ وحدَهُ، وإنَّما يكونُ بالاستخدامِ الأمثلِ للنعمِ مع الوفاءِ بحقِّها.
نسألُ اللهَ تعالى أن يحفظَ مصرَ وأهلَها من كلِّ سوءٍ.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف