web analytics
أخبار عاجلة
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : "مواجهة الفساد مسئولية دينية ووطنية ومجتمعية" ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 6 جمادي الأول 1443هـ ، الموافق 10 ديسمبر 2021م
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : "مواجهة الفساد مسئولية دينية ووطنية ومجتمعية" ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز 10 ديسمبر “مواجهة الفساد مسئولية دينية ووطنية ومجتمعية”

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : “مواجهة الفساد مسئولية دينية ووطنية ومجتمعية” ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 6 جمادي الأول 1443هـ ، الموافق 10 ديسمبر 2021م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 ديسمبر 2021م بصيغة word بعنوان : “مواجهة الفساد مسئولية دينية ووطنية ومجتمعية”، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 ديسمبر 2021م بصيغة pdf بعنوان : “مواجهة الفساد مسئولية دينية ووطنية ومجتمعية”، للدكتور محمد حرز.

 

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 10 ديسمبر 2021م بعنوان : “مواجهة الفساد مسئولية دينية ووطنية ومجتمعية”.

 

أولاً: مواجهةُ الفسادِ مطلبٌ شرعيٌّ.

ثانيًا: مِن أخطرِ أنواعِ الفسادِ؟

ثالثًا: كيفيةُ معالجةِ الفسادِ بجميع صورهِ وأشكالهِ ؟

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 10 ديسمبر 2021م  بعنوان : “مواجهة الفساد مسئولية دينية ووطنية ومجتمعية” : كما يلي:

 

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: مواجهةُ الفسادِ مسؤوليةٌ دينيةٌ ووطنيةٌ ومجتمعيةٌ د. مُحمد حرز

بتاريخ: 6 جُمَادَى الأولى 1443هــ – 10 ديسمبر2021م

الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾ (سورة الأعراف: 56) ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحينَ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقِهِ وخليلُهُ؛ القائلُ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ🙁 لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ)(رواه أبو داود) ؛ فاللهمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِ  المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102)

أيها السادةُ:(( مواجهةُ الفسادِ مسؤوليةٌ دينيةٌ ووطنيةٌ ومجتمعيةٌ)) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

عناصرُ خطبة الجمعة القادمة :

أولاً: مواجهةُ الفسادِ مطلبٌ شرعيٌّ.

ثانيًا: مِن أخطرِ أنواعِ الفسادِ؟

ثالثًا: كيفيةُ معالجةِ الفسادِ بجميع صورهِ وأشكالهِ ؟

أيها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن مواجهةِ الفسادِ والمفسدين وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا أصبحَ الفسادُ فيه منتشرًا بصورةٍ مفزعةٍ ومخيفةٍ  وخاصةً وقد تنوعتْ صورُ الفسادِ بشتى ألوانِهِ وأنواعِهِ، وصدقَ ربُّنَا إذْ يقولُ في كتابِهِ الكريمِ:﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم:41) وخاصةً  كم مِن بلادٍ تدمرتْ بسببِ انتشارِ الفسادِ والمفسدين؟ وكم مِن بلادٍ تأخرتْ بسببِ الفسادِ والمفسدين؟وكَمْ مِنْ مُجْـتَمَعَاتٍ تَشَتَّتَ؟ بسببِ الفسادِ والمفسدينِ ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ .

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة

أولاً: مواجهةُ الفسادِ مطلبٌ شرعيٌّ .

أيها السادةُ : مواجهةُ الفسادِ مطلبٌ شرعيٌّ، وواجبٌ وطنيٌّ، وعملٌ إنسانيٌّ، وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ ،ومقصدٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ، الكلُّ مطالبٌ بمحاربتِهِ والتصديِ لهُ  ، والكلُّ محاسبٌ عنه بين يدي اللهِ لمَن فرطَ وأهملَ في مواجهتِهِ أو استباحِهِ بجميعِ صورِهِ وأشكالِهِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ قال ربُّنَا جلّ وعلا:((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (المائدة: 33) 

والفسادُ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ، ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشا في أمةٍ إلا كان نذيرًا لهلاكِهَا ، و ما دبَّ في أسرةٍ إلا كان سببًا لفنائِهَا ، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍ وتعاسةٍ ، والفسادُ آفةٌ من آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ ،مدمرٌ للقلبِ والأركانِ ،يفرقُ بين الأحبةِ والإخوةِ، يحرمُ صاحبهُ: الأمنَ والأمانَ ،ويدخلُه النيرانَ ،ويبعدُه عن الجنانِ ،فالبعدُ عنه خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ. والفسادُ ظاهرةٌ سلبيةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والدولِ ويُعَدُّ طمعُ النفسِ وغيابُ الوعيِ وضعفُ الوازعِ الدينيِّ، وعدمُ مراقبةِ المولىَ جلّ وعلا من أهمِّ أسبابِ الفسادِ ، والفسادٌ داءٌ يقتلُ الطموحَ ، ويدمرُ قيمَ المجتمعِ ، ويعَدّ خطرًا مباشرًا على الوطنِ، ويقفُ عقبةّ في سبل البناءِ والتنميةِ ، يبددُ المواردَ ، ويهدرُ الطاقاتِ .

ومواجهةُ الفسادِ واجبٌ شرعيٌّ وكيفَ لا ؟ والإسلامُ دينُ الصلاحِ والإصلاحِ وما من نبيٍّ من الأنبياءِ إلا ودعا قومَهُ إلي التوحيدِ والإصلاحِ والصلاحِ وحذرَ من الفسادِ   وكيف لا ؟ واللهُ جلّ وعلا أمرنَا بالإصلاحِ، وأرسلَ أنبياءَهُ ورسلَهُ للإصلاحِ فقالَ تعالي حكايةً على لسانِ شعيبٍ عليه السلامُ ) إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ( (سورة هود:88)، ولا يمكنُ بحالٍ مِن الأحوالِ  أنْ يجتمعَ الإصلاحُ والفسادُ معًا إلا أنّهما يتدافَعا ليَظْهَرَ الصالحُ من المفسدِ والبارُّ من الفاجرِ قال ربُّنَا 🙁أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ( (سورة ص:28) فسبيلُ المصلحين معروفٌ، وسبيلُ المفسدين معروفٌ .فالمصيبةُ ياسادة أنْ ترى نفسَك مُصْلحًا، ولستَ كذلك قال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ( [البقرة:11]. فهم يرونَ عملَهُم وإفسادَهُم إِصلاحًا وهم المفسدون: )أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ( [البقرة:12]المصيبةُ ياسادة  أنْ ترى نفسَك تقيًّا ولستَ كذلك!!!! قال تعالى: ((وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِىٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِىٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ))(البقرة:204،205 ) ومِن هذا المنطلقِ سمَّى فرعونُ دعوةَ موسى عليه السلامُ فسادًا وهو مُصْلحٌ، يا ربِّ سلم: )وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ( [غافر:26]. وهذا قارونُ سعى في الأرضِ ليفسدَ فيها وتكبرَ وتجبرَ على عبادِ اللهِ الناصحين له ، الذين قالوا له)): لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 76، 77) فكانتْ النهايةُ المؤلمةُ،، والعقوبةُ الإلهيةُ التي تنتظرُ الأفاكين المفسدين((فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ))(القصص:81)

ومواجهةُ الفسادِ واجبٌ ووطنيٌّ وكيف لا ؟ فالمحافظةُ على الأوطانِ دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، والفسادُ يدمرُهَا ويخربُهَا وكيف لا ؟والفسادُ: هو كلُّ عملٍ ضدّ الإصلاحِ،  وكيف لا ؟) وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ([البقرة:205]. قال الطبريُّ: يعني بذلك جلّ ثناؤُه: واللهُ لا يحبُ المعاصيَ، وقطعَ السبيلِ، وإخافةَ

 الطريقِ،.. وقال العباسُ بنُ الفضلِ : الفسادُ هو الخرابُ .. والآيةُ بعمومِهَا تعمُّ كلَّ فسادٍ كان في أرضٍ أو مالٍ أو دينٍ .

   لذا حذَّرَنا جلّ وعلا من الإفسادِ في الأرضِ بعدَ إصلاحِها قال اللهُ تعالى:﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة:60] ، وقال اللهُ تعالى: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾(الأعراف:56 ) ونهانَا عن اتباعِ كلّ مفسدٍ  ضالٍ وطاعتِهِ ، قال اللهُ تعالى : ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف:142] ، وقال جلّ وعلا: ﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ*الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء:151-152)

 فالإفسادُ في الأرضِ شِيمَةُ المجرِمين، وطبيعةُ المخرِّبين، وعملُ المفسِدين، ففيه ضَياعٌ للأملاكِ، وضِيقٌ في الأرزاقِ، وسُقُوطٌ للأخلاقِ، إنَّه إخفاقٌ فوقَ إخفاقٍ، يُحوِّلُ المجتمعَ إلى غابَةٍ يأكُلُ القويُّ فيه الضعيفَ، وينقضُّ الكبيرُ على الصغيرِ، وينتَقِم الغنيُّ منَ الفقيرِ، فيزدادُ الغنيُّ غنًى، ويزدادُ الفقيرُ فقرًا، ويَقوَى القويُّ على قوَّتِه، ويضعُفُ الضعيفُ على ضعفهِ!. والفسادُ داءٌ مُمتدٌّ لا تحُدُّهٌ حدودٌ، ولا تمنعُهُ فواصِلٌ. 

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة

ثانيًا: من أخطرِ أنواعِ الفسادِ؟   

أيها السادةُ: أنواعُ وصورُ الفسادِ كثيرةٌ وعديدةٌ لا يتسعُ الوقتُ لذكرِها منها على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ    : المعصيةُ بجميعِ صورِهَا مِن أكلٍ للحقوقِ والميراثِ ومن ظلمٍ للزوجةِ ومن ظلمٍ للجيرانِ ومن أكلِ الربا ومن السحرِ والشعوذةِ  والكبرِ والغرورِ، فكلُّ المعاصي إفسادٌ في الأرضِ قال اللهُ تعالى : ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم:41    )

ومِن صورِ الإفسادِ في الأرضِ :تخريبُ وتدميرُ المنشآتِ العامةِ: فإنّ مَن يقومُ بذلك مِن حرقِ المنشآتِ العامةِ وإتلافِ الأشجارِ والحدائقِ والتعديِ على رجالِ الشرطةِ والجيشِ والتعديِ على الآمنينَ يُعدُّ مِن أشدِّ صورِ الفسادِ والإفسادِ في الأرضِ، وقد توعدَ اللهُ هؤلاء بقولهِ:﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ (المائدة: 33) .  

ومِن صورِ الفسادِ في الأرضِ: التعديِ على الأموالِ والممتلكاتِ الخاصّةِ والعامّةِ، والاختلاساتُ وقبولُ الرشوةِ وهدايا العمالِ سحتٌ، واستغلالُ المناصبِ للمصلحةِ الذاتيةِ، هذا كلُّهُ فسادٌ وخيانةٌ للأمانةِ،  سواءٌ بسرقةٍ منه أم بإتلافهِ، فإتلافُه وإهلاكُه فسادٌ، و سرقتُه وأكلُه فسادٌ، ولهذا قال اللهُ عزّ وجلّ عن إخوةِ يوسف عليه السلام: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ (يوسف: 73) . وصدق نبيُّنَا صلى اللهُ عليه وسلم إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ عن عَديِّ بنِ عَمِيرةَ الكِنديِّـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ ، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول:  “مَنِ استَعْمَلْناه منكم على عَمَلٍ، فكتَمَنا مَخِيطًا فما فوقَه، كان غُلولًا يأتي بهِ يومَ القِيامَةِ.

ومن صورِ الفسادِ في الأرضِ: السعيُ إلى الفرقةِ وتحزبِ الناسِ إلى فرقٍ وجماعاتٍ وأحزابٍ، و﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ (الروم: 32] ؛ وكلٌّ يدعي لنفسِه أنّه المصلحُ، ولكن كما قال اللهُ تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ ﴾ (البقرة: 220] ، لذلك نهى اللهُ عن الفرقةِ والتحزبِ، وأمرَ بالاجتماعِ، ونهى عن الاختلاف: ِ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال:46] ، ويقولُ – جلّ وعلا -: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]

ومِن أخطرِ صورِ الفسادِ في الأرضِ المعاصرة: استغلالُ وسائلِ التواصلِ في نشرِ الشائعاتِ وترويجِهَا، والتجسسِ علي الناسِ، واختراقِ خصوصياتِهم، وتتبعِ عوراتهِم وغيرِ ذلك مما يُعدُّ تهديدًا لأمنِ المجتمعِ واستقرارِه، وهذا من الإرجافِ المنهيِّ عنه، حيثُ يقولُ (جلّ شأنُه): (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا )، ويقول تعالي: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، ويقولُ سبحانَهُ: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا)، ويقول (عز وجل): (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة

ثالثًا:كيفيةُ معالجةِ الفسادِ بجميع صورهِ وأشكالِه ؟

أرجئُ الحديثَ عنه إلى ما بعدً جلسةِ الاستراحةِ أقولُ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  …………………… وبعد

ثالثًا: كيفيةُ معالجةِ الفسادِ بجميعِ صورهِ وأشكالِه ؟

أيها السادة : الفسادُ داءٌ والحمدُ للهِ أنّه داءٌ لماذا ؟لأنّ ما مِن داءٍ علي ظهرِ الأرضِ إلا ولهُ دواءٌ كما قال نبيُّنَا صلى اللهُ عليه وسلم  (تَدَاوَوْا عباد الله فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّوَ جَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ وهو الْهَرَمُ) أي الشيخوخة  .         …………..إذاً ما علاجُ الفسادِ ؟

أيها السادةٌ: مواجهةُ الفسادِ مسؤوليةْ دينيةٌ ووطنيةٌ ومجتمعيةٌ تقعُ على عاتقِ الجميعِ، كلٌّ في مكانِ عملِه وتخصصِه، كلٌّ في حدودِ قدراتِه وإمكانيتِه لنحفظَ على وطنِنا مصرَ الحبيبةِ الغاليةِ من الفسادِ والمفسدين لتنهضَ مصرُنا في جميع المجالاتِ وفي شتى نواحي الحياةِ.

وعلاجُ الفسادِ أولاً :يبدأُ المرءُ بإصلاحِ نفسهِ وبإصلاحِ أولادِه وبيتِهِ، فمتى ما صُلحَ الفردُ صلحتْ الأسرةُ وبالتالي صلحت المجتمعاتُ، وإذا فسدَ الفردُ فسدتْ الأسرةُ وفسدَ المجتمعُ….. وللهِ درُّ القائل

ابدأْ بنفسِكَ فانهَهَا عن غَيِّها  **** فإذا انتهتْ عنه فأنت حكيمُ

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ **** عَارٌ عَلَيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

والخيُر كلُّهُ بالبعدِ عن الفسادِ والإفسادِ بكلِّ أشكالِهِ وصورِهِ ، قال تعالى ) تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ( (القصص:83)

العلاجُ في التمسكِ بكتابِ اللهِ وبسنةِ رسولهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال اللهُ تعالى (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى  وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ))(طه:123-124) ولقد جاءَ في السنةِ ما يدلُّ على حرصهِ صلى اللهُ عليه وسلم  على محاربةِ الفسادِ ومقاومتِه منها : إقامةِ حكمِ اللهِ فقال «وايْمُ اللهِ لو أنّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدَهَا» وعزلَ صلى اللهُ عليه وسلم جامعَ الزكاةِ لمّا حصلَ على هدية.ٍ

ومن العلاجِ: بذلُ النصحِ والتواصي بالحقِّ، فكلُّنَا ركابُ سفينةٍ واحدةٍ إذا نجتْ نجا الجميعُ وإذا فسدتْ فسدَ الجميعُ ؛قالتْ زينبٌ رضي اللهُ عنها))يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ [متفقٌ عليه.

ومن العلاج: فرضُ عقوباتٍ رادعةٍ للمفسدين: قال عثمانُ -رضي اللهُ عنه – ((إنّ  اللهَ يزعْ بالسلطانِ مالا يزعْ بالقرآنِ))أي: يمنعُ بالسلطان باقترافِ المحارمِ، أكثر ما يمنعُ بالقرآنِ، وقانونُ المواريثِ خيرُ شاهدٍ على ذلك .

ومن العلاج:  في قيامِ أهل الحقِّ والإصلاحِ بمسؤولياتِهم أمرًا بالمعروفِ بالمعروفِ ونهيًا عن المنكرِ بغير منكرٍ، قال تعالى: ((فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ,وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ))[هود:١١٦-117).ومن العلاج: أنْ نتعاونَ جميعًا على محاربةِ الفسادِ، وأنْ نجعلَهُ قضيةً اجتماعيةً، فإنّ البلاءَ إذا نزلَ يعمُّ الصالحَ والطالحَ والبارَّ والفاجرَ، لذا قال الصادقُ المصدوقُ صلى اللهُ عليه وسلم كما في صحيحِ البخاريِّ من حديثِ النُّعْمَانِ بْنَ بَشِيرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)رواه البخاري

فلنتقِ اللهَ عبادَ اللهِ ، ولنعملْ على إصلاحِ أنفسِنَا وإصلاحِ أهليِنًا وأولادِنَا ، ولنكنْ مِن أهلِ الحقِّ والدعاةِ إلى الحقِّ ،ومن المصلحين في الأرض ، وأنْ نبتعدَ عن الفسادِ وسبلِ المفسدين ، ولنعلم قولَ اللهِ جلّ وعلا:((إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(( ( يونس:81 )

وليعلم المفسدُ إنْ أفلتَ من حسابِ الخلقِ فلن يفلتَ أبدًا من حسابِ الخالقِ جلّ شأنه((يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَابَنُونَ * إِلَّامَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(((سورة الشعراء: 88).

فالفسادُ نقمةٌ والإصلاحُ نعمةٌ ، قال ربُّنَا)):وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(( (سورة هود:117 )  فاللهَ اللهَ في الإصلاحِ اللهَ اللهَ في الصلاحِ اللهَ اللهَ في عدمِ الإفسادِ في الأرضِ

حفظُ اللهُ مصرَ من كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

                    كتبه العبدُ الفقيرُ إلى عفو ربِّه

د/ مُحمد حرز

 إمامٌ بوزارة الأوقافِ

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

عن كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

شاهد أيضاً

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس التاسع عشر: الاجتهاد في العشر الأواخر، للدكتور خالد بدير

الدرس التاسع عشر: الاجتهاد في العشر الأواخر، للدكتور خالد بدير

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس التاسع عشر: الاجتهاد في العشر الأواخر، للدكتور خالد بدير. لتحميل الدرس بصيغة …

اختبار صرف بدل التميز العلمي : الأسماء ومواعيد الاختبارات والكتب والاختبارات السابقة

اختبار صرف بدل التميز العلمي : الأسماء ومواعيد الاختبارات والكتب والاختبارات السابقة

اختبار صرف بدل التميز العلمي : الأسماء ومواعيد الاختبارات والكتب والاختبارات السابقة أولاً : الإعلان …

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الثامن عشر: أوصاف وأنواع النفس في القرآن، للدكتور خالد بدير

الدرس الثامن عشر: أوصاف وأنواع النفس في القرآن، للدكتور خالد بدير

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الثامن عشر: أوصاف وأنواع النفس في القرآن، للدكتور خالد بدير. لتحميل …

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس السابع عشر: الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى ، للدكتور خالد بدير

الدرس السابع عشر: الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى ، للدكتور خالد بدير

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس السابع عشر: الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى ، للدكتور خالد بدير. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Translate »