web analytics
أخبار عاجلة
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : "القيم المجتمعية" ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 11 جمادي الآخرة 1443هـ، الموافق 14 يناير 2022م
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : "القيم المجتمعية" ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة للدكتور محمد حرز “القيم المجتمعية”

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : “القيم المجتمعية” ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 11 جمادي الآخرة 1443هـ، الموافق 14 يناير 2022م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 يناير 2022م بصيغة word بعنوان : “القيم المجتمعية”، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 يناير 2022م بصيغة pdf بعنوان : “القيم المجتمعية”، للدكتور محمد حرز.

 

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 14 يناير 2022م بعنوان : “القيم المجتمعية”.

 

أولاً: دينُنَا دينُ القيمِ والمبادئِ والأخلاقِ .

ثانيًا: سبلُ بناءِ القيمِ في المجتمعاتِ .

ثالثًا: انهيارُ القيمِ انهيارٌ للمجتمعاتِ    

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 14 يناير 2022م  بعنوان : “القيم المجتمعية” : كما يلي:

الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ (ص:28) ،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقِهِ وخليلُهُ،

وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عينِي ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ   

  خُلِقتَ مُبرَّءً مِنْ كلِّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خُلقتَ كما تَشاءُ          

فاللهمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ  المختارِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ: فأوصيكُم ونفسي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).

أيُّها السادةُ:(( القيمُ المجتمعيةُ )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

أولاً: دينُنَا دينُ القيمِ والمبادئِ والأخلاقِ .

ثانيًا: سبلُ بناءِ القيمِ في المجتمعاتِ .

ثالثًا: انهيارُ القيمِ انهيارٌ للمجتمعاتِ            

أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن القيمِ في المجتمعاتِ  وخاصةً: المجتمعُ بلا قيمٍ غابةٌ يأكلُ القويُّ فيه الضعيفَ والغنيُّ الفقيرَ  وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انتشرَ فيه انعدامُ  القيمِ  وتبددتْ المعاييرُ والموازينُ عندَ الكثيرِ من الناسِ وانتشرَ الفسادُ الأخلاقيُّ بصورةٍ مخزيةٍ فرخُصَتْ النساءُ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ  بنشرِ الفيديوهاتِ من أجلِ جلبِ الأموالِ ولا حولَ ولا قوةَ إِلّا باللهِ، لذا ضياعُ القيمِ في المجتمعاتِ خرابٌ ودمارٌ وهلاكٌ وخزيٌ وعارٌ، فالأممُ تتقدمُ بقيمِهَا وتتأخرُ بضياعِهَا ………….وللهِ درُّ القائلِ

   وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم        ***       فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمــًـا وَعَـــــويــــلا

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة

أولاً: دينُنَا دينُ القيمِ والمبادئِ والأخلاقِ:

  أيُّها السادةُ: دينُنَا دينُ القيمِ دينُ المبادئِ دينُ الأخلاقِ، ونبيُّنَا نبيُّ القيمِ والمبادئِ والأخلاقِ، وقرآنُنَا قرآنُ القيمِ والمبادئِ والأخلاقِ، وشريعتُنَا شريعةُ القيمِ والمبادئِ والأخلاقِ، بل الغايةُ الأسمى من بعثتِهِ صلى اللهُ عليه و سلم هي القيمُ والمبادئُ والأخلاقُ كما في حديثِ أبيِ هريرةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } وواللهِ ثم واللهِ ما غابَ المسلمونَ عن قيادةِ الأممِ وريادةِ الشعوبِ إلا بسببِ تخلِّيهِم عن مكارمِ الأخلاقِ، وبحثهِم وراءَ القيمِ الشرقيةِ تارةً، والغربيةِ تارةً آُخري، لتكونَ بديلًا عما جاءَ بهِ الإسلامُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ،  والقيمُ والأخلاقُ ركيزةٌ من ركائزِ البناءِ الإنسانيِّ، وركنٌ ركينٌ من بنيانِ السلوكِ البشريِّ، ودعامةٌ من دعائمِ المجتمعِ، فالقيمُ تَبني الحضاراتِ، و بقاءُ الأممِ ببقاءِ أخلاقِهَا وقيمِهَا، وذهابُهَا بذهابِ أخلاقِهَا وقيمِهَا، لم تذهبْ أمةٌ ولم تُدمرْ حضارةٌ بسببِ ذهابِ ذكائِهَا ، أو علومِهَا، أو قلةِ عددِهَا، وإنّما بفسادِ أخلاقِهَا وقيمِهَا. لذا لما أرادَ اللهُ تباركَ وتعالى أنْ يمتدحَ نبيَّهُ صلى اللهُ عليه وسلم امتدحَهُ بحسنِ الخُلقِ فقال ربُّنَا : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ  ))( القلم :4) .

ولم لا ؟ والقيمُ والأخلاقُ والمبادئُ أثقلُ شيءٍ في الميزانِ يومَ القيامةِ فعنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ( رواه أبو داود) وفي روايةٍ آُخري عنْ عَائِشَةَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ  قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ (رواه أبو داود) أي: صاحبُ الخلقِ الحسنِ له أجرُ الصائمِ للهِ والمصلِّى   للهِ ربِّ العالمين . بل إذا أردتَ أنْ تحجزَ لنفسِكَ مكانًا بجوارِ النبيِّ المختارِ في جنةِ النعيمِ فحسِّنْ أخلاقَكَ وحققْ قيمَ الإسلامِ في وطنِكَ  فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إلىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ“؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا( رواه أحمد)

بل انظروا ياسادةُ إلي قصةِ عمرَ بنِ الخطابِ رضيُ اللهُ عنه عندمَا كان يمشي ليلًا في شوارعِ المدينةِ، ومعه خادمُهُ؛ ليتفقدَ أحوالَ الرعيةِ، فأعياهُ التعبُ، فاتكأَ إلى جدارِ بيتٍ، وإذ بامرأةٍ تقولُ لابنتِهَا: قومي إلى اللبنِ فامزجِيهِ بالماءِ، حتى يكثرَ، فقالتْ الفتاةُ: يا أُمَّاهُ أو ما سمعتِ مُنادِي الخليفةِ يُنادِي: لا يُخلطُ اللبنُ بالماءِ، فقالتْ الأمُّ: إنّ عمرَ لا يرَانا، قالتْ الفتاةُ: إنْ كان عمرُ لا يرَانَا فإنّ ربَّ عمرَ يرانَا، فلما سمِعَ الخليفةُ كلامَهَا؛ دمعتْ عينَاهُ، وقال لخادِمِه: اعرفْ مكانَ البيتِ، ثم مضَى عمرُ رضي اللهُ عنه في جولاتِهِ، فلما أصبحَ، قال للخادمِ: امضِ إلى ذلك البيتِ فانظرْ مَن الفتاةُ؟ وهل لها زوجٌ؟ قال الخادمُ: أتيتُ البيتَ فعلمتُ أنّه ليس لها زوجٌ، فعدتُ إلى الخليفةِ فأخبرتُهُ الخبرَ، فجمعَ أولادَهُ، وقال لهم: هل فيكم مَن يحتاجُ إلى الزواجِ فأزوِّجهُ؟ فزوّجَهَا لابنهِ عاصم، فأنجبتْ له بنتًا تزوجتْ فيما بعد عبدَ العزيزِ بنِ مَرْوَان، فأنجبتْ عمرَ بنَ عبدِالعزيزِ الخليفةَ العادلَ، اللهُ أكبرُ بالقيمِ والأخلاقِ والمبادئِ تُبني الحضاراتُ وتسودُ المجتمعاتُ.

هذه القيمُ غرسَهَا اللهُ جلّ وعلا في فطرةِ الإنسانِ، ومن أجلِهَا أرسلَ الرسلَ، وأنزلَ الكتبَ؛ لتربيةِ الناسِ عليها، وتثبيتِهَا في قلوبِهِم ووعظِهِم وتذكيرِهِم بهَا عندَ انحرافِهِم عنها، قالَ تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) [النساء:66]. قال جلَّ علا: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الجمعة:2] . فالتزكيةُ تعنِي بناءُ قيمِ الخيرِ في النفوسِ، وتربيةُ الناسِ عليها. فالإيمانُ باللهِ ومراقبتُهُ وتعظيمُهُ، والخوفُ منه، والالتزامُ بشرعِهِ قيمٌ عظيمةٌ يجبُ أنْ تتربَّى عليها النفوسُ.

الأمانةُ والصدقُ والحياءُ والعفافُ، وصونُ اللسانِ، وحفظُ الجوارحِ، والتسامحُ، واحترامُ الآخرين وحفظُ حقوقِهِم، والتعاونُ، وبذلُ المعروفِ، والجودُ والكرمُ وحسنُ الخلقِ، والترفعُ عن سفاسفِ الأمورِ، وبغضُ الشرِّ وكراهيتُهُ، وصونُ الدماءِ، وحفظُ الأعراضِ قيمٌ تَسْعَدُ بها الأفرادُ والمجتمعاتُ والدولُ. والالتزامُ بالقوانينِ التي تُسيرُ حياةَ الناسِ، وتكفلُ لهم الراحةَ، وتربيةُ المجتمعُ عليها قيمٌ تجعلُ الإنسانَ في قمةِ الحضارةِ والرقيِّ، وتساهمُ في تطورِ المجتمعاتِ وتقدمِهَا.

إِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ ****فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة

ثانيًا: سبلُ بناءِ القيمِ في المجتمعاتِ:

أيُّها السادةُ: هناكَ قيمٌ كثيرةٌ يا سادةٌ لبناءِ القيمِ في المجتمعاتِ، ووطنُنَا أمانةٌ في أعناقِنَا الكلُّ مطالبٌ بالمحافظةِ عليه وعلى رفعتِهِ وتقدمِهِ وارتقاءِهِ وهذا لن يكونَ بالكلامِ وإنّما بالقيمِ والمبادئِ والأخلاقِ ومن هذه السبلِ:

التنشئةُ الأسريّةُ السويّةُ، حيثُ تُغرسُ القيمُ والأخلاقُ في الأبناءِ، ويمثلُ الأبوانِ الأسوةَ الحسنةَ للطفلِ، فإذا صَلحَا صلحَ الطفلُ، وإذا فسدَا فسدَ الطفلُ، فالأسرةُ  العاملُ الأكثرُ أهميةً والأكثرُ تأثيرًا؛ لأنّها تمنحُكَ القيمَ منذُ طفولتِكَ وهي خطُّ البناءِ الأولِ والمباشرِ لك، فقيامُ الوالدينِ بواجبهِمَا مِن أعظمِ سبلِ القيمِ في المجتمعاتِ وكيفَ لا ؟،ففي الصحيحينِ من حديثِ أبيِ هريرةَ رضي اللهُ عنه، قال: قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ” وكيفَ لا ؟وها هو لقمانُ الحكيمُ  يوجِّهُ ولدَهُ، ويربِّيَهُ على قيمِ الخيرِ((وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ))(لقمان:13) ٍ.وقال جلَّ وعلَا:((وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا  إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ  إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِير   ((لقمان: 18-19 ) وللهِ درُّ القائلِ

ﻭﻳﻨﺸَــﺄُ ﻧﺎﺷـﺊُ ﺍﻟﻔﺘﻴــﺎﻥِ ﻣﻨـَّﺎ ***ﻋﻠـﻰ ﻣﺎ ﻛـﺎﻥ ﻋـﻮَّﺩَﻩ ﺃﺑـــﻮﻩ

ومِن سُبلِ بناءِ القيمِ في المجتمعاتِ: التعليمُ والمناهجُ الدراسيةُ فهي مِن أعظمِ أسبابِ غرسِ القيمِ عندَ أولادِنَا وشبابِنَا فالتعليمُ هو سببُ التقدمِ والرقيِ والازدهارِ وهو سببُ غرسِ القيمِ والمبادئِ والأخلاقِ  وللهِ درُّ  شوقِي القائلِ:

العلمُ يبني بيوتًا لا عمادَ لها***والجهلُ يهدمُ بيتَ العزِّ والكرمِ

ومِن سُبلِ بناءِ القيمِ في المجتمعاتِ: التربيةُ الدينيةُ الصحيحةُ في المساجدِ والمنابرِ فدورُهَا عظيمٌ من خلالِ اجتماعِ الناسِ فيها، ومن خلالِ الدروسِ والمواعظِ، وخطبِ الجمعةِ، لذا قال اللهُ جلَّ وعلا :((لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ)((التوبة:108( فالمساجدُ يجبُ أنْ تقومَ بدورِهَا في تربيةِ النفوسِ وتزكيتِهَا وتطهيرِهَا، ومَن ينظرْ إلى سيرةِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يجدْ أنّ المسجدَ كان المحضنَ الأولَ في تربيةِ الصحابةِ، وتوجيهِ الأمةِ وغرسِ القيمِ.

ومِن سُبلِ بناءِ القيمِ في المجتمعاتِ: الإعلامُ يا سادة فكمْ مِن أخلاقٍ فسدتْ بسببِ الإعلامِ ؟ وكمْ مِن قيمٍ انهارتْ بسببِ الإعلامِ؟ وكمْ مِن مبادئَ ماتتْ بسببِ الإعلامِ ؟ وكمْ مِن قيمٍ ومبادئَ وأخلاقٍ غُرستْ في المجتمعاتِ بسببِ الإعلامِ ؟ فشتانَ شتانَ بينَ إعلامٍ فاضحٍ وإعلامٍ ساترٍ شتانَ شتانَ بينَ إعلامٍ رخيصٍ يسعي لخرابِ الدولِ والمجتمعاتِ وبينَ إعلامٍ يسعى لبناءِ الدولِ والمجتمعاتِ شتانَ شتانَ بينَ إعلامٍ بَنَّاءٍ وبينَ إعلامٍ هدامٍ يا سادة، لذا لما فَقَدَ الإعلامُ دورَهُ وانحرفَ عن هدفِهِ أصبحَ معولَ هدمٍ للقيمِ والأخلاقِ في حياةِ الأفرادِ والمجتمعاتِ والدولِ، فالجرائمُ والمعاصي يُرتكبُ الكثيرُ منها بسببِ ما يُبثُّ ويذاعُ وينشرُ في وسائلِ الإعلامِ الخسيسةِ، فأين التوعيةُ؟ وأين التوجيهُ؟ وأين تربيةُ أفرادِ هذه الأمةِ وغرسُ القيمِ في نفوسِهِم؟ فالإعلامَ الإعلامَ يا سادة. 

ومِن سُبلِ بناءِ القيمِ في المجتمعاتِ غرسُ القيَمِ بالقدوةِ والسلوكِ أكبرُ أثرًا وأعظمُ استجابةً وأسرعُ قبولًا، ومِن أجلِ ذلك قدّمَ ربُّ العزةِ وَحْيَهُ، وجعلَ الدعوةَ على أيدي الرسلِ؛ ليكونُوا قدوةً لأمَمِهِم، قال تعالى ):رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء:165) لذا فَقَدَ شبابُنَا القدوةَ والمثلَ الأعلى فضاعتْ القيمُ وفسدتْ الأخلاقُ وماتتْ المبادئُ ولا حولَ ولا قوةَ إِلّا باللهِ.

صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ*** فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ

 أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكُم

الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إِلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إِلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  …………………… وبعدُ

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة

ثالثًا وأخيرًا: انهيارُ القيمِ انهيارٌ للمجتمعاتِ:  

أيُّها السادةُ: انهيارُ القيمِ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ، ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشَا في أمةٍ إِلّا كان نذيرًا لهلاكِهَا ، وما دبَّ في أسرةٍ إلا كان سببًا لفنائِهَا، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعٌ لكلِّ شرٍّ وتعاسةٍ، وانهيارُ القيمِ آفةٌ مِن آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ، مدمرٌ للقلبِ والأركانِ، يفرقُ بينَ الأحبةِ والإخوةِ، يُحرَمُ صاحبُهُ الأمنَ والأمانَ ،ويدخلُهَ النيران، ويبعدُهُ عن الجنان، فالبعدُ عنه خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ. وانهيارُ القيمِ ظاهرةٌ سلبيةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والدولِ ويعدُّ طمعُ النفسِ وغيابُ الوعي وضعفُ الوازعِ الدينِيِّ، وعدمُ مراقبةِ المولى جلَّ وعلا واتّباعُ الهوى، والشهواتُ والصحبةُ السيئةُ، وبها يتأثرُ الصديقُ بسجايَا صديقِهِ وطباعِهِ السيِّئة، والتأثرُ بتكنولوجيَا الاتصالِ والتواصلِ، حيثُ يتمُّ ضخُّ العديدِ من القيمِ السلبيّةِ عبرَهَا، فإذا كان لشبكاتِ التواصلِ الحديثةِ إيجابياتٌ، فلها سلبياتٌ فهذه من أهمِّ أسبابِ انهيارِ القيمِ في المجتمعاتِ، وانهيارُ القيمِ داءٌ يقتلُ الطموحَ ، ويدمرُ قيمَ المجتمعِ ، ويُعَدُّ خطرًا مباشرًا على الوطنِ، ويقفُ عقبةً في سبلِ البناءِ والتنميةِ، يبددُ المواردَ، ويهدرُ الطاقاتِ.

وانهيارُ القيمِ يؤدِي إلى: ظهورِ الاختلافِ والفرقةِ والضعفِ، وإثارةِ الفتنِ، وسفكِ الدماءِ، وسوءِ الأخلاقِ، وتغليبِ المصلحةِ الشخصيةِ الضيقةِ على مصالحِ المجتمعِ والأمةِ، والتنصلِ عن القيامِ بالواجباتِ والمسئولياتِ، وظهورِ العصبياتِ واللهُ يقولُ: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) (آل عمران:103)

 بل انهيارُ القيمِ يؤديِ إلى : ظهورِ الأمراضِ والآفاتِ التي أهلكتْ الأممَ والمجتمعاتِ والشعوبَ، ففي حديثِ ابنِ عمرَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ  قال: قال نبيُّنَا صلى اللهُ عليه وسلم ((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فشي فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) رواه ابن ماجه

وانهيارُ القيمِ يُؤدِي إلى: ضياعِ الحسناتِ ودخولِ النيرانِ ففي حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ رواه أحمد في مسنده

بل المفلسُ مَن ضيَّعَ القيمَ والأخلاقَ كما قال النبيُّ المختارّ  صلى الله عليه وسلم  ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ“؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمتى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ

فتعالوا بنا أيُّهَا الأخيارُ: لنرجعَ إلى القيمِ والأخلاقِ والمبادئِ التي جاءَ بها دينُنَا ونبيُّنَا صلى اللهُ عليه وسلم وتربَّى عليها الأجيالُ السابقةُ، فبها تستقيمُ النفوسُ، وتسمو الأخلاقُ، ويسعدُ المجتمعُ، وتُحفظُ الحقوقُ، وتُؤدَّى الواجباتُ، ويظهرُ الودُّ والحبُّ والتراحمُ بين المسلمين، وعن طريقِهَا ننقلُ للعالمِ حقيقةَ هذا الدينِ، وعظمتَهُ وخيريتَهُ.

  فبالأخلاقِ تسودُ الأممُ وبالقيمِ تّبنَي الحضاراتُ وبالمبادئ تسموا الدولُ والمجتمعاتُ فاللهَ اللهَ في القيمِ اللهَ اللهَ في الأخلاقِ اللهَ اللهَ في المبادئِ اللهَ اللهَ في نشرِ قيمِ الإسلامِ للدنيَا كلِّهَا.

وللهِ درُّ القائلِ:

وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم    ***    فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمـــًا وَعَـــــويــــلا

.

عبادَ اللهِ : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )(سورة  الإسراء: 90 )

                    كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

د/ محمد حرز

 إمام بوزارة الأوقاف

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

عن كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

شاهد أيضاً

اختبار صرف بدل التميز العلمي : الأسماء ومواعيد الاختبارات والكتب والاختبارات السابقة

اختبار صرف بدل التميز العلمي : الأسماء ومواعيد الاختبارات والكتب والاختبارات السابقة

اختبار صرف بدل التميز العلمي : الأسماء ومواعيد الاختبارات والكتب والاختبارات السابقة أولاً : الإعلان …

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الثامن عشر: أوصاف وأنواع النفس في القرآن، للدكتور خالد بدير

الدرس الثامن عشر: أوصاف وأنواع النفس في القرآن، للدكتور خالد بدير

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الثامن عشر: أوصاف وأنواع النفس في القرآن، للدكتور خالد بدير. لتحميل …

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس السابع عشر: الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى ، للدكتور خالد بدير

الدرس السابع عشر: الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى ، للدكتور خالد بدير

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس السابع عشر: الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى ، للدكتور خالد بدير. …

سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس السادس عشر: قيمة الوقت في الإسلام ، للدكتور خالد بدير.

الدرس السادس عشر: قيمة الوقت في الإسلام ، للدكتور خالد بدير

  لتحميل درس قيمة الوقت في الإسلام بصيغة word أضغط هنا لتحميل درس قيمة الوقت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Translate »