خطبة الجمعة القادمة 19 ديسمبر : فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 19 ديسمبر 2025م بعنوان : فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 28 جمادي الثانية 1447هـ ، الموافق 19 ديسمبر 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 ديسمبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 ديسمبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 ديسمبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
عناصر خطبة الجمعة القادمة 19 ديسمبر 2025م بعنوان: فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً، للدكتور محروس حفظي :
(١) الحِفَاظُ عَلَى المَالِ مَقْصَدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ.
(٢) المَالُ العَامُّ نَارٌ تَكَادُ تُحْرِقُكَ، وَهُوَ مِنَ الغُلُولِ المُحَرَّمِ.
(٣) مِنْ صُوَرِ التَّعَدِّي عَلَى المَالِ العَامِّ.
(٤) وُجُوبُ تَحَرِّي الحَلَالِ وَالامْتِنَاعِ عَنِ الحَرَامِ، بِكُلِّ صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ.
(٥) التَّوْعِيَةُ المُجْتَمَعِيَّةُ وَاجِبٌ دِينِيٌّ وَوَطَنِيٌّ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 19 ديسمبر 2025م بعنوان: فظللتُ أستغفرُ اللهَ منها ثلاثينَ سنةً، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خُطْبَةٌ بِعُنْوَانِ: «فَظَلَلْتُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً» بِتَارِيخِ: ٢٨ جُمَادَى الآخِرَةِ ١٤٤٧هـ المُوَافِقِ: ١٩ دِيسَمْبَر ٢٠٢٥م
الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، لَكَ الحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلَانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ،
(١) الحِفَاظُ عَلَى المَالِ مَقْصَدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ:
الحِفَاظُ عَلَى المَالِ أَحَدُ «الضَّرُورِيَّاتِ الخَمْسِ»، وَالمَقَاصِدِ الكُلِّيَّةِ السَّامِيَةِ الَّتِي أَحَاطَهَا دِينُنَا الحَنِيفُ بِالعِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ وَالصِّيَانَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾ [النِّسَاءِ: ٢٩].
مَنْ يَأْخُذُ شَيْئًا لَيْسَ مِنْ حَقِّهِ، أَوْ يُتْلِفُ أَمْرًا مَا، فَإِنَّ فَاعِلَهُ سَيَكُونُ خَصِيمًا لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَمَا بَالُنَا بِمَنْ يَضُرُّ بِالمَالِ العَامِّ؟ فَالذَّنْبُ أَعْظَمُ، وَالحُرْمَةُ أَشَدُّ وَآكَدُ، وَالجَمِيعُ خُصَمَاءُ لَهُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “أَتَدْرُونَ مَنِ المُفْلِسُ؟ قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ”. رَوَاهُ مُسْلِمٌ
حَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ اسْتِغْلَالَ العَمَلِ العَامِّ مِنْ وَظِيفَةٍ وَنَحْوِهَا فِي مَآرِبَ شَخْصِيَّةٍ، وَهَذَا مَا يُسَمَّى فِي نُظُمِ الإِدَارَةِ الحَدِيثَةِ «أُسُسَ وَضَمَانَاتِ حِمَايَةِ المَالِ العَامِّ»؛ فَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا مِنَ الأَسْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي، أُهْدِيَ لِي… إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: “اشْتَرَيْتُ إِبِلًا وَأَنْجَعْتُهَا إِلَى الحِمَى… فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، اغْدُ عَلَى رَأْسِ مَالِكَ، وَاجْعَلْ بَاقِيَهُ فِي بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ”. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِي «السُّنَنِ الكُبْرَى“.
(٢) المَالُ العَامُّ نَارٌ تَكَادُ تُحْرِقُكَ، وَهُوَ مِنَ الغُلُولِ المُحَرَّمِ:
كُلُّ مَنْ تَلَاعَبَ بِالمَالِ العَامِّ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَالْخَلْقُ جَمِيعًا خُصَمَاءُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “الظُّلْمُ ثَلَاثَةٌ؛ فَظُلْمٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَظُلْمٌ لَا يَتْرُكُهُ اللَّهُ؛ فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّرْكُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لُقْمَانَ: ١٣]، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَظُلْمُ العِبَادِ لِأَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَتْرُكُهُ اللَّهُ فَظُلْمُ العِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا حَتَّى يَدِينَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ”. رَوَاهُ البَزَّارُ فِي «مُسْنَدِهِ”
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إِلَّا الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ وَالْأَمْوَالَ قَالَ: فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ وَادِي الْقُرَى وَقَدْ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى، فَبَيْنَا مِدْعَمٌ يحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا». فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ» أَوْ قَالَ: «شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» [رواه البخاري].
قال تعالي: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161].
عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رواه مسلم].
الغُلُولُ يَحْجُبُ عَنْكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: “قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، قَالَ: لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ”. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
قَالَ الأُسْتَاذُ الدُّكْتُورُ/ مُوسَى شَاهِينَ لَاشِين: (الخِيَانَةُ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ ذَمِيمَةٌ…، فَالغُلُولُ حَرَامٌ وَمِنَ الكَبَائِرِ، وَبَعْضُ الكَبَائِرِ مِنَ المُوبِقَاتِ، أَيْ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ، فَلَا يَسْتَهِينَنَّ الغَالُّونَ بِالغُلُولِ، فَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الحَدِيثِ عُقُوبَتَهُمْ فِي الآخِرَةِ، وَهِيَ تَتَشَعَّبُ إِلَى شُعْبَتَيْنِ: شُعْبَةٌ أَدَبِيَّةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، وَهِيَ الفَضِيحَةُ عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ، جَزَاءً مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، أَوْ بِنَقِيضِ القَصْدِ؛ فَقَدْ كَانَ يَتَخَفَّى عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَسَمْعِهِمْ حِينَ غَلَّ، فَلْيَأْتِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُ سَرِقَتَهُ عَلَى كَتِفِهِ لِيَرَاهُ الخَلَائِقُ، وَلَيْسَ الحَمْلُ فِي صَمْتٍ حَتَّى لَا يَعْلَمَ مَنْ لَا يَرَى، بَلْ يَكُونُ لِلْمَسْرُوقِ صَوْتٌ يَلْفِتُ بِهِ الأَنْظَارَ، مُبَالَغَةً فِي الفَضِيحَةِ، حَتَّى الثِّيَابُ الَّتِي لَا صَوْتَ لَهَا فِي العَادَةِ، يَبْعَثُ اللهُ عَلَيْهَا رِيحًا لِتَخْفِقَ كَالعَلَمِ فِي الهَوَاءِ، يُسْمَعُ قَعْقَعَتُهَا مَنْ لَا يَرَاهَا.
أَمَّا الشُّعْبَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ العَذَابُ بِالنَّارِ؛ فَفِي الحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي غَلَّ شَمْلَةً مِنَ الغَنِيمَةِ سَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ الشَّمْلَةُ نَارًا، وَحَتَّى الرَّجُلُ الَّذِي غَلَّ شِرَاكَ نَعْلٍ ـ أَيْ خَيْطَ نَعْلٍ ـ سَيُرْبَطُ فِي قَدَمِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَشْتَعِلُ نَارًا، وَقَدْ حَذَّرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْذَرَ، فَلَا عُذْرَ لِمُعْتَذِرٍ، وَلَا قَبُولَ لِاسْتِغَاثَةِ مُسْتَغِيثٍ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي قَالَ فِيهِ رَبُّهُ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٨]،
يَوْمَ يَسْتَغِيثُ بِهِ الغَالُّ، يَقُولُ لَهُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَأَنْذَرْتُكَ، ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [الدُّخَانِ: ٤١]).فَتْحُ المُنْعِمِ شَرْحُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ).
التَّعَدِّي عَلَى المِلْكِ العَامِّ خِيَانَةٌ لِلْأَمَانَةِ:
عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ”. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ: يَتَصَرَّفُونَ فِي مَالِ المُسْلِمِينَ بِالبَاطِلِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالقِسْمَةِ وَبِغَيْرِهَا. فَتْحُ البَارِي.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ”. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: “وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ”. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ”. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تَضْيِيعُ المَالِ العَامِّ مِنْ أَبْشَعِ الجَرَائِمِ؛ لِأَنَّ المُوَظَّفَ اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ، وَوُضِعَتْ فِيهِ الثِّقَةُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ مَا تَحْتَ يَدِهِ، وَإِلَّا كَانَ خَائِنًا لِلْأَمَانَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. الأَنْفَالِ: ٢٧.
لِيُوقِنْ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ هَذَا لَا مَحَالَةَ، وَوَاقِفٌ أَمَامَ اللهِ لِيُحَاسِبَهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ، وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾. الأَنْعَامِ: ٩٤.
عَنْ أَبِي بَكْرٍ المَرْوَزِيِّ قَالَ: (أَنَّ شَيْخًا كَانَ يُجَالِسُ الإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، فَكَانَ يُقْبِلُ عَلَيْهِ وَيُكْرِمُهُ، فَبَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ طَيَّنَ حَائِطَ دَارِهِ مِنْ خَارِجٍ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ فِي المَجْلِسِ، فَاسْتَنْكَرَ الشَّيْخُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَلْ بَلَغَكَ عَنِّي حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، طَيَّنْتَ حَائِطَكَ مِنْ خَارِجٍ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّكَ قَدْ أَخَذْتَ مِنْ طَرِيقِ المُسْلِمِينَ أُنْمُلَةً. قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: إِمَّا أَنْ تَكْشِطَ مَا طَيَّنْتَ، وَإِمَّا أَنْ تَهْدِمَ الحَائِطَ وَتُؤَخِّرَهُ إِلَى وَرَاءِ مِقْدَارِ إِصْبَعٍ، ثُمَّ تُطَيِّنَهُ مِنْ خَارِجٍ. قَالَ: فَهَدَمَ الرَّجُلُ الحَائِطَ، وَأَخَّرَهُ إِصْبَعًا، ثُمَّ طَيَّنَهُ مِنْ خَارِجٍ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ كَمَا كَانَ). قُوتُ القُلُوبِ لِأَبِي طَالِبٍ المَكِّيِّ.
آكِلُ المَالِ العَامِّ لَا تُقْبَلُ لَهُ صَدَقَةٌ:
الَّذِي يَتَعَدَّى عَلَى المَالِ العَامِّ لَنْ يَقْبَلَ اللهُ مِنْهُ صَدَقَتَهُ وَلَوْ عَظُمَتْ؛ فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ”. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه.
لِأَنَّ هَذَا العَمَلَ يَتَنَافَى مَعَ أَخْلَاقِ أَهْلِ الإِيمَانِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ وَلَا تَجْتَمِعُ الخِيَانَةُ وَالأَمَانَةُ جَمِيعًا”. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(٣) مِنْ صُوَرِ التَّعَدِّي عَلَى المَالِ العَامِّ:
“تَخْرِيبُ المُنْشَآتِ العَامَّةِ”
أَوْجَبَ الإِسْلَامُ ضَرُورَةَ المُحَافَظَةِ عَلَى المَرَافِقِ العَامَّةِ الَّتِي هِيَ مِلْكٌ لِلْجَمِيعِ، وَمَنْفَعَتُهَا لِلْعَامَّةِ، كَالطَّرِيقِ العَامِّ، وَالحَدَائِقِ العَامَّةِ، وَالظِّلِّ النَّافِعِ، وَوَسَائِلِ المُوَاصَلَاتِ، وَالأَنْدِيَةِ الرِّيَاضِيَّةِ وَالتَّرْفِيهِيَّةِ… إِلْخ، وَعَلَيْكَ أَنْ تَسْتَحْضِرَ عِظَمَ مَا تُنْفِقُهُ الدَّوْلَةُ لِإِصْلَاحِ وَتَرْمِيمِ مَا يُفْسِدُهُ هَؤُلَاءِ.
وَلِذَا وَضَعَ رَسُولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدَةً عَامَّةً؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَرَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ”. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي «سُنَنِهِ”.
وَقَدْ نَكَّلَ اللَّهُ بِهَؤُلَاءِ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ، ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. المَائِدَةِ: ٣٣.
وَمِنْ صُوَرِ الِاعْتِدَاءِ أَيْضًا: «عَدَمُ إِتْقَانِ العَمَلِ، وَإِضَاعَةُ الوَقْتِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ مِنْهُ”.
وَهَذَا نَاشِئٌ عَنْ ضَعْفِ الإِيمَانِ؛ إِذِ الإِتْقَانُ ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ المُرَاقَبَةِ، فَالْمُسْلِمُ الحَقُّ هُوَ الَّذِي لَا يُرَاقِبُ رَئِيسَهُ فِي العَمَلِ، بَلْ يُرَاقِبُ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ، وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾. يُونُسَ: ٦١.
فَلْنُحْيِ ضَمِيرَنَا، وَلْنَزِدْ مِنْ إِحْسَاسِنَا بِالمَسْؤُولِيَّةِ، وَلْنَعْلَمْ أَنَّ أَفْعَالَنَا مُسَجَّلَةٌ عَلَيْنَا؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ”. رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِي «شُعَبِ الإِيمَانِ”.
وَمِنْ صُوَرِ الِاعْتِدَاءِ أَيْضًا: «إِهْمَالُ المَالِ العَامِّ وَإِضَاعَتُهُ دُونَ وَجْهٍ حَقٍّ”.
اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ فُقَهَاءِ المُسْلِمِينَ عَلَى جَعْلِ المَالِ العَامِّ بِمَنْزِلَةِ مَالِ اليَتِيمِ فِي وُجُوبِ المُحَافَظَةِ عَلَيْهِ، وَشِدَّةِ تَحْرِيمِ الأَخْذِ مِنْهُ، وَالحِرْصِ الشَّدِيدِ عَلَى صَرْفِهِ فِي مَصَارِفِهِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا المَصْلَحَةُ العَامَّةُ، وَعَلَى عَدَمِ التَّهَاوُنِ فِيهِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّفْرِيطِ؛ قَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “إِنِّي أَنْزَلْتُ مَالَ اللَّهِ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ مَالِ اليَتِيمِ، مَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالمَعْرُوفِ”. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي «مُصَنَّفِهِ”.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لَا يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلَالِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ”. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْ صُوَرِ الِاعْتِدَاءِ أَيْضًا: الِاخْتِلَاسُ، وَالتَّرَبُّحُ مِنَ الوَظِيفَةِ: وَهُوَ اسْتِيلَاءُ العَامِلِينَ فِي مَكَانٍ مَا عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالٍ نَقْدِيَّةٍ دُونَ سَنَدٍ قَانُونِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ جِنَايَةٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَاسَ اعْتِدَاءٌ عَلَى حُقُوقِ المُجْتَمَعِ كُلِّهِ، فَالْمَالُ الخَاصُّ لَهُ مَنْ يَحْمِيهِ، أَمَّا المَالُ العَامُّ فَحِمَايَتُهُ مَسْؤُولِيَّةُ المُجْتَمَعِ كُلِّهِ.
وَفِي مَوْقِفٍ عَمَلِيٍّ يُبَيِّنُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ يَسْتَغِلُّ مَكَانَهُ الَّذِي اسْتَأْمَنَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيَتَعَامَلُ بِالرِّشَا وَالمُجَامَلَاتِ عَلَى حِسَابِ الآخَرِينَ، سَيَنْقَلِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ؛ فَقَدِ اسْتَعْمَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، «فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي”. فَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ ـ قَالَ سُفْيَانُ: فَصَعِدَ المِنْبَرَ ـ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: “مَا بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ، وَهَذَا لِي؟ فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» ثَلَاثًا”. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
(٤) وُجُوبُ تَحَرِّي الحَلَالِ وَالِامْتِنَاعِ عَنِ الحَرَامِ، بِكُلِّ صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ:
عَنْ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: “لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا عَائِشَةُ انْظُرِي اللِّقْحَةَ الَّتِي كُنَّا نَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا، وَالجِفْنَةَ الَّتِي كُنَّا نَصْطَبِحُ فِيهَا، وَالقَطِيفَةَ الَّتِي كُنَّا نَلْبَسُهَا؛ فَإِنَّا كُنَّا نَنْتَفِعُ بِذَلِكَ حِينَ كُنَّا فِي أَمْرِ المُسْلِمِينَ، فَإِذَا مِتُّ فَارُدِّيهِ إِلَى عُمَرَ”.
فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَرْسَلْتُ بِهِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: رَضِيَ اللهُ عَنْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبْتَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكَ”. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «المُعْجَمِ الكَبِيرِ.
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ”. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ”. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ”. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
مَنْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ فَأَخَذَ مَالًا مِنَ المَالِ العَامِّ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ أَنْ يَتُوبَ إِلَى خَالِقِهِ قَبْلَ المَمَاتِ، وَأَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ هَذَا المَالِ الحَرَامِ بِإِعَادَتِهِ إِلَى خَزِينَةِ الدَّوْلَةِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ مُتَقَوَّمًا؛ فَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “عَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ”. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه.
اللهُ سَأَلَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَنِ «المَالِ العَامِّ»، فَأَعِدْ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا؛ فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ”. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(٤) التَّوْعِيَةُ المُجْتَمَعِيَّةُ وَاجِبٌ دِينِيٌّ وَوَطَنِيٌّ:
عَلَيْنَا أَنْ نُعَزِّزَ قِيَمَ الوَلَاءِ وَالِانْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ، وَتَعْمِيقَ الشُّعُورِ بِالمَسْؤُولِيَّةِ تُجَاهَ المَالِ العَامِّ، وَنَشْرَ ثَقَافَةِ النَّزَاهَةِ وَالشَّفَافِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾. هُودٍ: ١١٦.
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الخَازِنُ الأَمِينُ، الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ، أَحَدُ المُتَصَدِّقِينَ”. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
رَبَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيلَ الصَّحَابَةِ الأَوَائِلِ عَلَى هَذِهِ الأَخْلَاقِ، فَنَشَرُوا الأَمْنَ وَالأَمَانَ، وَقِيَمَ الإِصْلَاحِ وَالبِنَاءِ بَيْنَ الأَنَامِ؛ فَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: “كَانَ مُعَيْقِيبٌ عَلَى بَيْتِ مَالِ عُمَرَ، فَكَنَسَ بَيْتَ المَالِ يَوْمًا، فَوَجَدَ فِيهِ دِرْهَمًا، فَدَفَعَهُ إِلَى ابْنٍ لِعُمَرَ. قَالَ مُعَيْقِيبٌ: ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى بَيْتِي، فَإِذَا رَسُولُ عُمَرَ قَدْ جَاءَنِي يَدْعُونِي، فَجِئْتُ، فَإِذَا الدِّرْهَمُ فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا مُعَيْقِيبُ، أَوَجَدْتَ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا ذَاكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تُخَاصِمَنِي أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الدِّرْهَمِ”. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي «الوَرَعِ”.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: “لَمَّا أُتِيَ عُمَرُ بِخُمُسِ الأَعَاجِمِ قَالَ: لَا وَاللهِ لَا يَظِلُّنِي سَقْفُ بَيْتٍ حَتَّى أَقْسِمَهُ؛ أَيْنَ ابْنُ عَوْفٍ وَابْنُ الأَرْقَمِ؟ بَيِّتَا عَلَيْهِ، ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ حِينَ أَصْبَحَ فَكَشَفَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: إِنَّ قَوْمًا أَدَّوْا هَذَا لَأُمَنَاءُ”. رَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي «الأَمْوَالِ”.
لْيَتَعَاوَنِ الجَمِيعُ فِي حِفْظِ المَالِ العَامِّ، وَلْنَحْذَرْ مِنَ التَّهَاوُنِ فِي ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، وَاتَّقُوا اللهَ، إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ﴾. المَائِدَةِ: ٢.
لِيَعْلَمْ مَنْ تُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ أَنَّهُ وَإِنْ غَابَ عَنْ أَعْيُنِ البَشَرِ، فَاللهُ مُطَّلِعٌ عَلَى سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. البَقَرَةِ: ٢٣٥.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ: “اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ”. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وُجُوبُ التَّرْشِيدِ العَامِّ، وَحُرْمَةُ الإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ فِي اسْتِخْدَامِ المَالِ العَامِّ: التَّرْشِيدُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾. الفُرْقَانِ: ٦٧.
وَقَدْ حَذَّرَنَا الشَّارِعُ الحَكِيمُ مِنَ الإِسْرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ﴾. الأَعْرَافِ: ٣١.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ: “أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ كَانَ يُسْرَجُ عَلَيْهِ الشَّمْعَةُ مَا كَانَ فِي حَوَائِجِ المُسْلِمِينَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَوَائِجِهِمْ أَطْفَأَهَا، ثُمَّ أَسْرَجَ عَلَيْهِ سِرَاجَهُ”. رَوَاهُ ابْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي «الأَمْوَالِ»].
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ العَمَلِ، وَفَضْلَ القَبُولِ؛ إِنَّهُ أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ، وَأَعْظَمُ مَأْمُولٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ بَلَدَنَا مِصْرَ سَخَاءً رَخَاءً، أَمْنًا أَمَانًا، سِلْمًا سَلَامًا، وَسَائِرَ بِلَادِ العَالَمِينَ، وَوَفِّقْ وُلَاةَ أُمُورِنَا لِمَا فِيهِ نَفْعُ البِلَادِ وَالعِبَادِ.
أَعَدَّهُ: الفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ الحَنَّانِ المَنَّانِ د/ مَحْرُوسُ رَمَضَانُ حِفْظِي عَبْدُ العَالِ
مُدَرِّسُ التَّفْسِيرِ وَعُلُومِ القُرْآنِ ـ كُلِّيَّةُ أُصُولِ الدِّينِ وَالدَّعْوَةِ ـ أَسْيُوطُ
_____________________________________
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف









