خطبة الجمعة بعنوان : الحضارة لا تولد من رحم الفُرقة (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ)

خطبة الجمعة بعنوان : الحضارة لا تولد من رحم الفُرقة (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) ، بتاريخ 23 محرم 1447هـ ، الموافق 18 يوليو 2025م.
لتحميل خطبة جمعة استرشادية بعنوان : الحضارة لا تولد من رحم الفُرقة (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) بتاريخ 18 يوليو 2025 ، بصيغة word
ولتحميل خطبة جمعة استرشادية بعنوان : الحضارة لا تولد من رحم الفُرقة (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) بتاريخ 18 يوليو 2025 بصيغة pdf
عناصر خطبة جمعة استرشادية بعنوان : الحضارة لا تولد من رحم الفُرقة (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) ، كما يلي:
- الاتحاد: الركيزة الأساسية؛ لبناء الإنسان
- منهجية الاتحاد في القرآن والسنة: أصول لا تُقسّم
- الحضارة الإسلامية: شاهد تاريخي على قوة الاتحاد، وخطورة الفُرقة
- نحو اتحاد عملي: خطوات لبناء حضارة المستقبل
- الخلاصة
ولقراءة خطبة جمعة استرشادية بعنوان : الحضارة لا تولد من رحم الفُرقة (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) ، بتاريخ 18 يوليو 2025 بعنوان، كما يلي:
خُطْبَةٌ بِعُنْوَانِ: الحضارة لا تولد من رحم الفُرقة
(الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ)
بتاريخ 23 محرم 1447هـ 18 يوليو 2025م
” إن الحضارة لا تولد من الانقسام ولا الخصام، ولا تنشأ على جراحات الأمة، ولا من أصوات تتصارع داخل الجسد الواحد قال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦]، والريح هنا هي: القوة، والهيبة، والتمكين، والرؤية الحضارية. يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «مَن فارَق الجماعةَ شِبْرًا فقد خلَع رِبْقةَ الإسلامِ مِن عُنُقِهِ» [رواه أحمد، وأبو داود]، فكيف تُبنى حضارةٌ، وروحها مُمزقة، وعقلها مُفكك، وأطرافها تتحارب؟!
أيها النبيل: الفُرقة جفاف في القلوب، وظلمة في الفكر، وضعف في البناء؛ والاتحاد حياة، ونور، وقوة.
العناصر:
- الاتحاد: الركيزة الأساسية؛ لبناء الإنسان
- منهجية الاتحاد في القرآن والسنة: أصول لا تُقسّم
- الحضارة الإسلامية: شاهد تاريخي على قوة الاتحاد، وخطورة الفُرقة
- نحو اتحاد عملي: خطوات لبناء حضارة المستقبل
- الخلاصة
الاتحاد: الركيزة الأساسية؛ لبناء الإنسان
- أيها النبيل:إن بناء الحضارات الشاهقة لا يبدأ من الحجر، والطين، بل من بناء الإنسان ذاته؛ بناء روحه، وعقله، وجسده، واللبنة الأولى في هذا البناء الإنساني المتكامل هي الاتحاد بنوْعيْه:
- (أولاً): الاتحاد مع الذات: ويتحقق الاتحاد مع الذات بأمرين:
- الأول: وحدة الاعتقاد، والمقصد:بتوحيد الخالق سبحانه؛ فعندما يتجه القلب والعقل نحو خالق واحد، تختفي عوامل التشتت والاضطراب قال تعالى: {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ * وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} [الإخلاص: ١-٤] .
- الثاني: وحدة الأخلاق والقيم:فالإنسان المتحد مع ذاته هو من تتسق أقواله مع أفعاله، هذا الاتحاد بين الظاهر والباطن، يولد شخصية سوية قادرة على العطاء؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم–: «إنَّما بعثتُ لأتمِّمَ مَكارِمَ الأخلاقِ» [رواه أحمد] .
- (ثانياً): الاتحاد مع الآخر: وهو اللبنة الأساسية للمجتمع المتماسك: ويتحقق بثلاثة أمور:
- الأول: الأخوة الإيمانية، والوطنية:فالإسلام يجعل من الأخوة الإيمانية الرابط الأقوى بين المسلمين، ومن الأخوة الوطنية الرابط الأقوى بين الأمة أجمع؛ هذه الأخوة ليست مجرد شعور، بل هي دعوة إلى التكافل، والتعاون، والتراحم؛ قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠]، وهذا يرسخ مبدأ أن الاتحاد هو أساس البناء الاجتماعي الذي ينبذ الفرقة، والنزاع.
- الثاني: المجتمع كالبنيان المرصوص:شبَّه النبي – صلى الله عليه وسلم – المجتمع المتحد بالبنيان الذي يشد بعضه بعضًا، في تعبير بليغ عن أهمية الترابط، والتماسك؛ فقال – صلى الله عليه وسلم–: «إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وشَبَّكَ أصابِعَهُ»، [متفق عليه]؛ وهذا التشبيه يوضح أن قوة المجتمع تكمن في وحدة أفراده، وأن ضعف أي جزء منه يؤثر على الكل.
- الثالث: نبذ الفُرقة والتنازع:فقد حذر الإسلام أشد التحذير من الفرقة، والاختلاف؛ لأنها معول يهدم صرح المجتمع، والحضارة قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٣]. وقال أيضاً: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦]؛ فالتنازع يَذهب بقوة الأمة، وهيبتها، ويجعلها عرضة للضعف، والانهيار.
- أيها النبيل:إن هذا الاتحاد، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، له آثار عظيمة في بناء الإنسان، وبالتالي في إقامة الحضارة حيث يترتب عليه:
- القوة والمنعة: فالأمة المتحدة قوية لا تُقهر، بينما الأمة المتفرقة ضعيفة مهزوزة.
- الإبداع والتقدم:فعندما تتحد الطاقات، وتتضافر الجهود، تفتح آفاق الإبداع والابتكار في شتى المجالات العلمية، والفنية، والاقتصادية.
· منهجية الاتحاد في القرآن والسنة: أصول لا تُقسّم
- أيها النبيل:إن من أسمى ما دعا إليه الإسلام، وأكثر ما حذر من نقيضه، هو مبدأ الاتحاد والوحدة؛ إنه ليس مجرد خيار، بل هو منهجية أصيلة، ومحكمة، رسخها القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة؛ لتكون أصولًا لا تُقسّم، وقواعد لا تتبدل، وعمادًا لا يمكن للحضارة أن تقوم إلا به.
- (أولًا) دعوة القرآن الكريم الصريحة للوحدة، والاعتصام:
- لقد جاءت آيات القرآن الكريم؛ لتضع مبدأ الاتحاد في صميم بناء الأمة، محذرةً من التفرق والاختلاف، وجاعلةً منه فريضة على كل مسلم؛ ومن ذلك:
- – الأمر بالاعتصام بحبل الله، وترك التفرق:فهذا هو المحور الأساسي الذي تدور حوله آيات الوحدة؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: ١٠٣]، وهنا، يربط الله -سبحانه وتعالى- بين الاعتصام بدينه (حبله) وبين الوحدة، ويُذَكر الأمة بنعمته عليهم في تأليف قلوبهم بعد العداوة؛ ليجعل من الأخوة الإيمانية نتيجة مباشرة للوحدة.
- – النهي عن التنازع المؤدي إلى الفشل، وذهاب القوة:فالقرآن يصف عواقب الفرقة بوضوح لا لبس فيه، حيث تؤدي إلى الهزيمة، وفقدان الهيبة، والقوة؛ قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: ٤٦]؛ “تَذْهَبَ رِيحُكُمْ“ كناية عن ذهاب قوتهم، وهيبتهم، مما يؤكد أن الوحدة هي مصدر القوة الحقيقية للأمة؛ هذه القوة هي التي تبني حضارتها.
- – التأكيد على أن الأمة أمة واحدة:يوضح القرآن أن هذه الأمة، رغم اختلاف ألسنتها، وألوانها، هي في جوهرها أمة واحدة، وهذا يقتضي منها التوحد في الهدف، والمقصد؛ قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٩٢].
- – التحذير من التشبه بمن تفرقوا، واختلفوا:فالقرآن يضرب الأمثال بأمم سابقة تفرقت، واختلفت بعد أن جاءتها البينات، ويبين أن عاقبتهم كانت وخيمة؛ قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: ١٠٥]. هذا تحذير صريح من مغبة الفُرقة التي لا تنتج إلا الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة.
- (ثانيًا) السنة النبوية.. تطبيق عملي، ومفصل لمنهج الاتحاد:
- جاءت سنة النبي – صلى الله عليه وسلم- لتفصّل وتُجسّد هذه المنهجية القرآنية للوحدة، بوضع أسس عملية للحياة الاجتماعية، والسياسية التي تضمن تماسك الأمة؛ ومن ذلك:
- – شبّه الأمة بالجسد الواحد، والبنيان المرصوص:هذه التشبيهات البليغة ترسخ قيمة الاتحاد في الأذهان؛ قال –صلى الله عليه وسلم–: «إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وشَبَّكَ أصابِعَهُ»، [متفق عليه]، وقال أيضًا – صلى الله عليه وسلم–: «مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسهرِ» [رواه مسلم]. هذه الأحاديث تؤكد أن أي خلل أو فرقة في جزء من الأمة، ينعكس سلبًا على الكل.
- – الأمر بلزوم الجماعة، والتحذير من الشذوذ بكل أشكاله وصوره:فقد حث النبي – صلى الله عليه وسلم – على البقاء مع جماعة المسلمين، ونهى عن الانفصال عنها؛ قال –صلى الله عليه وسلم–: «الجماعةُ رحمةٌ والفرقةُ عذابٌ» [رواه أحمد]؛ وهذا يبين أن الاجتماع هو مصدر الخير والرحمة، بينما التفرق يجلب الشر والشقاء، وقال – صلى الله عليه وسلم–: «مَن خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ، وفارَقَ الجَماعَةَ فَماتَ، ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً» [رواه مسلم]، فيه دلالة على خطورة الخروج على وحدة الأمة.
- – إرساء مبدأ الأخوة الإيمانية:لم تكن الأخوة مجرد كلمة، بل كانت نظامًا عمليًا في المدينة المنورة بعد الهجرة، حيث آخى النبي – صلى الله عليه وسلم – بين المهاجرين والأنصار، فبنى مجتمعًا متراحمًا متكافلًا. قال –صلى الله عليه وسلم–: «لا تَناجَشوا، ولا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدوا، ولا تَدابَروا، وكونوا عِبادَ اللهِ إخوانًا كَما أمَرَكُمُ اللهُ» [رواه مسلم].
- أيها النبيل:إن منهجية الاتحاد في القرآن والسنة ليست مجرد دعوة أخلاقية، بل هي أصول لا تُقسّم، وقواعد لا يمكن الاستغناء عنها في بناء الإنسان، وتشكيل المجتمع، وإقامة صرح الحضارة؛ إن الفُرقة والنزاع هما المرض العضال الذي يُنهك الجسد، ويفتت القوى، ويُذهب بالهيبة؛ فلنعتصم بحبل الله، ولنكن إخوة متحابين، لتُبنى على أيدينا حضارة، تليق بتاريخنا المجيد ومستقبلنا المنشود.
· الحضارة الإسلامية: شاهد تاريخي على قوة الاتحاد، وخطورة الفُرقة
- أيها النبيل:عندما نتأمل في صفحات التاريخ الناصعة، لا نجد أبلغ من الحضارة الإسلامية؛ لتكون شاهدًا حيًا ساطعًا على أن الاتحاد هو سر القوة، والازدهار، وأن الفرقة هي بوابة الانهيار، والضياع، فلقد كانت حضارتنا منارات علم وهدى أضاءت العالم لقرون طويلة، وما كان ذلك ليتحقق إلا عندما كانت الأمة يدًا واحدة، وقلبًا واحدًا؛ فنتج عن ذلك:
- – وحدة الكلمة والقيادة بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم-:حيث اجتمع المسلمون على اختيار خليفة لهم في سقيفة بني ساعدة، وتبعوه في السلم والحرب، مما أرسى دعائم الدولة الإسلامية الفتيّة، وساعد على بناء حضارة إسلامية قوية في مستقبل مشرق؛ علميًا واقتصاديًا.
- – نهضة علمية غير مسبوقة:فقد ازدهرت العلوم بشتى فروعها: الطب، الفلك، الرياضيات، الكيمياء، الفيزياء، الفلسفة، وغيرها، فلم يكن هذا ليتم لولا روح التعاون بين العلماء من مختلف الأجناس، والأعراق، الذين كانوا يجتمعون في بغداد، دمشق، القاهرة، قرطبة، وغيرها من حواضر العلم، يتبادلون المعارف، ويترجمون، ويضيفون.
- – اتساع رقعة الدولة، ووصول رسالة الإسلام:فبفضل هذا الاتحاد، امتدت الفتوحات الإسلامية؛ لتشمل مساحات شاسعة من الأرض، ليس بالقوة، بل بعدل الإسلام ووسطيته، مما أدى إلى دخول شعوب بأكملها في دين الله، هذا التوسع لم يكن ليتم لو كانت الصفوف ممزقة، أو القلوب متنافرة.
- على النقيض من ذلك، عندما بدأت عوامل الفُرقة تدبّ في جسد الأمة الإسلامية، ظهرت آثارها السلبية المدمرة على كل المستويات، فنتج عن ذلك:
- – النزاعات الداخلية، والصراعات السياسية:هذه الصراعات استنزفت الطاقات، والموارد، وحولت التركيز من البناء إلى الهدم؛ قال تعالى محذرًا: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦]، وبالفعل، فقد ذهبت ريح كثير من الدول الإسلامية بسبب هذه التنازعات والتفرق.
- – الجمود الفكري، والتعصب المذهبي:فالفُرقة لم تكن سياسية فحسب، بل امتدت لتشمل الجانب الفكري، والمذهبي، فظهر التعصب للمذاهب، والآراء، وأغلقت أبواب الاجتهاد، وتراجع التفاعل العلمي الخلاق، مما أدى إلى جمود فكري، وضعف في الابتكار.
- – سهولة اختراق الأعداء:فعندما تكون الأمة متفرقة، تصبح ضعيفة وهشة أمام الأعداء الخارجيين؛ فقد كانت الهجمات الصليبية، والمغولية على العالم الإسلامي أشد فتكًا، عندما كانت الأمة تعيش أوقات انقسام وتشتت، بينما تمكنت من صدها عندما استعادت شيئًا من وحدتها، مثلما حدث في معركة “عين جالوت” التي وحَّد فيها المسلمون صفوفهم؛ لهزيمة المغول.
- الخوارج شاهد تاريخي أليم على أن الفُرقة هي معول هدم حقيقي، عطلت مسيرة الأمة:فقد كانت حركات الخوارج المتتالية بمثابة نزيف مستمر في جسد الأمة، يستنزف طاقاتها، ومواردها، ويشتت جهودها عن مواجهة التحديات الخارجية، وبناء الحضارة، فبدلًا من أن تتجه الأمة للبناء والتقدم، انشغلت بالصراعات الداخلية مع هذه الفرق التي كفَّرت المجتمع، وخرجت عن الإجماع.
- أيها النبيل:إن دروس التاريخ واضحة كالشمس؛ والاتحاد هو سر المنعة والعمران، بينما الفُرقة هي طريق الهلاك، والذل والخراب؛ إن الحضارة الإسلامية، بماضيها المشرق، وتحدياتها الراهنة، تدعونا اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التمسك بوحدة الصف، ونبذ أسباب الفُرقة، والعودة إلى منهج الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم–؛ لنعيد بناء مجدنا، ونشيّد حضارة تليق بأمتنا، وتكون نورًا للعالمين.
· نحو اتحاد عملي: خطوات لبناء حضارة المستقبل
- أيها النبيل:إن مجرد التغني بأمجاد الماضي، أو التأسف على واقع الفُرقة لن يبني لنا مستقبلًا زاهرًا، فالحضارة ليست أمنيات ولا أحلامًا وردية، بل هي عملٌ دؤوب، وتخطيطٌ سليم، واتحادٌ عملي، يترجم القيم والمبادئ إلى واقع ملموس، وديننا لم يتركنا تائهين، بل رسم لنا خارطة طريق، واضحة المعالم، توضح كيف يمكننا الانتقال من التشرذم إلى الوحدة، ومن التخلف إلى التقدم، وصولًا إلى بناء حضارة قادرة على قيادة البشرية؛ وخطوات هذا الطريق:
- أ- توحيد القلوب على العقيدة الصافية، والمنهج الوسطي:
- – بالاعتصام بحبل الله أولًا:فهذا هو الأساس المتين الذي يجمع القلوب ويلم الشتات. قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٣].
- – النهي عن التحزب الطائفي ثانيًا:فالإسلام ينهى عن الانقسام إلى فرق وشيع متعصبة؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: ١٥٩]، فالحضارة لا تقوم على أساس الانتماءات الضيقة، بل على وحدة الانتماء للإسلام والأمة.
- – وسطية الفهم، وسلامة المنهج:فتجنب الغلو والتطرف في فهم النصوص، والاعتصام بالمنهج الوسطي المعتدل، هو صمام الأمان من الفتن التي تمزق الصف؛ فعن ابن مسعود – رضي الله عنه- قال: «خطَّ لنا رسولُ اللَّهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خطًّا ثمَّ قالَ هذا سبيلُ اللَّهِ ثمَّ خطَّ خطوطًا عن يمينِهِ وعن شمالِهِ وقالَ هذهِ سبلٌ على كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليهِ وقرأَ {وَأَنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ….}» [رواه أحمد]، فهذا الحديث يؤكد أن الابتعاد عن الصراط المستقيم، ومنهج الإسلام الوسطي القويم؛ يؤدي إلى التفرق.
- ب- غرس قيم التعاون والتسامح والإحسان:
- – بالتعاون على البر والتقوى أولًا:فهو الأساس الذي ينطلق منه أي عمل بنَّاء في المجتمع. قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢]. فالتعاون في الخير هو سبيل القوة والعمار، أما التعاون على الشر، فهو سبيل الهلاك والخراب.
- – الأخوة العملية ثانيًا:فيجب أن تتجاوز الأخوة مجرد الكلمات؛ لتصبح واقعًا ملموسًا من التراحم، والتكافل؛ قال النبي – صلى الله عليه وسلم–: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ» [متفق عليه]، وهذا يستلزم منا الإصلاح بين المتخاصمين، والتخفيف عن المكروبين، ومد يد العون للمحتاجين، وتفعيل روح المواطنة بين مختلف المواطنين.
- – العفو والتسامح:في مجتمع يعج بالاختلافات، لا بد من روح التسامح، والعفو عن الزلات؛ لتجاوز أسباب الشقاق؛ قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩]. فالصفح والتجاوز يبني جسورًا من المحبة تمنع التصدع، وتستكمل بناء الحضارات.
- جـ- العمل الجاد، والإتقان في جميع المجالات:
- – بعمارة الأرض والاستخلاف أولًا:فمهمة الإنسان في الأرض هي الإعمار لا التخريب، قال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: ٦١]، وهذا يتطلب تضافر الجهود في بناء الاقتصادات القوية، وتطوير العلوم، وإتقان العمل.
- – حب العمل والإتقان ثانيًا:فالإسلام دين يدعو إلى العمل الجاد وإتقانه؛ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يحبُ إذا عملَ أحدكُم عملا أن يتقنهُ» [رواه البيهقي]. هذا الإتقان هو أساس جودة الحضارات، وتقدمها.
- – الاستفادة من الطاقات الشبابية، والعلمية:فيجب أن تتحد الأمة في توجيه طاقات شبابها، وعلمائها نحو الإبداع، والابتكار، وتقديم الحلول للتحديات المعاصرة، بدلًا من إهدارها في الصراعات.
- أيها النبيل:إن بناء حضارة المستقبل يتطلب منا اليوم تحركًا جادًا نحو الاتحاد العملي، لنبدأ بأنفسنا، فنصلح ذات البين، ونغرس قيم التعاون، ونقدم المصلحة العامة، ونبذل الجهد في كل ما يخدم رفعة الأمة، فبهذا الاتحاد، وبهذه الخطوات العملية، يمكننا أن نُعيد لأمتنا مجدها، ونقدم للعالم نموذجًا حضاريًا مشرقًا، تضيء به دروب المستقبل.
· الخلاصة
- أيها النبيل:تُصنع الحضارات لا من رحم الانقسام، والتنازع، بل من جوهر الاتحاد الذي يمثل القوة، والهيبة والتمكين، ويبدأ هذا البناء بتوحيد الإنسان لذاته: في عقيدته، وقيمه، ثم يمتد ليجمع الأفراد في مجتمع متماسك، مستلهمًا تعاليم القرآن والسنة التي تدعو للاعتصام بحبل الله، ونبذ الفرقة؛ والتاريخ الإسلامي خير شاهد على أن قوة الأمة، وازدهارها العلمي، والسياسي كانت نتاج وحدتها، بينما أدت النزاعات، والتحزبات – مثل ما حدث مع الخوارج – إلى الفشل، والجمود؛ لذا، فبناء حضارة المستقبل، يتطلب اتحادًا عمليًا، يرتكز على العقيدة الصافية، وغرس قيم التعاون، والتسامح، والعمل الجاد، والمتقن؛ لتحقيق نهضة شاملة تضيء دروب البشرية.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف