أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، للدكتور محروس حفظي

 

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر 2025م بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 11 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 3 أكتوبر 2025م.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ .

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر 2025م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة3 أكتوبر 2025م بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، للدكتور محروس حفظي :

 

  • ذِكْرُ “مِصْرَ” صَرَاحَةً وَضِمْنًا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا.
  • اسْتِشْعَارُ نِعْمَةِ الْأَمْنِ، وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا.
  • الدِّفَاعُ عَنِ الْأَوْطَانِ مِنْ صَمِيمِ مَقَاصِدِ الْأَدْيَانِ.
  • فَضْلُ حِرَاسَةِ مُقَدَّرَاتِ الْوَطَنِ، وَالدِّفَاعِ عَنْهَا.
  • الرَّسُولُ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ضَرَبَ أَعْظَمَ الْأَمْثِلَةِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ أَرْضِهِ، وَصِيَانَةِ عِرْضِهِ.
  • وَسَائِلُ مُعِينَةٌ عَلَى “الدِّفَاعِ عَنِ الْوَطَنِ”.
  • الْعَطَاءُ مَا زَالَ مُسْتَمِرًّا، وَالدِّفَاعُ مَا زَالَ بَاقِيًا.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر 2025م بعنوان: شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

 

خُطْبَةٌ بِعُنْوَانِ: «شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الْأَوْطَانِ»

بِتَارِيخِ 11 رَبِيعٍ الثَّانِي 1447 هـ = الْمُوَافِقِ 3 أُكْتُوبَرَ 2025 م

 

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ، وَيُكَافِىءُ مَزِيدَهُ، لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ الْأَكْمَلَانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا بَعْدُ ،،،

أولاً: ذِكْرُ “مِصْرَ” صَرَاحَةً وَضِمْنًا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا: الدَّوْلَةُ الْوَحِيدَةُ الضَّارِبَةُ فِي عُمْقِ التَّارِيخِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ صَرَاحَةً فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي “خَمْسَةٍ” مَوَاضِعَ، وَيُلَاحَظُ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ أَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي مَقَامِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ كَاتِّخَاذِهَا مَكَانًا لِلْعِبَادَةِ {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يُونُسَ: 87]، وَاتِّصَافِ أَهْلِهَا بِالْكَرَمِ وَالْجُودِ {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يُوسُفَ: 21]، وَتَحَقُّقِ “عُنْصُرِ الْأَمْنِ” فِيهَا {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يُوسُفَ: 99]، وَوَفْرَةِ خَيْرَاتِهَا، وَتَنَوُّعِهَا {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزُّخْرُفِ: 51]، وَذُكِرَتْ بِالْإِشَارَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ “ثَلَاثِينَ” مَوْضِعًا، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَدَّهَا “ثَمَانِينَ” مَوْضِعًا، فَهِيَ أَرْضُ السَّلَامِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَنُزُولُ الرِّسَالَاتِ عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَسَكَنَهَا الصَّحَابَةُ، وَالْأَوْلِيَاءُ، وَالْعُلَمَاءُ.

قَالَ ابْنُ يَعْقُوبَ الْكِنْدِيُّ: (وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ: أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا مُضْطَرُّونَ إِلَى “مِصْرَ”، يُسَافِرُونَ إِلَيْهَا، وَيَطْلُبُونَ الرِّزْقَ بِهَا، وَأَهْلُهَا لَا يَطْلُبُونَ الرِّزْقَ فِي غَيْرِهَا، وَلَا يُسَافِرُونَ إِلَى بَلَدٍ سِوَاهَا، حَتَّى لَوْ ضُرِبَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الدُّنْيَا لَغَنِيَ أَهْلُهَا بِمَا فِيهَا عَنْ سَائِرِ بِلَادِ الدُّنْيَا). أ.ه. [فَضَائِلُ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ].

قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ: “مِصْرُ أُمُّ الْبِلَادِ، وَغَوْثُ الْعِبَادِ”. [فَضَائِلُ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ لِابْنِ يَعْقُوبَ الْكِنْدِيِّ].

قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: “وِلَايَةُ مِصْرَ جَامِعَةٌ، تَعْدِلُ الْخِلَافَةَ”. [فَضَائِلُ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ لِابْنِ يَعْقُوبَ الْكِنْدِيِّ].

هَذَا يَحْتِمُ عَلَى الْفَطِنِ اللَّبِيبِ أَنْ يُدَافِعَ عَنْهَا، وَيَعْمَلَ جَاهِدًا عَلَى حِمَايَتِهَا، وَيَبْذُلَ كُلَّ غَالٍ وَنَفِيسٍ كَيْ يَرْفَعَ شَأْنَهَا؛ وَهِيَ تَحْمِلُ فِي جَنْبَاتِهَا مِيرَاثَ آلِ بَيْتِ سَيِّدِنَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَا نَوَّهَتِ السُّنَّةُ الْمُشَرَّفَةُ بِفَضْلِهَا؛ فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» أَوْ قَالَ «ذِمَّةً وَصِهْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

ثانيـًا: اِسْتِشْعَارُ نِعْمَةِ الأَمْنِ، وَضَرُورَةُ الحِفَاظِ عَلَيْهَا: أَعْظَمُ النِّعَمِ عَلَى الإِطْلَاقِ نِعْمَةُ الأَمْنِ وَالأَمَانِ، بِهَا يُعْبَدُ اللهُ فِي أَرْضِهِ، وَبِهَا تُحْفَظُ الدِّمَاءُ، وَبِهَا تُصَانُ الأَعْرَاضُ أَنْ تُنْتَهَكَ، وَالأَمْوَالُ أَنْ تُسْلَبَ، وَالأَرْضُ أَنْ تُغْتَصَبَ، وَهَكَذَا كُلُّ طَاعَةٍ أَوْ عِبَادَةٍ مَرْدُهَا فِي الأَسَاسِ إِلَى نِعْمَةِ الأَمْنِ، وَلِذَا قَدَّمَهَا السِّيَاقُ القُرْآنِيُّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ وَالمَنَافِعِ المَادِّيَّةِ فَقَالَ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 126]؛ إِذْ بِالأَمْنِ يَحْصُلُ الاِسْتِقْرَارُ، وَالبِنَاءُ وَالعُمْرَانُ، وَانْظُرْ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ مِنْ أَرْجَاءِ المَعْمُورَةِ إِذَا نُزِعَ الأَمْنُ مِنْهَا، كَيْفَ حَالُهَا مِنَ الخَرَابِ وَالكَسَادِ.

عَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَمْلِكُ هَذِهِ النِّعْمَةَ فَكَأَنَّمَا أُعْطِيَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا؛ فَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه].

قَالَ المُنَاوِيُّ القَاهِرِيُّ: (يَعْنِي مَنْ جَمَعَ اللهُ لَهُ بَيْنَ عَافِيَةِ بَدَنِهِ، وَأَمْنِ قَلْبِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَ، وَكَفَافِ عَيْشِهِ بِقُوتِ يَوْمِهِ، وَسَلَامَةِ أَهْلِهِ، فَقَدْ جَمَعَ اللهُ لَهُ جَمِيعَ النِّعَمِ الَّتِي مَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا لَمْ يَحْصُلْ عَلَى غَيْرِهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لا يَسْتَقْبِلَ يَوْمَهُ ذَلِكَ إِلَّا بِشُكْرِهَا بِأَنْ يَصْرِفَهَا فِي طَاعَةِ المُنْعِمِ لا فِي مَعْصِيَةٍ، وَلا يَفْتُرَ عَنْ ذِكْرِهِ). أ.ه. [فَيْضُ القَدِيرِ شَرْحُ الجَامِعِ الصَّغِيرِ].

اِمْتَنَّ اللهُ عَلَى “قُرَيْشٍ” بِنِعْمَةِ “الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ”، وَذَكَّرَهُمْ بِهَا {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [الْعَنْكَبُوتِ: 67]، {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قُرَيْشٍ: 4].

سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ طَلَبَ مِنْ وَالِدَيْهِ دُخُولَ “مِصْرَ” مُخْبِرًا إِيَّاهُمْ بِاسْتِتْبَابِ الْأَمْنِ بِهَا {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يُوسُفَ: 99]، وَمَا صَارَتْ “مِصْرُ” مَرْكَزَ تَوْزِيعِ الْغَلَّالِ لِلْبِلَادِ الْمُجَاوِرَةِ لَهَا {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} [يُوسُفَ: 55]، وَمَحَطَّ كُلِّ غَرِيبٍ إِلَّا بِانْتِشَارِ الْأَمْنِ الْمُجْتَمَعِيِّ فِيهَا حَيْثُ تَفَرَّغَ أَهْلُهَا لِلزِّرَاعَةِ؛ لِتَحْقِيقِ هَدَفِهِمْ، وَلِذَا جَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – مِنْ “فِلَسْطِينِ” طَالِبِينَ الْحِنْطَةَ {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يُوسُفَ: 88].

ثالثـًا:الدِّفَاعُ عَنِ الْأَوْطَانِ مِنْ صَمِيمِ مَقَاصِدِ الْأَدْيَانِ: قَالَ الشَّيْخُ/ ابْنُ عَاشُورٍ: (الْحِفَاظُ عَلَى الْأُمَّةِ، بِصَوْنِ نِظَامِهَا، وَدَعْمِ سُلْطَانِهَا، وَجَعْلِهَا مَرْهُوبَةَ الْجَانِبِ، مُحْتَرَمَةً مَنْظُورًا إِلَيْهَا فِي أَعْيُنِ الْأُمَمِ الْأُخْرَى نَظْرَةَ الْمَهَابَةِ، وَالْوَقَارِ، يَخْشَوْنَ بَأْسَهَا؛ لِيَرْدَعَ ذَلِكَ عَنْ مُنَاوَشَتِهِمْ إِيَّاهَا، وَتَكْدِيرِ صَفْوِ الْأَمْنِ فِيهَا {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} [الْحَشْرِ: 13]، وَهَذَا الْقَصْدُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالدِّفَاعِ عَنِ الْحَوْزَةِ، وَهِيَ حُدُودُ الْبِلَادِ، وَنَوَاحِيهَا، وَحِمَايَةُ الْبَيْضَةِ، وَحِفْظُ الْأُمَّةِ مِنِ اعْتِدَاءِ عَدُوِّهَا عَلَيْهَا، وَحِفْظُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنْ يَنْتَزِعَ عَدُوُّهُ مِنْهَا قِطْعَةً، أَوْ يَتَسَرَّبَ إِلَيْهَا، وَقَدْ قَامَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَقَامَ أَمْنُ بِلَادِهِ). أ.ه. [مَقَاصِدُ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ].

لَقَدْ فُطِرَ الْإِنْسَانُ عَلَى الدِّفَاعِ عَنْ وَطَنِهِ، وَالْحِفَاظِ عَلَى مُقَدَّرَاتِهِ، يَنْبِضُ بِهَذَا قَلْبُهُ، وَيَجْرِي فِي دَمِهِ، قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ: (وَالْبَشَرُ يَأْلَفُونَ أَرْضَهُمْ عَلَى مَا بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ قَفْرًا مُسْتَوْحَشًا، وَحُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ فِي النُّفُوسِ، تَجْعَلُ الْإِنْسَانَ يَسْتَرِيحُ إِلَى الْبَقَاءِ فِيهِ، وَيَحِنُّ إِلَيْهِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، وَيُدَافِعُ عَنْهُ إِذَا هُوجِمَ، وَيَغْضَبُ لَهُ إِذَا انْتُقِصَ). أ.ه. [إِحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ].

أَعْظَمُ صُوَرِ “الْوَفَاءِ” أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عَلَى أُهْبَةِ الِاسْتِعْدَادِ لِلتَّضْحِيَةِ بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِهِ؛ “قِيلَ: لِأَعْرَابِيٍّ: كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْبَادِيَةِ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، وَانْتَعَلَ كُلُّ شَيْءٍ ظِلَّهُ؟ قَالَ: وَهَلِ الْعَيْشُ إِلَّا ذَاكَ، يَمْشِي أَحَدُنَا مِيلًا، فَيَرْفُضُّ عَرَقًا، ثُمَّ يَنْصِبُ عَصَاهُ، وَيُلْقِي عَلَيْهَا كِسَاءَهُ، وَيَجْلِسُ فِي فَيْئَةٍ يَكْتَالُ الرِّيحَ، فَكَأَنَّهُ فِي إِيوَانِ كِسْرَى”. [رِسَالَةٌ فِي الْحَنِينِ إِلَى الْأَوْطَانِ، مِنْ “رَسَائِلِ الْجَاحِظِ”].

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ].

عَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَأْتِينِي فَيُرِيدُ مَالِي، قَالَ: «ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ»، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ؟ قَالَ: «فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: «فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ»، قَالَ: فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّي؟ قَالَ: «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ، أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ].

قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ: (قَدْ طَبَّ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ إِلَى التَّعَرُّضِ لِلشَّهَادَةِ، وَإِذَا سَمَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا شَهِيدًا، فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ دَافَعَ عَنْ مَالِهِ أَوْ عَنْ أَهْلِهِ أَوْ دِينِهِ إِذَا أُرِيدَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَأُتِيَ الْقَتْلُ عَلَيْهِ كَانَ مَأْجُورًا فِيهِ، نَائِلًا بِهِ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ قَوْمٌ زَعَمُوا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَسْلِمَ، وَلَا يُقَاتِلَ عَنْ نَفْسِهِ، وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى أَحَادِيثَ رُوِيَتْ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتَنِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي قِتَالِ اللُّصُوصِ، وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَأَهْلِ الْبَغْيِ وَالسَّاعِينَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَمَنْ دَخَلَ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَيْثِ وَالْإِفْسَادِ). أ.ه. [مَعَالِمُ السُّنَنِ].

الْمُدَافِعُ عَنْ وَطَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ إِنْ مَاتَ، يَسْتَمِرُّ مَعَهُ أَجْرُهُ، وَرِزْقُهُ فِي قَبْرِهِ؛ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ الْمَيِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الْمُرَابِطَ، فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ].

عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

رَغَّبَتِ السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْأَرْضِ وَالْعِرْضِ، فَبَشَّرَتِ الشَّهِيدَ بِبُشْرَيَاتٍ عَظِيمَةٍ؛ فَعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].

عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 170]، قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا» [مُسْلِم].

الدِّفَاعُ عَنِ الأَوْطَانِ مِنْ صِفَاتِ “المُؤْمِنِينَ” {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39]، “بَيَّنَتِ الآيَةُ أَنَّ مِنْ صِفَاتِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ إِذَا ظَلَمَهُمْ ظَالِمٌ، أَوِ اعْتَدَى عَلَى كَرَامَتِهِمْ، أَوْ عَلَى دِينِهِمْ مُعْتَدٍ، فَإِنَّهُمْ لَا يَخْضَعُونَ لَهُ، وَلَا يَذِلُّونَ أَمَامَهُ، وَإِنَّمَا هُمْ يَنْتَصِرُونَ بِأَنْ يُقَابِلُوا بَغْيَهُ، وَعُدْوَانَهُ، بِمَا يَرْدَعُهُ، وَيَجْعَلُهُ يَخْشَى إِصَابَتَهُمْ بِأَذًى”. [التَّفْسِيرُ الوَسِيطُ لِلْقُرْآنِ الكَرِيمِ].

أَلْمَحَ القُرْآنُ إِلَى أَنَّ “الدِّفَاعَ عَنِ الوَطَنِ” غَرِيزَةٌ فِي الأُمَمِ كُلِّهَا بَغْضَ النَّظَرِ عَنْ مُعْتَقَدِهِمْ، فَمَا بَالُنَا إِذَا كَانَ هَذَا مُبْنِيًّا عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ؟!، فَـ”مَلِكَةُ سَبَأٍ” حِينَ أَرْسَلَ سُلَيْمَانُ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – كِتَابًا يَأْمُرُهَا وَقَوْمَهَا أَنْ يَأْتُوهُ مُسْلِمِينَ، فَجَمَعَتْ قَادَتَهَا، وَاسْتَشَارَتْهُمْ، فَكَانَ رَدُّهُمْ: {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33].

قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عَاشُورٍ: (هَذَا الجَوَابُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمْ مُسْتَعِدُّونَ لِلْحَرْبِ لِلدِّفَاعِ عَنْ مُلْكِهِمْ، وَتَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى الدَّفْعِ بِالقُوَّةِ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِهَهُمْ عَلَى الدُّخُولِ تَحْتَ طَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا مَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُهُ عَلَى مَا قَدْ يُفْضِي إِلَى هَذَا). أ.ه.

وَفِي “قِصَّةِ طَالُوتَ وَجَالُوتَ” قَالَ نَفَرٌ مِنَ النَّاسِ لِنَبِيِّهِمْ عَلَى سَبِيلِ الإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ: إِنَّ البَوَاعِثَ مُتَوَفِّرَةٌ، وَالأَسْبَابَ مُهَيَّأَةٌ لِلدِّفَاعِ عَنْ أَرْضِنَا، فَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا، وَحِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ فُلَذَاتِ أَكْبَادِنَا، فَهُمْ جَزَمُوا أَنَّ الطَّرِيقَ الوَحِيدَ لِعِزَّتِهِمْ إِنَّمَا هُوَ “صَدُّ عَدُوِّهِمْ، وَالدِّفَاعُ عَنْ وَطَنِهِمْ”، وَهَذَا الأَمْرُ لَا مُهَادَنَةَ فِيهِ وَلَا جِدَالَ: {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة: 246].

مَنْ سَأَلَ اللهَ بِصِدْقٍ أَنْ يَمُوتَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ نُصْرَةِ دِينِهِ أَوِ الدِّفَاعِ عَنْ وَطَنِهِ، كَانَ لَهُ أَجْرُ الشَّهَادَةِ؛ فَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» [مُسْلِم].

عَنْ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا» [البُخَارِيّ].

تَتَفَجَّرُ جَمِيعُ القُوَى الكَامِنَةِ فِيكَ إِذَا وَقَعَ اعْتِدَاءٌ عَلَى وَطَنِكَ: القُرْآنُ الكَرِيمُ يُهَيِّجُ المُؤْمِنِينَ، وَيُغَيِّرُهُمْ عَلَى قِتَالِ أَعْدَائِهِمْ بِدُونِ تَرَدُّدٍ أَوْ تَهَيُّبٍ، وَيُرْشِدُهُمْ إِلَى أَنْ يَجْعَلُوا جِهَادَهُمْ مِنْ أَجْلِ نُصْرَةِ الحَقِّ، لَا مِنْ أَجْلِ المَطَامِعِ أَوِ الشَّهَوَاتِ {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

إِنَّهُ إِعْلَانٌ صَرِيحٌ أَنْ يَتَجَرَّدَ الإِنْسَانُ مِنْ كُلِّ غَرَضٍ سِوَى “رَدِّ أَرْضِهِ وَعِرْضِهِ” حِسْبَةً للهِ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، مَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

 

يَقُولُ “ابْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ” فِي مَدْحِ “عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ” أَوْ “عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ”:

إِنَّ البِلادَ سِوَى بِلادِكَ … ضَاقَ عَرْضُ فَضَائِهَا

فَاجْمَعْ بَنِيَّ إِلَى بَنِيكَ … فَأَنْتَ خَيْرُ رُعَائِهَا

نُشْهِدْكَ مِنَّا مَشْهَدًا … ضَنْكًا عَلَى أَعْدَائِهَا

نَحْنُ الفَوَارِسُ مِنْ قُرَيْشٍ … يَوْمَ جِدٍّ لِقَائِهَا

رابعـًا: فَضْلُ حِرَاسَةِ مُقَدَّرَاتِ الوَطَنِ، وَالدِّفَاعِ عَنْهَا:

وَمَنْ بَاتَ سَاهِرًا مُرَابِطًا عَلَى ثُغُورِ وَطَنِهِ؛ لِيَكْسِرَ مَطَامِعَ الأَعْدَاءِ، وَيَصُدَّهُمْ عَنْ تَحْقِيقِ مَآرِبِهِمْ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ القَاضِي الحَنَفِيُّ: (إِذَا احْتَاجَ المُسْلِمُونَ إِلَى حَرَسٍ، فَالْحَرَسُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ فِي الحَرَسِ مَنْ يَكْفِيهِ وَيَسْتَغْنِي بِهِ، فَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْرُسُ أَيْضًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَغْفُلَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، فَيَجْمَعُ أَجْرَهُمَا جَمِيعًا أَفْضَلُ). أ.ه. [الرَّدُّ عَلَى سِيرِ الأَوْزَاعِيِّ].

عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ: حَارِسُ حَرْسٍ فِي أَرْضِ خَوْفٍ، لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ» [النَّسَائِيُّ فِي “الكُبْرَى”، وَالبَيْهَقِيُّ فِي “شُعَبِ الإِيمَانِ”].

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللهُ حَارِسَ الحَرَسِ» [ابْنُ مَاجَه].

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللهِ» [التِّرْمِذِيُّ].

وَقَدْ قَرَّرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – فِي الخُلُقِ أَهَمِّيَّةَ حِرَاسَةِ الوَطَنِ، وَالدِّفَاعِ عَنْهُ؛ فَعَنْ أَرْطَأَةَ بْنِ المُنْذِرِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِجُلَسَائِهِ: “أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟”، قَالَ: فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ لَهُ الصَّوْمَ، وَالصَّلَاةَ، قَالَ: وَيَقُولُونَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ بَعْدَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَعْظَمِ النَّاسِ أَجْرًا مِمَّنْ ذَكَرْتُمْ، وَمِنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: رُوَيْجِلٌ بِالشَّامِ، آخِذٌ بِلِجَامِ فَرَسِهِ، يَكْلَأُ مِنْ وَرَاءِ بَيْضَةِ المُسْلِمِينَ، لَا يَدْرِي أَسَبُعٌ يَفْتَرِسُهُ، أَمْ هَامَةٌ تَلْدَغُهُ، أَوْ عَدُوٌّ يَغْشَاهُ، فَلِذَلِكَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِمَّنْ ذَكَرْتُمْ، وَمِنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ”. [ابْنُ عَسَاكِرَ فِي “تَارِيخِ دِمَشْقَ”].

خامسـًا : الرَّسُولُ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ضَرَبَ أَعْظَمَ الأَمْثِلَةِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ أَرْضِهِ، وَصِيَانَةِ عِرْضِهِ:

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا»، قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا»» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَفِي قَوْلِهِ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا»: “فَلَا تَخَافُوا خَوْفًا مُسْتَقِرًّا، أَوْ خَوْفًا يَضُرُّكُمْ”.

عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ البَأْسُ، وَلَقِيَ القَوْمُ القَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى مِنَ القَوْمِ مِنْهُ» [أَحْمَدُ فِي “المُسْنَدِ”].

عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ البَرَاءَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، أَوَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ البَرَاءُ، وَأَنَا أَسْمَعُ: أَمَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَلِّ يَوْمَئِذٍ، كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحَارِثِ آخِذًا بِعِنَانِ بَغْلَتِهِ، فَلَمَّا غَشِيَهُ المُشْرِكُونَ نَزَلَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ»، قَالَ: فَمَا رُئِيَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ مِنْهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

سادسـًا: وَسَائِلُ مُعِينَةٌ عَلَى «الدِّفَاعِ عَنِ الوَطَنِ

«الِالْتِزَامُ بِالقَوَانِينِ، وَالأَنْظِمَةِ المَعْمُولِ بِهَا دَاخِلَ البِلادِ»: فَإِنْ كَانَ الشَّخْصُ لَا يَعِيشُ فِي مَرَابِعِهِ، فَعِنْدَمَا يَسُودُ القَانُونُ يَطْمَئِنُّ النَّاسُ، وَيَهْدَأُ بَالُهُمْ، حَيْثُ يَشْعُرُ كُلُّ فَرْدٍ أَنَّهُ فِي مَأْمَنٍ عَلَى مَالِهِ أَوْ عِرْضِهِ، فَيَعُمُّ الاسْتِقْرَارُ، وَالرَّخَاءُ، وَيُصْبِحُ الفَرْدُ مُسْتَعِدًّا لِفِدَاءِ وَطَنِهِ بِكُلِّ مَا يَمْلِكُ، أَمَّا انْخِرَامُ القَانُونِ، فَيَجْعَلُ النَّاسَ أَشْبَهَ بِالحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَعِيشُ فِي الغَابِ، بَلْ أَضَلَّ سَبِيلًا؛ لِذَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «إِنَّ اللهَ لَيَزَعُ بِالسُّلْطَانِ أَكْثَرَ مِمَّا يَزَعُ بِالقُرْآنِ» [رَوَاهُ البَغْدَادِيُّ فِي “تَارِيخِ بَغْدَادَ”].

قَالَ الإِمَامُ المَاوَرْدِيُّ – وَهُوَ يُعَدِّدُ قَوَاعِدَ مَا يَنْصَلِحُ بِهِ حَالُ الإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا –: (وَأَمَّا القَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ سُلْطَانٌ قَاهِرٌ، تَتَأَلَّفُ مِنْ رَهْبَتِهِ الأَهْوَاءُ المُخْتَلِفَةُ، وَتَجْتَمِعُ لِهَيْبَتِهِ القُلُوبُ المُتَفَرِّقَةُ، وَتَكُفُّ بِسَطْوَتِهِ الأَيْدِيَ المُتَغَالِبَةَ، وَتَمْتَنِعُ مِنْ خَوْفِهِ النُّفُوسُ العَادِيَةُ؛ لِأَنَّ فِي طِبَاعِ النَّاسِ مِنْ حُبِّ المُغَالَبَةِ عَلَى مَا آثَرُوهُ، وَالقَهْرِ لِمَنْ عَانَدُوهُ، مَا لَا يَنْكَفُّونَ عَنْهُ إِلَّا بِمَانِعٍ قَوِيٍّ، وَرَادِعٍ مَلِيٍّ.

…، وَلِمَا فِي السُّلْطَانِ مِنْ حِرَاسَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَالذَّبِّ عَنْهُمَا، وَدَفْعِ الأَهْوَاءِ مِنْهُ، وَحِرَاسَةِ التَّبْدِيلِ فِيهِ، وَزَجْرِ مَنْ شَذَّ عَنْهُ بِارْتِدَادٍ، أَوْ بَغَى فِيهِ بِعِنَادٍ، أَوْ سَعَى فِيهِ بِفَسَادٍ). أ.ه. [أَدَبُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ لِلمَاوَرْدِيِّ].

الحِفَاظُ عَلَى مَا يُقِيمُ، وَيُبْقِي وَطَنًا قَوِيًّا، قَادِرًا عَلَى التَّصَدِّي لِأَيِّ اعْتِدَاءٍ خَارِجِيٍّ؛ وَلِذَا يَأْمُرُنَا اللهُ بِإِعْدَادِ العُدَّةِ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأَنْفَالُ: ٦٠].

وَلَفْظُ “القُوَّةِ” هُنَا عَامٌّ يَشْمَلُ: القُوَّةَ العَسْكَرِيَّةَ، وَالاقْتِصَادِيَّةَ، وَالاجْتِمَاعِيَّةَ، وَالتَّعْلِيمِيَّةَ … إِلَخ.

يَقُولُ ابْنُ عَاشُورٍ: (وَ«القُوَّةُ»: كَمَالُ صَلَاحِيَّةِ الأَعْضَاءِ لِعَمَلِهَا، وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى سَبَبِ شِدَّةِ التَّأْثِيرِ، فَقُوَّةُ الجَيْشِ: شِدَّةُ وَقْعِهِ عَلَى العَدُوِّ، وَقُوَّتُهُ أَيْضًا سِلَاحُهُ وَعَتَادُهُ، وَهُوَ المُرَادُ هُنَا…، فَاتِّخَاذُ السُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ، وَالأَقْوَاسِ، وَالنِّبَالِ مِنَ القُوَّةِ فِي جُيُوشِ العُصُورِ المَاضِيَةِ، وَاتِّخَاذُ الدَّبَّابَاتِ، وَالمَدَافِعِ، وَالطَّيَّارَاتِ، وَالصَّوَارِيخِ مِنَ القُوَّةِ فِي جُيُوشِ عَصْرِنَا). أ.ه. [التَّحْرِيرُ وَالتَّنْوِيرُ].

تَقْدِيمُ مَصْلَحَةِ الوَطَنِ العَامَّةِ عَلَى المَصْلَحَةِ الخَاصَّةِ: وَأَنْ يَجْتَمِعَ الجَمِيعُ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَالتَّصَدِّي بِكُلِّ حَزْمٍ لِحَمَلَاتِ التَّخْرِيبِ وَالإِفْسَادِ، وَقَدْ وَضَعَ اللهُ «حَدَّ الحِرَابَةِ» لِمَنْ يُفْسِدُ مُقَدَّرَاتِ الوَطَنِ، وَيَسْعَى لِإِحْدَاثِ الفِتْنَةِ دَاخِلَ صُفُوفِ المُجْتَمَعِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المَائِدَةُ: ٣٣]؛ كُلُّ هَذَا لِيَبْقَى الوَطَنُ قَوِيًّا، قَادِرًا عَلَى الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ دَاخِلِيًّا وَخَارِجِيًّا.

قَتِيلُ البَاطِلِ: أَمَّا مَنْ يَسْفِكُ دِمَاءَ الأَبْرِيَاءِ، وَيُزَعْزِعُ اسْتِقْرَارَ الأَوْطَانِ، وَيُرَوِّعُ الآمِنِينَ، فَذَاكَ قَتِيلُ البَاطِلِ، وَعَمَلُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، وَلَا يُؤَيِّدُهُ دِينٌ، وَلَا يَقْبَلُهُ عَاقِلٌ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

سابعـًا: العَطَاءُ مَا زَالَ مُسْتَمِرًّا، وَالدِّفَاعُ مَا زَالَ بَاقِيًا:

فِي «حَرْبِ أُكْتُوبَرَ ١٩٧٣م = ١٠ رَمَضَانَ ١٣٩٣ه» سَطَّرَتْ قُوَّاتُنَا المُسَلَّحَةُ بِأَحْرُفٍ مِنْ نُورٍ نَصْرًا سَاحِقًا، وَبَذَلُوا الغَالِيَ وَالنَّفِيسَ؛ لِتَحْقِيقِ العِزَّةِ وَالكَرَامَةِ، وَرَوَوْا الأَرْضَ بِدِمَائِهِمْ دِفَاعًا عَنْ وَطَنِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، عَبَرُوا وَهُمْ صَائِمُونَ، وَعَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ «اللهُ أَكْبَرُ»، وَمَا زَالُوا عَلَى العَهْدِ مَاضِينَ، وَفِي الدَّرْبِ سَائِرِينَ، يَحْفَظُونَ تُرَابَ هَذَا الوَطَنِ، وَيُبْذِلُونَ أَرْوَاحَهُمْ دُونَ التَّفْرِيطِ فِي حَبَّةِ رَمْلٍ مِنْهُ، بَلْ يَتَسَابَقُونَ إِلَى نَيْلِ شَرَفِ الشَّهَادَةِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأَحْزَابُ: ٢٣].

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مِصْرَ، فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُنْدًا كَثِيفًا، فَذَلِكَ الجُنْدُ خَيْرُ أَجْنَادِ الأَرْضِ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّهُمْ فِي رِبَاطٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» [رَوَاهُ المُتَّقِي الهِنْدِيُّ فِي “كَنْزِ العُمَّالِ”].

قَوْمٌ هَانَتْ عَلَيْهِمْ دُنْيَاهُمْ، وَلَمْ يَقْعُدْ بِهِمُ الخَوْفُ، سَلَكُوا طَرِيقًا قَلَّ سَالِكُوهُ، وَرَكِبُوا بَحْرًا تَقَاصَرَتِ الهِمَمُ عَنْ وُلُوجِهِ {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [التَّوْبَةُ: ١١١].

يَجِبُ إِحْيَاءُ هَذِهِ القِيَمِ فِي نُفُوسِ أَوْلَادِنَا؛ لِيَنْشَأُوا عَلَى مَحَبَّةِ وَطَنِهِمْ، وَالدِّفَاعِ عَنْهُ بِكُلِّ مَا يَمْلِكُونَ، وَتَتَشَكَّلَ لَدَيْهِمْ مَنَاعَةٌ تِجَاهَ الدَّعَوَاتِ الهَدَّامَةِ الَّتِي تُشَكِّكُ فِي نَزَاهَةِ «جَيْشِنَا البَاسِلِ» الَّذِي ضَرَبَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ تُرَابِ هَذَا الوَطَنِ عَبْرَ تَارِيخِهِ المَجِيدِ، فَمَا أَعْظَمَ وَفَاءَ رِجَالَاتِهِ، وَمَا أَقْوَى عَزِيمَتَهُمْ، هُمْ فَخْرُ أُمَّتِنَا، وَعُنْوَانُ صُمُودِنَا، فَلْنَصْطَفَّ خَلْفَهُمْ، وَنُرَبِّيَ أَجْيَالَنَا عَلَى أَنْ يَكُونُوا نَمُوذَجًا حَيًّا لِلاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَالسَّيْرِ عَلَى مَنُوَالِهِمْ فِي مَسِيرَةِ العَطَاءِ وَالبَذْلِ.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ العَمَلِ، وَفَضْلَ القَبُولِ، إِنَّهُ أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ، وَأَعْظَمُ مَأْمُولٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ بَلَدَنَا مِصْرَ سَخَاءً رَخَاءً، أَمْنًا أَمَانًا، سِلْمًا سَلَامًا، وَسَائِرَ بِلادِ العَالَمِينَ، وَيُوَفِّقَ وُلَاةَ أُمُورِنَا لِمَا فِيهِ نَفْعُ البِلادِ وَالعِبَادِ.

أَعَدَّهُ: الفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ الحَنَّانِ المَنَّانِ

د/ مَحْرُوس رَمَضَان حِفْظِي عَبْدُ العَال

مُدَرِّسُ التَّفْسِيرِ وَعُلُومِ القُرْآنِ – كُلِّيَّةُ أُصُولِ الدِّينِ وَالدَّعْوَةِ – أَسْيُوط

_____________________________________

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى