زاد الأئمة : وزارة الأوقاف تعلن عن زاد الأئمة والخطباء الإصدار (21) لـ خطبة الجمعة القادمة : صحّح مفاهيمك
بتاريخ 18 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 10 أكتوبر 2025م

زاد الأئمة : وزارة الأوقاف تعلن رسميا عن زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لـ خطبة الجمعة القادمة حول : صحّح مفاهيمك، بتاريخ 18 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 10 أكتوبر 2025م.
ننفرد بنشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : صحّح مفاهيمك، بصيغة WORD
ننشر زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة : صحّح مفاهيمك، بصيغة pdf
ولقراءة زاد الأئمة والخطباء.. لـ خطبة الجمعة القادمة : صحّح مفاهيمك، كما يلي:
زاد الأئمة (21)
**الْهَدَفُ:** التَّعْرِيفُ الْإِجْمَالِيُّ بِمُبَادَرَةِ “**صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ**” الَّتِي أَطْلَقَتْهَا وِزَارَةُ الْأَوْقَافِ وَهَدَفِهَا، وَالْكَلَامُ بِالتَّفْصِيلِ عَنْ ثَلَاثَةِ مَحَاوِرَ لِلْمُبَادَرَةِ وَهِيَ الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ وَتَخْرِيبُ الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخِلَافَاتُ الْأُسَرِيَّةُ بِاعْتِبَارِهَا مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ.
**بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ**
**الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تُورِدُنَا مَوَارِدَ الْمُوَحِّدِينَ، وَتُلْحِقُنَا بِزُمْرَةِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا حَبِيبُهُ وَصَفِيُّهُ النَّبِيُّ الصَّادِقُ الْوَعْدِ الْأَمِينُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ؛ أَمَّا بَعْدُ:**
فَإِنَّ مُبَادَرَةَ **صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ** الَّتِي أَطْلَقَتْهَا وِزَارَةُ الْأَوْقَافِ الْمِصْرِيَّةِ بِالتَّعَاوُنِ مَعَ مُؤَسَّسَاتِ الدَّوْلَةِ الْمَعْنِيَّةِ، مَشْرُوعٌ وَطَنِيٌّ جَلِيلٌ، يَهْدِفُ إِلَى بِنَاءِ إِنْسَانٍ مِصْرِيٍّ قَوِيٍّ، مِنْ خِلَالِ تَصْحِيحِ الْمَفَاهِيمِ الدِّينِيَّةِ وَالسُّلُوكِيَّاتِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ الْخَاطِئَةِ، وَتَعْزِيزِ قِيَمِ الِانْتِمَاءِ وَالِانْضِبَاطِ، وَذَلِكَ بِمُعَالَجَةِ قَضَايَا تَمَسُّ الْوَاقِعَ الْيَوْمِيَّ لِلْمُوَاطِنِ، بِرُؤْيَةٍ عِلْمِيَّةٍ وَتَرْبَوِيَّةٍ مُنْضَبِطَةٍ، تَسْتَنِدُ إِلَى خِطَابٍ دِينِيٍّ رَشِيدٍ، يُعَالِجُ الظَّوَاهِرَ السَّلْبِيَّةَ بِالتَّوْعِيَةِ وَالرَّحْمَةِ دُونَ إِدَانَةٍ أَوْ إِقْصَاءٍ.
إِنَّ مُبَادَرَةَ “**صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ**” لَيْسَتْ حَمْلَةً عَابِرَةً، بَلْ مَشْرُوعٌ وَطَنِيٌّ لِبِنَاءِ الْإِنْسَانِ الْمِصْرِيِّ الْوَاعِي بِدِينِهِ وَوَطَنِهِ، إِنْسَانًا مُتَوَازِنًا يَجْمَعُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ، بَيْنَ الِانْضِبَاطِ وَالرَّحْمَةِ، بَيْنَ التَّدَيُّنِ الصَّحِيحِ وَالسُّلُوكِ الرَّاقِي.
وَسَوْفَ نَتَنَاوَلُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ ثَلَاثَةَ مَحَاوِرَ مِنْ هَذِهِ الْمُبَادَرَةِ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعِينَ مِحْوَرًا، وَهِيَ:
**الْمِحْوَرُ الْأَوَّلُ:** الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ.
**الْمِحْوَرُ الثَّانِي:** تَخْرِيبُ الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ.
**الْمِحْوَرُ الثَّالِثُ:** الْخِلَافَاتُ الْأُسَرِيَّةُ وَكَوْنُهَا سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ.
### ١ – الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ
يُمَثِّلُ الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ وَاحِدًا مِنْ أَكْثَرِ السُّلُوكِيَّاتِ السَّلْبِيَّةِ انْتِشَارًا فِي الْبِيئَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافِ مَرَاحِلِهَا، وَتَكْمُنُ خُطُورَةُ هَذَا السُّلُوكِ فِي كَوْنِهِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ تَجَاوُزِ اخْتِبَارَاتٍ دِرَاسِيَّةٍ، بَلْ يُؤَسِّسُ لِمَنْظُومَةٍ فِكْرِيَّةٍ مُشَوَّهَةٍ تَقُومُ عَلَى الْخِدَاعِ، وَانْتِهَاكِ الْأَمَانَةِ، وَتَفْرِيغِ التَّعْلِيمِ مِنْ جَوْهَرِهِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى إِضْعَافِ الْبِنْيَةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالْمَعْرِفِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ.
وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ، تَضَعُ مُبَادَرَةُ “**صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ**” هَذَا الْمَوْضُوعَ فِي مُقَدِّمَةِ أَوْلَوِيَّاتِهَا، بِاعْتِبَارِهِ مَدْخَلًا أَسَاسِيًا لِإِصْلَاحِ الْوَعْيِ، وَتَرْسِيخِ مَنْظُومَةِ الْقِيَمِ، وَتَطْهِيرِ الْبِيئَةِ التَّعْلِيمِيَّةِ مِنَ السُّلُوكِيَّاتِ الْهَدَّامَةِ.
**حُرْمَةُ الْغِشِّ بِجَمِيعِ صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ**
جَاءَ الْإِسْلَامُ بِكُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ يَصُونُ الْمُجْتَمَعَ عَنِ الْمَضَارِّ وَالْأَخْطَارِ، وَمِنْ ذَلِكَ: “**تَحْرِيمُ الْغِشِّ بِكَافَّةِ صُوَرِهِ**”، فَهُوَ خُلُقٌ ذَمِيمٌ، وَجَرِيمَةٌ مُنْكَرَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعًا لِلْحُقُوقِ، وَضَيَاعًا لِلْأَمَانَةِ، وَقَلْبًا لِلْحَقَائِقِ؛ وَلِذَا عُدَّ مِنْ صِفَاتِ غَيْرِ أَهْلِ الْإِيمَانِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «**مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي**» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: “**لَيْسَ مِنِّي**” الْإِخْبَارُ أَنَّ الْغَاشَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ صِفَةِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ صِفَتَهُمُ التَّنَاصُحُ فِي الدِّينِ، قَالَ الْعَلَّامَةُ الطِّيْبِيُّ: لَمْ يُرِدْ نَفْيَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ، بَلْ نَفْيَ خُلُقِهِ عَنْ أَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ” [التَّنْوِيرُ شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ].
وَمَفْهُومُ الْغِشِّ وَاسِعٌ، فَهُوَ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي هَذَا يَقُولُ الْعَلَّامَةُ الدُّكْتُورُ مُوسَى شَاهِين لَاشِين: “وَلَيْسَ الْغِشُّ قَاصِرًا عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ كَذَلِكَ يَكُونُ فِي الزَّوَاجِ…، كَمَا يَكُونُ فِي الِامْتِحَانِ بِإِبْرَازِ الْجَاهِلِ فِي صُورَةِ الْعَالِمِ أَمَامَ الْمُصَحِّحِينَ، وَبِإِبْرَازِ الْمُفْلِسِينَ وَالْمُهْمِلِينَ فِي صُورَةِ الْأَذْكِيَاءِ الْمُجِدِّينَ.
كَمَا يَكُونُ الْغِشُّ فِي الْوَظَائِفِ الْعَامَّةِ، وَالْأَعْمَالِ الْخَاصَّةِ، وَفِي كُلِّ الْمُعَامَلَاتِ بِإِخْفَاءِ الْقُبْحِ، وَإِبْرَازِ الْحُسْنِ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى سَبِيلِ التَّغْرِيرِ وَالْخِدَاعِ، وَإِنَّمَا قُرِنَ الْغِشُّ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِيهِ”. [فَتْحُ الْمُنْعِمِ].
**”الْغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ” مِنْ أَعْظَمِ الْجَرَائِمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ**
إِنَّ الْمَعْصِيَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ أَعْظَمُ عُقُوبَةً وَخَطَرًا مِنَ الْمَعْصِيَةِ الْقَاصِرَةِ، وَالْغِشُّ فِي الِامْتِحَانَاتِ يَتَعَدَّي ضَرَرُهُ لِلْغَيْرِ حَيْثُ يُضْعِفُ مُسْتَوَى التَّعْلِيمِ، وَتَفْقِدُ الشَّهَادَاتُ مِصْدَاقِيَّتَهَا، وَيَخْرُجُ لِلْمُجْتَمَعِ جَهَلَةٌ يَحْمِلُونَ شَهَادَةَ زُورٍ، وَمِنْ ثَمَّ يُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى أَدَاءِ الْخِرِّيجِينَ مُسْتَقْبَلًا فِي كَافَّةِ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ؛ بَلْ يُنَافِسُونَ الْفُضَلَاءَ الْمُجِدِّينَ، الَّذِينَ أَسْهَرُوا لَيْلَهُمْ، وَقَطَعُوا أَيَّامَهُمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ مِمَّا يُضَيِّعُ فُرَصَهُمْ، وَمِنْ ثَمَّ تَتَعَطَّلُ مَصَالِحُ الْأَوْطَانِ.
إِنَّ “**الْغِشَّ فِي الِامْتِحَانِ**” فِيهِ إِلْحَاقٌ لِلْأَذَى بِالْبَشَرِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: {**وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا**} [الْأَحْزَابِ: ٥٨].
يَقُولُ الْعَلَّامَةُ **ابْنُ عَلَّانَ**: “وَمِنْ أَشَدِّ الْإِيذَاءِ: “**الْغِشُّ**”؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْيِينِ غَيْرِ الْمَصْلَحَةِ، وَ”**الْخَدِيعَةُ**”؛ لِمَا فِيهَا مِنْ إِيصَالِ الشَّرِّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ”. [دَلِيلُ الْفَالِحِينَ].
**مِنْ مَظَاهِرِ الْغِشِّ وَأَشْكَالِهِ الْمُعَاصِرَةِ**
تَتَنَوَّعُ صُوَرُ الْغِشِّ بَيْنَ الطُّرُقِ التَّقْلِيدِيَّةِ مِثْلِ تَبَادُلِ الْأَوْرَاقِ، وَالنَّقْلِ الْمُبَاشِرِ، وَالْوَسَائِلِ الرَّقْمِيَّةِ كَاسْتِخْدَامِ الْهَوَاتِفِ الذَّكِيَّةِ، وَسَمَّاعَاتِ الْبُلُوتُوثِ، وَتَطْبِيقَاتِ الْمُحَادَثَةِ، كَمَا قَدْ يَتَّخِذُ الْغِشُّ شَكْلًا مِنْ أَشْكَالِ التَّوَاطُؤِ مِنْ بَعْضِ الْقَائِمِينَ عَلَى الِامْتِحَانَاتِ، أَوْ تَسْرِيبِ الْأَسْئِلَةِ مُقَابِلَ الْمَالِ أَوِ النُّفُوذِ، وَهُوَ مَا يُمَثِّلُ جَرِيمَةً أَخْلَاقِيَّةً وَتَعْلِيمِيَّةً وَمُجْتَمَعِيَّةً مُزْدَوِجَةً.
**لَا تَظُنَّ أَيُّهَا الْغَاشُّ أَنَّكَ سَتُفْلِحُ فِي حَيَاتِكَ**
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، وَإِذَا عَمِلْتَ عَمَلًا مَبْنَاهُ عَلَى الْغِشِّ فَاعْلَمْ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَامًا، أَخَذْتَ بِهَذَا الْعَمَلِ حَقَّ غَيْرِكَ وَجُهْدَهُ، قَالَ الْعَلَّامَةُ **ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ**: “وَالْأَحَادِيثُ فِي الْغِشِّ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ كَثِيرَةٌ مَرَّ مِنْهَا جُمْلَةٌ، فَمَنْ تَأَمَّلَهَا وَوَفَّقَهُ اللَّهُ لِفَهْمِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا، انْكَفَّ عَنِ الْغِشِّ، وَعَلِمَ عَظِيمَ قُبْحِهِ، وَخَطَرِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَمْحَقَ مَا حَصَّلَهُ الْغَاشُّونَ بِغِشِّهِمْ” [الزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ].
وَكَذَا مَنْ يَسْمَحُ بِالْغِشِّ لِطُلَّابِنَا فَإِنَّهُ يُهْمِلُ وَاجِبَاتِهِ الْوَظِيفِيَّةَ، وَعَلَيْهِ الْمَسْئُولِيَّةُ أَمَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: «**مَا مِنْ وَالٍ (مُطْلَقِ الْوِلَايَةِ) يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ**».
**مَنْ يُسَاعِدُ الْغَاشَّ هُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ**
إِنَّ هَذَا الْفِعْلَ الدَّنِيءَ يَدُلُّ عَلَى خُبْثِ النَّفْسِ، وَظُلْمَةِ الْقَلْبِ، وَقِلَّةِ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ، وَهُوَ صِفَةُ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «**آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ**» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَعَنْ **سَعْدٍ** رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «**يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ**». [رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي “السُّنَنِ الْكُبْرَى].
وَكَذَا مَنْ يُعِينُ عَلَى الْغِشِّ، أَوْ يَتَجَاهَلُ الْقِيَامَ بِمَسْئُولِيَّةِ مَنْعِهِ أَوِ الْإِبْلَاغِ عَنْهُ، هُوَ وَالْغَاشُّ فِي الْإِثْمِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِيمَا نِيطَ بِهِ مِنْ عَمَلٍ، وَفِعْلُهُ هَذَا مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، قَالَ تَعَالَى: {**وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ**} [الْمَائِدَةِ: ٢]، وَخِيَانَةٌ لِلْأَمَانَةِ الَّتِي ائْتَمَنَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، قَالَ تَعَالَى: {**فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ**} [الْبَقَرَةِ: ٢٨٣]، وَقَالَ أَيْضًا: {**يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ**} [الْأَنْفَالِ: ٢٧].
وَمَا مِنْ خَائِنٍ إِلَّا تُمَثَّلُ لَهُ خِيَانَتُهُ وَغَدْرَتُهُ لِوَاءً يُعْقَدُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ يُرْمَى بِخِيَانَتِهِ فِي النَّارِ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ-؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «**لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ**» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
قَالَ الْإِمَامُ **النَّوَوِيُّ**: “فِيهِ بَيَانُ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْغَدْرِ لَا سِيَّمَا صَاحِبَ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ غَدْرَهُ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إِلَى الْغَدْرِ؛ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِي ذَمِّ الْغَادِرِ، وَغَدْرِهِ لِلْأَمَانَةِ الَّتِي قَلَّدَهَا لِرَعِيَّتِهِ، وَالْتِزَامِ الْقِيَامِ بِهَا، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، فَمَتَى خَانَهُمْ، أَوْ تَرَكَ الشَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ، وَالرِّفْقَ بِهِمْ فَقَدْ غَدَرَ بِعَهْدِهِ”. [شَرْحُ النَّوَوِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ].
**الْغَاشُّ فِي الِامْتِحَانِ يُعَاقِبُهُ اللَّهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ**
إِنَّ الْإِسْلَامَ يُرَبِّي الْإِنْسَانَ عَلَى الْوُضُوحِ وَالصَّفَاءِ، وَالْجِدِّ وَالتَّعَبِ، وَالصِّدْقِ، وَلَا يُرَبِّيهِ عَلَى الْبَطَالَةِ وَالْكَسَلِ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الْغَيْرِ فِي السَّعْيِ، وَتَرْكِ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ، بَيْنَمَا الَّذِي يَغُشُّ فِي الِامْتِحَانِ يَوَدُّ النَّجَاحَ وَالتَّفَوُّقَ، وَالْوُصُولَ إِلَى الْقِمَّةِ عَلَى حِسَابِ الْآخَرِينَ، فَهُوَ لَمْ يَطْلُبِ الْعِلْمَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ؛ وَلِذَا كَانَ جَزَاؤُهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ، فَهُوَ مَحْرُومُ التَّوْفِيقِ، وَالْمَدَدِ وَالْعَوْنِ، وَيُبْتَلَى بِمَحْقِ الْبَرَكَةِ فِي حَيَاتِهِ، بَلْ مَا يَتَحَصَّلُ عَلَيْهِ مِنْ وَظِيفَةٍ أَوْ مَالٍ يُعَدُّ أَكْلًا لِلْحَرَامِ، فَضْلًا عَمَّا يَنْتَظِرُهُ فِي الْآخِرَةِ؛ فَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «**مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ**» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «**مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ**» يَعْنِي رِيحَهَا. [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ].
**الْأَضْرَارُ الْفَرْدِيَّةُ وَالْمُجْتَمَعِيَّةُ لِلْغِشِّ**
الْغِشُّ لَا يُعَدُّ مُخَالَفَةً تَعْلِيمِيَّةً فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ بَوَّابَةٌ إِلَى ضَعْفِ الضَّمِيرِ، وَتَشْوِيهِ التَّنَافُسِ الشَّرِيفِ، وَغِيَابِ الْعَدَالَةِ، وَتَكْرِيسِ قِيَمِ الزَّيْفِ وَالْأَنَانِيَّةِ، وَتَنْعَكِسُ آثَارُهُ عَلَى الْفَرْدِ فِي صُورَةِ فِقْدَانِ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ، وَاعْتِيَادِ الِالْتِفَافِ عَلَى الْقَانُونِ، بَيْنَمَا يُؤَدِّي عَلَى مُسْتَوَى الْمُجْتَمَعِ إِلَى إِنْتَاجِ جِيلٍ يَحْمِلُ شَهَادَاتٍ بِلَا كَفَاءَةٍ، وَيَفْتَقِرُ إِلَى الْجَدَارَةِ وَالنَّزَاهَةِ.
**وَخِتَامًا:**
فَإِنَّنَا نَهْدِفُ مِنْ خِلَالِ مُعَالَجَتِنَا لِظَاهِرَةِ الْغِشِّ فِي الِامْتِحَانَاتِ إِلَى بِنَاءِ ثَقَافَةٍ تَعْلِيمِيَّةٍ تَقُومُ عَلَى النَّزَاهَةِ وَالتَّكَافُؤِ، وَصِنَاعَةِ جِيلٍ يُؤْمِنُ بِأَنَّ النَّجَاحَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْجُهْدِ، وَأَنَّ الِاحْتِيَالَ فِي التَّحْصِيلِ الْمَعْرِفِيِّ هُوَ مُقَدِّمَةٌ لِلْفَسَادِ فِي الْعَمَلِ وَالْحَيَاةِ، وَهُوَ مَا يَتَنَافَى مَعَ الدِّينِ وَالْعَقْلِ وَالْمُرُوءَةِ.
### ٢- تَخْرِيبُ الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ
إِنَّ الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةَ تُعَدُّ أَحَدَ أَبْرَزِ مَظَاهِرِ الْحَضَارَةِ وَالِانْتِمَاءِ، فَهِيَ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ لِكُلِّ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، وَتُعَبِّرُ عَنِ اسْتِثْمَارَاتِ الدَّوْلَةِ لِخِدْمَةِ الْمُوَاطِنِينَ، مِنْ طُرُقٍ وَمَرَافِقَ وَخَدَمَاتٍ وَمَدَارِسَ وَمُؤَسَّسَاتٍ، وَغَيْرِهَا.
وَمَعَ ذَلِكَ، تَشْهَدُ الْعَدِيدُ مِنَ الْمُجْتَمَعَاتِ مَظَاهِرَ مُتَكَرِّرَةً لِتَخْرِيبِ هَذِهِ الْمُمْتَلَكَاتِ، سَوَاءً عَنْ طَرِيقِ الْإِهْمَالِ، أَوِ الْعَبَثِ الْمُتَعَمَّدِ، أَوِ الِاسْتِخْدَامِ غَيْرِ الْمَسْئُولِ، وَهِيَ سُلُوكِيَّاتٌ تُمَثِّلُ اعْتِدَاءً مُبَاشِرًا عَلَى مُقَدَّرَاتِ الدَّوْلَةِ، وَانْفِصَالًا نَفْسِيًا وَسُلُوكِيًا عَنْ مَفْهُومِ الْمُوَاطَنَةِ الْحَقَّةِ.
وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ، تَتَنَاوَلُ مُبَادَرَةُ “**صَحِّحْ مَفَاهِيمَكَ**” هَذِهِ الظَّاهِرَةَ كَقَضِيَّةٍ مِحْوَرِيَّةٍ تَمَسُّ الضَّمِيرَ الْجَمْعِيَّ وَالِانْتِمَاءَ الْوَطَنِيَّ، وَتَسْتَدْعِي مُرَاجَعَةً سُلُوكِيَّةً وَثَقَافِيَّةً وَتَرْبَوِيَّةً شَامِلَةً.
**تَعْرِيفُ الْمِلْكِيَّةِ**
لَقَدْ عَرَّفَ الْإِمَامُ **الْقَرَافِيُّ** الْمِلْكَ بِقَوْلِهِ: “**هُوَ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةٍ عَنْهُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ، وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ، أَوْ تَمَكُّنُهُ مِنَ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً**” [الْفُرُوقُ].
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الزَّرْقَا: “**اخْتِصَاصٌ حَاجِزٌ شَرْعًا يُسَوِّغُ لِصَاحِبِهِ التَّصَرُّفَ إِلَّا لِمَانِعٍ**” [الْمَدْخَلُ الْفِقْهِيُّ الْعَامُّ].
وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمِلْكِيَّةَ تَمَلُّكٌ شَرْعِيٌّ.
وَالثَّانِي: سَبَبٌ لِحِلِّ التَّصَرُّفِ وَالِانْتِفَاعِ.
**أَقْسَامُ الْمِلْكِيَّةِ**
تَنْقَسِمُ الْمِلْكِيَّةُ بِاعْتِبَارِ صَاحِبِهَا إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ هِيَ:
* مِلْكِيَّةٌ خَاصَّةٌ.
* مِلْكِيَّةٌ عَامَّةٌ.
* مِلْكِيَّةُ الدَّوْلَةِ.
أَمَّا **الْمِلْكِيَّةُ الْخَاصَّةُ** فَهِيَ: مَا يَقْتَصِرُ تَمَلُّكُهُ عَلَى فَرْدٍ أَوْ أَكْثَرَ.
وَلَقَدْ أَقَرَّ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ الْمِلْكِيَّةَ الْخَاصَّةَ أَوِ الْفَرْدِيَّةَ، وَهُوَ مَا تُوحِي بِهِ الْكَثِيرُ مِنَ الْآيَاتِ عِنْدَمَا نَسَبَتِ الْأَمْوَالَ إِلَى الْإِنْسَانِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {**وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ مَوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ**}، [الْبَقَرَةِ: ٢٧٩].
وَ**الْمِلْكِيَّةُ الْعَامَّةُ** تَعْنِي: اشْتِرَاكَ النَّاسِ جَمِيعًا فِي الْمَصَادِرِ الْعَامَّةِ لِلثَّرْوَةِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا ضَرُورِيَّاتُ الْحَيَاةِ، وَمِنْ صُوَرِهَا: الْمَرَافِقُ وَالْمُبَاحَاتُ، كَالْمِيَاهِ الْعَظِيمَةِ فِي الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَالشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ وَالْغَابَاتِ، وَعَلَى الدَّوْلَةِ أَنْ تَمْنَعَ التَّعَدِّيَ عَلَيْهَا، وَأَنْ تَضَعَ نِظَامَ الِانْتِفَاعِ بِهَا.
وَأَمَّا **مِلْكِيَّةُ الدَّوْلَةِ** فَهِيَ: الْمِلْكِيَّةُ الَّتِي يَكُونُ صَاحِبُهَا الدَّوْلَةَ أَوْ بَيْتَ الْمَالِ، وَتَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْأَفْرَادِ فِي الْمِلْكِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِمَا يُحَقِّقُ الْمَصْلَحَةَ، إِمَّا بِالْإِنْفَاقِ أَوْ بِالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْعَامِّ، وَيَقُومُ بَيْتُ الْمَالِ -خَزِينَةُ الدَّوْلَةِ- بِتَنْظِيمِ دُخُولِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ وَخُرُوجِهَا.
فَالْأَشْيَاءُ وَالْأَمْوَالُ الَّتِي تَمْنَعُ أَوْ تَحُولُ طَبِيعَتُهَا دُونَ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِيَّةِ الْخَاصَّةِ تُعْتَبَرُ مِنَ الْمِلْكِيَّةِ الْعَامَّةِ، فَلَا يَحِقُّ لِلْفَرْدِ أَوْ لِمَجْمُوعَةٍ مِنَ الْأَفْرَادِ أَنْ يَحْجِزُوا مَنَافِعَهَا عَنِ الْآخَرِينَ بِحَالٍ، بَلْ هِيَ مُشَاعٌ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ عُمُومًا عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ، كَالطُّرُقِ، وَالْأَنْهَارِ، وَالْمَرَاعِي، وَغَيْرِهَا.
**حُرْمَةُ الْمَالِ الْعَامِ**
يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلْمَالِ، فَيَأْخُذَهُ مِنْ حِلِّهِ وَمِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «**تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ**». [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَعَنْ **أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ** رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “**اسْتَعْمَلَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، فَجَاءَ فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجِيءُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ» ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا؟**” [رَوَاهُ الشَّيْخَانِ].
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «**إِنَّهُ سَيُفْتَحُ لَكُمْ مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا وَإِنَّ عُمَّالَهَا فِي النَّارِ إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ**». [رَوَاهُ أَحْمَدُ].
**تَوْلِيَةُ الْكَفَاءَاتِ الْمَنَاصِبَ الْعَامَّةَ**
فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: عَنْ **أَبِي هُرَيْرَةَ** رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «**إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ**» قِيلَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: «**إِذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ**» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَجَاءَ عَنْ سَيِّدِنَا **عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ** رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: “**أَلَا إِنِّي وَاللَّهِ مَا أُرْسِلُ عُمَّالِي إِلَيْكُمْ لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، وَلَكِنْ أُرْسِلُهُمْ إِلَيْكُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ وَسُنَّتَكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ شَيْءٌ سِوَى ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِذَنْ لَأُقِصَّنَّهُ مِنْهُ**”. [مُسْنَدُ أَحْمَدَ].
وَعَنِ **الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ** رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «**مَنْ وَلِيَ لَنَا عَمَلًا وَلَيْسَ لَهُ مَنْزِلٌ فَلْيَتَّخِذْ مَنْزِلًا، أَوْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ فَلْيَتَزَوَّجْ، أَوْ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَتَّخِذْ خَادِمًا، أَوْ لَيْسَتْ لَهُ دَابَّةٌ فَلْيَتَّخِذْ دَابَّةً، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ**» [مُسْنَدُ أَحْمَدَ].
**الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْمُوَاطِنِ وَالدَّوْلَةِ تَقُومُ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الْمَسْئُولِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ**
إِنَّ الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةَ عِمَادُ الْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ لِلْمُوَاطِنِ، وَصِيَانَتُهَا مِرْآةٌ حَقِيقِيَّةٌ لِمُسْتَوَى التَّحَضُّرِ وَالِانْتِمَاءِ، وَإِنَّ مُحَارَبَةَ ظَاهِرَةِ التَّخْرِيبِ تَبْدَأُ مِنَ الْوَعْيِ، وَتُتَرْجَمُ فِي السُّلُوكِ، وَمِنْ هُنَا وَجَبَ أَنْ نُؤَكِّدَ عَلَى أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْمُوَاطِنِ وَالدَّوْلَةِ تَقُومُ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ **الْمَسْئُولِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ**؛ لَا عَلَى طَرَفٍ يُطَالِبُ فَقَطْ وَآخَرَ يُعْطِي فَقَطْ، بَلْ عَلَى تَكَامُلٍ وَتَعَاوُنٍ فِي عِمَارَةِ الْوَطَنِ وَحِفْظِ اسْتِقْرَارِهِ، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «**كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ**». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
فَالدَّوْلَةُ مَسْئُولَةٌ عَنْ رِعَايَةِ مَصَالِحِ النَّاسِ، وَتَحْقِيقِ الْأَمْنِ وَالْعَدْلِ وَالْكَرَامَةِ، وَالْمُوَاطِنُ مَسْئُولٌ عَنْ أَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ بِإِخْلَاصٍ، وَالِالْتِزَامِ بِالْقَانُونِ وَالنِّظَامِ الْعَامِّ، وَالْإِخْلَاصِ فِي الْعَمَلِ وَالْإِنْتَاجِ، وَالْحِفَاظِ عَلَى الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ، وَخِدْمَةِ مُجْتَمَعِهِ وَوَطَنِهِ بِمَا يَسْتَطِ، وَهَكَذَا تَتَوَزَّعُ الْمَسْئُولِيَّاتُ فِي تَوَازُنٍ وَعَدْلٍ، يُحَقِّقُ الْخَيْرَ لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا.
**وَخِتَامًا:**
إِنَّ الْوَطَنَ سَفِينَةٌ، فَإِنْ تَعَاوَنَ الْجَمِيعُ عَلَى سَلَامَتِهَا نَجَا الْكُلُّ، وَإِنْ أَهْمَلَ بَعْضُهُمْ غَرِقَ الْجَمِيعُ؛ فَاللَّهُمَّ احْفَظْ مِصْرَ وَأَهْلَهَا، وَوَفِّقْ قِيَادَتَهَا وَشَعْبَهَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْعَلْنَا مِنَ الصَّادِقِينَ فِي خِدْمَةِ دِينِنَا وَوَطَنِنَا، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
### ٣- الْخِلَافَاتُ الْأُسَرِيَّةُ وَأَثَرُهَا فِي ارْتِفَاعِ نِسَبِ الطَّلَاقِ وَسُبُلُ الْوِقَايَةِ
لَقَدْ حَرَصَ الْإِسْلَامُ عَلَى بِنَاءِ الْأُسْرَةِ عَلَى أُسُسٍ مِنَ الْمَوَدَّةِ وَالسَّكِينَةِ، لِأَنَّهَا اللِّبْنَةُ الْأُولَى فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ، فَإِذَا اضْطَرَبَتِ الْأُسْرَةُ، اضْطَرَبَ الْمُجْتَمَعُ كُلُّهُ، وَإِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْمُجْتَمَعُ وَاسْتَقَرَّتِ الْأُمَّةُ؛ فَالْأُسْرَةُ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ عَقْدٍ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، بَلْ هِيَ سَكَنٌ وَمَوَدَّةٌ وَرَحْمَةٌ وَمَسْئُولِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ.
وَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْحَمَ النَّاسِ بِأَهْلِهِ، فَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَيُشَارِكُهُمْ شُئُونَ حَيَاتِهِمْ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي “صَحِيحِهِ” عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي “الْكَبِيرِ” عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ قَالَ: «**خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي**».
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَزَادَ فِيهِ: «**مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلَّا كَرِيمٌ، وَلَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ**».
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ **عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو** رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَلَفْظُهُ: «**خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ**».
وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي “الْكَبِيرِ” عَنْ **أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ** رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: «**خِيَارُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ**».
وَبِلَفْظٍ أَعَمَّ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي “الشُّعَبِ” عَنْ **أَبِي هُرَيْرَةَ** رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «**خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِ وَلِبَنَاتِهِ**».
**الْخِلَافَاتُ الْأُسَرِيَّةُ وَأَسْبَابُهَا**
إِنَّ وُقُوعَ الْخِلَافِ سُنَّةٌ بَشَرِيَّةٌ، وَوُجُودُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَمْرٌ لَا مَفَرَّ مِنْهُ، وَلَكِنْ كَيْفَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَهُ، وَأَنْ نَتَجَاوَزَهُ، وَأَنْ نَلْتَقِيَ عِنْدَ نُقْطَةِ اتِّفَاقٍ تَقْطَعُ النِّزَاعَ؟!
لَقَدْ أَكَّدَ الْقُرْآنُ عَلَى وَصِيَّةٍ جَلِيلَةٍ حِينَ قَالَ تَعَالَى: {**وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ**} [النِّسَاءِ: ٣٤]، {**فَعِظُوهُنَّ**} بِالنُّصْحِ وَالتَّوْجِيهِ وَالتَّعْلِيمِ مَرَّةً وَاثْنَتَيْنِ وَعَشْرَةً، وَلَا تَمَلُّوا مِنْ ذَلِكَ، {**وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ**} بِأَنْ تُوَلِّيَهَا ظَهْرَكَ عَلَى الْفِرَاشِ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ الْخِلَافَ بَيْنَكُمَا أَحَدٌ حَتَّى الْأَوْلَادُ فِي الْبَيْتِ، {**وَاضْرِبُوهُنَّ**} عَلَى الْإِبَاحَةِ بِضَوَابِطَ وَقَوَاعِدَ، أَوْ عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ بَلْ عَلَى مَعْنَى الزَّجْرِ وَالتَّخْوِيفِ.
وَلْيَجْعَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا الْحَسَنَاتِ شَافِعَةً لِلسَّيِّئَاتِ، كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: فَلْيَهَبْ سَيِّئَاتِهَا لِحَسَنَاتِهَا تَخَلُّقًا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ.
وَفِي “صَحِيحِ مُسْلِمٍ” عَنْ **أَبِي هُرَيْرَةَ** رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «**لَا يَفْرَكْ (لَا يُبْغِضْ) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ**» أَوْ قَالَ: «**غَيْرَهُ**».
لَقَدْ أَصْبَحَتِ الْخِلَافَاتُ الْأُسَرِيَّةُ مِنْ أَخْطَرِ أَسْبَابِ الطَّلَاقِ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا، وَمِنْ أَبْرَزِ أَسْبَابِهَا:
– ضَعْفُ الْوَعْيِ الدِّينِيِّ وَالْأَخْلَاقِيِّ فِي التَّعَامُلِ الْأُسَرِيِّ.
– سُوءُ الْحِوَارِ وَالتَّفَاهُمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَغَلَبَةُ الْعَصَبِيَّةِ وَسُرْعَةُ الْغَضَبِ.
– التَّدَخُّلُ السَّلْبِيُّ مِنَ الْأَهْلِ وَالْأَصْدِقَاءِ فِي حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ.
– الضُّغُوطُ الْاقْتِصَادِيَّةُ وَالْمَعِيشِيَّةُ.
– سُوءُ اسْتِخْدَامِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَمَا تُسَبِّبُهُ مِنْ شُكُوكٍ وَمُقَارَنَاتٍ وَفُتُورٍ عَاطِفِيٍّ.
– غِيَابُ ثَقَافَةِ الصَّبْرِ وَالتَّغَافُلِ الَّتِي هِيَ مِنْ أُصُولِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ.
وَإِنَّ مِنْ الْأَخْطَاءِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى عَلَاقَاتِنَا الْأُسَرِيَّةِ: أَنْ يَبْحَثَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ حَقِّهِ فَقَطْ دُونَ النَّظَرِ إِلَى الْوَاجِبِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَالزَّوْجَةُ تَبْحَثُ عَنْ حَقِّهَا فَقَطْ، وَالزَّوْجُ يَبْحَثُ عَنْ حَقِّهِ فَقَطْ، وَالْأَوْلَادُ يَبْحَثُونَ عَنْ حُقُوقِهِمْ فَقَطْ، وَهَذَا يُعَدُّ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ وُجُودِ الْمُشْكِلَاتِ الْأُسَرِيَّةِ فِي الْبَيْتِ الْمُسْلِمِ، فَعَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لَهُ حَقًّا وَعَلَيْهِ وَاجِبٌ.
وَالْقَاعِدَةُ فِي ذَلِكَ: “**لَا تَطْلُبِ الْحَقَّ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ الْوَاجِبَ الَّذِي عَلَيْكَ**”،
فَقَدْ تَشْكُو الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا فِي أَمْرٍ مَا دُونَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى تَقْصِيرِهَا تُجَاهَ زَوْجِهَا، وَقَدْ يَشْكُو الزَّوْجُ مِنْ زَوْجَتِهِ فِي أَمْرٍ مَا دُونَ النَّظَرِ إِلَى تَقْصِيرِهِ فِي وَاجِبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَكَذَا الْأَوْلَادُ يَنْظُرُونَ إِلَى بَعْضِ أَصْدِقَائِهِمْ فَيَرَوْنَ أَنَّ آبَاءَهُمْ مَنَعُوهُمْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، بَيْنَمَا لَمْ يَنْظُرُوا إِلَى وَاجِبِهِمْ فِي الْأَخْلَاقِ وَالطَّاعَةِ وَالْمُذَاكَرَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِذَا قَامَتْ فَلْسَفَةُ الْأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى هَذَا الْعِمَادِ رَأَيْتَ الْبَيْتَ الْمُسْلِمَ فِي أَبْهَى وَأَحْلَى صُورَةٍ.
**سُبُلُ الْوِقَايَةِ وَالْعِلَاجِ**
– الِاقْتِدَاءُ بِسَيِّدِنَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَحْمَتِهِ وَتَوَاضُعِهِ وَحِلْمِهِ دَاخِلَ بَيْتِهِ.
– التَّأْهِيلُ قَبْلَ الزَّوَاجِ بِتَعْلِيمِ الشَّبَابِ حُقُوقَ وَوَاجِبَاتِ الْأُسْرَةِ.
– الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْخِبْرَةِ وَالْإِصْلَاحِ قَبْلَ التَّسَرُّعِ فِي الِانْفِصَالِ.
– تَصْحِيحُ مَفْهُومِ الْقَوَامَةِ بِأَنَّهَا رِعَايَةٌ وَمَسْئُولِيَّةٌ لَا تَسَلُّطٌ وَلَا قَهْرٌ.
– تَصْحِيحُ مَفْهُومِ الطَّاعَةِ بِأَنَّهَا تَعَاوُنٌ وَاحْتِرَامٌ مُتَبَادَلٌ لَا خُضُوعٌ مُذِلٌّ.
– تَصْحِيحُ مَفْهُومِ الرُّجُولَةِ بِأَنَّهَا حِلْمٌ وَرَحْمَةٌ وَعَدْلٌ وَصَبْرٌ لَا عُنْفٌ وَلَا إِهَانَةٌ.
**وَخِتَامًا:**
عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْحِفَاظَ عَلَى الْبُيُوتِ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ، وَحِفْظَ أَمْنِهِ، وَحُسْنَ تَعَاهُدِهِ بِالرِّعَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَالصَّبْرَ عَلَى مُشْكِلَاتِهِ، دَرَجَةٌ عَظِيمَةٌ تَعْلُو دَرَجَةَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُحَافِظَ عَلَى حَقِّ زَوْجِهَا كَذَلِكَ وَلَا تُهْمِلَ شَيْئًا مِنْ حَاجِيَّاتِهِ؛ فَاللَّهُمَّ امْلَأْ بُيُوتَنَا نُورًا وَسَعَادَةً وَطُمَأْنِينَةً، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا عَلَى الْخَيْرِ وَالْمَوَدَّةِ آمِينَ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ عُقُولَنَا وَقُلُوبَنَا، وَاهْدِنَا إِلَى الْفَهْمِ الصَّحِيحِ لِدِينِكَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى الْخَيْرِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.
**مَرَاجِعُ لِلِاسْتِزَادَةِ:**
– دَلِيلُ الْفَالِحِينَ لِطُرُقِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ، ابْنُ عَلَّانَ الصِّدِّيقِيُّ الشَّافِعِيُّ.
– دَلِيلُ الْأُسْرَةِ، مِنْ أَجْلِ حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، إِصْدَارُ دَارِ الْإِفْتَاءِ الْمِصْرِيَّةِ.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف