أيها السادةُ:(( التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولاً: الأزمات تتطلب الرحمة لا الاستغلال.
ثانيًا: الاحتكار والجشع والاستغلال من أسباب الأزمات.
ثالثًا وأخيرًا: ما المخرج من الأزمات ؟
أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن التكاتف الوطني في التعامل مع الأزمات وخاصة ومصرنا بل والعالم كله يمر بأزمات متلاحقة وعديدة من جرأ فيرس كورونا ثم الحرب في أوكرانيا وخاصة وهناك الكثير من التجار يستغلون حاجات الناس فيرفعون الأسعار فكثر الطمع والجشع واحتكار السلع والمنتجات ألا فليعلم هؤلاء التجار من ضيق على الناس ضيق الله عليه ألا فليعلم هؤلاء التجار من شدد على الناس شدد الله عليه …. ومن فرج عن الناس فرج الله عليه ففي الشدائد تظهر معادن الرجال ولله در القائل
إنٌَ الرجـال وإنْ قـلـٌتْ ، مَعَادنـها ذَهَبـاً ***عنـد الشدائد تطلبها في الحال تلقـاهـا
أيها السادة : التعاون بين المسلمين بصفة عامة وفي الأزمات بصفة خاصة مطلب رباني ومنهج إيماني وواجب وطني، وعمل إنساني، وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ ،ومقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء ، أمرنا به المولى جل وعلا في كتابه الكريم حيث قال )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2فالتعاون بين المسلمين في قضاء حوائجهم فضل كبير وشرف عظيم وكيف لا ؟هو سبب من أسباب الاجتماع وتآلف القلوب ونبذ الفرقة والاختلاف قال جل وعلا ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران: 103] ففي التعاون يحقق المجتمع مصالحه الدينية والدنيوية.. وكيف لا ؟وأن من أهم سِمات المُجتمعات الراقية أن تكون مترابطة، متماسكة في بنيانها، يشد بعضها بعضًا، وصدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقول كما في صحيح مسلم من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) وفي صحيح البخاري مسلم منْ حديث أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ)
وكيف لا ؟ وفي الشدائد تظهر معادن الرجال ، و الأزمات تتطلب التراحم وليس الاستغلال ، وأن من قلل هامش ربحه تخفيفًا على الناس وتيسيرًا عليهم ولاسيما وقت الأزمات فهو له صدقة يثاب عليها ويؤجر على فعلها ، فالمجتمع في حاجة إلى التعاون والتكافل والتكامل والترابط، وقد عني ديننا الحنيف أيما عناية بهذا الجانب الإنساني ، ففرض الزكاة ، وحث على الصدقات ، وشرع الوقف وشجع عليه ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ”مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” ، قال ربنا(( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ” ، ويقول سبحانه وتعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ”.
وكيف لا ؟و الجزاء من جنس العمل؛ فمن أعان أخاه أعانه الله. لحديث النبي المختار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ-: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”،وَإِنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَادَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)) صحيح ابن حبان
وكيف لا ؟و الإسلام جعَل الإحسان إلى المساكين وابن السبيل والأرملة والمصابين والوقوف بجانب الناس في الأزمات شرطًا لقبول الأعمال الصالحة، واستحقاق الأجر والثواب عليها بجلب الرحمة والمغفرة إثرها ؛ ففي سنن الترمذي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ. وكيف لا ؟ وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يعين على نوائب الحق أي يساعد الناس في الأزمات والنكبات فلقد قالت له خديجة رضي له عنها عندما رجع إليها من غار حراء يرجف فؤاده قالت له خَدِيجَةُ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ) أي تُعِينُ غَيْرَكَ عَلَى أَحدَاثِ الزَّمَانِ ونَوَازِلهِ-، فَالذي يُعِينُ إِخوَانَهُ ويُسَاعِدُهم، ويُؤَازِرُهم فِي الأزمات ويُسَانِدُهم، لَنْ يَتَعرَّضَ فِي مُستَقبَلِهِ لِسُوءٍ؛ لأَنَّ صَنائعَ المَعْروفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ.
فيجب أن يكون المسلمون متظاهِرِين كاليد الواحدة في الأزمات والنكبات ؛ ففي سنن البيهقي من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ((
فأحبّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تُدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ، وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ عنه كُربةً ، أو تقضِي عنه دَيْنًا ، أو تَطرُدُ عنه جوعًا ، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا)) رواه الطبراني بسند حسن
ثانيًا: الاحتكار والجشع والاستغلال من أسباب الأزمات.
أيها السادة: ما نحن فيه الآن من أزمات ورفع وغلاء للأسعار فاحش هذا كله بسبب جشع وطمع الكثير من التجار إلا ما رحم الله جل وعلا فهل أضرت الحرب بسعر البيض والدجاج واللحم وغيرها من سلع المسلمين والله لكأن الحرب كانت مع الدجاج وسلع المسلمين يا سادة ولا حول ولا قوة إلا بالله. فالجشع والطمع والاحتكار من آفات الإنسان، مداخل كبيرة للشيطان، مدمرة للقلب والأركان، تفرق بين الأحبة والإخوة، تحرم صاحبها: الأمن والأمان، وتدخله النيران، وتبعده عن الجنان، فالبعد عنه خير في كل زمان ومكان. ظواهر سلبية مدمرة للأفراد والدول ويرجع السبب في هذا كله إلى طمع النفس وغياب الوعي وضعف الوازع الديني، وعدم مراقبة المولى جل وعلا، فالاحتكار داء يقتل الطموح، ويدمر قيم المجتمع، ويعَد خطرًا مباشرًا على الوطن، ويقف عقبة في سبل البناء والتنمية، يبدد الموارد، ويهدر الطاقات. لذا نهى الإسلام عن الاحتكار وغلاء الأسعار والاستغلال والغش وكل هذه السلوكيات الاقتصادية السيئة، فأمر بإيفاء الكيل والميزان قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ﴾ [الأنعام: 152]. وقال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾ [الإسراء: 35 وجاء الوعيد الشديد لمن أدخَل في أسعار المسلمين شيئا ظُلمًا وعدوانًا ليغلِيَه عليهم، فعَنِ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” وفى رواية، (قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ” مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لَيُغْلِيَ عَلَيْهِمْ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَقْذِفَهُ فِي مُعْظَمِ جَهَنَّمَ رَأْسُهُ أَسْفَلُهُ ((
والاحتكار جعله النبي صلى الله عليه وسلَّم كبيرة من الكبائر، وقال فيه صلى الله عليه وسلَّم – ليُعلمنا شدَّة وقع هذا الجُرم على صاحبه في الدنيا والآخرة عنْ مَعْمَرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» رواه مسلم أَيْ عَاصٍ آثِمٌ. أي أخطأ طريق الجنة يا رب سلم. وعَنْ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ – عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ) روا ابن ماجة
أما في الآخرة فعَنِ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُرِيدُ بِهِ الْغَلَاءَ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ)) رواه أحمد وكل من يغُشُّ هذه الأمة فليس منها يوم لقاء الله، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟!!، قال: أصابته السماء ـ يعني دخل عليه المطر ـ فقال له: هلاَّ جعلته فوقه حتى يراه الناس؟!!، لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا((رواه مسلم وقد خرَجَ النَّبيٌّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى المُصلَّى، فرَأَى النَّاسَ يَتبايعونَ، فقال: يا مَعشَرَ التُّجارِ فاسْتجابُوا لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَفَعُوا أعناقَهمْ وأبْصارَهُمْ إليه فقال إنَّ التُّجارَ يُبعثُونَ يَومَ القِيامةِ فُجَّارًا إلا مَنِ اتَّقَى اللهَ وبَرَّ وصَدَقَ )) رواه الترمذي
أما التاجر الوطني والصدوق فهو الذي لا يخدع ولا يغش ولا يخون ولا يحتكر فهذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، جاءته تجارة من بلاد الشام تحمل دقيقاً على ألف جمل، ولم يكن في المدينة كلها حفنة قمح، فجاءه تجار المدينة وقالوا له: اعطنا تجارتك ولك ما تشاء، قال: كم تعطوني فيها؟ قالوا: ضعف ثمنها، قال: جاءني من زادني عن ذلك، قالوا، نعطك الضعفين، قال: جاءني من زادني عن ذلك، قالوا: ومن الذي جاءك ونحن تجار المدينة ولم يبقَ تاجرٌ من المدينة إلا جاء معنا؟!!، قال: (أُشهدكم أنِّي جعلتها صدقة على فقراء المسلمين، والله عز وجل أعطاني على ذلك عشرة أضعاف)). (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (160الأنعام(
هؤلاء هم التجار الذين ربَّاهم المصطفى وكفى، وجعلهم خدمةً لمجتمعهم، يسعون إلى منافع إخوانهم، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضي الله عنه قال عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رواه الترمذي
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا وأخيرًا: ما المخرج من الأزمات ؟
أيها السادة : المخرج مما نحن فيه من غلاء وجشع وطمع وغلاء للأسعار يكون بأمور كثيرة: منها الرجوع إلى الله جل وغلا فما غلت الأسعار وارتفعت إلا بسبب الذنوب والمعاصي قال جل وعلا-: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30 وقال ربنا ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، وقال تعالى: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [السجدة: 21] قال القرطبي /: ولا خلاف أن العذاب الأكبر عذاب جهنم، والأدنى غلاء السعر. فغلاء الأسعار من العذاب والعياذ بالله. وهذا الارتفاع في الأسعار عقوبة من الله تعالى فلابد من عودة إلى علام الغيوب وستير العيوب قبل فوات الأوان فالله الله في الاستغفار والدعاء والتضرع إلى الله تعالى والتوبة الصادقة والعمل الصالح، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، والاستغفار من أسباب الازدهار فمن سنن الله أن الاستغفار المقرون بالتوبة والإنابة سبب من أسباب الرزق، قال الله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾نوح: 12.
المخرج من الأزمات : في البعد عن الغش والطمع والاحتكار والاستغلال فهذه صور من الحرام وأكل الناس بالباطل قال ربنا(( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )) [سورة النساء آية 29 وعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) والتصدي لهؤلاء من قبل الدولة والوقوف لهم بالمرصاد قال عثمان -رضي الله عنه((إنا لله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن))أي: يمنع بالسلطان باقتراف المحارم، أكثر ما يمنع بالقرآن.
المخرج من الأزمات :تربية الضمير على التقوى ومراقبة الله تعالى قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [ الأعراف 96 ]، فالتقوى هي سبب لسعة الأرزاق والبركة فيها، قال تعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3
المخرج من الأزمات :في القناعة فالقناعة كنز لا يفنى وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم إذ يقول(( وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ )
النفس تجزع أن تكون فقيرة *** والفقر خير من غني يطغيها
وغني النفوس هو العفاف فإن أبت *** فجميع ما في الأرض لا يكفيها
هي القناعة فألزمها تكن ملكاً *** إن لم يكن لك إلا راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها *** هل راح منها بغير الحنط والكفن
وأرجئ الحديث عنه إلى ما بعد جلسة الاستراحة أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية الحمد لله ولا حمد إلا له وبسم الله ولا يستعان إلا به وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعد
أيها السادة : المخرج من هذه الأزمات في ترشيد الاستهلاك الاقتصاد في المعيشة والتوسط في النفقة وعدم شراء إلا ما تحتاجه: قال ربنا ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾قال ربنا ﴿ وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾.فعلينا أن نعمل على تطبيق المنهج الشرعي في الاقتصاد وعدم الإسراف والتبذير في حياتنا اليومية، فالتبذير نوع من أنواع كفر النعمة، قال جل وعلا ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ الإسراء: 27.
فاتَّقوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، ولِيَكُنْ كُلٌّ مِنْكُم مَصدَرَ خَيرٍ لإِخوَانِهِ، يُسَاهِمُ بِمَا يَستطِيعُ فِي تَخفِيفِ كُربَةِ كُلِّ مَكْروبٍ؛ لِيُفَرِّجَ اللهُ عنهُ الشدائدَ والكُرُوبَ. وعن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى)) رواه البخاري وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رجُلٌ تاجرٌ يُدايِنُ النَّاسَ فإذا رأى إعسارَ المُعسِرِ قال لفتاه: تجاوَزْ لعلَّ اللهَ يتجاوَزُ عنَّا ) قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( فلقي اللهَ فتجاوَز عنه ( صحيح ابن حبان
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من أنظر معسرًا أو وَضع له، أظلَّه اللهُ يومَ القيامةِ تحتَ ظلِّ عرشهِ، يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه)) رواه مسلم
الدكتور أحمد رمضان
حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م.
مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم.
حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة.
للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي:
[email protected]
رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان
(Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan)
للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير