خطبة الجمعة : خطبة موسعة ومتكاملة، المـاء مُقوِّم أساسي للحياة والأحياء ، د/ أحمد علي سليمان

الحمد لله الذي أنزل من السماء ماءً طهورًا، وجعل منه كل شيء حيّ، وأجراه بقَدَرِه وقُدْرته في دورة كونية إعجازية محكمة، لا تعرف الكسل، أو العطب، أو الخلل، أو الفوضى… تسير وفق نظام إلهي محكم، ودقة ربانية مذهلة، لا يشوبها اضطراب، ولا يتطرق إليها نقص، ولا يعتريها ضعف، مهما طال الزمن أو تغيرت الظروف أو تبدلت الأحوال…
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، أبدع فسوّى، وقدّر فهدى، وسقى خلقه بغير حساب.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، علَّمنا كيف نتدبَّر في آيات الله الكونية، ونقرأ الكون بعيون الإيمان، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان، الأشرفان الأنوران، الأعطران الأزهران، المزهران المثمران، على مَن جُمعت كلّ الكمالات فيه.. وعلى آله وصحبه وتابعيه..
يـارب بالمصطفى بلغ مقاصدنـا… واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
مولاي صل وسلم دائما أبدا… على حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم رضِّه عنَّا، وارض عنَّا، برضاه عنَّا.. ووضئنا يا ربنا بأخلاقه العظيمة وحقق أمانينا بزيارته، وافتح لنا أبواب رؤيته، ونيل شفاعته، اللهم آمين يا رب العالمين…
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: (…وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ…) (النساء: 131)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران: 102)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 70-71).
وقال الكريم جل وعلا: (…وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البقرة: 223).
أما بعد… أيها المؤمنون: الماء هو المكون الأساس في نشأة الحياة وتطور الحضارات عبر تاريخ الإنسانية المديد، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)( الأنبياء: 30). وعندما يبحث علماء الفلك عن الحياة في كواكب أو عوالم أخرى، فإنهم يستدلون على ذلك من خلال ما يشير إلى وجود الماء في حاضر تلك الكواكب أو ماضيها؛ لذا فإن الكائنات الحية كلها -وعلى رأسها الإنسان- يدركون بأن الماء يساوي الحياة
وإن المتتبع لحركة الإنسان منذ بدء الخليقة وحتى الآن، يلحظ أن الموارد المائية كانت وما تزال وستظل هي نقطة الالتقاء والتجمع؛ لما لها من أهمية قصوى في حياة الكائنات الحية، من حيث كونها مصدرًا أساسًا من مصادر استمرار الحياة، ومن حيث الوظائف التي تضطلع بها في المجالات المختلفة للبيئة التي يعيش فيها الكائن الحي، مثل الزراعة والصناعة والإسكان والشرب والنظافة… إلخ.
أنواع الماء:
الماء إما أن يكون مالحًا، وإما أن يكون عذبًا. وسنركز على الماء العذب نظرًا لأهميته القصوى للكائنات الحية.. يتنوع الماء العذب إلى ثلاثة أنواع هي: المياه الجوية، والمياه السطحية، والمياه الغائرة (الجوفية).
والينابيع على شكلين:
الأول حقيقي:
والثاني غير حقيقي
والآبار نوعان:
الأول: آبار عادية
الثاني: آبار ارتوازية
عناية الإسلام الفائقة بالماء:
الإعجاز الإلهي في خلق الماء:

• ورد ذكر الماء في القرآن الكريم ثلاثا وستين مــرة لتوعية الإنسان بهذه النعمة؛ ليحافظ عليها، ويجنبها أخطار التلويث والإسراف
• لأهمية الماء البالغة جعله الله -عز وجل- وفيرًا، وجعل الناس شركاء فيه، وجعل حق الانتفاع به مكفولا للجميع بلا احتكار
• الدورة المائية ذكرها القرآن قبل أن يكتشفها العلم الحديث بمئات السنين
• الماءَ هو السائل الوحيد للإرواء الآدمي والحيواني والنباتي
• حفظ الله الماء العذب بجريانه وحركته الدائبة، سواء أكان معلقًا في السحاب، أم صاعدًا إلى السماء في صورة بخار، أم نازلا منها إلى الأرض في صورة أمطار، أم منسابًا على سطح الأرض بالأنهار، أم جاريا بالأعماق
• على الرغم من التقدم العلمي والتقني الذي تشهده البشرية، فإنها لم تستطع أن تتوصل إلى بديل صناعي آخر يمكن أن يحل محل الماء
• ميَّز الله الماء بخصائص تبرز قدرته سبحانه وإعجازه في خلقة، وأوجده في حالات ثلاث: الأولى: الصلبة (الثلج)، الثانية: الغازية (البخار)، والثالثة: السائلة لمصلحة المخلوقات

انفرد الماء بخواص تميزه عن سائر المواد الأخرى
كيف أبدعت الحضارة الإسلامية في استثمار المياه وعلاج مشكلاتها؟
أولا: فلسفة الإسلام في استثمار المياه ومحاربة الإسراف فيها
ثانيا: الإسلام.. والنهى عن تلويث الماء.. سبق طبي ورشد حضاري
ثالثا: كيف ينظر كبار علماء الإسلام إلى زراعة نباتات الزينة؟
رابعا: حراسة الحضارة الإسلامية لحقوق الجميع في المياه
خامسا: سبق العرب إلى علوم استنباط المياه الخفية
أيها الأخوة المؤمنون: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمدًا (ﷺ) رسولُ الله.. عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله.. يقول الحق (تبارك وتَعَالَى): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران: 102).
بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا يَسُوقُ الْخَيْرَ إِلَّا اللَّهُ. بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا اللَّهُ. بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، مَا كَانَ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ. بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. أما بعد يا عباد الله…
الماء أمانة، وحفظ الأمانة من الإيمان
وشكر النعمة لا يكون بالكلام فقط، بل بالفعل والوعي والضمير.
إن مسؤوليتنا تجاه نعمة الماء لا تتوقف عند حفظها في أنفسنا، بل تمتد لتربية أبنائنا ومجتمعنا كله على ترشيد استهلاكها، وغرس قيمة شكرها في القلوب والعقول، بأساليب تجمع بين القدوة والإبداع، بين الدين والعلم، وبين التعليم والترفيه، ومن هذه الأساليب:
القدوة العملية: فلا ننهى أولادنا عن الإسراف ونحن نغسل السيارة بلا حساب!، فليكن الأب والمعلم قدوة حقيقية: يغلق الصنبور أثناء الوضوء، ولا يترك الماء يسيل أثناء غسل الأطباق، فيتعلم الأبناء بالفعل لا بالكلام؛ لأن السلوك أبلغ من ألف خطاب.
التعليم من خلال القصة: ولها أهمية بالغة في التأثير النفسي والوجداني على النشء والشباب.
مسابقات ترشيد واقعية: فلنبتكر مسابقات مدرسية وأسرية مثل: “من يستهلك أقل قدر من الماء خلال أسبوع دون الإخلال بالنظافة؟” ولتكن الجوائز رمزية، لكن الأثر التربوي عميق وباقٍ.
الابتكار والمشاركة المجتمعية: شجع أبناءك على تركيب فلاتر للحنفيات، أو استخدام مياه الغسيل في تنظيف الأرضيات، أو اختراع أدوات بسيطة للحفاظ على الماء. بل اجعلهم يشاركون أفكارهم مع زملائهم، لتصبح الثقافة منتشرة.
الربط بالقيم الدينية والهوية الإيمانية: علّموا أولادكم أن النبي ﷺ كان يتوضأ بمدٍّ (أي نحو نصف لتر من الماء!)
الوسائط الرقمية الحديثة: في زمن “التيك توك” و”الريلز”، يحتاج الجيل الجديد إلى لغة بصرية مؤثرة؛ فلننتج مقاطع قصيرة توعوية تُظهر نتائج الإسراف، وتحفّز على الحفاظ، بأسلوب إنساني مؤثر، وليس فقط تعليمات جافة.
دمج التعليم البيئي في المناهج: اجعلوا “الاقتصاد المائي” جزءًا من التعليم العملي، مع زيارات ميدانية لمحطات تنقية المياه أو القرى التي تعاني من شحّ المياه، حتى يرى الطالب الواقع، ويشعر بالمسؤولية.
وهكذا فإن تربية النشء والمجتمع على الحفاظ على الماء ليست ترفًا تربويًّا، بل ضرورة وجودية، ومسؤولية أخلاقية ودينية. ولكي ننجح، علينا أن نربي بالعقل والعاطفة، بالقصة والصورة، بالعلم والسلوك، بالقدوة والمحبة، حتى يصبح حفظ الماء قيمة داخلية لا مجرد تعليمات خارجية.
اللهم ارزقنا شكر نعمك، وحسن استغلالها، اللهم اجعلنا من عبادك الحريصين على حفظ الماء، وعلى كل نعمة رزقتنا بها، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من القحط والجدب، وبارك لنا في أرزاقنا ومائنا وهوائنا وأرضنا.
نسأل الله أن يحفظ أوطاننا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ احفظها من كل سوء، وبارك لنا فيها، واجعلها دار أمنٍ وإيمان، وسلامٍ وإسلام. اللَّهُمَّ من أرادها بسوء فاجعل تدبيره تدميره، وردّ كيده إلى نحره.
اللهم احفظ مصر شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، طولها وعرضها وعمقها، بحارها وسماءها ونيلها، ووفق يا ربنا قيادتها وجيشها وأمنها وأزهرها الشريف، وعلماءها، واحفظ شعبها، وبلاد المحبين يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا اللهم طهّر قلوبنا من الكبر، وزيّنها بالتواضع،اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وفقنا الله للاستعانة بنعم الله على طاعة الله، وعلى ترقية الحياة…
وفي النهاية نشكر الله تعالى العظيم الأعظم، الكريم الأكرم، الحكيم الأحكم، الذي هيأ لنا الأسباب، وأفاض علينا وأثاب، وألهمنا جليلَ الخطاب، وفتح لنا واسعَ الأبواب في العلم والخير والنفع.
(…رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل: 19)، (..الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ…) (الأعراف:43)… اللهم تقبل هذا العمل من الجميع… وبالله تعالى التوفيق
خادم الدعوة والدعاة د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
والحاصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية في خدمة الفقه والدعوة (وقف الفنجري 2022م)
المدير التنفيذي السابق لرابطة الجامعات الإسلامية- عضو نقابة اتحاد كُتَّاب مصر
واتس آب: 01122225115 بريد إلكتروني: drsoliman55555@gmail.com
يُرجي من السادة الأئمة والدعاة متابعة الصفحة الرسمية، وعنوانها:
(الدكتور أحمد علي سليمان)؛ لمتابعة كل جديد 

https://www.facebook.com/drahmedalisoliman/