أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور خالد بدير

بتاريخ 17 ذو الحجة 1446 هـ ، الموافق 13 يونيو 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 17 ذو الحجة 1446 هـ ، الموافق 13 يونيو 2025م. 

 

تحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ :

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ، بصيغة  word أضغط هنا.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ : كما يلي:

 

أولًا: حبُّ الوطنِِ والانتماءُ إليهِ غريزةٌ فطريةٌ.

ثانيًا: وسائلُ الحفاظِ على الأوطانِ.

 ثالثًا: أرضُ الوطنِ شاهدةٌ لكَ أو عليكَ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 13 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ : كما يلي:

 

خطبةٌ بعنوان: الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ

17 ذو الحجة 1446هـ – 13 يونيو 2025م

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ . أمَّا بعدُ:

العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور خالد بدير

أولًا: حبُّ الوطنِِ والانتماءُ إليهِ غريزةٌ فطريةٌ.

إنَّ حبَّ الوطنِ غريزةٌ فطريةٌ في جميعِ الكائناتِ الحيةِ، مِن إنسانٍ وحيوانٍ وطيرٍ، بل إنَّ بعضَ المخلوقاتِ إذا تمَّ نقلُهَا عن موطنِهَا الأصليِّ فإنَّها تموتُ، ولذا يقولُ الأصمعيُّ – رحمَهُ اللهُ -:” ثلاثُ خصالٍ في ثلاثةٍ أصنافٍ مِن الحيواناتِ: الإبلُ تحنُّ إلى أوطانِها وإنْ كان عهدُهَا بهَا بعيدًا، والطيرُ إلى وكرِهِ وإنْ كان موضعُهُ مجدبًا، والإنسانُ إلى وطنِهِ وإنْ كان غيرُهُ أكثرَ نفعًا “.

لذلك كان مِن حقِّ الوطنِ علينَا أنْ نُحبَّهُ، وهذا ما أعلنَهُ النبيُّ ﷺ وهو يتركُ مكةَ تركًا مؤقتًا، فعن عبدِ اللهِ بنِ عديٍّ أنَّهُ سمعَ رسولَ اللهِ ﷺ وهو واقفٌ على راحلتِهِ بالحَزْوَرَة مِنْ مَكَّةَ يَقُول: “وَالله إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرضِ اللهِ وَأحَبُّ أرْضِ اللهِ إِلىَ اللهِ، وَلَوْلاَ أنِّي أخْرِجْتُ مِنْكِ مَاَ خَرَجْتُ” ( الترمذي وحسنه).

 فما أروعَهَا مِن كلماتٍ! كلماتٌ قالَها الحبيبُ ﷺ وهو يودِّعُ وطنَهُ، إنَّهَا تكشفُ عن حبٍّ عميقٍ، وتعلُّقٍ كبيرٍ بالوطنِ، بمكةَ المكرمةِ، بحلِّها وحَرَمِهَا، بجبالِهَا ووديانِهًا، برملِهَا وصخورِهَا، بمائِهَا وهوائِهَا، هواؤُهَا عليلٌ ولو كان محمَّلًا بالغبارِ، وماؤُهَا زلالٌ ولو خالطَهُ الأكدارُ، وتربتُهَا دواءٌ ولو كانتْ قفارًا.

قال الحافظُ الذهبيُّ – مُعَدِّدًا طائفةً مِن محبوباتِ رسولِ اللهِ ﷺ: ” وكان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحبُ سِبطَيْهِ، ويحبُ الحلواءَ والعسلَ، ويحبُ جبلَ أُحُدٍ، ويحبُ وطنَهُ”.

ولتعلقِ النبيِّ ﷺ بوطنِهِ الذي نشأَ وترعرعَ فيهِ ووفائِهِ لهُ وانتمائِهِ إليهِ

دعا ربَّهُ لمَّا وصلَ المدينةَ أنْ يغرسَ فيه حبَّهَا فقالَ: ” اللهمَّ حبِّبْ إلينَا المدينةَ كحُبِّنَا مكةَ أو أشدَّ”. (البخاري ومسلم) .

وقد استجابَ اللهُ دعاءَهُ، فكان يحبُّ المدينةَ حبًّا عظيمًا، وكان يُسَرُّ عندمَا يَرى معالِمَهَا التي تدلُّ على قربِ وصولِهِ إليهَا، فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ تعالَى عنهُ قال: “كان رسولُ اللهِ إذَا قدمَ مِن سفرٍ، فأبصرَ درجاتِ المدينةِ، أوضعَ ناقتَهُ – أي: أسرعَ بهَا – وإنْ كانتْ دابةً حرَّكَهَا”، أي “حركَهَا مِن حبِّهَا”. (البخاري) .

ومع كلِّ هذا الحبِ للمدينةِ لم يستطعْ أنْ ينسىَ حبَّ مكةَ لحظةً واحدةً؛ لأنَّ نفسَهُ وعقلَهُ وخاطرَهُ في شغلٍ دائمٍ وتفكيرٍ مستمرٍ في حبِّهَا، فقد أخرجَ الأزرقيُّ في “أخبارِ مكةَ” عن ابنِ شهابٍ قال: قدمَ أصيلٌ الغفاريُّ قبلَ أنْ يُضرَبَ الحجابُ على أزواجِ النبيِّ ﷺ، فدخلَ على عائشةَ -رضي اللهُ عنها- فقالتْ له: يا أصيلُ: كيف عهدتَ مكةَ؟! قال: عهدتُهَا قد أخصبَ جنابُهَا، وابيضتْ بطحاؤُهَا، قالتْ: أقمْ حتّى يأتيكَ النبيُّ، فلم يلبثْ أنْ دخلَ النبيُّ، فقالَ له: “يا أصيلُ: كيفَ عهدتَ مكةَ؟!”، قالَ: واللهِ عهدتُهَا قد أخصبَ جنابُهَا، وابيضتْ بطحاؤُهَا، وأغدقَ إذخرُهَا، وأسلتْ ثمامُهَا، فقالَ: “حسبُكَ -يا أصيلُ- لا تُحزِنَّا”. وفي روايةٍ أُخرى قال: “وَيْهًا يا أصيلُ! دعْ القلوبَ تقرُّ قرارَها”.

فيجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يحبَّ وطنَهُ، ويتفانَى في خدمتِه، ويضحِّي للدفاعِ عنه

فحبُّ الوطنِ والدفاعُ عنهُ لا يحتاجُ لمساومةٍ، ولا يحتاجُ لمزايدةٍ، ولا يحتاجُ لشعاراتٍ رنانةٍ، ولا يحتاجُ لآلافِ الكلماتِ، أفعالُنَا تشيرُ إلى حبِّنَا، حركاتُنَا تدلُّ عليهِ، حروفُنَا وكلماتُنَا تنسابُ إليهِ، أصواتُنَا تنطقُ بهِ، آمالُنَا تتجهُ إليهِ، طموحاتُنَا ترتبطُ بهِ، لأجلِ أرضٍ وأوطانٍ أُريقَت الدماءُ، لأجلِ أرضٍ وأوطانٍ تشردت أممٌ، لأجلِ أرضٍ وأوطانٍ تحملت الشعوبُ ألواناً مِن العذابِ، لأجلِ أنٔ نكونَ منهَا وبهَا ولهَا وإليهَا مطالبون أينمَا كنَّا أنْ نحافظَ عليهَا !!

وهكذا يظهرُ لنَا بجلاءٍ فضيلةُ وأهميةُ حبِّ الوطنِ والانتماءِ والحنينِ إليه في الإسلامِ.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور خالد بدير

ثانيًا: وسائلُ الحفاظِ على الأوطانِ.

هناكَ عدةُ وسائلٍ عمليةٍ للحفاظِ على الأوطانِ مِن أهمِّهَا:

التضحيةُ بالنفسِ والمالِ: وذلكَ بأنْ يُضحِّي الإنسانُ بنفسِهِ ومالهِ مِن أجلِ وطنِهِ، ولا سيَّمَا في هذه الظروفِ التي تمرُّ بها البلادُ، عملًا بسنةِ النبيِّ ﷺ وتضحيةِ صحابتِهِ الكرامِ بالمالِ ومواساةِ بعضهِمُ البعض، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ:” ﷺ: إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ؛ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ.”(متفقٌ عليه).

وهذا هو التراحمُ والتكافلُ والتعاطفُ الذي ذكرَهُ الرسولُ ﷺ في قولهِ: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.(مسلم).

ومنها: إتقانُ العملِ: وذلك بأنْ يُقومَ كُلُّ فردٍ مِن أفرادِ الأمةِ بإتقانِ العملِ المنوطِ بهِ مِن أجلِ بناءِ وطنِهِ ومجتمعِهِ، ويكفِي في ذلكَ أنَّ قيمةَ إتقانِ العملِ توصلُ العبدَ إلى محبةِ اللهِ تعالَي، حيثُ يقولُ ﷺ:” إنَّ اللهَ يحبُّ إذَا عملَ أحدكُم عملاً أنْ يُتقنَهُ.”( الطبرانيُّ )، ولقدْ أحسنَ مَن قالَ:

إذَا عَمِلَ المرءُ المكلفُ مرةً  …. عملًا فإنَّ العيبَ ألّا يُحسنَهُ

فقـــــدْ ذكرَ المختارُ أنَّ إلهَنَا ….. يحــــــبُّ لعبدٍ خافَهُ أنْ يتقنَهُ

ومنها: الحفاظُ على الممتلكاتِ العامةِ: وذلك بالحفاظِ على معالمِ الوطنِ وآثارهِ ومنشآتهِ العامةِ والخاصةِ، والحفاظِ على مياهِ نيلِهِ التي تربينَا عليهِ وروينَا منها أكبادَنَا، وعدمِ الإفسادِ في أرضهِ، أو تخريبهِ وتدميرهِ، وعدمِ قتلِ جنودهِ وحراسهِ الذين يسهرونَ ليلَهُم في حراستِنَا وحراسةِ أراضينَا!! والذين تمتدُّ إليهم يدُ الغدرِ والخيانةِ بينَ الحينِ والحينِ!! فعن الأصمعِي قال: ” إذا أردتَ أنْ تعرفَ وفاءَ الرجلِ ووفاءَ عهدهِ، فانظرْ إلى حنينهِ إلى أوطانهِ، وتشوُّقِهِ إلى إخوانهِ، وبكائِهِ على ما مضَى مِن زمانِهِ.” ( الآداب الشرعية لابن مفلح) .

ومنها: عدمُ التلاعبِ بالأقواتِ والأرزاقِ: فإنَّ ما يقومُ بهِ البعضُ مِن احتكارِ الموادِ الغذائيةِ، أو التلاعبِ بالأسعارِ، أو استغلالِ حاجةِ الناسِ مِن أجلِ الربحِ الوفيرِ مع الإضرارِ بالمجتمعِ، هؤلاءِ قد انسلخُوا مِن إنسانيتِهِم، وفقدُوا الولاءَ والانتماءَ لوطنِهِم، مع محقِ بركةِ أرزاقِهِم ، وخبثِ كسبِهِم، فضلًا عن لحوقِ اللعنةِ بهِم كمَا جاءَ في الشريعةِ الإسلاميةِ الغراءِ، وفي ذلك يقولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ».( مسلم).

ومنها: مواجهةُُ الدعواتِ الهدامةِ: فمن أهمِّ حقوقِ الوطنِ علينَا مواجهةُ الإرهابِ وتطهيرُ عُقولِ الشبابِ مِن الأفكارِ المتطرفةِ؛ لأنَّ الناسَ لو استقامتْ عقولُهُم، صاروا يُفكِّرونَ فيمَا ينفَعُهُم ويبتَعِدونَ عمَّا يضرُّهُم، إذًا هناكَ علاقةٌ كبيرةٌ بينَ المحافظةِ على عقولِ الناسِ وبينَ استقرارِ الأمنِ عندَهُم؛ لأنَّ مِمَّا يُذهِبُ بأمنِ الناسِ انتشارَ المفاهيمِ الخاطئةِ حيالَ نصوصِ القرآنِ والسنةِ، وعدمَ فهمِهِمَا بفهمِ السلفِ الصالحِ، وهل كُفِّرَ الناسُ وأريقتْ الدماءُ وقُتِلَ الأبرياءُ وخُفرتْ الذممُ بقتلِ المستأمنين وفُجِّرتْ البقاعُ إلّا بهذهِ الأفكارِ المتطرفةِ المعكوسةِ، والمفاهيمِ المنكوسةِ؟!!

ومنها: الدعاءُ بصلاحِ الحالِ: تأسيًّا بالنبيِّ ﷺ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، يَقُولُ: «اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ». (مسلم).

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ».( مسلم).

العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : الأوطانُ ليست حفنةً مِن ترابٍ ، للدكتور خالد بدير

ثالثًا: أرضُ الوطنِ شاهدةٌ لكَ أو عليكَ.

اعلمْ يا عبدَاللهِ أنَّ كلَّ عملٍ – خيرًا أو شرًا – تعملُهُ في أيِّ مكانٍ على أرضِ الوطنِ، ستشهدُ عليكَ الأرضُ بذلِكَ يومَ القيامةِ، قال أبو هريرةَ رضي اللهُ عنه: «قرأَ رسولُ اللهِ هذه الآيةَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} قال: أتدرونَ ما أخبَارُهَا؟ قالوا: اللهُ ورسولُهُ أعلم. قال: فإنَّ مِن أخبارِهَا أنْ تشهدَ على كلِّ عبدٍ وأمَةٍ بما عملَ على ظهرِهَا، أنْ تقولَ: عَمِلَ كذا وكذا يومَ كذا وكذا، فهذه أخبارُهَا». ( أحمد والنسائي والترمذي وصححه)، فهي تشهدُ على مَن خانَ عليهَا، وتشهدُ على مَن سرقَ وزنَى عليهَا، وتشهدُ على مَن أهدرَ المالَ عليهَا، وتشهدُ على مَن هربَ مِن عملِهِ وقصَّرَ فيهِ عليهَا، وتشهدُ على مَن سفكَ دماءَ الأبرياءِ عليهَا.

إنَّها حقيقةٌ لا خيالٌ، ليتخيلْ كلُّ واحدٍ منَّا نفسَهُ في ذلكَ اليومٍ، وقد شُّقتْ الأرضُ عن لحدِكَ، وخرجتَ مِن قبرِكَ، تقومُ وأنتَ أو أنتِ الكلُّ يحثُو الترابَ عن رأسهِ وجسدهِ. الجسدُ عارٍ، والقدمُ حافيةٌ، والرأسُ مكشوفٌ بلا غطاءٍ، والموتَى يخرجُون مِن قبورِهِم مذهلينَ مِن هولِ المطلعِ، قائلين: “ما لهَا؟ ما لهَا؟”. فإذا بالأصواتِ تضجُّ مِن كلِّ مكانٍ مِن أرجائِهَا، تتحدثُ بمَا فعلتَ عليها مِن شرٍّ أو خيرٍ.

كمَا أنَّ هذه الأشجارَ والأحجارَ تشهدُ على العبدِ يومَ القيامةِ، وفي ذلك يقولُ : «لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ، وَلاَ شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».( البخاري).

لذلكَ قالَ العلماءُ:

مَن عصَى اللهَ تعالى في موضعٍ مِن الأرضِ، فليطعْهُ في نفسِ الموضعِ حتى يشهدَ لهُ بالحسناتِ، كما سيشهدُ لهَ بالسيئاتِ، وقد قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. (هود: 114).

إنَّ أرضَ الوطنِ تبكِي على فراقِ العبدِ الذي كان يعمرُهَا بالطاعةِ والعمرانِ، وتفرحُ بموتِ العبدِ الذي يدمرُهَا بالخرابِ والخسرانِ، قال تعالى عندَ الحديثِ عن هلاكِ فرعونَ وجنودِه: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ}. (الدخان: 29). يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ:” أَيْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ تَصْعَدُ فِي أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَتَبْكِي عَلَى فَقْدِهِمْ، وَلَا لَهُمْ فِي الأرضِ بقاعٌ عبدوا اللهَ تعالى فيها فقدتهُم، فلهذا استحقوا أنْ لا يُنْظَرُوا وَلَا يُؤَخَّرُوا لِكُفْرِهِمْ وَإِجْرَامِهِمْ وَعُتُوِّهِمْ وَعِنَادِهِمْ. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَتَى ابْنَ عباسٍ رضي اللهُ عنهما رجلٌ فقال:

يا أبا العباسِ أرأيتَ قولَ اللهِ تعالى: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ}. فَهَلْ تَبْكِي السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ عَلَى أَحَدٍ؟ قال رضي اللهُ عنه: نَعَمْ إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ إِلَّا وَلَهُ بَابٌ فِي السَّمَاءِ مِنْهُ يَنْزِلُ رِزْقُهُ وَفِيهِ يَصْعَدُ عَمَلُهُ، فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ فَأُغْلِقَ بَابُهُ مِنَ السَّمَاءِ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ فِيهِ عملُهُ وينزلُ منهُ رزقُهُ ففقدَهُ بكَى عليهِ، وإذا فقدَهُ مُصَلَّاهُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا ويذكرُ اللهَ عزّ وجلّ فِيهَا بَكَتْ عَلَيْهِ، وكَانَ يُقَالُ تَبْكِي الْأَرْضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَتَدْرِي مَا بُكَاءُ السَّمَاءِ! قُلْتُ: لَا، قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصِيرُ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ!! وَإِنَّ قَوْمَ فِرْعَوْنَ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ آثَارٌ صَالِحَةٌ وَلَمْ يكن يصعد إلى الله عز وجل مِنْهُمْ خَيْرٌ، فَلَمْ تَبْكِ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ”. (تفسير ابن كثير).

بل إنّ كلَّ ما على أرضِ الوطنِ مِن إنسانٍ وحيوانٍ وشجرٍ وحجرٍ

يفرحُ ويستريحُ بموتِ العبدِ الفاجرِ الذي يخربُ فيهِ ويفسدُهُ ويدمرُهُ، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ». (متفق عليه).

فعليكَ أخِي المسلم أنْ تعمرَ أرضَ الوطنِ بالطاعةِ والعبادةِ والعمرانِ، وإيّاكَ والفسقَ والفجورَ والفسادَ والخسرانَ، لتكونَ أرضُ الوطنِ شاهدةً لكَ لا عليكَ يومَ القيامةِ، وتبكِي عليكَ عندَ موتِكَ وفراقِكَ.

نسألُ اللهَ أنْ يجعلنَا مِن الأوفياءِ الأبرارِ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا وشَعْبَهَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

الدعاء،،،،                                   وأقم الصلاة،،،،                                     كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى