خطبة الجمعة وزارة الأوقاف : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ

خطبة الجمعة وزارة الأوقاف : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، بتاريخ 11 ربيع الثاني 1447 هـ ، الموافق 3 أكتوبر 2025م.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر 2025م لوزارة الأوقاف بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ:
شرفُ الدفاعِ عن الأوطان
الحمدُ للهِ الرَّحيمِ الرَّحمن، عمَّرَ بذِكرِه الكونَ والإنسان، وأكرمَ الناسَ بالأوطانِ ونِعمةِ العُمران، نحمدُه حمدًا يليقُ بجلالِ وجهه وعظيمِ سلطانِه، ونستعينُه استعانةَ من لا حولَ له ولا قوةَ إلا به، ونشهدُ أن لا إله إلا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، هو الأولُ والآخرُ، والظاهرُ والباطنُ، وهو بكلِّ شيءٍ عليمٌ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمّدًا عبدُه ورسولُه، سيِّدُ ولدِ عدنان، صلّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه الكرام، ما تعاقبَ الجديدان، وبعد:
فإنّ الأوطانَ قصّةُ عشقٍ أزليَّة، مكتوبةٌ بمدادِ الأرواح، ومُوقَّعةٌ بدمِ الشهداء، هي أرضٌ سقاها العَرقُ، وحصَّنها الشَّرفُ، وصانتها التَّضحيةُ، الوطنُ هو النَّبضُ الأوَّلُ، والذِّكرى الأخيرةُ، والهويَّةُ التي نعتزُّ بها، والتاريخُ الذي نرويه لأبنائنا، والمستقبلُ الذي نصنعُهُ بأيدينا، حبُّ الوطنِ عطاءٌ لا يتوقّف، وتضحيةٌ لا تنضبُ، فما بالكم أيّها الكرامُ إذا كان الوطنُ هو مِصر التي قال عنها نبيُّ اللهِ يوسف عليه السلام: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ}.
أيّها الناسُ، اعلموا أنّ الوطنَ كلمةٌ عظيمةٌ تتجسَّدُ فيها معانٍ جليلةٌ، تتلألأُ بين حروفِها أنوارٌ ساطعةٌ، خابَ وخسرَ من نعتَه بأنَّه حفنةٌ من ترابٍ؛ فها هو الجنابُ المُكرَّم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرتبطُ بالوطنِ ارتباطَ الروحِ بالجسدِ، عندما وقف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بطحاء مكةَ فودَّعها حين أُخرج منها قائلًا: «ما أطيبَكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك».
أيُّها النبلاءُ، إن هذا الوطنَ أغلى ما يضحَّى مِن أجله، وأَنفَسُ ما يُبذل للدفاع عنه الغالي والنفيس، أرأيتم شرفَ الجنديَّةِ المصريَّة، كيف حمتِ الأرضَ والعِرضَ! إنّ جُندَ مصرَ هم خيرُ الأجنادِ، وملاذُ العبادِ، وحِمى البلاد، جيشٌ له درعٌ وسيف، وقوَّةٌ ومهابةٌ، وعِزٌّ ونُصرةٌ، جعلَه اللهُ في منزلةٍ عاليةٍ، ومكانةٍ سامقةٍ، ومهمّةٍ مقدَّسةٍ، فهو في رباطٍ لا ينقطعُ، ومددٍ منَ الله لا ينتهي، وغَوثٍ لا يتوقَّفُ، نقلَ اللهُ به حالَ هذا الشعب من الحزنِ إلى الفرح، ومنَ اليأسِ إلى الرجاء، تشتاقُ قلوبُ رجالِه إلى الشهادةِ، وقد روَوا الأرضَ بدمائهم دفاعًا عنْ وطنهم وعِرضهم، صَدقَ فيهم الوصفُ النبوي: «إِذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُم بَعْدِى مِصْرَ فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُندًا كَثِيفًا، فَذَٰلِكَ ٱلْجُندُ خَيْرُ أَجْنَادِ ٱلْأَرْضِ».
سادتي الكرام، إنَّ الدفاعَ عنِ الأوطانِ حسٌّ يَنبضُ، وحياةٌ تُوهب، شرفٌ لا يُدانيه شرفٌ، ومنزلةٌ لا تُضاهيها منزلةٌ، أمَا رأيتم يومَ الخندق كيف كانت تضحيةُ سيّدِنا سعدِ بنِ معاذٍ الذي اهتزَّ لموته عرشُ الرحمن؟ ألم يَصل إليكم خبرُ عبقريَّةِ سيّدِنا سلمانَ الفارسي التي صانتِ الأرضَ والعِرضَ؟ ألم تحكِ كتبُ السِّير عن ملحمةِ حفرِ الخندق التي جمعت كلَّ أطياف المجتمعِ وسْطَ صيحاتِ التكبير الممزوجة بالبُشريات؟ ألمْ يشهدِ التاريخُ عظمةَ حِطّين وعينِ جالوت وغيرها من معارك الحفاظ على التراب المقدَّس؟ وفي العصر الحديثِ كانت ملحمةُ العبور ممزوجةً بنفس صيحاتِ التكبير، كما ارتوتْ أرضُ سيناءَ المقدَّسة بدماءِ الشهداء في الحربِ عَلى الإرهاب، وقد صدقَ فيهم قولُ ربّهم جلّ جلاله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.
أيُّها المكرَّم، اعلم أَنَّ حراسةَ مقدَّراتِ الوطنِ والدفاعَ عنها عبادةٌ عظيمةٌ وقيمةٌ نبيلةٌ تسمو فوق القيمِ وتُحلقُ في سماءِ الشرف، فمن باتَ ساهرًا مرابطًا على ثغورِ وطنِه؛ ليكسرَ مطامعَ الأعداءِ ويصدَّهم عن مآربِهم، فهو في جهادٍ عظيمٍ يبلُغ به أعالي الجِنان، قالَ اللهُ جل جلاله: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، ويقولُ صلواتُ ربي وسلامُهُ عليه: «ألا أُنبِّئُكم بليلةٍ أفضلَ من ليلةِ القدرِ؟ حارِسٌ حَرَسَ في أرضِ خوفٍ، لعله أن لا يرجعَ إلى أهلِه».
***
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فيا أيها الآباءُ الكرامُ، اغرسوا حبَّ الوطنِ في قلوبِ أبنائِكم، علّموهم أنّ هذا الوطنَ هو قصةُ أجدادٍ سطّروا بدمائِهِمْ أسمَى معاني العزةِ والكرامةِ، احكوا لهمْ حكاياتِ الأبطالِ الذينَ دافعُوا عنْ كرامةِ هذا الترابِ، وزرَعُوا فيه سنابلَ الحريةِ، اجعلوا منَ العلم نورًا يهتدون به، ومنَ العملِ بناءً يرفعون به صروحَ المجدِ والشرفِ.
أحسنوا إدارةَ الوعي في عقولِ الشبابِ في ظلّ حروبِ الشائعاتِ، ليكنْ توجيهُكم حكايةَ حبٍّ وانتماءٍ لترابِ هذا الوطنِ، اغرسوا في قلوبِ أولادِكمْ أنّ ميادينَ الدفاعِ عن الوطن رحبةٌ، تشملُ العلمَ والعملَ والبذلَ والتضحيةَ بكلِّ غالٍ ونفيسٍ، فالعالمُ الذي يبتكرُ، والطبيبُ الذي يعالجُ، والمهندسُ الذي يبني، والمعلمُ الذي يربّي، كلُّهم دروعٌ لهذا الوطنِ العظيمِ.
ويا أيها المصريُّ المكرّمُ، اعلمْ أنّ قوةَ بلدِك قوةٌ عاقلةٌ، لا تعتدي ولا تبغي، ولكن تحمي بشرفٍ وشجاعةٍ ونبلٍ وبذلٍ وتضحيةٍ، فثقْ في قيادتِكَ الحكيمةِ، واعلمْ أنّ الأمورَ تجري بمقادير اللهِ، وأن اللهَ حافظٌ مصرَ بلدِ العلماءِ والأولياءِ والصالحينَ.
مِصْرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ *** الله يحـرسهـا عطـفًا ويـرعـاهـا
ندعوكَ يا ربِّ أن تحمي مرابعها*** فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواها
اللهمّ احفظْ مصرَ بحفظِكَ الجميلِ
وابْسُطْ فيها بسَاطَ الأمنِ والأمانِ والرزقِ والبركةِ.
___________________________________
خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف علي صوت الدعاة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
و للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
و للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف