أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 29 أغسطس : سَمَاحَةُ الإِسْلَامِ ، للدكتور محروس حفظي

بتاريخ 6 ربيع الأول 1447هـ ، الموافق 29 أغسطس 2025م

 

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 29 أغسطس 2025 م بعنوان : سَمَاحَةُ الإِسْلَامِ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 6 ربيع الأول 1447هـ ، الموافق 29 أغسطس 2025م.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 أغسطس 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : سَمَاحَةُ الإِسْلَامِ.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 أغسطس 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : سَمَاحَةُ الإِسْلَامِ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 29 أغسطس 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : سَمَاحَةُ الإِسْلَامِ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 29 أغسطس 2025م بعنوان : سَمَاحَةُ الإِسْلَامِ ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) “السماحةُ”: عنوانُ الإسلامِ، ومقصدُهُ، وأصلُ “الإيمانِ”، ولبُّهُ وجوهرُهُ.

(2) السماحةُ في “أبوابِ العباداتِ” حيثُ شُرِعَ “الرخصةُ”.

(3) السماحةُ في “المعاملاتِ الماليةِ” “واجبُ الوقتِ”.

(4) مظاهرُ السماحةِ مع غيرِ المسلمينَ.

(5) السماحةُ في بابِ الزواجِ، والمهورِ.

(6) السماحةُ مع الجيرانِ والأصدقاءِ.

(7) ثمراتُ “السماحةِ” في الدنيَا والآخرةِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 29 أغسطس 2025م بعنوان: سَمَاحَةُ الإِسْلَامِ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

 سماحةُ الإسلامِ

بتاريخ 6 ربيع الأول 1447هـ = الموافق 29 أغسطس 2025 م

 

 

الحمدُ للهِ حمداً يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،

(1) “السماحةُ”: عنوانُ الإسلامِ، ومقصدُهُ، وأصلُ “الإيمانِ”، ولبُّهُ وجوهرُهُ:

قالَ الطاهرُ بنُ عاشورٍ: (“السماحةُ”: هي سهولةُ المعاملةِ فيمَا اعتادَ الناسُ فيهِ المشادةَ، وقد اعتبرُوا السماحةَ أكملَ وصفٍ لاطمئنانِ النفسِ، وأعونَ على قبولِ الهدِي والإرشادِ، وجعلُوهَا مِن أكبرِ صفاتِ الإسلامِ؛ لوقوعِهَا طرفاً بينَ الإفراطِ والتفريطِ، ونَعَتوهَا بالتيسيرِ المعتدلِ الذي شهدَ لهُ قولُهُ سبحانَهُ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، ويؤكدُ هذا المعنَى ما ترجمَ بهِ البخاريُّ لأحدِ أبوابِهِ في “الصحيحِ” مِن قولِهِ: “بابُ الدينِ يسرٌ”، وما ذكرَهُ غيرَ مرةٍ الإمامُ مالكٌ في “موطئِهِ” عند تنويههِ بهذَا الوصفِ الكريمِ: “ودينُ اللهِ يسرٌ”، وذلكَ بعدَ استخلاصِهِ لهذهِ الحقيقةِ مِن استقراءِ الشريعةِ) أ.ه.

وقد ربطَ النبيُّ ﷺ بينَ “السماحةِ”، وبينَ أصلِ الدينِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» (رواه البخاري في “الأدب المفرد”، ومعلقاً، وأحمد).

بل إنَّ “السماحةَ” مِن أفضلِ الأعمالِ عندَ اللهِ تعالَى، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ، قَالَ: “الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ” (رواه البيهقي في “شعب الإيمان”، وإسناده صحيح).

وعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ» (رواه البيهقي في “شعب الإيمان بسند حسن”).

*اجعلْ “السماحةَ” أسلوبَ حياةٍ؛ لأنَّ الجزاءَ مِن جنسِ العملِ:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْمَحْ، يُسْمَحْ لَكَ» (رواه أحمد، والطبراني، ورجاله ثقات).

قالَ المناويُّ: (أي: عاملْ الخلقَ الذينَ هُم عيالُ اللهِ، وعبيدُهُ بالمسامحةِ، والمساهلةِ، يعاملْكَ سيدُهُم بمثلِهِ في الدنيا والآخرةِ. وقال بعضُ الحكماءِ: “أحسنْ إنْ أحببتَ أنْ يحسنَ إليكَ، ومَن قلَّ وفاؤهُ كَثُرَ أعداؤُهُ”. وهذا مِن الإحسانِ المأمورِ بهِ في القرآنِ المتعلقِ بالمعاملاتِ، وهو حثٌّ على المساهلةِ في المعاملةِ، وحسنِ الانقيادِ، وهو مِن سخاوةِ الطبعِ، وحقارةِ الدنيا في القلبِ، فمَن لم يجدْهُ مِن طبعِهِ، فليتخلقْ بهِ، فعسَى أنْ يسمحَ لهُ الحقُّ بمَا قصّرَ فيهِ مِن طاعتِهِ، وعسرَ عليهِ في الانقيادِ إليهِ في معاملتِهِ إذَا أوقفَهُ بينَ يديهِ لمحاسبتِهِ) أ.ه. (فيض القدير).

*عاملْ الخلقَ بالسماحةِ، وإنْ أظهرُوا لكَ خلافَ ذلكَ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» (رواه مسلم).

قالَ النوويُّ: (ومعناهُ كأنّمَا تطعمُهُم الرمادَ الحارَّ، وهو تشبيهٌ لِمَا يلحقُهُم مِن الألمِ بمَا يلحقُ آكلُ الرمادِ الحارِّ مِن الألمِ، ولا شئَ على هذا المحسنِ بل ينالُهُم الإثمُ العظيمُ في قطيعتِهِ، وإدخالهُم الأذَى عليهِ. وقِيلَ: معناهُ إنّكَ بالإحسانِ إليهِم تخزيهِم، وتحقرهُم في أنفسِهِم؛ لكثرةِ إحسانِكَ، وقبيحِ فعلِهِم مِن الخزيِ والحقارةِ عندَ أنفسِهِم كمَن يسفُّ الملَّ. وقِيلَ: ذلكَ الذي يأكلونَهُ مِن إحسانِكَ كالملِّ يحرقُ أحشاءَهُم) أ.ه. (شرح النووي ).

*سماحةُ اللهِ جلَّ جلالُهُ- في غفرانِ ذنوبِ العاصِي، والتوبةِ عليهِم:

عن أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً” (رواه الترمذي في “سننه”).

(2) السماحةُ في “أبوابِ العباداتِ” حيثُ شُرِعَ “الرخصةُ”:

قالَ الطاهرُ بنُ عاشورٍ: (إنَّ للسماحةِ أثراً في سرعةِ انتشارِ الشريعةِ، وطولِ دوامِهَا؛ إذ أرانَا التاريخُ أنَّ سرعةَ امتثالِ الأممِ للشرائعِ، ودوامَهُم على اتباعِهَا كانَ على مقدارِ اقترابِ الأديانِ مِن السماحةِ، فإذَا بلغَ بعضُ الأديانِ مِن الشدةِ حداً متجاوزاً لأصلِ السماحةِ لحِقَ أتباعَهُ العنتُ، ولم يلبثُوا أنْ ينصرفُوا عنهُ أو يفرطُوا في معظمِهِ.

ولاعتبارِ “السماحةِ” أولَ أوصافِ الشريعةِ، وأكبرَ مقاصدهَا، يُرفعُ بهَا العنتُ والحرجُ عن الفردِ والجماعةِ، وذلكَ حينَ يعرضُ لهُم مِن العوارضِ الزمنيةِ أو الحاليةِ ما تصيرُ بهِ التكاليفُ مشتملةً على شدةٍ عليهِم، يأذنُ الرحمنُ في الرخصةِ فيها؛ تخفيفاً على المكلفينَ، وحفظاً للإسلامِ على استدامَةِ وصفِ السماحةِ للأحكامِ) أ.ه. (مقاصد الشريعة الإسلامية).

(3) السماحةُ في “المعاملاتِ الماليةِ” “واجبُ الوقتِ”:

رتَّبَ ﷺ “الدعاءَ على حصولِ “السماحةِ”؛ ليدلَّ على أنَّ “السهولةَ والتسامحَ سببٌ لاستحقاقِ الدعاءِ ويكونُ أهلاً للرحمةِ”، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» (رواه البخاري).

قالَ ابنُ بطالٍ: “فيهِ: الحضُّ على السماحةِ، وحسنِ المعاملةِ، واستعمالِ معالِى الأخلاقِ، ومكارمِهَا، وتركِ المشاحةِ، والرقةِ فى البيعِ، وذلكَ سببٌ إلى وجودِ البركةِ فيهِ؛ لأنَّ النبيَّ – عليهِ السلامُ- لا يحضُّ أمتَهُ إلَّا علَى ما فيهِ النفعُ لهُم فى الدنيا والآخرةِ، فأمَّا فضلُ ذلكَ فى الآخرةِ فقد دعَا- عليهِ السلامُ- بالرحمةِ لِمَن فعلَ ذلكَ، فمَن أحبَّ أنْ تنالَهُ بركةُ دعوةِ النبىِّ – عليهِ السلامُ – فليقتدِ بهذَا الحديثِ، ويعملْ بهِ” أ.ه.

– أعظمُ أبوابِ السماحةِ في المعاملاتِ “التيسيرُ على المدينِ المعسرِ”، رحمةً بحالِهِ، وتقديرًا لظروفِهِ، فعن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “يَقُولُ اللَّهُ: انْظُرُوا فِي النَّارِ هَلْ فِيهَا مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ، فَيَجِدُونَ فِي النَّارِ رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتُ خَيْرًا قَطُّ، فَيَقُولُ: لَا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: اسْمَحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلَى عَبِيدِي” (رواه ابن حبان).

وعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “أُتِيَ اللهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا، قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ، فَقَالَ اللهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي” (رواه مسلم) .

قالَ الإمامُ النوويُّ: (والتجاوزُ، والتجوزُ: معناهمَا المسامحةُ في الاقتضاءِ، والاستيفاءِ، وقبولِ ما فيهِ نقصٌ يسيرٌ كمَا قالَ “إِنِّي كُنْتُ أَتَجَوَّزُ فِي السِّكَّةِ وَالنَّقْدِ” (رواه مسلم وابن ماجه)، وفي هذه الأحاديثِ فضلُ إنظارِ المعسرِ، والوضعِ عنهُ إمَّا كلُّ الدينِ وإمَّا بعضهُ مِن كثيرٍ أو قليلٍ، وفضلُ المسامحةِ في الاقتضاءِ، وفي الاستيفاءِ سواءٌ استوفي مِن موسرٍ أو معسرٍ، وفضلُ الوضعِ مِن الدينِ وأنَّهُ لا يُحتقَرُ شيءٌ مِن أفعالِ الخيرِ؛ فلعلَّهُ سببُ السعادةِ والرحمةِ) أ.ه. (شرح النووي على مسلم).

– تَعامَلَ الجيلُ الأولُ بهذهِ السماحةِ، فباركَ اللهُ لهُم في مالِهِم؛ فهذا عثمانُ بنُ عفانَ- رضي اللهُ عنه- عن عَطَاءَ بْنِ فَرُّوخٍ «أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنْ قَبْضِ مَالِكَ، قَالَ: إِنَّكَ غَبَنْتَنِي فَمَا أَلْقَى مِنَ النَّاسِ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يَلُومُنِي، قَالَ: أَوَ ذَلِكَ يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاخْتَرْ بَيْنَ أَرْضِكَ وَمَالِكَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْخَلَ اللَّهُ الْجَنَّةَ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا، مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا، وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا» (رواه أحمد).

– السماحةُ هي التي نشرتْ الإسلامَ في ربوعِ المعمورةِ شرقاً وغرباً؛ إذ دخلَ في هذا الدينِ شعوبٌ بكاملِهَا طواعيةً دونَ إجبارٍ؛ لَمَّا رأوا السماحةَ في أخلاقِ التجارِ المسلمينَ، وحسنِ تعاملِهِم، ومَا شاعَ عنهُم مِن الأمانةِ، ونظافةِ اليدِ، والوفاءِ بالعهدِ.

– مِن السماحةِ: القناعةُ في الربحِ، وتجنبُ الطمعِ الزائدِ: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «أَنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ، وَوَسَّعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكْ لَهُ» (رواه أحمد، والبيهقي في “شعب الإيمان”).

التاجرُ السمحُ يوقنُ أنَّ مَا عندَ اللهِ لا يُنالُ إلّا بطاعتِهِ، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قال النَّبِيُّ ﷺ «هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جِبْرِيلُ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» (رواه الْبَزَّار في “مسنده”).

قالَ الإمامُ الغزالِيُّ: (وَالْإِحْسَانُ سَبَبُ الْفَوْزِ، وَنَيْلِ السَّعَادَةِ، وَهُوَ يَجْرِي مِنَ التِّجَارَةِ مَجْرَى الرِّبْحِ، وَلَا يعد من الغفلاء مَنْ قَنَعَ فِي مُعَامَلَاتِ الدُّنْيَا بِرَأْسِ مَالِهِ، فكذا في معاملات الآخرة؛ فلا يَنْبَغِي لِلْمُتَدَيِّنِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْعَدْلِ، وَاجْتِنَابِ الظُّلْمِ، وَيَدَعَ أَبْوَابَ الْإِحْسَانِ قالَ سبحانَهُ: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] …، ونعنِي بالإحسانِ: فعلُ مَا ينتفعُ بهِ المعامل، وهو غيرُ واجبٍ عليهِ، ولكنّهُ تفضلٌ منهُ، وتُنَالُ رُتْبَةُ الْإِحْسَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ سِتَّةِ أُمُورٍ، منها: السادسُ: أَنْ يَقْصِدَ فِي مُعَامَلَتِهِ جَمَاعَةً مِنَ الْفُقَرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ، وَهُوَ فِي الْحَالِ عَازِمٌ عَلَى أنْ لا يطالبَهُم إنْ لم تظهرْ لهُم ميسرةٌ، فقد كان في صالحِي السلفِ مَن لهُ دفترانِ للحسابِ أحدهُمَا: ترجمتُهُ مجهولةٌ فيهِ أسماءُ مَن لا يعرفهُ مِن الضعفاءِ، والفقراءِ؛ وذلكَ أنَّ الفقيرَ كان يرَى الطعامَ أو الفاكهةَ فيشتهيَهُ، فيقولُ: احتاجُ إلى خمسةِ أرطالٍ مثلاً مِن هذَا، وليس معي ثمنُهُ، فكانَ يقولُ خذْهُ واقضِ ثمنَهُ عندَ الميسرةِ، ولم يكنْ يعدُّ هذا مِن الخيارِ بل عدَّ مِن الخيارِ مَن لم يكنْ يثبتُ اسمَهُ في الدفترِ أصلاً، ولا يجعلُهُ ديناً لكنْ يقولُ: خُذْ مَا تُرِيدُ، فَإِنْ يُسِّرَ لَكَ فَاقْضِ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ وَسَعَةٍ، فَهَذِهِ طرقُ تجاراتِ السلفِ، وقد اندرستْ، والقائمُ بهِ محيَ لهذهِ السنةِ وبالجملةِ التجارةُ مَحَكُّ الرِّجَالِ وَبِهَا يُمْتَحَنُ دِينُ الرَّجُلِ وَوَرَعُهُ. (إحياء علوم الدين).

– مِن السماحةِ “الالتزامُ بالعهودِ والعقودِ والوفاءِ بهَا”: العالمُ يشهدُ تحولاً اقتصادياً لا مثيلَ لهُ، فالتأخيرُ قد يترتبُ عليهِ أضرارٌ فادحةٌ، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولَاً} [الأنعام: 152].

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَمَنْ أُتْبِعَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتَّبِعْ» (متفق عليه)،

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ» (رواه البخاري).

وليسَ هذَا ضرباً مِن الخيالِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ:«أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ فَخَرَجَ فِي البَحْرِ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً، فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا»، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ» (البخاري) .

(4) مظاهرُ السماحةِ مع غيرِ المسلمينَ:

– قالَ الباحثُ الفرنسِيُّ: “الكونت هنري”: (فإبانَ تسامحِ المسلمينَ العظيمِ مع الأسبانِ، وكيفَ حاسنوهُم حتى صارُوا في ظلِّهِم أهنأَ عيشاً مِمَّا كانُوا عليهِ أيامَ خضوعِهِم لحكامِهِم القدماء مِن جِرمان) أ.ه.

قالَ المؤرخُ “غوستاف لوبان”: (إنَّ الأممَ لم تعرفْ فاتحينَ راحمينَ متسامحين مثلَ العربِ، ولا ديناً سمحاً مثلَ دينِهِم) أ.ه.

– الوعيدُ الشديدُ لِمَن تعدَّى على معاهدَ أو مستأمنٍ، أو انتقصَهُ حقَّهُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» (رواه البخاري).

وقال ﷺ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (رواه أبو داود بسند صحيح).

وعن سَهْل بْن حُنَيْفٍ، وَقَيْس بْن سَعْدٍ:«كانا قَاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالاَ: إِنَّ النَّبِيَّ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا» (متفق عليه).

– إبقاؤهُم على دينِهِم، وعدمُ إكراهِهِم على الإسلامِ: اعتقادُ أنَّ البشرَ يتحتمُ عليهِم جميعاً الدخولُ في الإسلامِ إكراهاً وقسراً باستخدامِ القوةِ، يتعارضُ مع سننِ اللهِ الكونيةِ، ويأباهُ العقلُ السليمُ، ولا يتفقُ مع نصوصِ الشرعِ الحنيفِ، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].

والراجحُ عندَ أهلِ العلمِ أنَّ قولَهُ تعالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} [البقرة: 256] محكمةٌ وليستْ منسوخةٌ كما يعتقدُ بعضُ “التياراتِ المنحرفةِ”؛ لأنَّهَا خبرٌ، والأخبارُ لا نسخَ فيهَا على الإطلاقَ، وإلّا لزمَ الكذبُ في كلامِ اللهِ، وعليهِ يحرمُ الإكراهُ على الدخولِ في الإسلامِ، ولم يسجلْ التاريخُ الإنسانِيُّ أيَّ حالةٍ أُكرهتْ على الدخولِ في الإسلامِ، وهذا ما شهدَ بهِ علماءُ الغربِ على اختلافِ تخصصاتِهِم في العصرِ الحديثِ مِمّن لم يدخلْ الإسلامَ، بل ألّفُوا كُتباً كثيرةً في هذا الشأنِ.

عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلَاتًا فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} [البقرة: 256] ” قَالَ أَبُو دَاوُدَ: “الْمِقْلَاتُ: الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ” (رواه أبو داود في “سننه”).

– ودُّهُم، وصلتُهُم، وزيارتُهُم: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

عَنْ مُجَاهِدٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ سَمِعْتُ النبي ﷺ يَقُولُ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» (رواه الترمذي، والبيهقي في “شعب الإيمان”).

عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ» (متفق عليه).

قالَ بدرُ الدينِ العينِي: (ويُستفادُ منهُ: أنَّ الصلةَ للمشركِ جائزةٌ؛ للقرابةِ والحرمةِ والذمامِ، وأمرَهَا – عليهِ السلامُ- بصلتِهَا؛ لأجلِ الرحمِ، وأمَّا الزكاةُ …، قال زفرُ: الإسلامُ ليسَ بشرطٍ في مصرفِ الزكاةِ وغيرِهَا؟ لأنَّ اللهَ- تعالى- حيثُ ذكرَ الفقراءَ في الصدقاتِ لم يقيدْ بصفةِ الإسلامِ، فإثباتُ إسلامِ الفقيرِ يكونُ زيادةً، فتجرِي مجرَى النسخِ) أ.ه. (شرح سنن أبي داود).

– حرمةُ دورِ العبادةِ، ووجوبُ حمايتِهَا:  أوجبَ الإسلامُ حمايتَهَا، وضمانَ حريةِ ممارسةِ شعائرِهِم الدينيةِ، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40].

قَالُوا:”كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لأَسْقُفِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ والأساقفة نَجْرَانَ وَكَهَنَتِهِمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَرُهْبَانِهِمْ:  «أَنَّ لَهُمْ عَلَى مَا تَحْتِ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْ بِيَعِهِمْ وَصَلَوَاتِهِمْ وَرَهْبَانِيَّتِهِمْ، وَجُوَارُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» (رواه ابن سعد في “الطبقات الكبرى”).

– وهذا عمرُ بنُ الخطابِ يُعطِي الأمانَ “لأهلِ إيلياء”، ويكتبُ لهُم كتاباً بذلكَ، وشهد على ذلك: خالدُ بنُ الوليدِ، وعمرُو بنُ العاصِ، وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ، ومعاويةُ بنُ أبِي سفيانَ”، وكذا كتبَ– رضي اللهُ عنهُ- كتاباً “لأهل لُدِّ”، ومَن دخلَ معهُم مِن أهلِ فلسطينَ أجمعين”.

(5) السماحةُ في بابِ الزواجِ، والمهورِ:

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النبي ﷺ قَالَ: «إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا» (رواه أحمد في “مسنده”.

وعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ» (رواه أبو داود).

قالَ الإمامُ المناويُّ: (أرادَ المرأةَ التي قنعتْ بالقليلِ مِن الحلالِ عن الشهواتِ، وزينةِ الحياةِ الدنيا، فخفتْ عنهُ كلفتَهَا، ولم يلتجئْ بسببِهَا إلى ما فيهِ حرمةٌ أو شبهةٌ، فيستريحُ قلبُهُ وبدنُهُ مِن التعنتِ والتكلفِ، فتعظمُ البركةُ لذلكَ، وأقلهنَّ بركةً مَن هي بضدِّ ذلكَ وذلك؛ لأنَّهُ داعٍ إلى عدمِ الرفقِ، واللهُ – سبحانَهُ- رفيقٌ يحبُّ الرفقَ في الأمرِ كلِّهِ، قال عروةُ: “أولُ شؤمِ المرأةِ كثرةُ صداقِهَا”) أ.ه. (فيض القدير شرح الجامع الصغير).

– الثابتُ في السنةِ الصحيحةِ أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ يحبُّ السماحةَ في المهورِ، ولم يؤثرْ عنهُ أنْ شقَّ علَى أحدٍ، فكانَ يزوجُ مَن يأتيهِ علَى ما معهُ مِن صداقٍ، وقد بوَّبَ الإمامُ البخاريُّ باباً في “صحيحِهِ”، “بابُ التزويجِ بالقرآنِ وبغيرِ صداقٍ”، ومسلمٌ في “صحيحهِ”، “بَابُ الصَّدَاقِ، وَجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ، وَخَاتَمَ حَدِيدٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ”، والنسائي في “سننه” “إِبَاحَةُ التَّزَوُّجِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ”.

عَنْ جَابِرِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:«مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ» (أبو داود).

– ليس معنَى هذا أنْ نتساهلَ في “المهرِ”؛ “لأنَّ ما ضاقَ طريقُ إصابتِهِ يعزُّ في الأعينِ، فيعزُّ بهِ إمساكُهُ، وما يتيسرُ طريقُ إصابتِهِ يهونُ في الأعينِ، فيهونُ إمساكُهُ” (بدائع الصنائع للكاساني، (2/ 275)، وإنَّمَا المطلوبُ السماحةُ في “المهورِ”.

– الصحابةُ لم يُؤثرْ عنهُم المغالاةُ في صُدُقِ النساءِ، فعَنْ أَنَسِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «فَبَارَكَ اللهُ لَكَ» (رواه مسلم)، مع أنَّ عبدَ الرحمنِ كانَ مِن مياسيرِ الصحابةِ، وأغنيائِهِم.

(6) السماحةُ مع الجيرانِ والأصدقاءِ:

يروَى أنَّ رجلاً جاءَ إلى ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ فقال لهُ: “إنَّ لِي جاراً يُؤذينِي، ويشتمُنِي، ويضيّقُ عليَّ فقالَ: اذهبْ، فإنْ هو عصَى اللهَ فيكَ فأطعْ اللهَ فيهِ” أ.ه. (إحياء علوم الدين).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ»؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثم قَالَ: «…، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا» (رواه الترمذي، وأحمد).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: «كُنَّ مُحْسِنًا» قَالَ: كَيْفَ أَعْلَمُ أَنِّي مُحْسِنٌ؟ قَالَ: “سَلْ جِيرَانَكَ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّكَ مُحْسِنٌ فَأَنْتَ مُحْسِنٌ، وَإِنَّ قَالُوا: إِنَّكَ مُسِيءٌ فَأَنْتَ مُسِيءٌ» (رواه البيهقي في “شعب الإيمان”).

(7) ثمراتُ “السماحةِ” في الدنيَا والآخرةِ:

– شهادةُ الخَلقِ للمتسامحِ عندَ موتِهِ، وشفاعتُهُم فيهِ، ومحبتُهُم لهُ، عَنْ أَنَسِ قَالَ: قَالَ النبيُّ ﷺ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَهْلِ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَتِهِ الْأَدْنَيْنَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِلَّا خَيْرًا إِلَّا قَالَ اللَّهُ قَدْ قَبِلْتُ عِلْمَكُمْ فِيهِ، وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (رواه ابن حبان).

– مكفراتُ الذنوبِ، وتجلبُ رحمةَ اللهِ، وتحرمُ صاحبَهَا على النارِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ:«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ النَّارُ»؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«عَلَى كُلِّ هَيِّنٍ، لَيِّنٍ، قَرِيبٍ، سَهْلٍ». (رواه ابن حبان).

– منجاةٌ مِن كُربِ يومِ القيامةِ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ» (رواه مسلم).

نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

 

كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان   د / محروس رمضان حفظي عبد العال

مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

 

_____________________________________

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى