web analytics
أخبار عاجلة

سلسلة تصحيح المفاهيم ( ٣ ) الجاهلية والصحوة 

سلسلة تصحيح المفاهيم ( ٣ )
الجاهلية والصحوة 
بقلم د محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
إن معركتنا مع الإرهاب والتطرف الفكري لم تنته بعد ، حيث صار استخدام الجماعات المتطرفة أحد أهم أدوات حروب الجيل الرابع ، ولا سيما المسلحة منها التي تتخذ من استحلال الدماء والأموال منهجًا أيديولوجيًّا وواقعيًّا تتقوت منه أو عليـه.
وفي سبيل تحقيق أهدافها وأهداف من يدعمها ويمولها عمدت الجماعات المتطرفة إلى المغالطة وليّ أعناق النصوص تارةً ، واجتزائها من سياقها تارةً ، وتحريف الكلم عن مواضعه تارةً أخرى .
وقد لعبت جماعات التطرف الديني على عواطف الشباب من خلال مصطلحات زائفة ، ظاهرها فيه شحذ الهمم وباطنها من قبله الفساد والإفساد والضلال والبهتان ، ومن الألفاظ التي حمَّلها المتطرفون ما لا تحتمل “الجاهلية” و”الصحوة”.
أما لفظ الجاهلية فقد حاولت الجماعات المتطرفة إطلاقه على بعض مجتمعاتنا المؤمنة المعاصرة ظلمًا وزورًا ، وهو أمر مردود عليه شكلًا ومضمونًا ، أما من حيث الشكل أو من حيث اللغة، فالجاهلية التي أُطْلقت على الفترة التي سبقت ظهور الإسلام ليست من الجهل ضد العلم ، ولم يقل أحد إنها من الجهل نقيض الإيمـان أو الإسلام ؛ إنما هي من الجهـل نقيض الحلم .
وأما من حيث المضمون ، فمن يقول – مثلًا – عن مصر الأزهر ، مصر المساجد والمآذن ، مصر القرآن ، مصر العلم والعلماء ، مصر التي يدرس بأزهرها الشريف نحو مليوني طالب وطالبة ، ويستضيف عشرات الآلاف من الطلاب الوافدين من مختلف دول العالم لدراسة صحيح الدين ، بلد يطوف علماؤه وأئمته مختلف دول العالم لنشـر صحيح الدين ، بلد يحتضـن القرآن الكريم وأهـله ويكرم حفظته ، إنه مجتمع جاهلي ، فلا يمكن أن يقول ذلك إلا حاقد ، أو حاسد ، أو جاحد ، أو مأجور أو مُسْتغل من أعداء الدين والوطن .
وكذلك الحال مع سائر دولنا العربية والإسلامية التي حاول المتطرفون أن يتخذوا من وصفها بالجاهلية وسيلة لإفشالها أو إسقاطها أو هدمها أو تمزيقها .
وأما لفظ (الصحوة) فقد برز كمصطلح تنظيري لجماعة الإخوان الإرهابية ومن سار في ركابها من الجماعات المتطرفة .
والصحوة في منظورهم هي صحوتهم هم ، لكن ضد من ؟ ضد أوطانهم !! قصد إضعافها وتمزيقها وتفكيك بِناها الوطنية ، لأن هذه الجماعات لا يمكن أن يكون لها وجود ولا أن تحقق أغراضها وأغراض من يمولها ويستخدمها في ظل دولة قوية صلبة متماسكة، فهي لا تقوم إلا على أنقاض الدول ، ومصلحة الجماعة عندهم فوق مصلحة الدولة ، ومصلحة التنظيم فوق مصلحة الأمة ، وفوق الدنيا وما فيها ، سلاحهم الكذب ، وبث الشائعات ، والزور والبهتان ، وغايتهم الهدم والتخريب، فهم لا يحسنون سوى الهدم ، أما البناء والعمران فهيهات هيهات ، فضلا عن أنهم لا يؤمنون بوطن ولا بدولة وطنية .
ناهيك عن دعواتهم المتكررة إلى العنف ، واستحلال الدماء ، واستباحة الأموال والأعراض ، ودعوتهم إلى هدم الأوطان ، يخادعون العامة بمعسول القول ورقيق الكلام ، مردوا على نفاق المجتمع ، واعتبروا ذلك تقية واجبة ولازمًا من لوازم المرحلة ، مما يستوجب منا مزيدًا من الفطنة والحذر ، حيث يقول الحق سبحانه : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، ويقول نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ”.
الصحوة الحقيقية هي صحوة الأوطان والأمم ، عندما نعمرها بالبناء والتعمير ، ونرى أمتنا في مصاف الدول المتقدمة في مختلف المجالات والعلوم والفنون .
فمقياس الصحوة الحقيقي هو في مدى تقدم الدول علميًّا واقتصادًّيا ، وامتلاكها أدوات العصر ، وإسهامها في إنجازاته . فلن يحترم الناس ديننا ما لم نتفوق في أمور دنيانا، فإن تفوقنا في أمور دنيانا احترم الناس ديننا ودنيانا .
الصحوة الحقيقية أيضًا هي صحوة الضمير ، والقيم والأخلاق، عندما نُعمر الدنيا بالتسامح ، والتراحم، والتكافل، والصدق ، والأمانة ، والوفاء ، ومكارم الأخلاق ، وترجمة أخلاق الإسلام وقيمه وتعاليمه السمحة إلى واقع ملموس في دنيا الناس ، في سلوكنا وسائر شئون حياتنا ، فالأمم التي لا تبنى على القيم والأخلاق تحمل عوامل سقوطها في أصل بنائها وأساس قيامها .
الصحوة الحقيقيـة هي قوة انتمـاء الإنسان لوطنه ، وحرصه على أمنه واستقراره ، فالوطن عِرض وشرف ، وهو أحد الكليات الست التي حرص الشرع الحنيف على إحاطتها بسياجات متعددة من الحفظ والرعاية .
كما أن العمل على تقوية شوكة الدولة الوطنية مطلب شرعي ووطني ، فكل ما يؤدي إلى ذلك هو من صحيح معتقدنا ، وكل ما يؤدي إلى الهدم والتخريب وتقويض بنيان الدول أو تعطيل مسيرتها ، أو تدمير بِناها التحتية ، أو ترويع الآمنين بها ، لا علاقة له بالأديان ، ولا بالقيم، ولا بالوطنية ، ولا بالإنسانية .

عن كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

شاهد أيضاً

خطبة الجمعة اليوم 19 أبريل 2024م لوزارة الأوقاف - د. خالد بدير - الدكتور محمد حرز ، الدكتور محروس حفظي ، الشيخ خالد القط ، الدكتور عمر مصطفي ، word- pdf : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، بتاريخ 10 شوال 1445هـ ، الموافق 19 أبريل 2024م

خطبة الجمعة اليوم : معنى التاجر الصدوق ومنزلته

خطبة الجمعة اليوم خطبة الجمعة اليوم 19 أبريل 2024م لوزارة الأوقاف – د. خالد بدير …

سعر الذهب في الإمارات اليوم الجمعة 28 فبراير 2020 م

سعر الذهب اليوم الجمعة 19 أبريل 2024 م

سعر الذهب اليوم الجمعة 19 أبريل 2024 م في مصر ، جرام عيار 21 وجرام …

موضوعات خطب شهر مايو 2024م  ننشر موضوعات خطب الجمعة لشهر مايو 2024م: الجمعة الأولى : 3/ 5/ 2024م - أمانة العامل والصانع وجزاؤها. • الجمعة الثانية : 10/ 5/ 2024م - التنمر وأثره المدمر للفرد والمجتمع. • الجمعة الثالثة : 17/ 5/ 2024م - واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة. • الجمعة الرابعة : 24/ 5/ 2024م - ما علي الحاج قبل سفره. • الجمعة الخامسة : 31/ 5/ 2024م - حق الله في المال.

خطب شهر مايو 2024م

موضوعات خطب شهر مايو 2024م    ننشر موضوعات خطب الجمعة لشهر مايو 2024م: الجمعة الأولى …

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 10 شوال 1445هـ ، الموافق 19 أبريل 2024م

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : معنى التاجر الصدوق ومنزلته ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Translate »