خطبة الجمعة القادمة 28 نوفمبر : اِحْتِرَامُ كِبَارِ السِّنِّ، وَإِكْرَامُهُمْ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 28 نوفمبر 2025م بعنوان : اِحْتِرَامُ كِبَارِ السِّنِّ، وَإِكْرَامُهُمْ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 7 جمادي الثانية 1447هـ ، الموافق 28 نوفمبر 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 نوفمبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : اِحْتِرَامُ كِبَارِ السِّنِّ، وَإِكْرَامُهُمْ.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 نوفمبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : اِحْتِرَامُ كِبَارِ السِّنِّ، وَإِكْرَامُهُمْ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 نوفمبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : اِحْتِرَامُ كِبَارِ السِّنِّ، وَإِكْرَامُهُمْ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
عناصر خطبة الجمعة القادمة 28 نوفمبر 2025م بعنوان: اِحْتِرَامُ كِبَارِ السِّنِّ، وَإِكْرَامُهُمْ ، للدكتور محروس حفظي :
- عَلَيْنَا أَنْ نَفْقَهَ سُنَّةَ اللهِ الْكَوْنِيَّةَ فِي “كِبَارِ السِّنِّ.
- مَظَاهِرُ الْعِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ فِي اِحْتِرَامِ الْكَبِيرِ.
- أَيْنَ أَوْلَادُنَا مِنْ اِحْتِرَامِ “كِبَارِ السِّنِّ”؟!:.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 28 نوفمبر 2025م بعنوان: اِحْتِرَامُ كِبَارِ السِّنِّ، وَإِكْرَامُهُمْ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
.
اِحْتِرَامُ كِبَارِ السِّنِّ، وَإِكْرَامُهُمْ
بِتَارِيخِ 7 جمادي الثانية 1447 ه = المُوَافِقِ 28 نوفمبر 2025 م
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ الْأَكْمَلَانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ ،،،
(١) عَلَيْنَا أَنْ نَفْقَهَ سُنَّةَ اللهِ الْكَوْنِيَّةَ فِي “كِبَارِ السِّنِّ”: مِنْ أَجْمَعِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي حَثَّنَا عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ «خُلُقُ الِاحْتِرَامِ» الَّذِي شَمِلَ حَرَكَةَ الْحَيَاةِ كُلَّهَا حَتَّى الْجَمَادَاتِ وَالْحَيَوَانَاتِ، وَعَلَى رَأْسِ ذَلِكَ كُلِّهِ الْإِنْسَانُ فَأَوْجَبَ احْتِرَامَهُ، وَحَرَّمَ الِاعْتِدَاءَ عَلَى عَقْلِهِ، أَوْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ إِجْبَارِهِ عَلَى اعْتِنَاقِ دِينٍ مُعَيَّنٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾
وَقَدْ أَقَامَ دِينُنَا الْحَنِيفُ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى أَسَاسٍ مَتِينٍ مِنَ الِاحْتِرَامِ الْمُتَبَادَلِ، وَيُعَدُّ “اِحْتِرَامُ كِبَارِ السِّنِّ” مِنَ الْقِيَمِ النَّبِيلَةِ الَّتِي أَحَاطَهَا بِسِيَاجٍ مِنَ الرِّعَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، اعْتِرَافًا بِالْفَضْلِ لِأَهْلِهِ، وَلِيُصْبِحَ الْمُجْتَمَعُ آمِنًا مُتَآلِفًا، يَشْعُرُ فِيهِ كُلُّ فَرْدٍ بِأَنَّهُ مَحَطُّ الِاهْتِمَامِ، وَالشَّرَفِ وَالتَّوْقِيرِ.
أَخْبَرَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أَنَّ سُنَّةَ اللهِ الْكَوْنِيَّةَ قَدِ اقْتَضَتْ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَمُرُّ بِأَطْوَارٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ يَنْشَأُ طِفْلًا ضَعِيفًا ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ فَتْرَةِ الشَّبَابِ وَالْفُتُوَّةِ يَصِيرُ كَهْلًا وَشَيْخًا كَبِيرًا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الرُّومِ: ٥٤].
حَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى “اِحْتِرَامِ كِبَارِ السِّنِّ”؛ لِأَنَّهُمْ أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنْ غَيْرِهِمْ الَّذِينَ تُسَاعِدُهُمْ صِحَّتُهُمْ عَلَى تَخَطِّي الْأَزَمَاتِ وَظُرُوفِ الْحَيَاةِ الْقَاسِيَةِ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُودَ].
بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ هَذَا الَّذِي أَعْرَضَ، وَنَأَى بِجَانِبِهِ عَنِ الرِّفْقِ وَالرَّحْمَةِ بِـ”كِبَارِ السِّنِّ” فَنَفَى عَنْهُ “كَمَالَ الْإِيمَانِ”؛ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا» [رَوَاهُ أَحْمَدُ]، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا». [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي “الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ”].
إِنْ أَحْسَنْتَ إِلَى “كِبَارِ السِّنِّ” سَيُسَخِّرُ اللهُ مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْكَ فِي عَجْزِكَ وَشَيْخُوخَتِكَ – {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آلُ عِمْرَانَ: 140] – لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ فَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اَلْبِرُّ لَا يَبْلَى، وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ، فَكُنْ كَمَا شِئْتَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ» [رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي “الزُّهْدِ الْكَبِيرِ”، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ].
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي “شُعَبِ الْإِيمَانِ”].
(2) مَظَاهِرُ الْعِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ فِي اِحْتِرَامِ الْكَبِيرِ: تَعَدَّدَتْ مَظَاهِرُ الْعِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ فِي اِحْتِرَامِ الْكَبِيرِ، وَمِنْ أَعْظَمِ تِلْكَ الْمَظَاهِرِ:
أَوَّلًا: حُسْنُ الِاسْتِقْبَالِ، وَالتَّوْسِعَةُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَتَذَكُّرُ حَسَنَاتِهِمْ مَعَنَا: وَفِي سِيرَةِ نَبِيِّنَا الْعَطِرَةِ مَا يُرْشِدُكَ إِلَى ذَلِكَ فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ» (الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ)،
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِرُ وَيُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَ كِبَارَ السِّنِّ، وَيَقْضِيَ لَهُمْ حَاجَتَهُمْ فَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ لَأَتَيْنَاهُ» (الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ).
كَمَا يُسَنُّ التَّوْسِعَةُ لِلْكَبِيرِ إِذَا قَدِمَ سَوَاءٌ كَانَ ذَا شَيْبَةٍ، أَوْ ذَا عِلْمٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ كَبِيرَ قَوْمٍ، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» (ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ).
ثَانِيًا: تَوْقِيرُهُمْ وَتَقْدِيمُهُمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ: أَوْجَبَ عَلَيْنَا دِينُنَا تَعْظِيمَهُمْ وَتَقْدِيمَهُمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَالْحَدِيثِ أَوِ الْجُلُوسِ أَوْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي أَيِّ مَحْفَلٍ أَوْ مَرْكَبٍ، وَالِامْتِنَاعُ عَنْ مُخَاطَبَتِهِ بِاسْمِهِ دُونَ لَقَبِهِ بَلْ يَجِبُ حِفْظُ الْأَلْقَابِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا تَحَدَّثَ عِنْدَهُ اثْنَانِ بِأَمْرٍ مَا بَدَأَ بِأَكْبَرِهِمَا سِنًّا، وَقَالَ: كَبِّرْ كَبِّرْ”،
وَفِي مَوْقِفٍ عَمَلِيٍّ تَطْبِيقِيٍّ يُعَلِّمُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ بَطَّالٍ: (فِيهِ: تَقْدِيمُ ذِي السِّنِّ فِي السِّوَاكِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ ذِي السِّنِّ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكَلَامِ وَالْمَشْيِ وَالْكِتَابِ وَكُلِّ مَنْزِلَةٍ قِيَاسًا عَلَى السِّوَاكِ، وَاسْتِدْلَالًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ»: يُرِيدُ لِيَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ، وَهَذَا مِنْ بَابِ أَدَبِ الْإِسْلَامِ).
وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: تَقْدِيمُ ذِي السِّنِّ أَوْلَى فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا لَمْ يَتَرَتَّبِ الْقَوْمُ فِي الْجُلُوسِ، فَإِذَا تَرَتَّبُوا، فَالسُّنَّةُ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ فَالْأَيْمَنِ مِنَ الرَّئِيسِ أَوِ الْعَالِمِ، عَلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ “شُرْبِ اللَّبَنِ”). أ.ه. [شَرْحُ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، 1/364].
وَتَذْكُرُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ هَذَا فَتَقُولُ: “مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمْتًا وَلَا هَدْيًا مِنِ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، قَالَتْ: وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَهَا وَقَبَّلَهَا، وَأَخَذَ بِيَدِهَا وَأَجْلَسَهَا مَجْلِسَهُ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ تَقُومُ لِأَبِيهَا وَتُقَبِّلُهُ وَتُقْعِدُهُ فِي مَجْلِسِهَا” (الْأَدَبُ الْمُفْرَدُ).
وَكَذَا فِي إِمَامَةِ الصَّلَاةِ – طَالَمَا تَوَافَرَتْ شُرُوطُهَا – فَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)،
وَفِي السَّلَامِ وَالتَّحِيَّةِ يُسَنُّ سَلَامُ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» (الْبُخَارِيُّ).
ثَالِثًا: أَخْذُ مَشُورَتِهِمْ وَرَأْيِهِمْ فِي الْأُمُورِ الْجَلِيلَةِ: لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ خِبْرَةً وَحِنْكَةً بِشُؤُونِ الْحَيَاةِ، وَأَعْظَمُ دِرَايَةً بِالْأَعْرَافِ وَالتَّقَالِيدِ، فَهُمْ قَوْمٌ عَرَكَتْهُمُ الْحَيَاةُ، وَدَرَّبَتْهُمُ الْمَوَاقِفُ، وَأَنْضَجَتْهُمُ الْأَحْدَاثُ، وَهَذَا مَا نَهَجَهُ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ، وَكَذَا صَحَابَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَكَتَبَ اللهُ لَهُمُ الْفَوْزَ وَالنَّصْرَ وَالتَّمْكِينَ.
رَابِعًا: إِدْخَالُ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ عَلَيْهِمْ، وَالْبَشَاشَةُ فِي وُجُوهِهِمْ: وَعَدَمُ التَّدْقِيقِ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ نَبِيَّ اللهِ أَتَتْهُ عَجُوزٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ: إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ، فَذَهَبَ نَبِيُّ اللهِ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً وَشِدَّةً، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ: «إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنَّ اللهَ إِذَا أَدْخَلَهُنَّ الْجَنَّةَ حَوَّلَهُنَّ أَبْكَارًا» (الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ)،
فَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ تَرْضِيهِ أَدْنَى كَلِمَةٍ، وَيَقْنَعُ بِمَا تُعْطِيهِ، وَقَدْ فَهِمَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ طَبِيعَتَهُمْ، فَعَامَلَهُمْ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْجِبِلَّةِ، فَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: «قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ “أَنْوَاعٌ مِنَ الثِّيَابِ”، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ، عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ، وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» (مُسْلِمٌ)،
وَكَانَ مَخْرَمَةُ كَبِيرَ السِّنِّ، فَسَكَنَتْ نَفْسُهُ، وَهَدَأَ بَالُهُ، وَرَضِيَ، وَرَجَعَ بِخَيْرِ مَا أَرَادَ.
(3) أَيْنَ أَوْلَادُنَا مِنِ احْتِرَامِ “كِبَارِ السِّنِّ”؟!: إِذَا نَظَرْتَ فِي وَاقِعِنَا الْيَوْمَ تَجِدْ خَلَلًا كَبِيرًا فِي هَذَا الْخُلُقِ الْعَظِيمِ “احْتِرَامِ كِبَارِ السِّنِّ”، فَمَا أَحْوَجَ أَوْلَادَنَا فِي عَصْرٍ تَغَلْغَلَتْ فِيهِ الْمَادَّةُ إِلَى اسْتِحْضَارِ هَذِهِ الْقِيَمِ الْإِيمَانِيَّةِ بَلْ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ فِي احْتِرَامِ الْكَبِيرِ، وَتَوْقِيرِهِ؛ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ» [رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ].
وَلَا يَخْفَى عَلَيْنَا شَهَامَةُ سَيِّدِنَا مُوسَى – عَلَيْهِ السَّلَامُ – حِينَمَا خَرَجَ طَرِيدًا وَحِيدًا، وَتَوَجَّهَ تِلْقَاءَ “مَدْيَنَ”، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ تَحْبِسَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ النَّاسِ حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ سَقْيِ مَوَاشِيهِمْ، وَقَدْ تَعَلَّلَتَا بِأَنَّ أَبَاهُمَا لَا يَسْتَطِيعُ مِنَ الْكِبَرِ وَالضَّعْفِ أَنْ يَسْقِيَ مَاشِيَتَهُ، فَسَارَعَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – لِقَضَاءِ مَصْلَحَتِهِمَا حَتَّى كَانَتَا أَوَّلَ الرُّعَاةِ رِيًّا، فَانْصَرَفَتَا إِلَى أَبِيهِمَا بِغَنَمِهِمَا {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} [الْقَصَصِ: 23 – 24]، فَهُوَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – تَحَمَّلَ مَشَقَّةَ السَّقْيِ، وَآثَرَ الْمُزَاحَمَةَ مَعَ السُّقَاةِ دُونَ أَنْ يَطْلُبَ أَجْرًا مِنْهُمَا، رِفْقًا بِحَالِهِمَا، وَحَالِ أَبِيهِمَا “الشَّيْخِ الْكَبِيرِ”.
قَالَ السُّدِّيُّ: “رَحِمَهُمَا مُوسَى – عَلَيْهِ السَّلَامُ – حِينَ {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}، فَأَتَى إِلَى الْبِئْرِ فَاقْتَلَعَ صَخْرَةً عَلَى الْبِئْرِ، كَانَ النَّفَرُ مِنْ أَهْلِ مَدْيَنَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَرْفَعُوهَا، فَسَقَى لَهُمَا مُوسَى دَلْوًا فَأَرْوَتَا غَنَمَهُمَا، فَرَجَعَتَا سَرِيعًا، وَكَانَتَا إِنَّمَا تَسْقِيَانِ مِنْ فُضُولِ الْحِيَاضِ”. [جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ لِابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، 19/555].
يَجِبُ عَلَى أَوْلَادِنَا فِي هَذَا الْعَصْرِ الْتِزَامُ هَذَا الْأَدَبِ الْإِسْلَامِيِّ الرَّفِيعِ “كِبَارِ السِّنِّ” فِي مُخْتَلِفِ الْأَحْوَالِ، وَالْمَوَاقِفِ، لَا سِيَّمَا وَقْتَ تَفَاقُمِ الْحَاجَةِ، وَاشْتِدَادِ الْبُؤْسِ، وَإِلَّا فَالتَّخَلِّي عَنْ هَذَا الْخُلُقِ يُنْذِرُ بِوَبَالٍ عَظِيمٍ بِمُرْتَكِبِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَى خِسَّةِ فِعْلِهِ، وَانْعِدَامِ مُرُوءَتِهِ، وَسُوءِ تَرْبِيَتِهِ.
إِنَّ الرَّحْمَةَ بِكِبَارِ السِّنِّ، وَالْقِيَامَ عَلَى قَضَاءِ مَصَالِحِهِمْ مِمَّا جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، فَهَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – وَهُوَ خَلِيفَةٌ – يَخْرُجُ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ، فَيَدْخُلُ بَيْتًا؛ لِيَقْضِيَ حَاجَةَ امْرَأَةٍ عَجُوزٍ عَمْيَاءَ قَدْ قَعَدَ بِهَا السِّنُّ «فَرَآهُ طَلْحَةُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ طَلْحَةُ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَإِذَا بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ، فَقَالَ لَهَا: مَا بَالُ هَذَا الرَّجُلِ يَأْتِيكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ يَتَعَاهَدُنِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، يَأْتِينِي بِمَا يُصْلِحُنِي، وَيُخْرِجُ عَنِّي الْأَذَى، فَقَالَ طَلْحَةُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا طَلْحَةُ، أَعَثَرَاتِ عُمَرَ تَتَّبِعُ؟!» [رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي “حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ”].
وَتَأَمَّلْ تِلْكَ الْحَادِثَةَ الَّتِي تُعْطِيكَ نَمُوذَجًا حَيًّا فِي خُلُقِ الِاحْتِرَامِ الَّذِي تَرَبَّى عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ – فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِجُمَّارَةٍ، فَقَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ»، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَسَكَتُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ النَّخْلَةُ» (الْبُخَارِيُّ)، فَانْظُرْ كَيْفَ آثَرَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا السُّكُوتَ، وَأَبَى الْكَلَامَ فِي حُضُورِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، بَلْ سَيْطَرَ عَلَيْهِ الْحَيَاءُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «فَاسْتَحْيَيْتُ»، فَلَيْسَ مِنْ أَدَبِ الْإِسْلَامِ الِاسْتِخْفَافُ بِالْكَبِيرِ، أَوْ إِسَاءَةُ الْأَدَبِ فِي حَضْرَتِهِ، أَوْ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي وَجْهِهِ بِكَلَامٍ يُسِيءُ إِلَى قَدْرِهِ وَعُمْرِهِ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ هَهُنَا رِجَالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ الْعَمَلِ، وَفَضْلَ الْقَبُولِ، إِنَّهُ أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ، وَأَعْظَمُ مَأْمُولٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ بَلَدَنَا مِصْرَ سَخَاءً رَخَاءً، أَمْنًا أَمَانًا، سِلْمًا سَلَامًا وَسَائِرَ بِلَادِ الْعَالَمِينَ، وَيُوَفِّقَ وُلَاةَ أُمُورِنَا لِمَا فِيهِ نَفْعُ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ.
أعدّه: الفقيرُ إلى عفوِ ربهِ الحنانِ المنانِ د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرسُ التفسير وعلومِ القرآن كليةُ أصولِ الدينِ والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف









