خطبة الجمعة بعنوان : التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ، للشيخ محمد القطاوي
للشيخ محمد القطاوي
خطبة الجمعة بعنوان : التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ، للشيخ محمد القطاوي، بتاريخ 21 جمادي الثانية 1447هـ ، الموافق 12 ديسمبر 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 12 ديسمبر 2025م ، للشيخ محمد القطاوي بعنوان : التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 ديسمبر 2025م ، للشيخ محمد القطاوي بعنوان : التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 ديسمبر 2025م ، للشيخ محمد القطاوي بعنوان : التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 ديسمبر 2025م ، للشيخ محمد القطاوي ، بعنوان : التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ : كما يلي:
العنصر الأوّل: تَطَرُّفُ اللِّسَانِ وَالْمِزَاحِ الثَّقِيلِ: (التَّنَمُّرُ الْإِلِكْتُرُونِيُّ وَاللَّفْظِيُّ)
العَنْصَرُ الثَّانِي: تَطَرُّفُ الْغِشِّ وَالْفَسَادِ فِي التَّعَامُلِ: (الْغُلُوُّ فِي الْمَادِّيَّاتِ
العَنْصَرُ الثالث: التَّعَصُّبُ الْكُرَوِيُّ (الاثار والعلاج ).. دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 ديسمبر 2025م ، للشيخ محمد القطاوي ، بعنوان : التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ: كما يلي:
التطرفُ ليسَ في التدينِ فقطْ
21 جمادي الآخرة 1447هـ – 12 ديسمبر .2025م
إعداد: الشيخ محمد طلعت القطاوى
المـــوضــــــــــوع
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، جَعَلَ لَنَا فِي رِيَاضِ الدُّنْيَا مُتْعَةً، وَفِي عِبَادَتِهِ رَاحَةً وَسَعَادَةً، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَمَرَنَا بِالْعَدْلِ وَالْوَسَطِيَّةِ فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ الْقَوِيمِ.
عناصر الخطبة:
العنصر الأوّل: تَطَرُّفُ اللِّسَانِ وَالْمِزَاحِ الثَّقِيلِ: (التَّنَمُّرُ الْإِلِكْتُرُونِيُّ وَاللَّفْظِيُّ)
العَنْصَرُ الثَّانِي: تَطَرُّفُ الْغِشِّ وَالْفَسَادِ فِي التَّعَامُلِ: (الْغُلُوُّ فِي الْمَادِّيَّاتِ
العَنْصَرُ الثالث: التَّعَصُّبُ الْكُرَوِيُّ (الاثار والعلاج ).. دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ
الخُطْبَةُ الأُولَى
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ، يَا شَبَابَ الْإِسْلَامِ:
إِنَّ دِينَنَا الْعَظِيمَ هُوَ دِينُ التَّوَازُنِ، دِينُ الْوَسَطِيَّةِ وَالِاعْتِدَالِ. دِينُنَا يَرْفُضُ الْغُلُوَّ وَالتَّشَدُّدَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِأَنَّ الْغُلُوَّ وَالتَّشَدُّدَ — أَوْ مَا نُسَمِّيهِ التَّطَرُّفَ — هُوَ بِبَسَاطَةٍ: الْخُرُوجُ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ.
وَعِنْدَمَا نَسْمَعُ كَلِمَةَ “تَطَرُّف”، تَذْهَبُ أَذْهَانُنَا مُبَاشَرَةً إِلَى جَمَاعَاتٍ تَتَبَنَّى أَفْكَارًا دِينِيَّةً مُتَشَدِّدَةً. وَهَذَا صَحِيحٌ، فَالْغُلُوُّ فِي الدِّينِ خَطِيرٌ وَمُحَرَّمٌ. لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ نُدْرِكَهَا جَمِيعًا الْيَوْمَ، هِيَ أَنَّ التَّطَرُّفَ لَيْسَ فِي التَّدَيُّنِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ سُلُوكٌ بَشَرِيٌّ يَظْهَرُ فِي كُلِّ مَجَالٍ مِنْ مَجَالَاتِ حَيَاتِنَا، حَتَّى فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْهَوَى!
التَّطَرُّفُ أَيُّهَا الْكِرَامُ، هُوَ أَنْ نَأْخُذَ الْأُمُورَ إِلَى أَقْصَى الْيَمِينِ أَوْ أَقْصَى الْيَسَارِ، فَنَبْتَعِدَ عَنْ نُقْطَةِ الِاعْتِدَالِ. وَكَمَا حَذَّرَتِ الشَّرِيعَةُ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الْعِبَادَةِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَغْفُلْ عَنِ التَّطَرُّفِ الْحَيَاتِيِّ فَقَدْ حَذَّرَتْ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ مِنَ الْغُلُوِّ وَالتَّطَرُّفِ فِي سُلُوكِيَّاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ.
دَعُونَا نَنْظُرْ إِلَى بَعْضِ صُوَرِ هَذَا التَّطَرُّفِ اللَّادِينِيِّ الَّذِي نَعِيشُهُ وَنَرَاهُ كُلَّ يَوْمٍ وَالَّذِي يَغْفُلُ عَنْهُ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ بِدَعْوَى أَنَّ التَّطَرُّفَ فِي التَّدَيُّنِ فَقَطْ وَلَكِنَّ هَذَا وَاللَّهِ مَفْهُومٌ خَاطِئٌ حِينَ يَنْحَصِرُ التَّطَرُّفُ فِي التَّدَيُّنِ فَالتَّطَرُّفُ يَشْمَلُ الْكَثِيرَ وَالْكَثِيرَ مِنَ الْمَجَالَاتِ وَالسُّلُوكِيَّاتِ الْحَيَاتِيَّةِ وَالَّتِي مِنْهَا:
أَوَّلًا: تَطَرُّفُ اللِّسَانِ وَالْمِزَاحِ الثَّقِيلِ: (التَّنَمُّرُ الْإِلِكْتُرُونِيُّ وَاللَّفْظِيُّ)
يَا شَبَابَ الْإِسْلَامِ، إِنَّ أَوَّلَ صُوَرِ التَّطَرُّفِ اللَّادِينِيِّ الَّتِي انْتَشَرَتْ بَيْنَنَا هِيَ تَطَرُّفُ اللِّسَانِ، أَوْ مَا نُسَمِّيهِ الْيَوْمَ “التَّنَمُّرَ”.
التَّنَمُّرُ هُوَ أَنْ نَسْتَخْدِمَ قُوَّةَ كَلَامِنَا، أَوْ سُخْرِيَةَ أَلْفَاظِنَا، أَوْ تَعْلِيقَاتِنَا عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، لِنَجْرَحَ كَرَامَةَ إِنْسَانٍ آخَرَ، أَوْ لِنَسْخَرَ مِنْ شَكْلِهِ، أَوْ فَقْرِهِ، أَوْ عَائِلَتِهِ، أَوْ حَتَّى نَتَبَادَلَ الْأَلْقَابَ الْمُسِيئَةَ. هَذَا تَطَرُّفٌ فِي التَّعَامُلِ اللَّفْظِيِّ!
وَالشَّرِيعَةُ حَاسِمَةٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ: اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: $يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ$
فَمَا أَشَدَّ عِبَارَاتِ التَّنَمُّرِ وَلِعِظَمِ التَّنَمُّرِ بَالَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْهَا فَقَدْ دَخَلَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَتْ لَهُ عَنْ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ، السَّيِّدَةِ صَفِيَّةَ: “حَسْبُكِ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا”، تَعْنِي أَنَّهَا قَصِيرَةُ الْقَامَةِ. لَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ تَقْصِدُ شَرًّا، بَلْ كَانَتْ مَزْحَةً أَوْ كَلَامًا عَابِرًا، لَكِنَّ رَدَّ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَادِمًا، قَالَ لَهَا: “لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ”. أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، عَلَى بَسَاطَتِهَا فِي نَظَرِنَا، تَحْمِلُ مِنَ السُّوءِ مَا يَكْفِي لِتَغْيِيرِ طَعْمِ مَاءِ الْبَحْرِ كُلِّهِ وَإِفْسَادِهِ!
أَيُّهَا الْكِرَامُ، التَّطَرُّفُ هُنَا هُوَ أَنْ نَعْتَدِيَ عَلَى كَرَامَةِ الْآخَرِينَ بِأَلْسِنَتِنَا أَوْ بِأَيْدِينَا، وَهَذَا لَا يَفْعَلُهُ الْمُؤْمِنُ الْمُعْتَدِلُ. الْمُؤْمِنُ يَقُولُ خَيْرًا أَوْ يَصْمُتُ وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ أَيْضًا التَّطَرُّفُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْجِيرَانِ حِينَ يُكَدِّرُ الْجَارُ صَفْوَ جَارِهِ وَيُحَوِّلُ حَيَاتَهُ إِلَى جَحِيمٍ لَا يُطَاقُ بِاعْتِدَاءَاتٍ لَفْظِيَّةٍ مِنْ سِبَابٍ وَغَيْرِهِ أَوِ اعْتِدَاءَاتٍ مَعْنَوِيَّةٍ كَإِيذَائِهِ فِي بِنَاءٍ أَوْ طَرِيقٍ أَوِ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ أَوِ الِاعْتِدَاءِ الْجَسَدِيِّ أَوْ حَتَّى عَدَمِ مُشَارَكَتِهِ فِي أَفْرَاحِهِ أَوْ مُوَاسَاتِهِ فِي أَحْزَانِهِ أَيُّ شَيْءٍ يُعَكِّرُ صَفْوَ الْحَيَاةِ وَيَقْضِي عَلَى الْأُخُوَّةِ وَالْوِدَادِ بَيْنَ الْجَارِ وَجَارِهِ.
ثَانِيًا: تَطَرُّفُ الْغِشِّ وَالْفَسَادِ فِي التَّعَامُلِ: (الْغُلُوُّ فِي الْمَادِّيَّاتِ)
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ لِلتَّطَرُّفِ اللَّادِينِيِّ هِيَ التَّطَرُّفُ فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَالْمَالِ، الَّذِي يَدْفَعُ الْبَعْضَ إِلَى الْغِشِّ وَالْفَسَادِ وَالتَّحَايُلِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الْمَادِّيَّاتِ.
الْمُؤْمِنُ يَسْعَى وَيَكْدَحُ، لَكِنَّهُ يَعْتَدِلُ فِي طَلَبِهِ لِلرِّزْقِ، فَلَا يَجْعَلُ سَعْيَهُ سَبَبًا لِلْغِشِّ أَوْ لِلتَّحَايُلِ عَلَى الْقَانُونِ أَوْ أَكْلِ حُقُوقِ النَّاسِ. لَكِنَّ الْمُتَطَرِّفَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، هُوَ مَنْ يَبِيعُ دِينَهُ وَشَرَفَهُ مِنْ أَجْلِ بِضْعَةِ دَنَانِيرَ.
مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَجَدَ بَائِعًا يَعْرِضُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. أَدْخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الصَّاعِ، فَوَجَدَ بَلَلًا فِي أَسْفَلِهِ. سَأَلَ النَّبِيُّ الْبَائِعَ: “مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟” قَالَ الرَّجُلُ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أَيِ الْمَطَرُ) قَالَ لَهُ النَّبِيُّ بِصَرَامَةٍ: “أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟! مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا” (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
التَّطَرُّفُ اللَّادِينِيُّ يَا كِرَامُ هُوَ أَنْ يَغُشَّ التَّاجِرُ وَيَخْدَعَ الْمُشْتَرِيَ، وَأَنْ يَسْرِقَ الْمُوَظَّفُ مِنْ وَقْتِ عَمَلِهِ، وَأَنْ يُضَيِّعَ الْعَامِلُ الْأَمَانَةَ؛ كُلُّ هَذَا لِأَنَّ هَوَاهُ أَصْبَحَ إِلَهَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: $أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا$ (الْفُرْقَانُ: 43).
وَيَدْخُلُ فِيهِ احْتِكَارُ السِّلَعِ وَاسْتِغْلَالُ الْفَاقَةِ وَحَاجَةِ النَّاسِ وَزِيَادَةُ الْأَسْعَارِ فِي أَوْقَاتِ الْأَزَمَاتِ فَلَوْ قَلَبْنَا صَفَحَاتِ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ لَوَجَدْنَا نَمَاذِجَ مِنَ التُّجَّارِ الَّذِينَ خَلَّدَ الزَّمَانُ ذِكْرَهُمْ وَالَّذِي ضَرَبُوا أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي الْإِيثَارِ وَالْوُقُوفِ مَعَ إِخْوَانِهِمْ وَقْتَ الْفَاقَةِ وَلَنَا فِي سَيِّدِنَا عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الْأُسْوَةُ وَالْقُدْوَةُ وَذَكَرَ أَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّاسَ قَحَطُوا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَحَصَلَ قَحْطٌ شَدِيدٌ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ جَاءَتْ قَافِلَةٌ لِـ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، فَجَاءَ التُّجَّارُ يُرِيدُونَ شِرَاءَهَا فِي هَذَا الْقَحْطِ الشَّدِيدِ، فَسَأَلَهُمْ عُثْمَانُ: كَمْ تُرْبِحُونَنِي؟ قَالُوا: فِي الْعَشَرَةِ اثْنَا عَشَرَ، يَعْنِي: مُقَابِلَ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَنُعْطِيكَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، قَالَ: قَدْ زَادَنِي غَيْرُكُمْ، يَعْنِي: أَنَا أُتَاجِرُ مَعَ آخَرَ وَقَدْ زَادَنِي عَلَى هَذَا الرِّبْحِ، فَقَالُوا: فِي الْعَشَرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهَذَا رِبْحٌ عَظِيمٌ جِدًّا، فَفِي مُقَابِلِ كُلِّ عَشَرَةٍ سَيَكُونُ مَكْسَبُ خَمْسَةَ عَشَرَ، قَالَ: قَدْ زَادَنِي، قَالُوا: مَنِ الَّذِي زَادَكَ؟ وَنَحْنُ تُجَّارُ الْمَدِينَةِ، وَلَا يُوجَدُ أَحَدٌ آخَرُ غَيْرُنَا، فَقَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، زَادَنِي بِكُلِّ دِرْهَمٍ عَشَرَةً، فَهَلْ لَدَيْكُمْ مَزِيدٌ عَلَى ذَلِكَ؟ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي وَهَبْتُهَا لِفُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ بِلَا ثَمَنٍ وَحِسَابٍ، وَتَبَرَّعَ بِكُلِّ الْقَافِلَةِ لِفُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّهُ فَهِمَ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلًا آخَرَ لَيْسَ عِنْدَهُ مَشَاعِرُ الْأُخُوَّةِ فِي اللَّهِ لَأَعْطَى زَكَاتَهُ 2.5 %، ثُمَّ لَا دَخْلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَكِنَّ الصَّحَابِيَّ الْجَلِيلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقِهَ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ وَالْإِيثَارِ وَعَلِمَ أَنَّ أَرْبَاحَ الدُّنْيَا مَهْمَا عَظُمَتْ وَكَثُرَتْ فَلَنْ تُغْنِيَ عَنْهُ شَيْئًا وَفَقِهَ أَنَّ النَّجَاةَ فِي عَدَمِ الْإِحْتِكَارِ وَاسْتِغْلَالِ فَاقَةِ النَّاسِ.
فَلْنَتُبْ إِلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ غُلُوٍّ أَوْ تَطَرُّفٍ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
🕌 الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
التَّعَصُّبُ الْكُرَوِيُّ.. دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ
لَقَدْ رَأَيْنَا فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى كَيْفَ أَنَّ التَّطَرُّفَ يَظْهَرُ فِي سُلُوكِنَا اللَّفْظِيِّ وَفِي مُعَامَلَاتِنَا الْمَادِّيَّةِ، وَالْآنَ نَنْتَقِلُ إِلَى أَخْطَرِ صُوَرِ التَّطَرُّفِ اللَّادِينِيِّ وَأَكْثَرِهَا انْتِشَارًا فِي وَقْتِنَا الْحَالِيِّ: التَّطَرُّفُ فِي الْهَوَى وَالتَّعَصُّبُ لِفَرِيقٍ أَوْ رَأْيٍ!
إِنَّنَا نَرَى ظَاهِرَةً مُنْتَشِرَةً بِشَكْلٍ غَرِيبٍ، وَهِيَ التَّعَصُّبُ الْكُرَوِيُّ (الرِّيَاضِيُّ)، وَالتَّحَزُّبُ لِفَرِيقٍ لِدَرَجَةِ أَنَّ هَذَا التَّعَصُّبَ يَتَحَوَّلُ إِلَى عَدَاءٍ وَكَرَاهِيَةٍ وَسِبَابٍ وَتَبَاغُضٍ بَيْنَ الْأَصْدِقَاءِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَقَارِبِ.
نُؤَكِّدُ أَنَّ دِينَنَا الْعَظِيمَ هُوَ دِينُ التَّوَازُنِ، دِينُ الْفِطْرَةِ وَالِاعْتِدَالِ. وَالْإِسْلَامُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْكُمُ التَّرْوِيحَ عَنِ النَّفْسِ أَوْ مُشَاهَدَةَ الرِّيَاضَةِ أَوِ التَّشْجِيعَ. إِنَّ مُمَارَسَةَ الرِّيَاضَةِ أَوْ مُتَابَعَتَهَا جُزْءٌ مِنْ حَيَاةِ الْأُمَمِ، وَهِيَ مُتَنَفَّسٌ مَشْرُوعٌ لِلشَّبَابِ لَكِنَّهَا حَرَّمَتْ أَنْ يَتَحَوَّلَ هَذَا التَّرْوِيحُ إِلَى مَصْدَرٍ لِلْعَصَبِيَّةِ وَالْبَغْضَاءِ، لِأَنَّ الْعَصَبِيَّةَ فِي غَيْرِ الْحَقِّ هِيَ تَطَرُّفٌ جَاهِلِيٌّ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ لِأَجْلِ فَرِيقٍ رِيَاضِيٍّ.
فَالْمُشْكِلَةُ تَبْدَأُ حِينَ نَتَجَاوَزُ خَطَّ الْمُتْعَةِ وَالتَّشْجِيعِ، لِنَدْخُلَ مِنْطَقَةَ “التَّعَصُّبِ الْمَرَضِيِّ”.
التَّعَصُّبُ الْكُرَوِيُّ أَيُّهَا السَّادَةُ لَيْسَ مُجَرَّدَ تَشْجِيعٍ بِصَوْتٍ عَالٍ، بَلْ هُوَ تَطَرُّفٌ فِي الْهَوَى، أَنْ تَجْعَلَ حُبَّكَ وَبُغْضَكَ، وَلَاءَكَ وَعَدَاءَكَ، مُرْتَبِطًا بِقَمِيصِ فَرِيقٍ أَوْ اسْمِ لَاعِبٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ دِينِكَ، أَوْ كَرَامَةِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ، أَوْ وَقْتِكَ وَمَالِكَ.
فَلْنَسْأَلْ أَنْفُسَنَا بِصِدْقٍ: أَيْنَ يَذْهَبُ مَبْدَأُ الْأُخُوَّةِ إِذَا حَكَمْنَا التَّعَصُّبَ؟
الْإِجَابَةُ وَاضِحَةٌ جَلِيَّةٌ وُضُوحَ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ حِينَ حَكَمْنَا التَّعَصُّبَ ضَعُفَ الصَّفُّ وَتَبَاعَدَتِ الْقُلُوبُ وَقُطِعَتْ أَوَاصِرُ الْمَحَبَّةِ بَيْنَنَا.
حِينَ حَكَمْنَا التَّعَصُّبَ تَقَاتَلْنَا لِأَجْلِ قِطْعَةِ جِلْدٍ مُسْتَدِيرَةٍ فَسَبَّ الْأَخُ أَخَاهُ وَتَنَمَّرَ الْجَارُ عَلَى جَارِهِ وَوَقَعْنَا فِي كُلِّ أَنْوَاعِ التَّطَرُّفِ اللَّادِينِيِّ.
🕌 فَيَا لَلْخَجَلِ مِنْ أُمَّةٍ جَعَلَتْ وَلَاءَهَا لِأَهْوَائِهَا
فَهَلَّا سَأَلْنَا أَنْفُسَنَا يَوْمًا التَّعَصُّبُ الْكُرَوِيُّ.. وَلَاءٌ لِمَنْ؟ إِنَّهَا وَلَاءٌ لِلْهَوَى وَلَا أُبَالِغُ حِينَ أَقُولُ إِنَّهُ وَلَاءٌ لِلشَّيْطَانِ الَّذِي يَفْرَحُ حِينَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَأَخِيهِ الْمُسْلِمِ.
حِينَ يَضْعُفُ جَسَدُ الْأُمَّةِ فَيُشَتِّتُ شَمْلَهَا وَيُفَرِّقُ صَفَّهَا بِدَعْوَى التَّعَصُّبِ لِلْفِرَقِ الرِّيَاضِيَّةِ وَكُلُّهَا وَسَائِلُ حَوَّلَتِ الرِّيَاضَةَ مِنْ مُتْعَةِ التَّرْوِيحِ وَالتَّرْفِيهِ إِلَى سَاحَاتِ السِّبَابِ وَاللَّعَانِ وَالصَّيْحَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي عُنْصُرِنَا التَّالِي نُبَيِّنُ آثَارَ التَّعَصُّبِ وَكَيْفِيَّةَ عِلَاجِهِ.
—
🕌 آثَارُ التَّعَصُّبِ وَعِلَاجُ الْهَوَى
لَا بُدَّ وَأَنْ نُدْرِكَ أَنَّ هَذَا التَّعَصُّبَ لَا يَذْهَبُ بِلَا ثَمَنٍ، بَلْ لَهُ آثَارٌ خَطِيرَةٌ نَدْفَعُ ثَمَنَهَا غَالِيًا فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا. مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ الْمُدَمِّرَةِ لِلْقِيَمِ وَالْأَخْلَاقِ:
- مِنْ آثَارِ التَّعَصُّبِ: ذُنُوبُ اللِّسَانِ وَالْكَرَاهِيَةِ
إِنَّ أَوَّلَ وَأَخْطَرَ آثَارِ التَّعَصُّبِ هُوَ الِاعْتِدَاءُ اللَّفْظِيُّ وَالسُّخْرِيَةُ وَالِاحْتِقَارُ (مَا يُسَمِّيهِ الشَّبَابُ الْيَوْمَ “التَّحْفِيلَ” الْقَاسِي).
فَمَا إِنْ تَنْتَهِي مُبَارَاةٌ، حَتَّى تَمْتَلِئَ صَفَحَاتُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ بِالسِّبَابِ وَالشَّتَائِمِ الْبَذِيئَةِ وَالتَّعْلِيقَاتِ الْجَارِحَةِ الَّتِي تُحَوِّلُ أُخُوَّةَ الدِّينِ إِلَى عَدَاءٍ شَخْصِيٍّ. وَهَذَا حَرَامٌ بَيِّنٌ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ” (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
عِرْضُ الْمُسْلِمِ (كَرَامَتُهُ وَشَرَفُهُ) حَرَامٌ! وَالتَّعَصُّبُ يَجْعَلُكَ تَعْتَدِي عَلَى عِرْضِ أَخِيكَ بِكَلِمَةٍ بَذِيئَةٍ أَوْ سُخْرِيَةٍ لَا تَلِيقُ بِمُؤْمِنٍ.
- مِنْ آثَارِ التَّعَصُّبِ: ضَيَاعُ الْأَوْقَاتِ وَالْأَعْصَابِ
إِنَّ التَّعَصُّبَ الْكُرَوِيَّ يَسْتَهْلِكُ مِنْ أَعْمَارِنَا وَطَاقَتِنَا النَّفْسِيَّةِ مَا لَا يُعْقَلُ. نَرَى شَبَابًا يَمْرَضُونَ وَيُصِيبُهُمُ الْهَمُّ وَالْقَلَقُ لِأَجْلِ نَتِيجَةِ مُبَارَاةٍ، وَيَنْسَوْنَ وَاجِبَاتِهِمُ الْأَسَاسِيَّةَ:
ضَيَاعُ الْوَقْتِ: نُسْأَلُ عَنْ أَوْقَاتِنَا فِي الْقِيَامَةِ. فَهَلْ نُضَيِّعُهَا فِي شِجَارٍ لَا قِيمَةَ لَهُ؟
الْإِفْرَاطُ الْمَالِيُّ: شِرَاءُ تَذَاكِرَ بِأَسْعَارٍ خَيَالِيَّةٍ، تَكْسِيرُ مُمْتَلَكَاتٍ، أَوْ حَرْقُ مُنْشَآتٍ.
الِاعْتِدَاءُ الْجَسَدِيُّ: وَقَدْ رَأَيْنَا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ مَاتَ أَوْ أُصِيبَ إِصَابَاتٍ بَالِغَةً بِسَبَبِ شِجَارٍ بَدَأَ بِسَبَبِ كُرَةٍ! وَالْمَوْتُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ مِنْ خِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالضَّلَالِ.
فَلْنُجْعَلْ يَا شَبَابُ مَحَبَّتَنَا وَبُغْضَنَا لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ. لَا لِقَمِيصٍ أَصْفَرَ أَوْ أَحْمَرَ أَوْ أَزْرَقَ!
- التَّعَصُّبُ يُمَزِّقُ الْأُخُوَّةَ الَّتِي هِيَ أَسَاسُ الدِّينِ:
أَيُّهَا الشَّبَابُ، إِنَّ أَعْظَمَ قِيمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ هِيَ الْأُخُوَّةُ. نَحْنُ جَمِيعًا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَقِبْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَرَبٌّ وَاحِدٌ. وَلِذَلِكَ، كَانَ الْقُرْآنُ حَاسِمًا فِي تَأْكِيدِ هَذِهِ الرَّابِطَةِ: $يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ$ (الْحُجُرَاتِ: 13).
فَإِذَا جَعَلْتَ هَذَا الْقَمِيصَ أَوْ تِلْكَ الرَّايَةَ الرِّيَاضِيَّةَ سَبَبًا لِقَطْعِ أَوَاصِرِ الْأُخُوَّةِ، فَقَدْ قَدَّمْتَ الْهَوَى عَلَى أَمْرِ اللَّهِ الصَّرِيحِ.
- التَّعَصُّبُ الْكُرَوِيُّ.. دَعْوَةُ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُنْتِنَةُ (قِصَّةٌ وَعِبْرَةٌ)
إِنَّ رَسُولَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَنَا مِنْ كُلِّ مَا يُفَرِّقُنَا وَيُعِيدُنَا إِلَى عَصَبِيَّاتِ الْمَاضِي.
اِسْمَعُوا لِهَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي حَدَثَتْ عَلَى عَهْدِهِ ﷺ: وَالَّتِي تُبَيِّنُ كَيْفَ تَعَامَلَ النَّبِيُّ مَعَ التَّعَصُّبِ الْجَاهِلِيِّ.
فَفِي إِحْدَى الْغَزَوَاتِ، حَدَثَ شِجَارٌ بَسِيطٌ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى أَمْرٍ يَسِيرٍ. مَا كَانَ مِنَ الرَّجُلَيْنِ إِلَّا أَنْ صَرَخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: “يَا لِلْمُهَاجِرِينَ!” وَصَاحَ الْآخَرُ: “يَا لِلْأَنْصَارِ!”
غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: “مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟!” ثُمَّ قَالَ قَوْلَتَهُ الْخَالِدَةَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُكْتَبَ بِمَاءِ الذَّهَبِ: “دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ” (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
“مُنْتِنَةٌ” أَيْ قَبِيحَةٌ، وَرَائِحَتُهَا كَرِيهَةٌ، كَأَنَّهَا شَيْءٌ مَيِّتٌ مُتَعَفِّنٌ!
فَيَا شَبَابَ الْأُمَّةِ، إِذَا كَانَتِ الْعَصَبِيَّةُ لِأَجْلِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ (وَهُمَا أَعْظَمُ فَرِيقَيْنِ عَرَفَتْهُمَا الْأَرْضُ!) قَدْ وَصَفَهَا النَّبِيُّ (ﷺ) بِالنَّتَنِ، فَكَيْفَ تُوصَفُ عَصَبِيَّةٌ تَجْعَلُ الْأَخَ يَسُبُّ أَخَاهُ، وَالصَّدِيقَ يَقْطَعُ صَدِيقَهُ، لِأَجْلِ نَادٍ أَوْ كُرَةٍ!؟ هَذِهِ أَشَدُّ نَتْنًا وَقُبْحًا!
التَّعَصُّبُ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ عَابِرٍ يُمَزِّقُ أُمَّتَنَا، وَنَحْنُ أَوْلَى بِأَنْ نَجْعَلَ وَلَاءَنَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا لِأَجْلِ رَكْلَةِ جَزَاءٍ أَوْ هَدَفِ تَسَلُّلٍ! فَلَا نُبَالِغُ حِينَ نَقُولُ إِنَّ التَّعَصُّبَ الْكُرَوِيَّ تَطَرُّفٌ جَاهِلِيٌّ وَخُطَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ نَجَحَ فِيهَا أَعْوَانُ إِبْلِيسَ لِيُفَرِّقُوا شَمْلَ الْأُمَّةِ وَيُضْعِفُوا قُوَاهَا الْإِيمَانِيَّةَ وَالرُّوحِيَّةَ وَيَقْضُوا عَلَى قِيَمِهَا الْأَخْلَاقِيَّةِ.
وَفِي هَذَا الْمَعْنَى يَقُولُ الشَّاعِرُ حِكْمَةً بَالِغَةً:
إِنْ كَانَ حُبُّ الْكُرَاتِ يَقْطَعُنَا
فَلْيَذْهَبِ الْحُبُّ، وَتَبْقَى الْإِخَاءُ
الْعِلَاجُ: اِسْتِثْمَارُ طَاقَةِ الشَّبَابِ فِي الصَّالِحِ
الْعِلَاجُ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ: الْوَسَطِيَّةُ وَالِاعْتِدَالُ، وَتَوْجِيهُ طَاقَةِ الشَّبَابِ الْهَائِلَةِ نَحْوَ الْبِنَاءِ بَدَلًا مِنَ الْهَدْمِ.
شَجِّعْ بِحُبٍّ لَا بِخِصَامٍ.
اِسْتَثْمِرْ وَقْتَكَ فِي الرِّيَاضَةِ لَا فِي التَّعَصُّبِ لَهَا.
اِجْعَلْ حُبَّكَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ لِدِينِكَ وَلِأُخُوَّتِكَ الْمُسْلِمِينَ.
فَالتَّعَصُّبُ لَيْسَ فِي الدِّينِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ تَطَرُّفٌ فِي الْهَوَى، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ عَنْ أَصْحَابِ الْهَوَى: (تُتْرَكُ لِلْمُتَحَدِّثِ لِيُكْمِلَ الْآيَةَ).
فَلْنَتَّقِ اللَّهَ يَا عِبَادَ اللَّهِ، وَلْنَعْتَدِلْ فِي كُلِّ أُمُورِنَا، فِي دِينِنَا، وَفِي دُنْيَانَا، وَفِي أَلْفَاظِنَا، وَفِي أَهْوَائِنَا. وَلْنُجْعَلْ حُبَّنَا وَبُغْضَنَا لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ، لَا لِفَرِيقٍ أَوْ لِشَخْصٍ أَوْ لِهَوَىً.
اللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا، أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أُمَّةً وَسَطًا مُعْتَدِلَةً، لَا غُلُوَّ فِيهَا وَلَا تَفْرِيطَ. اللَّهُمَّ طَهِّرْ أَلْسِنَتَنَا مِنَ السُّوءِ، وَطَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الْغِلِّ وَالْحِقْدِ وَالتَّعَصُّبِ.
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاجْمَعْنَا عَلَى الْخَيْرِ، وَاجْعَلْنَا إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ فِي جَلَالِكَ.
اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْوَبَاءَ وَالْبَلَاءَ، وَاجْعَلْ مِصْرَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ…
اللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا، اجْعَلْنَا مِنَ الْمُعْتَدِلِينَ فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ. اللَّهُمَّ طَهِّرْ أَلْسِنَتَنَا مِنَ السُّوءِ، وَطَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الْغِلِّ وَالْحِقْدِ، وَامْلَأْهَا بِحُبِّ بَعْضِنَا الْبَعْضَ. اللَّهُمَّ رُدَّ شَبَابَنَا إِلَى دِينِكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاجْعَلْهُمْ أُمَّةً قَوِيَّةً مُعْتَدِلَةً.
اللَّهُمَّ آمِينَ، اللَّهُمَّ آمِينَ.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف







