خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو : الاتحادُ قوةٌ ، للدكتور محروس حفظي
الاتحادُ قوةٌ بتاريخ 23 محرم 1447هـ ، الموافق 18 يوليو 2025م

خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025 م بعنوان : الاتحادُ قوةٌ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 23 محرم 1447هـ ، الموافق 18 يوليو 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الاتحادُ قوةٌ.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الاتحادُ قوةٌ ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الاتحادُ قوةٌ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025م بعنوان : الاتحادُ قوةٌ ، للدكتور محروس حفظي :
(1) الاتحادُ مِن مقاصدِ الإسلامِ.
(2) ثمراتُ الاتحادِ في الدنيا والآخرةِ.
(3) أسبابٌ معينةٌ على الاتحادِ.
(4) مواطنُ حثَّ الإسلامُ فيهَا على لزومِ الاتحادِ، ونبذِ الفرقةِ والاختلافِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025م بعنوان: الاتحادُ قوةٌ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «الاتحادُ قوةٌ»
بتاريخ 23 محرم 1447 هـ = الموافق 18 يوليو 2025 م
الحمدُ للهِ حمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو : الاتحادُ قوةٌ ، للدكتور محروس حفظي
(1) الاتحادُ مِن مقاصدِ الإسلامِ:
الإتحادُ” شعارُ جميعِ الرسلِ والأنبياءِ -عليهمُ السلام- قال تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]، قال الإمامُ البغويُّ: “بَعَثَ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ بِإِقَامَةِ الدِّينِ، وَالْأُلْفَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَرْكِ الْفُرْقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ” أ.ه. (معالم التنزيل).
و”الاتحادُ” مِن أعظمِ مقاصدِ الشريعةِ الغراءِ، ولن يتحققَ الإصلاحُ التعليميُّ، والاجتماعيُّ والاقتصاديُّ… إلخ لهذهِ الأمةِ إلَّا مِن خلالِ “الاتحادِ والاجتماعِ”، قال الشيخُ/ الطاهرُ بنُ عاشورٍ: (ومِن المقاصدِ المعلنِ عنهَا في الكتابِ أيضاً: التمسكُ بالوحدةِ، ومحاربةُ التفرُّقِ والانقسامِ، ومِمَّا يدلُّ على هذا المقصدِ الجليلِ ورودُ الآياتِ والأحاديثِ التي تدعُو إلى “الاتحادِ”؛ ليصبحَ لهُم عنواناً ومكرمةً، ومنهُ قولُهَ تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، وقولُهُ: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، وقولُ النبيِّ ﷺ يحرِّضُ معاذَ بنَ جبلٍ وأبَا موسَى الأشعرِي على الوفاءِ: “وتطاوعَا ولا تختلفَا”، والأمثلةُ على هذا المقصدِ وما يتفرَّعُ عنهُ متوافرةٌ في الشريعةِ الإسلاميةِ؛ لحرصِهَا على حمايةِ كلِّ المصالحِ الأساسيةِ: الضروريةِ والحاجيةِ والتحسينيةِ). أ.ه.
وقالَ الشيخُ/ مُحمد رشيد رضا: (الْمَقْصِدُ الرَّابِعُ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ (الْإِصْلَاحُ الِاجْتِمَاعِيُّ الْإِنْسَانِيُّ وَالسِّيَاسِيُّ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِالْوَحَدَاتِ الثَّمَانِ): وَحْدَةُ الْأُمَّةِ – وَحْدَةُ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ – وَحْدَةُ الدِّينِ – وَحْدَةُ التَّشْرِيعِ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْعَدْلِ – وَحْدَةُ الْأُخُوَّةِ الرُّوحِيَّةِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي التَّعَبُّدِ – وَحْدَةُ الْجِنْسِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ – وَحْدَةُ الْقَضَاءِ- وَحْدَّةُ اللُّغَةِ) أ.ه. (تفسير القرآن الحكيم).
لقد حثَّ الإسلامُ على الاتحادِ والاعتصامِ، وحذّرَ مِن أنْ تكثرَ المنازعاتُ والأهواءُ، وتنشقَّ الأمةُ انشقاقًا شديدًا، وإذا تفرقَ المجتمعُ فسدُوا وهلكُوا، وإذا اجتمعُوا صلحُوا وملكُوا، فإنَّ الجماعةَ رحمةٌ، والفرقةَ عذابٌ، قالَ تعالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: 103].
قالَ قتادةٌ عندَ قولِهِ: {وَلا تَفَرَّقُوا}: “إنَّ اللهَ قد كرَهَ لكُم الفرقةَ، وقدَّمَ إليكُم فيهَا، وحذركموهَا، ونهاكُم عنهَا، ورضيَ لكُم السمعَ والطاعةَ، والألفةَ والجماعةَ، فارضُوا لأنفسِكُم ما رضيَ اللهُ لكمُ إنْ استطعتُم، ولا قوةَ إلَّا بالله”. (جامع البيان في تأويل القرآن).
والمقصودُ بهذا النهيِ: “إنّمَا هو التفرقُ والاختلافُ في أصولِ الدينِ، وأسسِهِ، أمَّا الفروعُ التي لا يصادمُ الخلافُ فيهَا نصاً صحيحاً مِن نصوصِ الدينِ، فلا تندرجُ تحتَ هذا النهيِ، فنحنُ نرَى أنَّ أصحابَ النبيِّ ﷺ، والتابعينَ مِن بعدِهِم قد اختلفُوا فيمَا بينَهُم في بعضِ المسائلِ التي لا تخالفُ نصاً صحيحاً مِن نصوصِ الشريعةِ، وتأولهَا كلُّ واحدٍ أو كلُّ فريقٍ منهُم على حسبِ فهمِهِ الذي أداهُ إليهِ اجتهادُهُ”. أ.ه.
بل دلّنَا القرآنُ الكريمُ على الاتحادِ حتى في موطنِ الحرصِ على الحياةِ، والفرارِ مِن وطيسِ الحربِ حينَ تُحدثُ النفسُ صاحبَهَا بالملاذِ فقالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]، فالحقُّ – سبحانَهُ- يأمرُنَا في هذا الموطنِ الذي تبلغُ فيهِ القلوبُ الحناجرَ، وتعلُو فيهِ صيحاتُ الأنانيةِ أنْ نكونَ كالبنيانِ المتماسكِ، يشدُّ بعضُهُ بعضًا، لا تصدع، ولا انشقاق. و”الصفُّ” هنَا ليس عسكريًّا فحسب، بل هو صفٌّ يشملُ حركةَ الحياةِ كلّهَا، فكنْ في الصفِّ، إنْ كنتَ أبًا، إنْ كنتَ معلمًا، إنْ كنتَ عالمًا، وإنْ كنتَ شابًا، إنْ كنتَ صانعاً، إنْ كنتَ طبيباً … إلخ.
*الكونُ والعباداتُ مظهرٌ مِن مظاهرِ “الوحدةِ”:
تأملْ اسمَ “الجامعِ”: حيثُ يُشيرُ إلى أنَّهُ – سبحانَهُ- هو الذي يجمعُ المتفرقاتِ،، ويوحدُ المتنافراتِ حيثُ يجمعُ الخلقَ كلَّهُم ليومِ الحسابِ، ويؤلفُ بينَ أضدادِ هذا الكونِ الفسيحِ في تناغمٍ عجيبٍ لا يقدرُ عليهِ إلَّا هو– السماءُ والأرضُ، الليلُ والنهارُ– طبقاتُ الأرضِ، ألوانُ وألسنةُ البشرِ- {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}[الروم: 22]، {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40]، ليشكِّلَ هذا التنوعُ لوحةً جماليةً ليست مِن قبيلِ الصدفةِ البحتةِ، وإنّمَا هو تجلٍّ لقوةِ “الجامعِ” الذي خَلَقَ الاتحادَ مِن هذا التنوعِ.
إنَّ مَن ينظر في العباداتِ بأسرِهَا، يجدهَا تطبيقياً عملياً لذلكَ حيثُ شرعَ اللهُ للمسلمينَ مِن الأحكامِ ما يجمعُ شملَهُم، ويوحدُ كلمتَهُم، ويلمُّ شعثَهُم، ويضمُّ شتاتَهُم، وامْتَنَّ عليهِم بذلكَ فقالَ تعالى:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63]، وقال:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92].
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ»، قَالَ زَائِدَةُ: قَالَ السَّائِبُ: يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ: الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ» (رواه أبو داود والترمذي).
قال السنديُّ رحمَهُ اللهُ: (قِيلَ: المرادُ أنَّ الشيطانَ يتسلطُ على مَن يخرجُ عن عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ) أ.ه.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو : الاتحادُ قوةٌ ، للدكتور محروس حفظي
(2) ثمراتُ الاتحادِ في الدنيا والآخرةِ:
حذرت الشريعةُ مِن عواقبِ الفرقةِ والتنازعِ؛ لِمَا يترتبُ عليهِ مِن تبددِ الطاقاتِ، وانتزاعِ البركاتِ، فقالَ تعالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]، وكان النبيُّ ﷺ يغضُّ مِن الفرقةِ والخلافِ، فعَنْ سَعْدِ قَالَ: “لَمَّا قَدِمَ النبي ﷺ الْمَدِينَةَ جَاءَتْهُ جُهَيْنَةُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ قَدْ نَزَلْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَأَوْثِقْ لَنَا حَتَّى نَأْتِيَكَ وَتُؤْمِنَّا، فَأَوْثَقَ لَهُمْ فَأَسْلَمُوا، قَالَ: فَبَعَثَنَا ﷺ فِي رَجَبٍ، وانقسموا بين مؤيد ورافض للقتال في “الأشهر الحرم”؛ فَألما َخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، قام غَضْبَانًا مُحْمَرَّ الْوَجْهِ فَقَالَ: «أَذَهَبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعًا وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ، إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمِ الْفُرْقَةُ، لأبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ، أَصْبَرُكُمْ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ» فَبَعَثَ عَلَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ فَكَانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ أُمِّرَ فِي الْإِسْلامِ” (رواه أحمد).
إنَّ التفرقَ مِن صفاتِ غيرِ المؤمنينَ، قالَ ربُّنَا: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31: 32]، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} [الأنعام: 159].
وقد بيّنَ اللهُ عواقبَ التفرقِ الوخيمةِ المؤدِّي إلى الفشلِ، وضياعِ القوةِ في كتابِهِ العزيزِ فقالَ تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، وجمهورُ المفسرينَ على أنَّ “الريحَ”: “هنَا مستعارةٌ، والمرادُ بهَا “النصرُ والقوةُ”، أو “الدولةُ”، شُبِّهَت في نفوذِ أمرِهَا، وتمشيهِ بالريحِ وهبوبِهَا، مِن كلامِهِم هبتْ رياحُ فلانٍ: إذا دالت لهُ الدولةُ، وجرَى أمرُهُ على ما يريدُ، وركدت رياحُهُ إذا ولت عنهُ وأدبرَ أمرُهُ”. (الكشاف للزمخشري، والمحرر الوجيز لابن عطية).
قالَ الطاهرُ بنُ عاشورٍ: (النَّهْيُ عَنِ التَّنَازُعِ، يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِتَحْصِيلِ أَسْبَابِ ذَلِكَ: بِالتَّفَاهُمِ وَالتَّشَاوُرِ، وَمُرَاجَعَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْ رَأْيٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ رَجَعُوا إِلَى أُمَرَائِهِمْ، والتنازع أَعَمُّ مِنَ الْأَمْرِ بِالطَّاعَةِ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا نُهُوا عَنِ التَّنَازُعِ بَيْنَهُمْ، فَالتَّنَازُعُ مَعَ وَلِيِّ الْأَمْرِ أَوْلَى بِالنَّهْيِ.
وقد حَذَّرَهُمْ أَمْرَيْنِ مَعْلُومًا سُوءُ مَغَبَّتِهِمَا: وَهُمَا الْفَشَلُ، وَذَهَابُ الرِّيحِ، وَالْفَشَلُ: هُنَا مُرَادٌ بِهِ حَقِيقَةُ الْفَشَلِ فِي خُصُوصِ الْقِتَالِ وَمُدَافَعَةِ الْعَدُوِّ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا لِحَالِ الْمُتَقَاعِسِ عَنِ الْقِتَالِ بِحَالِ مَنْ خَارَتْ قُوَّتُهُ، وَفَشِلَتْ أَعْضَاؤُهُ، فِي انْعِدَامِ إِقْدَامِهِ عَلَى الْعَمَلِ. وَإِنَّمَا كَانَ التَّنَازُعُ مُفْضِيًا إِلَى الْفَشَلِ؛ لِأَنَّهُ يُثِيرُ التَّغَاضُبَ، وَيُزِيلُ التَّعَاوُنَ بَيْنَ الْقَوْمِ، وَيُحْدِثُ فِيهِمْ أَنْ يَتَرَبَّصَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ الدَّوَائِرَ، فَيَحْدُثُ فِي نُفُوسِهِمُ الِاشْتِغَالُ بِاتِّقَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَتَوَقُّعُ عَدَمِ إِلْفَاءِ النَّصِيرِ عِنْدَ مَآزِقِ الْقِتَالِ، فَيَصْرِفُ الْأُمَّةَ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى شُغْلٍ وَاحِدٍ فِيمَا فِيهِ نَفْعُ جَمِيعِهِمْ، وَيَصْرِفُ الْجَيْشَ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، فَيَتَمَكَّنُ مِنْهُمُ الْعَدُوُّ) أ.ه. (التحرير والتنوير).
“وللاتحادِ” ثمراتٌ عظيمةٌ، وفوائدُ جليلةٌ، منهَا:
(1) الاتحادُ مِن خصائصِ هذه الأمةِ المحمديةِ: فالجماعةُ المتفقةُ مِن أهلِ الإسلامِ في كنفِ اللهِ ووقايتِهِ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي – أَوْ قَالَ: أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ” (رواه الترمذي).
(2) الاتحادُ مِن أسبابِ رضَا اللهِ على العبادِ: قالَ تعالَى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]، وقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 175].
(3) الاتحادُ أعظمُ موجباتِ دخولِ الجنةِ، بينمَا الفرقةُ مِن أكبرِ مسبباتِ الغضبِ الإلهِي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النبي ﷺ: “إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ” (رواه مسلم).
قالَ الإمامُ النوويُّ: (أمَّا قولُهُ ﷺ: “وَلَا تَفَرَّقُوا”: فهو أمرٌ بلزومِ جماعةِ المسلمينَ، وتألفِ بعضهِم ببعضٍ وهذه إحدَى قواعدِ الإسلامِ) أ.ه. (شرح النووي على مسلم، 12/11).
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِينَا فَقَالَ: «..، عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ» (رواه الترمذي).
(4) الاتحادُ يحققُ المعيةَ الإلهيةَ، ويُجلب النصرَ والفلاحَ مع قلةِ العددِ والعتادِ، قالَ تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78]، وقال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146].
وقد بيَّنت السنةُ أيضاً أنَّ لُزُومَ جمَاعَةِ الْمُسلمينَ موصلٌ إلى الرَّحْمَةِ أَو سَبَبُ الرَّحْمَةِ، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْمِنْبَرِ:«وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ» (رواه أحمد في “مسنده”). ” لأنَّهُ تَعَالَى جمعَ الْمُؤمنِينَ على معرفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَشَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ ليألفَ بَعضُهُم بَعْضًا، وليكونُوا كَرجلٍ وَاحِدٍ على عدوِّهِم، فَمَن انْفَردَ عَن حزبِ الرَّحْمَنِ، انْفَردَ بِهِ الشَّيْطَانُ، فأضّلَهُ، وأغواهُ، وأوقعَهُ فِي عَذَابِ اللهِ تَعَالَى”. أ.ه.
(5) الاستفادةُ مِن جميعِ طاقاتِ أفرادِ الوطنِ، وتتضافرُ الجهودِ، ووضعهَا موضعهَا المناسب: فيتحققُ التعاونُ والتكاتفُ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وتوفرُ قوةِ الأمةِ لمواجهةِ أعدائِهَا المتربصينَ بهَا، المنتظرينَ للانقضاضِ عليهَا حينَ تسنحُ لهُم الفرصُ، {لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء: 102].
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو : الاتحادُ قوةٌ ، للدكتور محروس حفظي
(3) أسبابٌ مُعينةٌ على الاتحادِ:
دلت النصوصُ على أنَّ ثمةَ أسبابٍ تُعينُ المسلمينَ على الاتحادِ والقوةِ منهَا:
أولاً: مِن مظاهرِ “الاتحادِ” في الإسلامِ: وحدةُ العقيدةِ، والشعائرِ، و”طاعةُ اللهِ ورسولِهِ ﷺ، وأولِي الأمرِ”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» (رواه البخاري). قولُهُ: “زَبِيبَةٌ”: [هي حبةُ العنبِ اليابسة، والتشبيهُ مِن حيثُ السوادِ، وقصرِ الشعرِ، وشدةِ تجعدِهِ، وصغرِهِ وغيرِ ذلكَ مِمَّا يحتقرُهُ الناسُ].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ» (رواه مسلم).
وفي رواية: «فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: «وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ المُؤْمِنِينَ، عِبَادَ اللَّهِ» (رواه الترمذي).
وقد أرشدَ اللهُ- تعالَى- المؤمنينَ إلى الوسيلةِ التي متى تمسكُوا بهَا عصمُوا أنفسَهُم مِن مكرِ الماكرينَ، فقالَ تعالَى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]، فالآيةُ فيها إشارةٌ إلى أنَّ التمسكَ بدينِ اللهِ وبكتابِهِ كفيلٌ بأنْ يبعدَ المسلمينَ الذين لم يشاهدُوا الرسولَ ﷺ عمَّا يبيتُهُ لهُم أعداؤهُم مِن مكرٍ وخداعٍ.
ثانياً: توحيدُ المرجعيةِ الدينيةِ؛ للجوءِ إليهَا حالَ التنازعِ والخلافِ: قالَ تعالَى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] .
وعن ابنِ مسعودٍ قالَ: «خطَّ لنَا رسولُ اللَّهِ ﷺ خطًّا ثمَّ قالَ هذا سبيلُ اللَّهِ ثمَّ خطَّ خطوطًا عن يمينِهِ وعن شمالِهِ وقالَ هذهِ سبلٌ على كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليهِ وقرأَ {وَأَنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ….}» [رواه أحمد].
ثالثاً: اجتنبابُ الحسدِ، وتركُ الهوَى وغيرهَا مِن أمراضِ القلوبِ التي ينتجُ عنهَا خلافاتٌ، وتقويةُ أواصرِ المحبةِ، والاتصالُ الدائمُ بينَ المؤمنينَ، والإيثارُ والتنازلُ للآخرِ في سبيلِ وحدةِ الصفِّ، ولَمِّ الشملِ كمَا فعلَ سيدُنَا الحسنُ بنُ عليٍّ مع سيدِنَا معاويةَ بنِ أبِي سفيانَ – رضي اللهُ عنهم- «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (رواه أحمد)، فيجبُ تغليبُ المصلحةِ العامّةِ على الشخصيةِ.
ونلمسُ “تحقيقَ الاتحادِ” في صورةٍ عمليةٍ مِن خلالِ حرصِ النبيِّ ﷺ على “المؤاخاةِ بينَ المهاجرينَ والأنصارِ” التي تجاوزت حدودَ النسبِ؛ كي تؤسسَ لنموذجٍ فريدٍ مِن التعاونِ والتراحمِ، حيثُ تقاسمَ الجميعُ ما يملكُ، قالَ تعالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: آية 9]، فصارَ المهاجرِيُّ أخًا للأنصارِيِّ، يتوارثانِ في سابقةٍ لم يشهدْ لهَا التاريخُ مثيلًا.
ولم يكتفِ الرسولُ ﷺ بالمؤاخاةِ بينَ المؤمنينَ، بل تجاوزَ ذلكَ؛ ليؤسسَ دولةً مدنيةً، تضمُّ كافةَ الأطيافِ، بمَا في ذلكَ اليهود، مِن خلالِ إبرامِ “صحيفةِ المدينةِ”، فكانت هذه الوثيقةُ بمثابةِ أولِ دستورٍ عرفَهُ التاريخُ، يرسِي أصولَ التعايشِ السلمِي، ويحفظُ للجميعِ حقوقَهُ وواجباتِهِ، بغضِّ النظرِ عن دينِهِ أو جنسِهِ حيثُ نصت “الصحيفةُ” على أنَّ المسلمينَ واليهودَ “أمةٌ واحدةٌ مِن دونِ الناسِ”، يتعاونونَ جميعاً في الدفاعِ عن المدينةِ، فكانت تلك “الوثيقةُ” دليلاً على حكمةِ النبيِّ ﷺ في بناءِ مجتمعٍ قويٍّ متماسكٍ.
رابعاً: البعدُ عن إثارةِ الخلافِ والتعصبِ في الفرعياتِ المختلفِ فيهَا التي تجلبُ الجدلَ والفرقةَ، ومِن قواعدِ الفقهِ: “لا إنكارَ في المختلفِ فيهِ”، وليعذرْ بعضُنَا بعضاً، ولنبتعدْ عن التعصبِ والتحزبِ، قِيلَ: لسيدِنَا عَمرِو بنِ العاصِ – رضي اللهُ عنه-: “ما أبطَأَ بكَ عن الإسلامِ وأنتَ أنتَ في عَقلِكَ؟ فقالَ: “إنَّا كنَّا معَ قومٍ لهُم علينَا تقدُّمٌ، وسنٌّ تُوازِي حُلومُهُم الجبالَ، ما سلَكُوا فجًّا فتبِعْناهُم إلَّا وجَدْناهُ سَهلًا، فلمَّا أنكَرُوا على النَّبيِّ ﷺ أنكَرْنَا معَهُم، ولم نُفكِّرْ في أمرِنَا، وقلَّدْنَاهُم، فلمَّا ذهَبُوا، وصارَ الأمرُ إلينَا، نظَرْنَا في أمرِ النَّبيِّ ﷺ، وتدبَّرْنَا، فإذَا الأمرُ بَيِّنٌ؛ فوقَعَ في قلبِي الإسلامُ” أ.ه.
خامساً: رأبُ صدعِ الخلافِ، وتداركُ الفرقةِ مِن أهلِ الإصلاحِ، وذلكَ بعقدِ جلساتِ الصلحِ والحوارِ على يدِ أهلِ “الحلِّ والعقدِ، والعلماءِ والدعاةِ المخلصينَ، قالَ تعالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات: 10]، وعن أبِي الدرداءِ قال سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصلاةُ إلّا قد استحوذَ عليهمُ الشيطانُ، فعليكَ بالجماعةِ، فإنّمَا يأكلُ الذئبُ القاصيةَ» (رواه الحاكم، وصححه).
وقد أثمرت حواراتُ مصعبِ بنِ عميرٍ- رضي اللهُ عنه- البناءةُ والهادفةُ مع الأنصارِ، فقد توحدت صفوفُهُم، واجتمعت كلمتُهُم بعدَ أنْ كانت الصراعاتُ قائمةً بينَ الأوسِ والخزرجِ حيناً مِن الزمنِ، فقد دخلُوا الإسلامَ وأصبحُوا إخوةً مجتمعينَ.
وفي هذا التوقيتِ الذي يزدادُ فيهِ التفرقُ والاختلافُ في أماكنَ كثيرةٍ مِن العالمِ، يظلُّ الشعبُ المصريُّ نموذجًا يُحتذَى بهِ في التلاحمِ والاتحادِ، إنّهَا طبيعةُ هذا الشعبِ العظيمِ، وحقيقةٌ راسخةٌ عبرَ تاريخِهِ المجيدِ الطويلِ خاصةً في المحنِ والأزماتِ، لذا يجبُ علينَا أنْ نعملَ على تعزيزِ هذه الوحدةِ، وأنْ نغرسَ في أجيالِنَا قيمَ التكاتفِ، والاتحادِ، والتوادِّ حتى يبقَى شعبُنَا كما كان دائمًا كالجسدِ الواحدِ إذَا اشتكَى منهُ عضوٌ تداعَى لهُ سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحُمَّى.
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو : الاتحادُ قوةٌ ، للدكتور محروس حفظي
(4) مواطنُ حثَّ الإسلامُ فيهَا على الاتحادِ، ونبذِ الفرقةِ والاختلافِ:
بيّنَت السنةُ المشرفةُ عدةَ مواطنَ يُستحَبُّ فيهَا الاجتماعُ والاتحادُ، ومنهَا:
أولاً: عندَ قراءةِ القرآنِ الكريمِ: عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «اقْرَءُوا القُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ» (رواه البخاري).
قال ابنُ بطالٍ: (فيهِ الحضُّ على الألفةِ، والتحذيرُ مِن الفرقةِ فى الدينِ، فكأنَّهُ قال: اقرءُوا القرآنَ، والزمُوا الائتلافَ على ما دلَّ عليهِ، وقادَ إليهِ، “فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ”، أي: فإذَا عرضَ عارضٌ شبهةً توجبُ المنازعةَ الداعيةَ إلى الفُرقةِ، “فَقُومُوا عَنْهُ”: أي: فاتركُوا تلك الشبهةَ الداعيةَ إلى الفرقةِ، وارجعُوا إلى المُحْكَمِ الموجبِ للألفةِ، وقومُوا للاختلافِ وعمَّا أدَّى إليهِ، وقادَ إليهِ لا أنّهُ أمرَ بتركِ قراءةِ القرآنِ باختلافِ القراءاتِ التى أباحَهَا لهُم؛ لأنَّهُ قالَ لابنِ مسعودٍ – رضي اللهُ عنه- والرجلِ الذى أنكرَ عليهِ مخالفتَهُ لهُ فى القراءَةِ: “كلاكُمَا محسنٌ”، فدلَّ أنّهُ لم ينههِ عمَّا جعلَهُ فيهِ مُحسنًا، وإنّمَا نهاهُ عن الاختلافِ المؤدِّى إلى الهلاكِ بالفرقةِ فى الدينِ) أ.ه. (شرح صحيح البخارى لابن بطال، 3/285).
ثانياً: الاتحادُ في أكلِ الطعامِ: لأنَّ البركةَ في الجمعِ والاتحادِ، عن وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ بْنِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ وَحْشِيٍّ، أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ، وَلَا نَشْبَعُ، قَالَ:«فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» (رواه ابن ماجه، وأحمد).
وعن جَابِرٍ قال: سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ ، يَقُولُ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» (رواه مسلم). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ» (رواه البخاري).
قال ابنُ حجرٍ: (فيؤخذُ منهُ أنَّ الكفايةَ تنشأُ عن بركةِ الاجتماعِ، وأنَّ الجمعَ كُلّمَا كثرَ، ازدادت البركةُ، وقد أشارَ الترمذيُّ إلى حديثِ ابنِ عمرَ، وعندَ البزارِ مِن حديثِ سمرةَ، وزادَ في آخرِهِ: “ويَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ”، وقال ابنُ المنذرِ: يُؤخذُ مِن حديثِ أبِي هريرةَ استحبابُ الاجتماعِ على الطعامِ، وأنْ لَا يأكلَ المرءُ وحدَهُ) أ.ه. (فتح الباري شرح صحيح البخاري، 5/535).
وأمَّا قولُهُ تعالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61]، “فمحمولٌ على الرخصةِ، أو دفعاً للحرجِ على الشخصِ إذا كان وحدَهُ”. (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح).
نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف