أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

وزارة الأوقاف تعلن رسميا عن زاد الأئمة والخطباء (12).. لـ خطبة الجمعة : لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ.. وما كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ

زاد الأئمة : وزارة الأوقاف تعلن رسميا عن زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لـ خطبة الجمعة القادمة حول : لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ.. وما كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، بتاريخ 14 صفر 1447هـ ، الموافق 8 أغسطس 2025م.

ننفرد بنشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ.. وما كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، بصيغة WORD

ننشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ.. وما كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، بصيغة pdf

 

الإصدار الثاني عشر من سلسلة ” زاد الأئمة والخطباء: الدليل الإرشادي لخطب الجمعة”
استمراراً لما انتهجته وزارة الأوقاف مؤخراً من التيسير على السادة الأئمة والخطباء ودعماً لنماء زادهم العلمي والفكري والمعرفي نقدم هذا الإصدار من تلك السلسلة التي هي عبارة عن بحث موسع يجمع الشواهد والمعاني التي يمكن للخطيب أن يديم النظر فيها طوال الأسبوع، لتعينه على الإعداد الجيد لخطبته، وإتقان تناوله للموضوع، وزيادة عمقه وأصالته، وربط نصوص الشريعة بالواقع المعيش، حتى إذا صدرت الخطبة في موعدها المعتاد يوم الأربعاء من كل الأسبوع في صورتها النهائية المركزة المختصرة، يكون الخطيب قد هضم موضوعه وخالطه وعايشه، بما يحقق استيعاب الخطبة النهائية وأداءها على النحو المأمول.
وتهيب وزارة الأوقاف بكل أبنائها إلى التوسع في القراءة الواعية المستوعبة لكل ميادين الحياة واهتماماتها، وامتلاك الثقافة الواسعة التي تعينهم على أداء دورهم الديني الوطني على أكمل وجه.

 

ولقراءة زاد الأئمة والخطباء.. لـ خطبة الجمعة القادمة : لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ.. وما كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، كما يلي:

 

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

لا تغلوا في دينكم فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه

الهدف المراد توصيله: التوعية بخطر الغلو والتشدد على الفرد والمجتمع

الخطبة الثانية: أهمية الصداقة

***

لا تغلوا في دينكم فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فإن الغلو في الدين له أضرار عظيمة، ومخاطر جسيمة، ولذلك كان من خصائص الرسالة المحمدية البعد عن الغلو والتنطع، وغلق كل السبل المؤدية إليه، والتمسك بالرفق والاعتدال وجمع الناس على ذلك، بعيدا عن التنطع والتشديد على النفس أو الغير.

التحذير من الغلو في الدين

الغلو: هو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد، قال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:١٥٧]، قال الإمام ابن كثير: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جاء بالتّيسير والسّماحة، وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم فوسّع الله على هذه الأمّة أمورها وسهّلها لهم. [تفسير القرآن العظيم]

وعن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ». [رواه النسائي].

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَنْ تَنَالَهُمَا شَفَاعَتِي: إِمَامٌ ظَلُومٌ، وَكُلُّ غَالٍ مَارِقٍ» [رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ].

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول: «لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدِّدَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ، {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ  فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [رواه البخاري].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونُ» [رواه مسلم] أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.

الرفق والتيسير منهج النبوة

إن الرفق واللين يطوع المشكلات ويحل العقد، ويتغلب على العقبات، وهو وسيلة ناجحة بكل المقاييس للوصول إلى النتائج الأفضل والأحسن، بعكس الغلظة والعنف الذي إن نجح في حل مشكلة خلَّف وراءه حقدا ورغبة في الثأر والانتقام؛ فعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ». [رواه مسلم].

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» [متفق عليه].

قال ابن عبد البر: “في هذا الحديث دليل على أن المرء ينبغي له تركُ ما عسر عليه من أمور الدنيا والآخرة، وترك الإلحاح فيه إذا لم يضطر إليه، والميل إلى اليسر أبداً؛ فإن اليسر في الأمور كلها أحب إلى الله وإلى رسوله، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وفي معنى هذا الأخذُ برخص الله، ورخص رسوله صلى الله عليه وسلم، والأخذ برخص العلماء ما لم يكن القول خطأ بيناً”. [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد].

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ، ‌فَإِنَّ ‌الْمُنْبَتَّ لَا سَفَرًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى، فَاعْمَلْ عَمَلَ امْرِئٍ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَمُوتَ أَبَدًا، وَاحْذَرْ حَذَرًا يَخْشَى أَنْ يَمُوتَ غَدًا» [السنن الكبرى للبيهقي].

وعنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» [رواه البخاري في الأدب المفرد].

قال الحافظ ابن حجر: الإسلام يُسْر بالنسبَةِ إلى الأديان قبلَه؛ لأن الله رفع عن هذه الأمَّة الإِصْرَ الذي كان على مَن قبلهم، ومِن أوضح الأمثلة: أنَّ توبة مَن كان قبلَنا كانت بقتلِهم أنفسهم، وتوبة هذه الأمَّة بالإقلاعِ، والعزم على عدم العودَة للذنب، والنَّدم [فتح الباري].

نموذج نبوي في النهي عن الغلو والتشدد

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا بِهَا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا؛ فَقَالُوا: أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ! فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ الْآخَرُ : أَنَا أَصُومُ النَّهَارَ أَبَدًا وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا! أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاء، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» [مُتَّفَقٌ عَلَيه].

قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر“المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، والمراد من ترك طريقتي، وأخذ بطريقة غيري، ولمح بذلك إلى الذين ابتدعوا التشديد، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة، فيفطر؛ ليتقوى على الصوم، وينام؛ ليتقوى على القيام، ويتزوج؛ لكسر الشهوة، وإعفاف النفس، وتكثير النسل، وقال الطبري: فيه الرد على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس، وآثر غليظ الثياب، وخشن المأكل” [فتح الباري].

من أسباب الغلو

١الخلل الشديد والالتباس في تحرير مفهوم البدعة

لقد ظن قوم أن حديث (كل بدعة ضلالةعلى عمومه؛ فتشدووا وأنكروا كل شيء حادث بعد ذلك وضيقوا على الناس، قال الأستاذ الدكتور نور الدين عِتْر رحمه الله: “وقد توهّم قوم من هذا الحديث وأشباهِه العمومَ في كل شيء جديد، وتاهوا وضلُّوا بسبب ذلك، فراحوا ينكرون أمورا لم ينكرها من قبلهم خلف ولا سلف، فقد سبق الصحابة إلى أمور كثيرة لم تسبق في عهده صلى الله عليه وسلم: كجمع القرآن، وزيادة الأذان الأول يوم الجمعة في عهد عثمان، وغير ذلك من الأمور، مما يدل على أن للحديث مقصِدًا خاصًّا بقوله (وكل بدعة ضلالة)، وأن حكم البدع ليس على الإطلاق الذي توهّمه السطحيون”. [إعلام الأنام شرح بلوغ المرام].

والذي عليه جماهير العلماء سلفا وخلفا أن البدعة بدعتان: هدى وضلالة، حسنة وسيئة، وقد نصّ علماءُ السنة من المحدثين والأصوليين وفقهاء المذاهب: على أن قوله عليه الصلاة والسلام (وكل بدعة ضلالة) من العام المخصوص؛ قال سلطان العلماء العز ابن عبد السلام في كتابه “قواعد الأحكام في مصالح الأنام”: “البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي منقسمة إلى: بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة: فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة”.

وبناء على ذلك فقد اتفق جماهير العلماء على أن الأحكام الخمسة هي (الحَكَم) في كل ما جدَّ واستحدث بعد عهد النبوة، وأنه لا يجوز ولا يصح الاحتجاجُ على تحريم شيء ما بقول بعضهم: (لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة)، فإن الحوادث متجددة، والأحكامَ الشرعية شاملةٌ لكل ما حدث وكل ما سيحدث، فإذا ما طرأ على فعل الناس أي طارئ لم يكن على عهد النبوة: فالواجب المتعين هو عرضُه على أصول الشرع وكلياته، وبعدها يظهر إن كان جائزًا أم غير جائز.

ولو أننا حكمنا ببدعية كل شيء؛ لأنه لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة: لرمينا بأحد مصادر التشريع الأساسية وهو القياس عُرْض البحر، بَلْهَ المصادرَ الأخرى المختلفَ في حجيتها بين المذاهب؛ كالاستحسان والمصالح المرسلة والعرف.. إلخ، وهذا بلا شكٍّ لا يقول به من كانت لا تزال لديه مُسْكَةٌ من عقل!

٢التدين بالحماس لا بالعلم

إن التدين بالحماس فقط المجرد عن العلم الصحيح يؤدي إلى انخراط الأفراد في الممارسات الدينية بشكل مفرط ومتعجل أحيانًا دون فَهم متعمق أو توازن، مما قد يؤدي إلى نتائجَ سلبيةٍ على الفرد والمجتمع، وهذا الحماس الزائد قد يظهر في شكل تشدد مفرط، فيؤدي إلى سرعة إصدار الأحكام، أو انخراطٍ في ممارسات دينية خارج السياق الشرعي الصحيح، وهو ما يسبب نوعًا من التضليل الذاتي والاجتماعي.

ومن مظاهر ذلك:

– التشدد في الأمور الدينية والاندفاع باتجاه التطرف.

– إصدار أحكام متسرعة على الآخرين دون علم أو حكمة.

– الدخول في منازعات دينية أو اجتماعية بسبب اختلافات بسيطة.

– توتر نفسي وحالة من القلق بسبب الشعور بالضغط لتحقيق الكمال.

– عزلة أو نفور اجتماعي بسبب التشدد.

– خلق مناخ من الفُرقة والصراعات بين الناس.

٣الجرأة والاندفاع الطائش مع غياب المنهج الصحيح

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ ‌انْتِزَاعًا ‌يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رؤوسا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» [صحيح البخاري].

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثَرُ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي: ‌رَجُلٌ ‌يَتَأَوَّلُ ‌الْقُرْآنَ، يَضَعُهُ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهِ، وَرَجُلٌ يَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِهِ» [المعجم الأوسط للطبراني].

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا ‌أَجْرَؤُكُمْ ‌عَلَى ‌النَّارِ» [مسند الدارمي].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا الْعِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ وَعَنْ عُلَمَائِهِمْ وَأُمَنَائِهِمْ، فَإِذَا أَخَذُوهُ مِنْ أَصَاغِرِهِمْ، وَشِرَارِهِمْ هَلَكُوا. [حليلة الأولياء].

 فنجد هؤلاء يأخذون بالأشد من أقوال الفقهاء، ويشددون على الخلق مع تضافر أسباب التيسير والرفق؛ قال الإمام سفيانُ الثورِي: “إنمَا الفقهُ الرخصةُ مِن ثقةٍ، أمَّا التشددُ فيحسنهُ كلُّ أحدٍ”

وقال عبد الله بن المبارك“من ‌استخف ‌بالعلماء ‌ذهبت ‌آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته” [سير أعلام النبلاء].

وقال ابن عساكر: “وكل من أطلق ‌لسانه ‌في ‌العلماء ‌بالثلب بلاه الله عز وجل قبل موته بموت القلب” [تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري].

من آثار الغلو

–  تكفير المسلمين بغير حق، ورفض التعددية المذهبية واعتبار كل مخالف ضالا.

–  إلزام النفس أو الآخرين بما لم يُلزم به الشرع، ورفض الرخص الشرعية.

–  التشدد في الفتوى والحكم، ويندرج تحت ذلك إصدار أحكام قاسية دون علم أو تروٍّ، وتحريم المباحات، ورفض التيسير حتى في حالات الضرورة.

–  الغلو في التعامل مع الآخرين، والعصبية المقيتة للجماعات والتيارات، وسوء الظن الدائم بالناس واتهامهم في نياتهم، وفرض نمط معين من التدين على الجميع.

–  التشدد يولد في النفسِ الكِبرَ والغرور، والتعالِي على الخلق، ووصفهِم بالفسق، بل ورميهِم بالكفر، وتأملوا صفةَ “الخوارج” التي جاءت في السنةِ سيتبين لكم يقينًا أن من تعبد الله على غير منهج “الرفق والاعتدال” سيضل؛ وحتما سيزول عنه هذا الستار، وتسقط عنه الأقنعة المزيفة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ» [رواه أبو داود].

قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تُبَغِّضُوا اللهَ إِلَى عِبَادِهِ، قَالُوا: وَكَيْفَ ذَاكَ أَصْلَحَكَ اللهُ؟، قَالَ: يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِمَامًا، فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُوَ فِيهِ، وَيَقْعُدُ أَحَدُكُمْ قَاصًّا فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ” [شعب الإيمان للبيهقي، وصححه الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”].

–  التعلق بحرفية النصوص وظواهرها دون فهم مقاصدها، والتعامل مع النصوص الشرعية وفهم حقائقها شأن المتخصصين في العلم الذين درسوا العلوم الشرعية وتمرنوا على كيفية فهمها والوصول إلى مقاصدها، أما الذين يتعلقون بظاهرها فإنهم يفسدون في الدين من حيث لا يشعرون، ويقعون في التشدد والغلو في الدين.

قال الإمام الزركشي: “وكلّ لفظ احتمل معنيين فصاعدًا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه” [البرهان في علوم القرآن].

–  تهديد السلم الاجتماعي: فالغلو يُغذي العنف والصراعات، ويُقسم المجتمع إلى “نحن”، و”هم”.

–  تفكك النسيج المجتمعي: يؤدي الغلو والتشدد إلى انقسامات حادة بين فئات المجتمع، ويُضعف روح التعايش والتسامح.

–  عرقلة التنمية: المجتمعات المتشددة تعاني من ركود فكري وثقافي، مما ينعكس سلبا على الإبداع والتقدم. 

خطوات عملية لمواجهة “الغلو والتشدد

– اغرس في ولدك التدين الصحيح البعيد عن الإفراط والتفريط، وذكره دومًا بعواقب “الغلو والتشدد” في الدنيا والآخرة.

– احرص على أن تأخذ العلم والفقه من أهل الاختصاص؛ قال سفيان الثوري: “لا يأمرُ بالمعروفِ، ولا ينهى عن المنكرِ إلّا مَن كان فيه خصالٌ ثلاث: رفيقٌ بمَا يأمرُ، رفيقٌ بمَا ينهَى، عدلٌ بمَا يأمرُ، عدلٌ بمَا ينهَى، عالمٌ بمَا يأمرُ، عالمٌ بمَا ينهَى”.

– احذر متابعة الصفحات الإلكترونية المشبوهة التي تتبنى منهج “الغلو والتشدد”؛ أخذاً بقاعدة “سد الذرائع”.

– درب نفسك مع الأسرة ومن حولك أن تأخذ بأوسط الأمور في العبادات والطاعات، وابتعد قدر الإمكان عن التشدد؛ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ [شعب الإيمان للبيهقي].

– النهي عن تعذيب النفس، قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: ١٤٧]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨].

وعَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، قَالَ«مَا بَالُ هَذَا؟»، قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ»، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ“. [متفق عليه].

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ:”بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ”، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» [رواه البخاري].

فاللهم ارفق بنا، وألهمنا الرفق في كل شيء يا رب العالمين

 

 

 

الخطبة الثانية: أهمية الصداقة.

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن من أهم أهداف الإسلام غرس المودة والمحبة والترابط والانتماء والتفاعل الصحيح بين أفراد المجتمع، ومن هنا تأتي أهمية الصداقة بين الأفراد فيما بينهم، تأكيدا لهذه الروح من المودة والمحبة التي ينبغي أن تسود في المجتمع.

اليوم العالمي للصداقة

أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ٢٠١١ يوم ٣٠ يوليو/ تموز مناسبة دولية سنوية مخصصة للاحتفال بالصداقة، وحثّت الحكومات والمجتمعات والمنظمات على إقامة فعاليات تُعزّز هذا النوع من الروابط الإنسانية، ويهدف هذا اليوم إلى تسليط الضوء على العَلاقات التي تسهم في تهدئة النزاعات وتعزيز ثقافة المصالحة والتفاهم المتبادل بين الأفراد والجماعات، وتشهد المناسبة فعاليات متنوعة، منها تبادل الرسائل وتقديم الهدايا واللقاءات الودية، ويقترن الاحتفال غالبًا بإظهار الامتنان للأصدقاء الذين يشكّلون مصدر دعم واستقرار في حياة الآخرين.

الأخوة الصادقة بين الأفراد دعامة المجتمع

إن الهدف الإسلامي هو ترابط المجتمع وتعاطف أفراده، ليكون المسلمان كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى، فالإسلام دين المودة والمحبة ودين الألفة والاجتماع والترابط بين البشر، فكلهم لآدم، وكلهم من ذكر وأنثى آدم وحواء، وإذا كان المجتمع الإنساني يشبه البنيان كان التماسك بين لبناته أساس قوته وصلابته وزيادة نفعه وطول بقائه.

إن الإسلام لا يستهدف مجتمعا متقاتلا متباغضا، بل لا يستهدف مجتمعا مسالما متباعدا، بل يستهدف مجتمعا متكافلا متواصلا متحابا متفاعلا، كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى وتعين إحداهما الأخرى، وكمثل البنيان يشد بعضه بعضا وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. [فتح المنعم]

– لقد أكد الإسلام على فكرة قَبول الاختلاف بين الأفراد سواء دينيا أو فكريا، وأن هذا الاختلاف لا ينبغي أبدا أن يؤثر على تعاملات الأفراد فيما بينهم.

– كذلك أكد الشرع مرارا على حب الخير للغير كما يحب الإنسان الخير لنفسه، وأن ذلك في غاية الأهمية لتحقيق السلام الداخلي للأشخاص، وزرع الخير والمعروف في المجتمع.

ضوابط الصداقة بين الرجل والمرأة

إن ضوابط الصداقة بين الرجل والمرأة في الإسلام مسألة دقيقة، لأن الأصل في العلاقة بين الجنسين أن تكون مضبوطةً بالحياء، والحدود الشرعية، وأن تُبنى على النية الطيبة، فالإسلام لا يمنع التعامل بين الرجال والنساء، لكنه يضع له ضوابط تحفظ القلوب، وتصون النفوس، وتمنع التعدي على حدود الله؛ وبناء على ذلك:

– يجب أن تكون النية طاهرة وخالية من أي شهوة أو ميل غير مشروع.

– لا يجوز اتخاذ “الصداقة” وسيلة للتقرب العاطفي أو التسلية أو ملء الفراغ العاطفي.

– ينبغي أن تكون المجالسة والنظر والكلام خالية من أي خضوع أو إثارة.

– الخلوة سواء الواقعية أو الافتراضية (محادثات خاصة طويلة، أو رسائل عاطفية)، ممنوعة شرعًا.

– أن تكون العلاقة في الإطار العام وليس الخاص.

اللهم ابسط علينا بساط المودة والرحمة والترابط، يا الله يا كريم

مراجع للاستزادة

–  فتح الباري، لابن حجر.

–  سير أعلام النبلاء، للذهبي.

– فكر المسلم وتحديات الألفية الثالثة، نور الدين عتر.

 

 

 _____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى