أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور محروس حفظي

بتاريخ 17 ذو الحجة 1446هـ ، الموافق 13 يونيو 2025م

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025 م بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 17 ذو الحجة 1446هـ ، الموافق 13 يونيو 2025م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

.

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

عناصر خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025م بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) محبةُ الأوطانِ دليلٌ على صحةِ فطرةِ الإنسانِ.

(2) قيمةُ الوطنِ في التراثِ الإسلامِي.

(3) خطواتٌ عمليةٌ في حبِّ الوطنِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025م بعنوان: الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

خطبة بعنوان «الأوطانُ ليست حفنةَ ترابٍ»

بتاريخ 17 ذو الحجة 1446 هـ = الموافق 13 يونيو 2025 م

 

الحمدُ للهِ حمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور محروس حفظي

(1) محبةُ الأوطانِ دليلٌ على صحة فطرة الإنسان:

لقد فطرَ اللهُ الخلقَ على محبةِ الأوطانِ، والحنينِ إلى ترابِهِ، والدفاعِ عن أركانِهِ، والحفاظِ على مقدراتِهِ، ينبضُ بهِ قلبُهُ، ويجري بهِ دمُهُ، فهو مِن أجلِّ النعمِ التي يُنعمُ بهِ الخالقُ جلَّ وعلَا على الإنسانِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورُسُلِهِ، ولذا تجدُ السياقَ القرآنِيَّ قد سوَّى بينَ مصيبةِ الموتِ وبينَ الإخراجِ مِن الأوطانِ فقالَ عزَّ من قائلٍ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾، وقد ضربَ رسولُنَا أروعَ الأمثلةِ في محبتِهِ لوطنِهِ، وتجدُ هذا جليًّا في حادثِ تحويلِ القبلةِ، وكثرةِ تقليبِ وجههِ في السماءِ رجاءً أنْ تُحولَ القبلةُ تجاهَ البيتِ الحرامِ مسقطَ رأسِهِ، وقد تكاثرتْ الأحاديثُ عنهُ في بيانِ محبتِهِ لوطنهِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَاقِفًا عَلَى الحَزْوَرَةِ فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» . (الترمذيُّ وحسنَهُ، والحاكمُ وصححَهُ ووافقهُ الذهبيُّ) .

وقد فسّرَ بعضُ العلماءِ “الفتنةَ” في قولِهِ تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191] بأنّهَا: “هي الإخراجُ مِن الوطنِ؛ لأنّهَا جاءت عَقِبَ قولِهِ تعالى: {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثِ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: 191]، وأنشدَ القائلُ:

لَقَتْلٌ بِحَدِّ السَّيْفِ أَهْوَنُ مَوْقِعاً … عَلى النَّفْسِ مِنْ قَتْلٍ بحَدِّ فِرَاقِ

وقالَ آخرُ:

يقولونَ إنَّ الموتَ صعبٌ وإنّمَا … مفارقةُ الأوطانِ واللهِ أصعبُ. (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 6/ 2630).

ولما انتقلَ المسلمونَ مِن مكةَ إلى المدينةِ وبطبيعةِ الحالِ عندمَا يستقرُّ الإنسانُ في مكانٍ جديدٍ لا يتأقلمُ عليهِ نفسيًّا وجسديًّا – في بدايةِ الحالِ – فشكُوا حالَهُم للنبيِّ ، فدعَا لهُم أنْ يغرسَ اللهُ حبَّهَا فيهِم فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ، فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَاشْتَكَى بِلَالٌ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ شَكْوَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا» . (متفقٌ عليه)، فمحبةُ الأوطانِ غريزةٌ جبليةٌ يشتركُ فيها الإنسانُ والحيوانُ يقولُ الأصمعيُّ: «ثلاثُ خصالٍ في ثلاثةِ أصنافٍ من الحيواناتِ: الإبلُ تحنُّ إلى أوطانِهَا وإنْ كان عهدُهَا بها بعيدًا، والطيرُ إلى وكرِهِ وإنْ كان موضعُهُ مجدبًا، والإنسانُ إلى وطنهِ وإنْ كان غيرُهُ أكثرَ نفعًا»، ولذا تجدُ الحيوانَ أو الطيرَ يقطعُ آلالافَ الكيلُو متراتٍ، ويهاجرُ متنقلًا من مكانٍ إلى آخرٍ بحثًا عن الغذاءِ أو مِن أجلِ التكاثرِ والتزاوجِ ثم يحنُّ إلى وطنِهِ الأُم،  بل قد يُضحِّي بكلِّ غالٍ ونفيسٍ في سبيلِ تحقيقِ ذلك حتّى إنّ بعضَ المخلوقاتِ إذا تمَّ نقلُهَا عن موطنِهَا الأصليِّ فإنَّها تموتُ، وتذهبُ سُدى، فسبحانَ مَن دقتْ حكمتُهُ وقدرتُهُ كلَّ شيءٍ.

ولمَّا هاجرَ إلى المدينةِ كان يتحسسُ أخبارَ مكةَ، ويسألُ عنهَا كما في حديثِ أصيلٍ الغفارِي السابق، فلم تكن هذه الأماكنُ عندَ النبيِّ الأكرمِ “حفنةً مِن ترابٍ” بل كانت وطناً اعتزَّ بهِ، نشأَ فيهِ وترعرعَ، ومشى في جنباتِه، وفي قصةِ بدايةِ نزولِ القرآنِ على النبيِّ ﷺ وذهابِهِ إلى ورقةَ بنِ نوفلٍ، فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: … “فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»، قَالَ: نَعَمْ” (متفق عليه).

قالَ الإمامُ السهيلِيُّ: ( فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبّ الْوَطَنِ، وَشِدةِ مُفَارَقَتِهِ عَلَى النّفْسِ؛ فَلِذَلِكَ تَحَرّكَتْ نَفْسُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْخُرُوجِ مِنْهُ مَا لَمْ تَتَحَرّكْ قَبْلَ ذَلِكَ- أنهم يؤذونه ويكذبونه – فَقَالَ: “أَوَمُخْرَجِي هُمْ؟”، وَالْمَوْضِعُ الدّالّ عَلَى تَحَرّكِ النّفْسِ وَتَحَرقِهَا إدْخَالُ الْوَاوِ بَعْدَ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ اخْتِصَاصِ الْإِخْرَاجِ بِالسؤَالِ عَنْهُ وَذَلِكَ أَن الْوَاوَ تُرَد إلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدّمِ، وَتُشْعِرُ الْمُخَاطَبَ بِأَن الِاسْتِفْهَامَ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ أَوْ التّفَجّعِ لِكَلَامِهِ أَوْ التّأَلّمِ مِنْهُ) أ.ه. (الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، 2/ 421).

إنّ المسلمَ عندمَا يحبُّ وطنَهُ إنَّما يتمثلُ في الأساسِ هديَ المصطفَى ، بل هديَ الأنبياءِ جميعًا، فمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لمَّا مكثَ في مدينَ فترةً مِن الزمنِ حنَّ للرجوعِ إلى بلدِهِ الأُم مِصرَ – وعلى جبلِ الطورِ في سيناءَ كلَّمَ ربَّهُ – رغمَ ما سيُلاقيهِ من متاعبَ ومشاقٍ، واستمعْ إلى القرآنِ وهو يحكِي ذلكَ الموقفَ: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، قال ابنُ العربيِّ المالكيِّ: ( قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ طَلَبَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ، وَحَنَّ إلَى وَطَنِهِ، وَفِي الرُّجُوعِ إلَى الْأَوْطَانِ تُقْتَحَمُ الْأَغْرَارُ، وَتُرْكَبُ الْأَخْطَارُ، وَتُعَلَّلُ الْخَوَاطِرُ، وَيَقُولُ: لَمَّا طَالَتْ الْمُدَّةُ لَعَلَّهُ قَدْ نُسِيَتْ التُّهْمَةُ، وَبَلِيَتْ الْقِصَّةُ)  أ.ه أحكام القرآن 3/511.

ولمَّا أُمِرَ المسلمونَ الأوائلَ بالهجرةِ إلى الحبشةِ، قالَ لهُم : «لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ»، ومكثُوا هنالك فترةً، ثم سمعُوا أنَّ الأوضاعَ قد هدأتْ رجعُوا، فلَّمَا دخلُوا سجدُوا للهِ شكرًا على رجوعِهِم إلى وطنهِم، وأخذوا حفنةً من ترابِهَا وقبلُوهَا، وكان بلالٌ رضي اللهُ عنه لشدةِ حزنِهِ على تركِهِ لوطنِهِ – رغمَ ما حدثَ معهُ مِن تعذيبٍ وإيذاءٍ فيهِ- يقولُ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ شيبةَ بنَ ربيعةَ وعتبةَ بنَ ربيعةَ وأميةَ بنَ خلفٍ كما أخرجُونَا مِن أرضِنَا إلى أرضِ الوباءِ» . (البخاري) .

وبناءً على ما سبقَ جعلَ العلماءُ حبَّ الوطنِ أحدَ «الكلياتِ الستِّ» التي أوجبتْ جميعُ الرسالاتِ السماويةِ الحفاظَ عليه، أمّا مَن يقولُ خلافَ ذلك فلا تسعفهُ الأدلةُ ولا الفطرةُ النقيةُ ولا العقولُ الأبيةُ ولا النفوسُ العليةُ، وهذه المحبةُ تسلتزمُ مِن الجميعِ التكاتفَ والاصطفافَ معًا لمواجهةِ الأعداءِ داخليًّا وخارجيًّا، المدوامةَ على العملِ والإنتاجِ، وخدمةَ الوطنِ كلٌّ في مجالِهِ ومِحرابِهِ، وللهِ درُّ القائلِ:

            بلادِي وإنْ هانتْ عليَّ عزيزةٌ    …    ولو أنَّنِي أعرَى بها وأجوعُ

           ولي كفُّ ضرغامٍ أصولُ ببطشِهَا    …     وأشرِي بها بينَ الورَى وأبيعُ

           تظُّل ملوكُ الأرضِ تلثمُ ظهرَها     …     وفي بطنِهَا للمجدبينَ ربيعُ

          أأجعلُهَا تحتَ الثرىَ ثم أبتغِي     …      خلاصًا لها ؟ إنِّي إذًا لوضيعُ

           وما أنَا إِلّا المسكُ في كلِّ بلدةٍ     …     أضوعُ وأمَّا عندكُم فأضيعُ

إنَّ الذينَ يرفضونَ فكرة “الوطنِ” أسسُوا معتقدَهُم الباطلَ على أنَّ الوطنَ لا يعدُو في وجهةِ نظرِهِم أنْ يكونَ “حفنةَ ترابٍ”، بل يعتبرونَهُ “فكرةً مضادةً للأمةِ”، فالأوطانُ هي “عبارةٌ عن حدودٍ صنعَهَا الاستعمارُ”، والمقصدُ الرئيس مِن نشرِ هذه الدعواتِ الخبيثةِ هي خلخلةُ الجذورِ العميقةِ التي تربطُ الإنسانَ بوطنِه، وخلق تعارضٍ بينَ الدينِ والوطنِ، وكأنّهُمَا متناقضان، ومن ثمَّ يكون الولاءُ للجماعةِ أعظمَ مِن الولاءِ للوطنِ، والجماعةُ هي الإسلامُ، ويكأنَّ حبَّ الوطنِ خيانةٌ للدينِ.

وفي هذا يقولُ الإمامُ الغزالِي: (والبشرُ يألَفُون أرضَهُم على ما بهَا، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطنِ غريزةٌ متأصِّلةٌ في النفوسِ، تجعلُ الإنسانَ يستريحُ إلى البقاءِ فيهِ، ويحنُّ إليهِ إذا غابَ عنهُ، ويدافعُ عنهُ إذا هُوجِمَ، ويَغضبُ لهُ إذَا انتقصَ) أ.ه.

لقد بيَّنَ القرآنُ الكريمُ أنَّ النفيَ والإخراجَ مِن الوطنِ عقوبةٌ استخدمَهَا المشركونَ في حربِهِم مع أنبيائِهِم، ولذلكَ وعدَهُم اللهُ بأنْ يردَّهُم إلى أوطانِهِم، قال ربُّنَا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 13: 14] .

وهُدِّدَ نوحٌ – عليهِ السلامُ- بالإخراجِ مِن الوطنِ، قالَ تعالى: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 115]، وقال عن شعيبٍ – عليهِ السلامٌ-: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قال أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: 88] .

وكان الإخراجُ مِن الوطنِ وسيلةً أيضاً لجأتْ إليهَا قريشٌ مع سيدِنَا مُحمدٍ ، قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور محروس حفظي

(2) قيمةُ الوطنِ في التراثِ الإسلامِي:

– المستقرىءُ للتاريخِ يجدُ أنَّ الخلفاءَ الأوائلَ لم يعارضُوا ألبتةَ فكرةَ الوطنِ، ولم يعاقبٌوا مَن أعلنَ حبَّهُ للذي ينتمِي إليهِ، ولم يحاولُوا طمسَ هويةِ الدولِ وصهرهَا في بوتقةِ الخلافةِ الإسلاميةِ بل اعترفُوا بشخصيةِ كلِّ بلدٍ، واحترمُوا عاداتِ شعوبِهَا إذا لم تتعارضْ مع المقاصدِ الكليةِ للشريعةِ الغراءِ.

– بيّنَ القرآنُ أنَّ مِن أعظمِ النعمِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسلِه، ولهذا نجدُ أنَّ القرآنَ الكريمَ قد سوَّى بينَ مصيبةِ الموتِ، وبينَ الإخراجِ مِن الأوطانِ، وبيَّنَ أنَّ مفارقةَ الإنسانِ وطنَهُ تعادلُ مفارقةَ الروحِ للجسدِ، وهمَا مِن أشقِّ الأمورِ وأصعبِهَا، فقالَ تعالَى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [النساء: 66].

قِيلَ لبعضِ الحكماءِ: «ما أشدّ مِن الموتِ؟! قال: الذي يتمنَّى فيهِ الموت»، “جعلَ الإخراجَ مِن الوطنِ مِن الفتنِ والمحنِ التي يتمنَّى عندهَا الموت”. (التفسير الوسيط للقرآن الكريم أ.د/ محمد سيد طنطاوي، (1/ 410).

– وقد فسّرَ بعضُ العلماءِ ومنهُم الشيخُ/ المناوي – رحمَهُ اللهُ- السببَ في استجابةِ “دعوةِ المسافرِ” كما جاءَ في الحديثِ الصحيحِ: (لأنَّ السفرَ مظنةُ حصولِ انكسارِ القلبِ بطولِ الغربةِ عن الأوطانِ، وتحملِ المشاق، والانكسارُ مِن أعظمِ أسبابِ الإجابةِ) (فيض القدير شرح الجامع الصغير، 3/ 317).

بيّنَت السنةُ المشرفةُ أنَّ النبيَّ ﷺ كان إذا أرادَ أنْ يرقِيَ مريضاً بلَّ أُصبعَهُ بريقِهِ، ثمَّ وضعَهُ على الترابِ، ثم مسحَ بهِ المريض، ثم قال كما جاء عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ: «بِسْمِ اللَّهِ، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا» (رواه البخاري).

قال ابنُ الجوزِي: (المُرَاد مِن هَذَا الحَدِيثِ أَنّهٌ كَانَ يَأْخُذُ بإصبعِهِ مِن تُرَابِ الأَرْضِ، فيضعهُ على ذَلِك الْجرْحٍ، والاستشفاءُ بِتُرَابِ وَطنِ الْإِنْسَانِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَكَانَت الْعَرَبُ إِذا سَافَرتْ حملتْ مَعهَا مِن تربةِ بَلَدِهَا تستشفِي بِهِ عِنْدَ مرضٍ يعرض) أ.ه. (كشف المشكل من حديث الصحيحين، 4/ 368).

– إصرارُ العلماءِ قديماً على نسبتِهِم إلى بلدانِهِم والأماكنِ التي ولدُوا فيهَا: مثل البخارِي، والمكِّي، والبغدادِي، والحمصِي، والفاسِي رغمَ تنقلهِم بينَ البلادِ، فربَّمَا ولدَ الواحدُ منهُم بمكانٍ، وعاشَ في آخرٍ، وماتَ في ثالثٍ إلّا أنّ وطنَهُ الذي ولدَ فيهِ يظلُّ هو أحبُّ الأوطانِ إلى قلبِه، واسمهُ هذا يدلُّ على حنينِه، وارتباطِه بوطنِه العزيزِ إلى قلبِه، بل وجدَ أيضاً ذلكَ في جيلِ الصحابةِ – رضي اللهُ عنهم- فهذا الصحابيُّ الجليلُ: سلمانُ الفارسِيُّ، وبلالُ الحبشِيُّ وغيرهمَا.

– الوطنُ لهُ اعتبارٌ في أحكامِ “الفقهِ الإسلامِي”، فقد راعَ الشارعُ الحكيمُ هذه القيمةَ الغاليةَ، ففي “فريضةِ الزكاةِ” الأصلُ فيهَا أنّهَا تؤخذُ مِن أغنياءِ المكانِ، وتُردُّ في فقرائِه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» (متفق عليه)، وكأنَّ المالَ في الشريعةِ مرتبطٌ بالمكانِ الذي نَمَا فيه، وهذا له دلالةٌ عميقةٌ على قيمةِ ترابِ الوطنِ في الشرعِ الحنيفِ.

– حبُّ الوطنِ، دليلُ الكمالِ الإنسانِي، فالوطنُ لم يكنْ أبداً “حفنةً مِن ترابٍ”، بل هو شعبٌ لهُ تاريخٌ وحضارةٌ، وحققَ انتصاراتٍ على أرضهِ صنعَ منهَا مكانةً وتأثيراً وعطاءً فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً … إلخ يتوارثُهُ الأجيالُ سلفاً وخلفاً، فلو لم يكن هناك وطنٌ لمَا عرفنَا هذا التنوعَ والاختلافَ المنثورَ في كلِّ البلدانِ في شتَّى المجالاتِ.

– الوطنُ إنْ كان حفنةً مِن ترابٍ – كما يزعمُ هؤلاء- فإنّهُ ترابٌ مُزجَ بهِ العرقُ، والسعيُّ والكدُّ، والعملُ الدؤوبُ، والمشاعرُ والذكرياتُ التي تجعلهُ تراباً عزيزاً نفيساً علينا.

– لو لم يكن للأرضِ قيمةٌ لمَا جعلَ الإسلامُ مَن يُقتَلُ دفاعًا عنها شهيدًا، وقد دعا النبيُّ ﷺ لأهلِ كلِّ وطنٍ، ولهذا بوَّبَ الإمامُ “مسلمٌ” في “صحيحِهِ” “بَابُ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ ﷺ بِأَهْلِ مِصْرَ”، و “بَابُ فَضْلِ أَهْلِ عُمَانَ”، وهكذا إلى آخرِ ما ذكرَ – رحمَهُ اللهُ-، ثُمَّ ساقَ حديثاً في فضلِ “مصرَ وأهلِهَا”، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ النبي ﷺ:«إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» (مسلم).

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور محروس حفظي

(3) خطواتٌ عمليةٌ في حبِّ الوطنِ:

إن مِن شيمِ المؤمنِ الصادقِ الوفاءَ لوطنِهِ، وهذا الوفاءُ يجبُ أنْ يُترجمَ عمليًّا إلى أفعالٍ وسلوكياتٍ، وإِلّا فهو محضُ افتراءٍ وادعاءٍ، وإليكَ بعضُ ما يجبُ علينَا تجاهَ وطنِنَا الغالِي:

أولاً: العملُ الجادُّ المثمرُ والتضحيةُ من أجلِ الوطنِ: فرضَ الإسلامُ علينَا العملَ، وحثَّنَا عليهِ، ورغبَنَا فيهِ لنصِلَ مِن خلالِهِ إلى أعلى درجاتِ الجودةِ، وأرقَى متطلباتِ الإنتاجِ، وأفضلِ حالاتِ الشفافيةِ، وأوجبَ علينَا استثمارَ ثرواتِ الوطنِ مِن أجلِ تحقيقِ نهضتهِ وازدهارهِ، ولن يتحققَ ذلكَ إلا برجالٍ مخلصينَ، قالَ تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، إنَّ أغلَى وأنفسَ ما يقدمُهُ الإنسانُ لوطنِهِ هو أنْ يواصلَ عملَهُ بالليلِ والنهارِ، وأنْ نتحملَ المسؤليةَ كلٌّ في مجالِ عملِهِ وتخصصِهِ من أجلِ أنْ نرتقِي ببلدِنَا؛ لتكونَ أفضلَ البلادِ، فالتعبيرُ عن الانتماءِ للوطنِ لا يكونُ بالشعاراتِ الرنانةِ، ولا العباراتِ الفضفاضةِ الجوفاءِ، ولكنْ بالعملِ والبناءِ والدفاعِ عنهُ، وبذلِ الغالِي والنفيسِ حتَّى تظلَّ رايتُهُ عاليةً خفاقةً، وقد بشرَّ نبيُّنَا مَن يحرسُ وطنَهُ، ويجودُ بنفسِهِ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (سننُ الترمذي) .

ثانياً: تقديمُ مصلحةِ الوطنِ العامةِ على المصلحةِ الخاصةِ: يجبُ علينَا أنْ نشاركَ جميعًا في المحافظةِ على أمنِ الوطنِ وسلامتِهِ، ووحدةِ أرضهِ واستقرارِهِ، والتصدِّي بكلِّ حزمٍ لحملاتِ التخريبِ والإفسادِ، وقد وضعَ اللهُ حدَّ الحرابةِ لمَن يباشرُ إفسادَ مقدراتِ الأرضِ، ويسعى لإحداثِ الفتنةِ، فقالَ تعالى:﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا﴾، وكذا مَن يهددُ استقرارَهُ بإطلاقِ الشائعاتِ المغرضةِ التي تؤثرُ سلبًا على الفردِ والمجتمعِ، قالَ تعالى متوعدًا مَن يقدمُ على فعلِ ذلك: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾، وفي سبيلِ المحافظةِ على أمنِ الأوطانِ حرّمَ نبيُّنَا ﷺ الاحتكارَ والغشَّ، والاستغلالَ في التجارةِ والمعاملاتِ الإقتصاديةِ التي فيها أكلٌ لأموالِ الناسِ بالباطلِ فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» (ابن ماجه)، وفرضَ التكافلَ المجتمعيَّ، وتقديمَ يدَ العونِ والمساعدةِ للجميعِ، وهذا يستلزمُ التكاتفَ والتعاونَ من كافةِ أطيافِ المجتمعِ، وأنْ نكونَ على قلبِ رجلٍ واحدٍ، قال تعالى: ﴿وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾، وهذا ما نستشفُّهُ ونستلهمُهُ مِن «وثيقةِ المدينةِ» حيثُ جمع كلَّ مَن يسكنُ المدينةَ، وعقدَ معهم معاهدةً من أجلِ الحفاظِ على المدينةِ من أيِّ عدوٍّ داخليٍّ أو سطوٍ خارجيٍّ، وهذه الوثيقةُ تُعدُّ أُنموذَجًا فريدًا في فقهِ التعايشِ السلميِّ بين البشرِ جميعًا على اختلافِ أديانِهِم وأعراقِهِم، وأعظمَ مثالٍ للمساواةِ وتحقيقِ مبدأِ الأخوةِ الإنسانيةِ، لذا حققتْ نجاحًا باهرًا على أرضِ الواقعِ، وهذا خلافُ ما كانتْ تعهدُهُ جزيرةُ العربِ آنذاك، فحياتُهُم قائمةٌ على الفوضَى واللامبالاةِ في جلِّ أمورِ الحياةِ، وهذا يُحتمُ علينَا الالتزامَ بكلِّ حقوقِ الوطنِ والوفاءَ بعهودِهِ وقوانينِهِ قالَ تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ حتَّى وإنْ كان الشخصُ لا يعيشُ في مرابعِهِ كما قالَ أميرُ الشعراءِ أحمدُ شوقي:

             وطنِى لو شُغِلتُ بالخُلدِ عنهُ   ***   نازعتنِى إليه فى الخُلدِ نَفسي

ثالثاً: غرسُ حبِّ الوطنِ في نفوسِ الأطفالِ: يجبُ علينَا أنْ نُعززَ قيمَ الولاءِ والانتماءِ للوطنِ، وتعميقَ الشعورِ بالمسئوليةِ تجاهَ بلدِنَا الحبيب، ويبدأُ ذلك أولًا من الأسرةِ ثم المدرسةِ، ولوسائلِ الإعلامِ المرئيةِ والمسموعةِ والمقروءةِ دورٌ كبيرٌ في تحقيقِ ذلِك، وكذا مؤسساتُ المجتمعِ المدنِي، وهكذا لا بدَّ مِن اصطفافِ الجميعِ في سبيلِ الحفاظِ على مقدراتِ وطنِنَا مصداقًا لقولِهِ تعالى: ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ﴾، فالطفلُ عندمَا ينشأُ ويُربَّى على حبِّ وطنِهِ، وغرسِ ثقافةِ البناءِ والتعميرِ، والبعدِ عن الكراهيةِ والحقدِ والتدميرِ، لا شكَّ أنَّ كلَّ دعوى تواجههُ بعدَ ذلك – في سبيلِ زعزعةِ هذه القيمِ المجتمعيةِ – سيكونُ قادرًا على ردِّهَا ودحرِهَا بأيسرِ برهانٍ، وصدقَ أبُو العلاءِ المعرِي حيثُ قالَ:

               وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منَّا     …     عَلى ما كانَ عليهِ أبُوهُ

               وما دانَ الفتَي بِحِجًى ولكِنْ    …     يُعلمُهُ التديُّنَ أقربُوهُ

وأخيرًا: نقولُ لهؤلاءِ الذين يدَّعونَ حبَّ الوطنِ، ويتغنونَ بالوطنيةِ، ولا نجدُ في أقوالِهِم وأعمالِهِم سوى الخيانةِ الرخيصةِ، والعمالةِ المقيتةِ البغيضةِ لأعدائِهِ، وتأجيجِ الفتنِ بين أبنائِهِ، والتشكيكِ فيما تُقيمُهُ بلدُنَا وتشهدُهُ مِن تنميةٍ وازدهارٍ لا مثيلَ لهُ على الإطلاقِ، أينَ الوفاءُ للأرضِ التي عشتُمْ عليها، وأكلتُمْ من خيراتِهَا، وترعرعتُمْ في ترباهَا، واستظلتُمْ تحتَ سماهَا، وأينَ ردُّ الجميلِ، ومجازاةُ حُسنِ الصنيعِ ﴿هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ﴾، فمهمَا حاولَ هؤلاءِ وغيرُهُم ستظلُّ بلدُنَا محفوظةً بعنايةِ الإلهِ، فمصرُنَا ذُكِرَتْ في كتابِ ربِّنَا عشراتِ المراتِ تصريحًا وتلميحًا وتعريضًا، واقترنَ اسمُهَا بالأمانِ ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، وشَهِدَ بعلُوِ قدرِهَا نبيُّ السلمِ والسلامِ ﷺ حيثُ قالَ: «إذَا فتحَ اللهُ عليكُم مصرَ بعدِي، فاتخِذُوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجندُ خيرُ أجنادِ الأرضِ، فقال له أبو بكرٍ: ولم ذلك يا رسولَ اللهِ ؟ قال: إنَّهُم في رباطٍ إلى يومِ القيامةِ» . (كنز العمال)، وقال الحافظُ السيوطيُّ: «فى بعضِ الكتبِ الإلهيةِ مصرُ خزائنُ الأرضِ كلِّهَا، فمَن أرادَهَا بسوءٍ قصمَهُ اللهُ »، ويصدقُ ذلك قولُهُ تعالى على لسانِ يوسفَ عليهِ السلامُ: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، فتنبَّهْ.

نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

                                           د / محروس رمضان حفظي عبد العال       

               مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى