أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

زاد الأئمة : لـ خطبة الجمعة القادمة : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ    يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر

بتاريخ 20 ربيع الأول 1447هـ ، الموافق 12 سبتمبر 2025م

زاد الأئمة : وزارة الأوقاف تعلن رسميا عن زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لـ خطبة الجمعة القادمة حول : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ    يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر ، بتاريخ 20 ربيع الأول 1447هـ ، الموافق 12 سبتمبر 2025م.

 

ننفرد بنشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ    يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر، بصيغة WORD

ننشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : إنَّ وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ    يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر ، بصيغة pdf

 

الإصدار السابع عشر من سلسلة ” زاد الأئمة والخطباء: الدليل الإرشادي لخطب الجمعة”
استمراراً لما انتهجته وزارة الأوقاف مؤخراً من التيسير على السادة الأئمة والخطباء ودعماً لنماء زادهم العلمي والفكري والمعرفي نقدم هذا الإصدار من تلك السلسلة التي هي عبارة عن بحث موسع يجمع الشواهد والمعاني التي يمكن للخطيب أن يديم النظر فيها طوال الأسبوع، لتعينه على الإعداد الجيد لخطبته، وإتقان تناوله للموضوع، وزيادة عمقه وأصالته، وربط نصوص الشريعة بالواقع المعيش، حتى إذا صدرت الخطبة في موعدها المعتاد يوم الأربعاء من كل الأسبوع في صورتها النهائية المركزة المختصرة، يكون الخطيب قد هضم موضوعه وخالطه وعايشه، بما يحقق استيعاب الخطبة النهائية وأداءها على النحو المأمول.
وتهيب وزارة الأوقاف بكل أبنائها إلى التوسع في القراءة الواعية المستوعبة لكل ميادين الحياة واهتماماتها، وامتلاك الثقافة الواسعة التي تعينهم على أداء دورهم الديني الوطني على أكمل وجه.

 

ولقراءة زاد الأئمة والخطباء.. لـ خطبة الجمعة القادمة : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ    يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر  ، كما يلي:

 

زاد الأئمة (17)

الخطبة الأولى: اترك عند الناس أطيب الأثر

وَكُنْ رَجُلًا إِنْ أَتَوْا بَعْدَهُ * يَقُولُونَ: مَرَّ، وَهَذَا الأَثَرُ

بتاريخ 27 ربيع الأول 1447هـ – 12 سبتمبر 2025م

الهَدَفُ: التَّوْعِيَةُ بِالمَسْئُولِيَّةِ المُشْتَرَكَةِ لِلْفَرْدِ وَالأُسْرَةِ وَالمُجْتَمَعِ وَأَثَرِ ذَلِكَ فِي بِنَاءِ الإِنْسَانِ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: حَقُّ الطَّرِيقِ.

الهَدَفُ: التَّوْعِيَةُ بِآدَابِ الطَّرِيقِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مَظَاهِرِ عَدَمِ الانْضِبَاطِ فِي الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقِ.

أَنْوَاعُ المَسْئُولِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ

المَسْئُولِيَّةُ الفَرْدِيَّةُ:

قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المُدَّثِّرُ: ٣٨].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ} [الأَنْعَامُ: ١٦٤].

وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فُصِّلَتْ: ٤٦].

وَقَالَ: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غَافِرٌ: ١٧].

وَقَالَ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القِيَامَةُ: ٣٦].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} [الصَّافَّاتُ: ٢٤].

أَيْ: أَنَّ الحَقَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقَرِّرُ أَنَّ كُلَّ كَائِنٍ مَسْئُولٌ عَمَّا يَفْعَلُ وَيَعْتَقِدُ.

المَسْئُولِيَّةُ الأُسْرِيَّةُ:

قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيمُ: ٦].

يَعْنِي: مُرُوهُمْ بِالخَيْرِ، وَانْهُوهُمْ عَنِ الشَّرِّ، وَعَلِّمُوهُمْ وَأَدِّبُوهُمْ، تَقُوهُمْ بِذَلِكَ نَارًا {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ} يَعْنِي خَزَنَةَ النَّارِ {غِلَاظٌ} فُظَاظٌ عَلَى أَهْلِ النَّارِ {شِدَادٌ} أَقْوِيَاءُ [تَفْسِيرُ البَغَوِيِّ].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطُّورُ: ٢١].

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

قَالَ العُلَمَاءُ: الرَّاعِي هُوَ الحَافِظُ المُؤْتَمَنُ المُلْتَزِمُ صَلَاحَ مَا قَامَ عَلَيْهِ وَمَا هُوَ تَحْتَ نَظَرِهِ؛ فَفِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ تَحْتَ نَظَرِهِ شَيْءٌ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِالعَدْلِ فِيهِ وَالقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ. [شَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ].

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ؟!» [رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ].

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» [رَوَاهُ الحَاكِمُ].

  • المَسْئُولِيَّةُ المُجْتَمَعِيَّةُ:

قَالَ تَعَالَى: {وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلْمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوْنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} [آلُ عِمْرَانَ: ١٠٤].

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آلُ عِمْرَانَ: ١١٠].

وَقَالَ تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ آلِ يَاسِينَ: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يٰس: ٢٠-٢١].

إِنَّهُ رَجُلٌ جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى لَا لِغَرَضٍ، وَلَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ فَوَاتِ صَفْقَةٍ، وَإِنَّمَا لِإِنْقَاذِ الْمَوْقِفِ، وَإِعْلَانِ كَلِمَةِ الْحَقِّ، لَكِنْ نَصِيحَتُهُ لَمْ تُصَادِفْ أُذُنًا وَاعِيَةً، بَلْ إِنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ لَيُوحِي بِأَنَّ قَوْمَهُ قَتَلُوهُ، فَهَذَا رَجُلٌ وَاحِدٌ جَاءَ يَسْعَى بِكُلِّ قُوَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَشْعَرَ أَنَّهُ مَسْئُولٌ، وَيَرَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُبَلِّغَ هَذِهِ الدَّعْوَةَ فِي وَقْتِهَا الْمُنَاسِبِ.

وَالتَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ: {يَسْعَى} يَدُلُّ عَلَى صَفَاءِ نَفْسِهِ، وَسَلَامَةِ قَلْبِهِ، وَعُلُوِّ هِمَّتِهِ، وَمَضَاءِ عَزِيمَتِهِ، حَيْثُ أَسْرَعَ بِالحُضُورِ إِلَى الرُّسُلِ وَإِلَى قَوْمِهِ؛ لِيُعْلِنَ أَمَامَ الجَمِيعِ كَلِمَةَ الحَقِّ، وَلَمْ يَرْتَضِ أَنْ يَقْبَعَ فِي بَيْتِهِ -كَمَا يَفْعَلُ الكَثِيرُونَ- بَلْ هَرْوَلَ نَحْوَ قَوْمِهِ؛ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فِي الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ [التَّفْسِيرُ الوَسِيطُ].

وَقَالَ تَعَالَى عَنْ تَحَمُّلِ (نَمْلَةٍ) المَسْئُولِيَّةَ تُجَاهَ مُجْتَمَعِهَا مِنَ النَّمْلِ: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النَّمْلُ: ١٨].

يَقُولُ الإِمَامُ أَبُو السُّعُودِ: “كَأَنَّهَا لَمَّا رَأَتْهُمْ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى الْوَادِي، فَرَّتْ مِنْهُمْ فَصَاحَتْ صَيْحَةً، تَنَبَّهَ بِهَا مَا بِحَضْرَتِهَا مِنَ النَّمْلِ لِمُرَادِهَا، فَتَبِعَهَا فِي الفِرَارِ فَشُبِّهَ ذَلِكَ بِمُخَاطَبَةِ العُقَلَاءِ، وَمُنَاصَحَتِهِمْ، فَأُجْرُوا مُجْرَاهُمْ حَيْثُ جُعِلَتْ هِيَ قَائِلَةً وَمَا عَدَاهَا مِنَ النَّمْلِ مَقُولًا لَهُمْ”. [إِرْشَادُ العَقْلِ السَّلِيمِ].

وَأَخْبَرَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ مَسْئُولِيَّةِ ذِي القَرْنَيْنِ فَقَالَ: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكَهْفُ: ٩٥-٩٦].

أَيْ: الَّذِي مَكَّنَنِي فِي عَمَلِ مَا سَأَلْتُمُونِي مِنَ السَّدِّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ القَوْمِ رَبِّي، وَوَطَّأَهُ لِي، وَقَوَّانِي عَلَيْهِ، خَيْرٌ مِنْ جُعْلِكُمْ وَالأُجْرَةِ الَّتِي تُعْرَضُونَهَا عَلَيَّ لِبِنَاءِ ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ وَأَطْيَبُ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي مِنْكُمْ بِقُوَّةٍ، أَعِينُونِي بِفَعَلَةٍ وَصُنَّاعٍ يُحْسِنُونَ البِنَاءَ وَالعَمَلَ. [تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ].

فَقَدْ تَحَمَّلَ المَسْئُولِيَّةَ الَّتِي أُوكِلُوهَا لَهُ دُونَ تَرَاخٍ أَوْ تَهَاوُنٍ أَوْ إِهْمَالٍ، وَهَذَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الفَرْدُ المُسْلِمُ عِنْدَ تَحَمُّلِ المَسْئُولِيَّةِ فِي المُجْتَمَعِ.

ثَقَافَةُ السَّفِينَةِ وَالمَسْئُولِيَّةِ المُشْتَرَكَةِ

عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا». [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]

إِنَّ هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ: يُجَسِّدُ قِيمَةَ المَسْئُولِيَّةِ المُشْتَرَكَةِ، وَيُظْهِرُ أَنَّ الإِسْلَامَ لَا يَتْرُكُ الفَرْدَ لِشَأْنِهِ إِنْ كَانَ فِعْلُهُ يُهَدِّدُ سَلَامَةَ الآخَرِينَ، بَلْ يُوجِبُ التَّدَخُّلَ حِمَايَةً لِلْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ، وَأَنَّ الرُّكَّابَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي سَلَامَةِ السَّفِينَةِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ بِمَا يَضُرُّ الجَمِيعَ، وَهَكَذَا المُجْتَمَعُ، سَلَامَتُهُ مُرْتَبِطَةٌ بِوَعْيِ كُلِّ فَرْدٍ فِيهِ.

وَكَمَا أَنَّ لِلسَّفِينَةِ نِظَامًا يُحَافِظُ عَلَيْهَا مِنَ الغَرَقِ، فَكَذَلِكَ لِلْمُجْتَمَعَاتِ قَوَانِينُ وَضَوَابِطُ لِحِفْظِ الحُقُوقِ، وَخَرْقُهَا إِفْسَادٌ لِلْجَمِيعِ.

وَكَمَا أَنَّ السَّفِينَةَ لَا تَسِيرُ إِلَّا بِتَعَاوُنِ الجَمِيعِ وَصَبْرِهِمْ، فَهَكَذَا المُجْتَمَعُ لَا يَنْهَضُ إِلَّا بِالمَسْئُولِيَّةِ المُشْتَرَكَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ.

السَّلْبِيَّةُ تُجَاهَ تَحَمُّلِ المَسْئُولِيَّةِ

كَمَا أَخْبَرَنَا القُرْآنُ عَنْ نَمَاذِجَ يُحْتَذَى بِهَا فِي تَحَمُّلِ المَسْئُولِيَّةِ؛ فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَيْضًا عَنْ نَمَاذِجَ لَا خَيْرَ فِيهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ بِدَوْرِهَا المَطْلُوبِ مِنْهَا تُجَاهَ النَّاسِ أَوِ النَّفْسِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النَّحْلُ: ٧٦].

وَعَنْ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ» [رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ، وَالبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ المُفْرَدِ].

فَعَدَمُ الشُّعُورِ بِالمَسْئُولِيَّةِ تُجَاهَ المُجْتَمَعِ نَقْصٌ فِي الإِيمَانِ.

وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ وَالدُّنْيَا أَكْبَرُ هَمِّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَمَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَمَنْ لَمْ يَهْتَمَّ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً فَلَيْسَ مِنْهُمْ» [رَوَاهُ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ].

إِجْرَاءَاتٌ عَمَلِيَّةٌ لِتَفْعِيلِ المَسْئُولِيَّةِ وَتَطْبِيقِهَا

أَوَّلًا: مَسْئُولِيَّةُ الفَرْدِ:

أَنْ يُرَاقِبَ اللَّهَ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ.

أَنْ يُحَافِظَ عَلَى وَقْتِهِ فَلَا يُضَيِّعَهُ فِيمَا لَا يَنْفَعُ، وَأَلَّا يَسْتَخْدِمَ السُّوشْيَالْ مِيدْيَا فِيمَا لَا يُفِيدُ.

أَنْ يَكُونَ قُدْوَةً فِي عَمَلِهِ بِالجِدِّ وَالإِخْلَاصِ، فَلَا غِشَّ وَلَا كَسَلَ.

أَنْ يَلْتَزِمَ بِالقَوَانِينِ الَّتِي تَحْفَظُ الحُقُوقَ وَتَصُونُ الأَرْوَاحَ، فَلَا يَتَهَاوَنَ فِي الطَّرِيقِ وَلَا يَعْتَدِيَ عَلَى الآخَرِينَ.

ثَانِيًا: مَسْئُولِيَّةُ الأُسْرَةِ:

أَنْ يُرَبِّيَ الآبَاءُ أَبْنَاءَهُمْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِثَوَابِتِ الدِّينِ الحَنِيفِ، وَالخُلُقِ الحَسَنِ، وَالعَادَاتِ وَالأَعْرَافِ القَوِيمَةِ.

أَنْ تُتَابِعَ الأُسْرَةُ اسْتِخْدَامَ أَبْنَائِهَا لِوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ، فَتُرْشِدَهُمْ وَتَحْمِيهِمْ مِنَ الانْحِرَافِ وَالانْجِرَافِ.

أَنْ يَتَقَاسَمَ الزَّوْجَانِ المَسْئُولِيَّاتِ دَاخِلَ البَيْتِ بِرُوحٍ مِنَ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، المَبْنِيَّةِ عَلَى الحَنَانِ وَالأَمَانِ.

أَنْ تُخَصِّصَ الأُسْرَةُ فِيمَا بَيْنَهَا وَقْتًا -وَلَوْ دَقَائِقَ كُلَّ أُسْبُوعٍ- لِمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالعِلْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى يَنْشَأَ الأَبْنَاءُ عَلَى حُبِّ الدِّينِ وَالوَطَنِ.

ثَالِثًا: مَسْئُولِيَّةُ المُجْتَمَعِ:

أَنْ يَتَكَاتَفَ الجَمِيعُ فِي مُسَاعَدَةِ الفُقَرَاءِ وَالمُحْتَاجِينَ.

أَنْ يَلْتَزِمَ التُّجَّارُ بِالأَمَانَةِ فِي البَيْعِ وَالشِّرَاءِ، بَعِيدًا عَنِ الغِشِّ وَالاحْتِكَارِ.

أَنْ يَلْتَزِمَ المُعَلِّمُ بِتَرْبِيَةِ طُلَّابِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِهِمْ، وَالطَّبِيبُ بِرِعَايَةِ مَرْضَاهُ، وَالمُوَظَّفُ بِخِدْمَةِ النَّاسِ بِإِخْلَاصٍ.

أَنْ يَقِفَ الجَمِيعُ صَفًّا وَاحِدًا ضِدَّ الفَسَادِ وَالمُخَدِّرَاتِ وَالشَّائِعَاتِ، لِأَنَّهَا تَهْدِمُ كِيَانَ المُجْتَمَعِ.

الأَثَرُ يَمْتَدُّ لِمَا بَعْدَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا

إِنَّ قِيَامَ الإِنْسَانِ بِوَاجِبِ المَسْئُولِيَّةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، فَرْدِيَّةً كَانَتْ أَوْ أُسْرِيَّةً أَوْ مُجْتَمَعِيَّةً، لَا يَضِيعُ وَلَا يَنْتَهِيَ بِمَوْتِهِ، بَلْ يَبْقَى أَثَرُهَا خَالِدًا، وَمُلْهِمًا غَيْرَهُ، وَمُؤَثِّرًا فِي الأَجْيَالِ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ حِينَ يَتَخَلَّى الإِنْسَانُ عَن مَسْئُولِيَّتِهِ، أَوْ يَقُومَ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ وَالأَذَى بِغَيْرِهِ، يَظَلُّ نُقْطَةً سَوْدَاءَ فِي تَارِيخِهِ، وَيَلْحَقُهُ إِثْمُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يٰس: ١٢].

أَيْ: «وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا مِنَ الأَعْمَالِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَآثَارَهُمْ، أَيْ مَا سَنُّوا مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ» [تَفْسِيرُ البَغَوِيِّ].

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «خَلَتِ البِقَاعُ حَوْلَ المَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ المَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

مَعْنَاهُ: الْزَمُوا دِيَارَكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِذَا لَزِمْتُمُوهَا كُتِبَتْ آثَارُكُمْ وَخُطَاكُمُ الكَثِيرَةُ إِلَى المَسْجِدِ. [شَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ].

وَقَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشُّعَرَاءُ: ٨٤].

وَالمَعْنَى: اجْعَلْ لِي ذِكْرًا جَمِيلًا بَعْدِي أُذْكَرُ بِهِ، وَيُقْتَدَى بِي فِي الخَيْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصَّافَّاتُ: ١٠٨-١١٠]. [تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ ٦/١٤٦].

وَهَذَا شَأْنُ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَرْحَلُونَ وَيَتْرُكُونَ عُقُولًا مُنِيرَةً، وَعِلْمًا نَافِعًا، وَأَثَرًا عَظِيمًا، كَمَا تَكَرَّرَ هَذَا فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ فِي سِيَاقِ الحَدِيثِ عَنِ الأَنْبِيَاءِ، وَمِنْهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ تَعَالَى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصَّافَّاتُ: ٧٨-٨٠].

وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إِبْرَاهِيمَ: ٢٤–٢٥].

يَقُولُ مُصْطَفَى صَادِقُ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «فَإِنْ لَمْ تَزِدْ شَيْئًا عَلَى الدُّنْيَا كُنْتَ أَنْتَ زَائِدًا عَلَى الدُّنْيَا؛ وَإِنْ لَمْ تَدَعْهَا أَحْسَنَ مِمَّا وَجَدْتَهَا فَقَدْ وَجَدْتَهَا وَمَا وَجَدَتْكَ» [وَحْيُ القَلَمِ].

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ المُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ].

وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ القَتْلَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

فَهُوَ مَتْبُوعٌ فِي هَذَا الفِعْلِ، وَلِلْمَتْبُوعِ نَصِيبٌ مِنْ فِعْلِ تَابِعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ التَّابِعُ اتِّبَاعَهُ فِي الفِعْلِ [حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ].

نَمَاذِجُ تَرَكُوا أَثَرًا طَيِّبًا بَعْدَ وَفَاتِهِمْ

لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ فَغَسَّلُوهُ، جَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَى آثَارٍ سَوْدَاءِ بِظَهْرِهِ، فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: كَانَ يَحْمِلُ جُرُبَ الدَّقِيقِ لَيْلًا عَلَى ظَهْرِهِ، يُعْطِيهِ فُقَرَاءَ أَهْلِ المَدِينَةِ، فَوَجَدُوهُ يَقُوتُ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ بِالمَدِينَةِ [حِلْيَةُ الأَوْلِيَاءِ].

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ يَعِيشُونَ، لَا يَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ كَانَ مَعَاشُهُمْ، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، فَقَدُوا ذَلِكَ الَّذِي كَانُوا يُؤْتَوْنَ بِاللَّيْلِ». [صِفَةُ الصَّفْوَةِ].

وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ لَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ ذَهَبَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ العِلْمِ». فَقِيلَ لَهُ: تَقُولُ هَذَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ؟ فَقَالَ: «إِنِّي لَسْتُ أَعْنِي العِلْمَ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ، إِنَّمَا أَعْنِي العِلْمَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». [قُوتُ القُلُوبِ].

وَلَمَّا مَاتَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ جَلَسَ بَعْضُ التَّابِعِينَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ظِلِّ قَصْرٍ، فَقَالَ: «هَكَذَا ذَهَابُ العِلْمِ، لَقَدْ ذَهَبَ الْيَوْمَ عِلْمٌ كَثِيرٌ». [صَفْوَةُ الصَّفْوَةِ].

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَاتَ حِبْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْهُ خَلَفًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ». [صَفْوَةُ الصَّفْوَةِ].

وَلَمَّا طَلَبَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ المُدَدَ مِنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي فَتْحِ مِصْرَ، كَتَبَ إِلَيْهِ: «أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَمْدَدْتُكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ، عَلَى كُلِّ أَلْفٍ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَقَامُ الأَلْفِ: الزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ، وَالمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَمُسْلِمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ».

كُونُوا رِجَالًا يُقَالُ فِي آثَارِهِمْ: «مَرَّ، وَهَذَا الأَثَرُ»، وَلَا تَكُونُوا مِمَّنْ يُطْوَى ذِكْرُهُ كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا أَثَرًا يُرْضِيكَ، وَذِكْرًا يُحْيِي قُلُوبَ عِبَادِكَ، وَعَمَلًا يَبْقَى فِي صَحَائِفِنَا بَعْدَ فَنَاءِ أَعْمَارِنَا، وَارْزُقْنَا لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ، وَعَمَلًا صَالِحًا نَلْقَاكَ بِهِ يَوْمَ الدِّينِ، وَاجْعَلْنَا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَامْنَحْنَا ذِكْرًا طَيِّبًا فِي الدُّنْيَا، وَمَقَامًا مَحْمُودًا فِي الآخِرَةِ.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

 

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: حَقُّ الطَّرِيقِ

الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا كَمَا أَمَرَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ البَشَرِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ؛ أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ الانْضِبَاطَ فِي الطُّرُقِ وَالشَّوَارِعِ مِنَ الآثَارِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي يَتْرُكُهَا الإِنْسَانُ فِي مُجْتَمَعِهِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ، وَهُوَ عِبَادَةٌ وَأَمَانَةٌ، وَمَسْئُولِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمَعِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنَ القِيَمِ العَظِيمَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الإِسْلَامُ آدَابُ الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ لِلطَّرِيقِ حَقًّا وَحُرْمَةً، وَنَهَى عَنْ إِذَاءِ النَّاسِ فِيهِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ». قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]

إِنَّ «طَرِيقَ النَّاسِ وَظِلَّهُمْ بِيئَةٌ عَامَّةٌ، يَنْتَفِعُ بِهَا الغَنِيُّ وَالفَقِيرُ، وَالعَظِيمُ وَالحَقِيرُ، وَالكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ، فَمَنْ أَفْسَدَ فِيهِ مُفْسِدَةً فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ، وَمَنْ وَضَعَ فِيهِ عَائِقًا، فَقَدْ حَالَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ». وَمِنْ هُنَا نَهَى الشَّارِعُ عَنِ التَّبَوُّلِ وَالتَّبَرُّزِ فِي طَرِيقِ النَّاسِ وَظِلِّهِمْ، بَلْ حَرَّضَ المُسْلِمِينَ عَلَى إِزَالَةِ الأَذَى عَنْهُ، وَتَهْيِئَتِهِ لِلْمَارَّةِ؛ فَرَجُلٌ أَزَالَ غُصْنَ شَوْكٍ مِنَ الطَّرِيقِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ.

وَحَرَصَ الشَّارِعُ عَلَى كُلِّ مَا يَضْمَنُ لِلْمَارَّةِ الرَّاحَةَ وَالسَّعَةَ وَحُرِّيَّةَ الذَّهَابِ وَالمَجِيءِ، وَكَانَ مِنَ المُضَايَقَاتِ جُلُوسُ النَّاسِ أَفْرَادًا وَجَمَاعَاتٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ؛ إِنَّهُمْ يُؤْذُونَ المَارَّةَ بِأَبْصَارِهِمْ، فَيَفْتِنُونَهُمْ، أَوْ يَفْتَتِنُونَ بِهِمْ، وَيَكْتَشِفُونَ مَا يُخْفُونَهُ مِنْ أُمُورِ حَيَاتِهِمْ، وَمَسْتُورِ عَوْرَاتِهِمْ، يَتَغَامَزُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، وَيَعِيبُونَهُمْ، وَيَغْتَابُونَهُمْ.

وَكَانَ هَذَا الجُلُوسُ عَلَى الطَّرِيقِ فِي صَدْرِ الإِسْلَامِ، نَهَارًا أَوْ لَيْلًا، عَادَةً مُنْتَشِرَةً، سَهَّلَهَا وَأَعَانَ عَلَيْهَا فَرَاغٌ كَبِيرٌ، وَقِلَّةُ عَمَلٍ، وَضَعْفُ مَجَالِ السَّعْيِ؛ فَإِبِلُهُمْ وَأَبْقَارُهُمْ وَغَنَمُهُمْ تَسْرَحُ قُطْعَانًا وَحْدَهَا، أَوْ مَعَ صَبِيٍّ صَغِيرٍ، تَخْرُجُ خِمَاصًا صَبَاحًا وَتَعُودُ بَطَانًا عِنْدَ الغُرُوبِ مِنْ كَلَإٍ مُبَاحٍ، وَتِجَارَتُهُمُ المُتَوَاضِعَةُ فِي أَيْدِي نَفَرٍ قَلِيلٍ مِنْهُمْ يَسْعَى بِهَا لِنَفْسِهِ وَلِمَلَإٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَجُلُوسُهُمْ بِكَثْرَةٍ عَلَى المَسَاطِبِ أَمَامَ سَاحَاتِ البُيُوتِ الوَاسِعَةِ وَالأَفْنِيَةِ الكَبِيرَةِ أَمْرٌ دَفَعَتْ إِلَيْهِ البِيئَةُ، وَاحْتَاجَهُ المُجْتَمَعُ.

وَإِذَاءُ المَارَّةِ عَلَى هَذِهِ الحَالَةِ أَمْرٌ لَازِمٌ؛ فَكَيْفَ يُعَالِجُ المُشَرِّعُ هَذِهِ المُشْكِلَةَ؟ لَيْسَ مِنَ السَّهْلِ أَنْ يَصْدُرَ أَمْرٌ بِمَنْعِ الجُلُوسِ عَلَى الطُّرُقَاتِ، فَهُوَ يَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً عَلَيْهِمْ، وَالدِّينُ يُسْرٌ؛ فَلْيَكُنِ الأَمْرُ بِذَلِكَ وَسِيلَةً لِلشَّكْوَى مِنْهُمْ، فَتُسْتَجَابُ الشَّكْوَى، وَتُوضَعُ الضَّوَابِطُ المَطْلُوبَةُ وَالآدَابُ الوَافِيَةُ، فَيَكُونُونَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا. مَرَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى قَارِعَةِ طَرِيقٍ، فَوَقَفَ، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ وَلِلْجُلُوسِ عَلَى الطَّرِيقِ؟ اجْتَنِبُوا الجُلُوسَ عَلَى الطَّرِيقِ، إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطَّرِيقِ”.

فَزِعُوا مِنَ الأَمْرِ، وَانْزَعَجُوا مِنْ هَذَا النَّهْيِ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ مَجَالِسُنَا الَّتِي لَا غِنَى لَنَا عَنْهَا، نَتَحَدَّثُ فِيهَا، وَنَتَذَاكَرُ فِيهَا مَا جَرَى وَيَجْرِي لَنَا. فَقَالَ المُشَرِّعُ الحَكِيمُ: إِمَّا أَنْ تَجْتَنِبُوا الجُلُوسَ فِيهَا، وَإِمَّا أَنْ تُؤَدُّوا حَقَّهَا. قَالُوا: مُسْتَعِدُّونَ أَنْ نُؤَدِّيَ حَقَّهَا، فَمَا حَقُّهَا؟ وَمَا الوَاجِبُ لَهَا؟ قَالَ: غَضُّ البَصَرِ عَنِ الحُرُمَاتِ، وَعَدَمُ إِذَاءِ المَارَّةِ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَإِشَارَاتِكُمْ، وَرَدُّ السَّلَامِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ، وَإِرْشَادُ ضَالِّهِمْ، وَإِجَابَةُ سَائِلِهِمْ، وَإِعَانَةُ مَظْلُومِهِمْ وَمُحْتَاجِهِمْ، وَإِغَاثَةُ مَلْهُوفِهِمْ، وَأَمْرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ إِذَا تَرَكُوهُ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ المُنْكَرِ إِذَا فَعَلُوهُ، وَذِكْرُ اللَّهِ كَثِيرًا. قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. [فَتْحُ المُنْعِمِ بِتَصَرُّفٍ يَسِيرٍ]

مَجْمُوعُ آدَابِ الطَّرِيقِ فِي الإِسْلَامِ

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: «قَوْلُهُ (غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ) فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ، وَزَادَ: وَحُسْنُ الكَلَامِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الأُولَى وَالثَّالِثَةُ، وَزَادَ: وَإِرْشَادُ ابْنِ السَّبِيلِ وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ إِذَا حَمِدَ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَكَذَا فِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ مِنَ الزِّيَادَةِ: وَتُغِيثُوا المَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّالَّ. وَهُوَ عِنْدَ البَزَّارِ بِلَفْظِ: وَإِرْشَادُ الضَّالِّ.

وَفِي حَدِيثِ البَرَاءِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ: اهْدُوا السَّبِيلَ، وَأَعِينُوا المَظْلُومَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ البَزَّارِ مِنَ الزِّيَادَةِ: وَأَعِينُوا عَلَى الحَمُولَةِ.

وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ: ذِكْرُ اللَّهِ كَثِيرًا.

وَفِي حَدِيثِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ: وَاهْدُوا الأَغْبِيَاءَ، وَأَعِينُوا المَظْلُومَ.

وَمَجْمُوعُ مَا فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَدَبًا، وَقَدْ نَظَمْتُهَا فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ، وَهِيَ:»

جَمَعْتُ آدَابَ مَنْ رَامَ الجُلُوسَ عَلَى الطَّــ * * * رِيقِ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الخَلْقِ إِنْسَانَا

أَفْشِ السَّلَامَ وَأَحْسِنْ فِي الكَلَامِ * * * وَشَمِّتْ عَاطِسًا وَسَلَامًا رُدَّ إِحْسَانَا

فِي الحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ وَأَغِثْ * * * لَهْفَانَ اهْدِ سَبِيلًا وَاهْدِ حَيْرَانَا

بِالعُرْفِ مُرْ، وَانْهَ عَنْ نُكْرٍ وَكُفَّ أَذًى * * * وَغُضَّ طَرْفًا، وَأَكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلَانَا

[فَتْحُ البَارِي].

إِجْرَاءَاتٌ عَمَلِيَّةٌ مُعَاصِرَةٌ لِآدَابِ الطَّرِيقِ فِي زَمَانِنَا

القِيَادَةُ بِالرِّفْقِ وَالانْضِبَاطِ: لَا سُرْعَةً تُهْلِكُ، وَلَا بُطْئًا يُعِيقُ.

احْتِرَامُ إِشَارَةِ المُرُورِ: فَهِيَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ طَاعَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ فِيمَا يُنَظِّمُ حَيَاةَ النَّاسِ.

إِفْسَاحُ الطَّرِيقِ لِلْمَارَّةِ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.

الِابْتِعَادُ عَنِ التَّضْيِيقِ: كَإِيقَافِ السَّيَّارَةِ فِي مَداخِلِ البُيُوتِ أَوْ أَمَامَ المَسَاجِدِ أَوْ فِي أَمَاكِنِ الطَّوَارِئِ.

نَشْرُ ثَقَافَةِ الأَدَبِ فِي الطَّرِيقِ: بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَاحْتِرَامِ الكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ.

الحِرْصُ عَلَى النَّظَافَةِ: فَالشَّوَارِعُ مِرْآةُ حَضَارَتِنَا، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ». [مُسْلِمٌ].

وَمِنْ صُوَرِ إِيذَاءِ الطَّرِيقِ فِي زَمَانِنَا:

السَّيْرُ عَكْسَ الِاتِّجَاهِ، وَقِيَادَةُ السَّيَّارَاتِ بِرُعُونَةٍ مِمَّا يَتَسَبَّبُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الحَوَادِثِ المُرُورِيَّةِ.

اسْتِخْدَامُ الهَاتِفِ المُحْمُولِ دُونَ أَيِّ انْتِبَاهٍ لِلطَّرِيقِ أَوْ لِلْقِيَادَةِ.

اسْتِخْدَامُ الإِسْكُوتَرِ الكَهْرَبَائِيِّ مِمَّا يُهَدِّدُ الأَرْوَاحَ.

لَعِبُ الأَطْفَالِ فِي الشَّوَارِعِ لِسَاعَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنَ اللَّيْلِ دُونَ رَقِيبٍ، مِمَّا يُسَبِّبُ إِزْعَاجًا لِلْمُواطِنِينَ، وَيُمَثِّلُ خُطُورَةً عَلَى الأَطْفَالِ.

قِيَامُ بَعْضِ المَقَاهِي وَالمَحَالِّ بِبَثِّ أَصْوَاتِ التِّلْفَازِ وَالمُوسِيقَى الصَّاخِبَةِ، وَاحْتِلَالُ الأَرْصِفَةِ، وَالتَّسَبُّبُ فِي إِشْغَالِ الطَّرِيقِ.

العُنْفُ وَالبَلْطَجَةُ فِي الشَّارِعِ وَتَرْوِيعُ المُوَاطِنِينَ.

المُسَابَقَاتُ فِي الشَّارِعِ بَيْنَ السَّيَّارَاتِ وَالمُوتُوسِيكْلَاتِ مِمَّا يُهَدِّدُ حَيَاةَ المُوَاطِنِينَ.

انْتِشَارُ المُخَدِّرَاتِ أَحَدُ الأَسْبَابِ الهَامَّةِ لِزِيَادَةِ حَوَادِثِ الطُّرُقِ، وَإِيذَاءِ المُوَاطِنِينَ.

رَمْيُ القَاذُورَاتِ فِي الشَّوَارِعِ.

قَطْعُ الطَّرِيقِ أَوِ الوُقُوفُ فِي مُنْتَصَفِهِ دُونَ حَاجَةٍ.

السُّرْعَةُ المُتَهَوِّرَةُ الَّتِي تُزْهِقُ الأَرْوَاحَ.

عَدَمُ احْتِرَامِ إِشَارَاتِ المُرُورِ.

الِاعْتِدَاءُ بِالسِّبَابِ أَوِ المُزَاحَمَةُ بَيْنَ المَارَّةِ وَالسَّائِقِينَ.

فَكُلُّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِآدَابِ الإِسْلَامِ الَّذِي جَعَلَ إِمَاطَةَ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ شُعْبَةً مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ، فَلْنَكُنْ جَمِيعًا قُدْوَةً فِي الْتِزَامِنَا بِآدَابِ الطَّرِيقِ، وَلْنَجْعَلْ انْضِبَاطَنَا فِي شَوَارِعِنَا وَطُرُقَاتِنَا صُورَةً مُشْرِقَةً لِدِينِنَا وَأَخْلَاقِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ المُحَافِظِينَ عَلَى آدَابِ الطَّرِيقِ، وَنَجِّنَا مِنْ مَظَاهِرِ الفَوْضَى وَالِاعْتِدَاءِ، وَاحْفَظْنَا وَأَبْنَاءَنَا وَبِلَادَنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ.

مَرَاجِعُ لِلاسْتِزَادَةِ:

“حِلْيَةُ الأَوْلِيَاءِ» لِأَبِي نُعَيْمٍ.

“شَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ» لِلنَّوَوِيِّ.

“فَتْحُ البَارِي شَرْحُ صَحِيحِ البُخَارِيِّ» لِابْنِ حَجَرٍ.

 _____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى