خطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdf

خطبة الجمعة القادمة :(لله درك يا ابن عباس) لصوت الدعاة

١٥ من محرم ١٤٤٧ هـ، الموافق ١١ يوليو ٢٠٢٥م،

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : لله درك يابن عباس التحذير من خطورة التكفير ، لـ صوت الدعاة ، ١٥ من محرم ١٤٤٧ هـ، الموافق ١١ يوليو ٢٠٢٥م،

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 يوليو 2025م بصيغة word بعنوان : التحذير من خطورة التكفير ، لـ صوت الدعاة.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 يوليو 2025م بصيغة pdf بعنوان : التحذير من خطورة التكفير ، لـ صوت الدعاة.

عناصر خطبة الجمعة القادمة ١٥ من محرم ١٤٤٧ هـ، الموافق ١١ يوليو ٢٠٢٥م، بعنوان :لله درك يابن عباس التحذير من خطورة التكفير

 

أولًا: التكفيرُ جُرمٌ خطيرٌ وآفةُ العصرِ.

 ثانيـــًا: مِن الأسبابِ الموصلةِ للتكفيرِ   .

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة ١٥ من محرم ١٤٤٧ هـ، الموافق ١١ يوليو ٢٠٢٥م، بعنوان : لله درك يابن عباس التحذير من خطورة التكفير : كما يلي:

 

(لله درك يا ابن عباس)

موضوع خطبة الجمعة القادمة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة ١٥ من محرم ١٤٤٧ هـ، الموافق ١١ يوليو ٢٠٢٥م، بعنوان: “لله درك يا ابن عباس”، وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف من هذه الخطبة هو: التوعية بخطورة الفكر الضال وكيفية التصدي العلمي له، وبيان حكمة الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) في التعامل مع الخوارج بما أقامه الله فيه من علم غزير وحكمة بليغة، فأوجد بذلك سبيلاً في انتشال الأمة من هوة الشقاق والخلاف، وبيان سبل مواجهة الفكر المتشدد بالعلم الراسخ والفهم العميق والحوار الهادئ مع من اتبع الحوار سبيلاً.

خطبة الجمعة القادمة بعنوان:

“لله درك يا ابن عباس”، لصوت الدعاة

15من محرم ١٤٤٧ هـ، الموافق ١١ يوليو ٢٠٢٥م،

 

الحمدُ للهِ الذي أحسَنَ كلَّ شيءٍ خلقَه، وبدأَ خلقَ الإنسانِ من طينٍ، ثم جعلَ نسلَهُ من سلالةٍ مِن ماءٍ مهينٍ، ثم سوَّاهُ ونفخَ فيه من روحهِ، فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين, الحمدُ لله القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ (سورة ص: 29)، وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ لهُ، إلهُ الأولينَ والآخرينَ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ سيدُ المرسلينَ وإمامُ المتقينَ، فاللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وزدْ وباركْ على النبيٍّ  المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ  الأخيارِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.   أما بعدُ …..فأوصيكُم ونفسي أيها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (أل عمران :102)

يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللَهِ حُبَّكُمُ ***فَرضٌ مِنَ اللهِ في القُرآنِ أَنزَلَهُ

يَكفيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أَنَّكُمُ ***مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم لا صَلاةَ لَهُ

  عبادَ اللهِ  :(( التحذيرُ مِن خطورةِ التكفيرِ)) عنوانُ وزارَتِنا وعنوانُ خطبَتِنا

عناصرُ اللقاءِ:    

أولًا: التكفيرُ جُرمٌ خطيرٌ وآفةُ العصرِ.

 ثانيـــًا: مِن الأسبابِ الموصلةِ للتكفيرِ   .

أيُّها السادةُ: ما أحوجَنَا إلي أنْ يكونَ حديثُنا عن  لله درك يابن عباس التحذيرِ مِن خطورةِ التكفيرِ، وخاصةً وإِنّ المُؤمِنَ أَكمَلُ النَّاسِ عَقلًا، وَأَرقَاهُمْ تَفكِيرًا، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا؛ إِذْ كُلُّ مَا يَرَاهُ مِن حَولِهِ يَدُلُّهُ عَلَى رَبِّهِ، وَرَضِيَ بِالإِسلَامِ دِينًا؛ إِذْ رَأَى فِي تَشرِيعَاتِهِ التَّكَامُلَ وَالتَّوَازُنَ وَالعَدلَ الَّذِي تَستَقِيمُ بِهِ الحَيَاةُ، وَرَضِيَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا؛ إِذْ عَلِمَ مِن حَالِهِ صِدقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَزُهدَهُ وَسُمُوَّ أَخلَاقِهِ وَتَأيِيدَ اللَّهِ لَهُ، وخاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا فسدتْ فيهِ العقولُ وانحرفتْ بسببِ بعدِهَا عن منهجِ ربِّهَا وسنةِ نبيِّهَا ﷺ، وخاصةً سوءَ فهمِ النصوصِ فهمًا صحيحًا أدَّى إلى انتشارِ الفِرَقِ التكفيرية الضالةِ والمنحرفةِ والأفكارِ الطائِشةِ، والآراءِ الهَزيلةِ، التي تُشوِهُ صورةَ الإسلامِ بالليلِ والنهارِ في الداخلِ والخارجِ ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ ، وخاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا انتشرَ فيهِ التكفيرُ والتبديعُ والتفسيقُ بصورةٍ مخزيةٍ، خاصةً بينَ انتشارِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي، ودخلَ التكفيريونَ إلى بيوتِنَا وإلى أولادِنَا عن طريقِ الشبكةِ العنكبوتيةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، فكم مِن شبابٍ في ريعانِ الشبابِ تركَ أُمَّهُ وأبَاهُ للحوقِ بهذهِ الجماعاتِ ظنًا منهُ أنَّهُ بطلٌ وأنّهُ يجاهدُ في سبيلِ اللهِ فراحَ ضحيةً وفريسةً سهلةً لهُم، وضيعَ عمرَهُ وشبابَهُ بسببِ الأفكارِ الضالةِ المنحرفةِ والهدامةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، وليس عجبًا أنْ نسمعَ لأحدِ التافهينَ مِن هذه الجماعاتِ وهو يريدُ ثورةً بمصرِنَا الغاليةِ ليكونَ قائدًا لهَا هو وجماعتُهُ المنحرفةُ الضالةُ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، فلا تسمعُوا لهذه الدعواتِ الضالةِ المنحرفةِ التي تريدُ النيلَ مِن مصرِنَا وأمنِهَا وجيشِهَا واستقرارِهَا ليتحكمَ هؤلاءِ التكفيريونَ في الناسِ بالليلِ والنهارِ بلا فهمٍ ولا واعيٍ ، فمصرُنَا الغاليةُ مستهدفةٌ مِن الداخلِ والخارجِ مِمَّن يريدونَ النيلَ منها ومِن أمنِهَا واستقرارِهَا؛ لتعمَّ الفوضَى والخرابُ والهلاكُ والدمارُ، فمصر أمانة في أعناق الجميع والمحافظة عليها دين وإيمان وإحسان ولله در القائل

مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ*** اللهُ يحرسُها عطفًا ويرعَاها

ندعوكَ يا ربِّ أنْ تحمِى مرابعَها *** فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا

مَن شاهَدَ الأرْضَ وأَقْطَارَها *** والنَّاسَ أنـواعًا وأجناسًا

ولا رأى مِصْـرَ ولا أهلها *** فما رأى الدنيا ولا الناسَ

أولًا: التكفيرُ جرمٌ خطيرٌ وآفةُ العصرِ.

أيُّها السادةُ: بدايةً الإسلامُ دينُ السلامِ، دينُ الوسطيةِ، دينُ الاعتدالِ، ليس دينَ التطرفِ والإرهابِ، ليس دينَ التكفيرِ والغلوِّ والتشددِ، ليس دينَ التساهلِ إنَّمَا دينُ الوسطيةِ والاعتدالِ فلا إفراطَ ولا تفريطَ، ولا غلوَّ ولا تقصيرَ، ولا مبالغةً ولا ميوعةً، قال جلَّ وعلا في حقِّ أمةِ الإسلامِ  { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، وتُعدُّ الوسطيةُ مِن أعظمِ الخصائصِ التي تميزتْ بهَا الأمةُ الإسلاميةُ، الوسطيةُ بمفهومِهَا الشاملِ المرتكزِ على معنَى الخيريةِ والعدالةِ والبيِّنيةِ، واستمدتهَا مِن منهجِ الإسلامِ ونظامِهِ، وهو منهجُ الوسطِ والاعتدالِ والتوازنِ، الذي اختارَهُ اللهُ شعارًا مميزًا لهذه الأمةِ التي هي آخرُ الأممِ، وللرسالةِ التي ختمتْ بهَا الرسالاتُ، فالوسطيةُ هي المنهجُ الربانِيُّ  الذي ينسجمُ مع الفطرةِ الإنسانيةِ، الوسطيةُ: هي نشوءُ أجيالٍ مِن رجالٍ يسيرونَ على دربِ الرجالِ الأوائلِ، يُتمّونَ ما بدأوا، ويكملُون ما بهِ شرعوا، دونَ غلوٍّ فيهِم أو جفاءٍ لهُم، لذا  نجدُ الإسلامَ وسطًا بينَ المللِ، فلا إلحادَ ولا وثنيةَ، لا عبادةَ الأصنامِ، ولا عبادةَ الأحجارِ التي استهوتْ اليومَ أزيدَ مِن ثلثِ سكانِ العالمِ، بل عبادةٌ خالصةٌ للهِ تعالى، على الوجهِ المشروعِ، قالَ جلَّ وعلا: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]، فالإسلامُ منهجٌ قائمٌ على الاعتدالِ أساسهُ الحكمةُ والموعظةُ الحسنةُ، والجدالُ بالتِي هي أحسنُ، عمادُهُ اللينُ والرفقُ في غيرِ ضعفٍ، وفي الوقتِ ذاتِهِ الجدالُ بالتِي هي أحسنُ للإقناعِ وإقامةِ الحجةِ، دونَ إكراهٍ ولا قهرٍ، فمَن آمنَ فلهُ ما لنَا وعليهِ ما علينَا، ومَن اختارَ دينَهُ فلا حرجَ على أنْ يكفَّ عن المسلمينَ يدَهُ ولسانَهُ، قالَ جلَّ وعلا: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]. (ولن تجدَ أعظمَ مِن الإسلامِ وسطيةً واعتدالًا، فللرجلِ حقوقُهُ، وللمرأةِ حقوقُهَا، وللزوجِ حقوقُهُ، وللزوجةِ حقوقُهَا، وللآباءِ حقوقُهُم، وللأبناءِ حقوقُهُم، وللإخوةِ حقوقُهُم، وللأقاربِ حقوقُهُم، وللجيرانِ حقوقُهُم، كلُّ ذلكَ في إطارٍ مِن التوازنِ، يضمنُ تماسَكَ المجتمعِ، ويحققُ التكاملَ بينَ أفرادِهِ، قالَ تعالَى: ﴿ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190].وأقرَّ النبيُّ ﷺ قولَ سلمانَ لأبِي الدرداء رضي اللهُ عنها: ( إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ”. قَالَهَا ثَلَاثًا.

 فكمْ مِن بلادٍ تدمرتْ بسببِ انتشارِ فكرِ التكفيرِ والتكفيرينَ؟ وكمْ مِن بلادٍ تأخرتْ بسببِ تلكمُ الجماعاتِ المنحرفةِ ؟وكَمْ مِنْ مُجْـتَمَعَاتٍ تَشَتَّتَ؟ بسببِ الأفكارِ الهدامةِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ .

فمواجهةُ التكفيرِ مطلبٌ شرعيٌّ، وواجبٌ وطنيٌّ، وعملٌ إنسانيٌّ، وَمَسْؤُولِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ ،ومقصدٌ مِن مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ، الكلُّ مطالبٌ بمحاربتِهِ والتصديِ لهُ، والكلُّ محاسبٌ عنهُ بينَ يديِ اللهِ لمَن فرّطَ وأهملَ في مواجهتِهِ أو استباحِهِ بجميعِ صورِهِ وأشكالِهِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، قال ربُّنَا جلّ وعلا: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: 33)، والتكفيرُ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ، ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشَا في أمةٍ إلَّا كان نذيرًا لهلاكِهَا ، و ما دبَّ في أسرةٍ إلّا كان سببًا لفنائِهَا ، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍ وتعاسةٍ ، والتكفيرُ آفةٌ من آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ ،مدمرٌ للقلبِ والأركانِ ،يفرقُ بين الأحبةِ والإخوةِ، يحرمُ صاحبهُ: الأمنَ والأمانَ ،ويدخلُهُ النيرانَ، ويبعدُهُ عن الجنانِ ،فالبعدُ عنهُ خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ. والتكفيرُ ظاهرةٌ سلبيةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والدولِ ،والتكفيرُ داءٌ يقتلُ الطموحَ ، ويدمرُ قيمَ المجتمعِ ، ويعَدّ خطرًا مباشرًا على الوطنِ، ويقفُ عقبةّ في سبل البناءِ والتنميةِ ، يبددُ المواردَ ، ويهدرُ الطاقاتِ .

وإذا كانت النصوصُ الشرعيةُ تحرِّمُ سَبَّ المسلمِ، وتحرمُ قذفَهُ، وتحرمُ السخريةَ منهُ، ولَعْنَهُ، فكيفَ بإخراجِهِ مِن دائرةِ الإسلامِ؟! فذاكَ أعظمُ خطراً وأشدّ، فإِنَّ هَذَا الدِّينَ دِينُ الرَّحْمَةِ والأخلاق، دِينُ حُسْنِ التَّعَامُلِ وَالرُّقِيِّ بِالْأَلْفَاظِ، دِينٌ مَنْهَجُهُ: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء: 53]، وَمَنْهَجُهُ: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾، وَمِنَ الْأَخْلَاقِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الشَّرْعُ: تَحْرِيمُ السَّبِّ وَاللَّعْنِ وَالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ. يَقُولُ ﷺ: “إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً وَلَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا” رَوَاهُ مُسْلِمٌ. لذا قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58) ورميُهُ بالكفرِ مِن أعظمِ الأذَىَ والإيلامِ لهُ، وقالَ -جلَّ وعلا- محذِّراً لنَا أنْ نحكمَ على الأمورِ بلا علمٍ ولا بصيرةٍ: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) [الإسراء:36]. وعنِ ابنِ مَسعودٍ رضي اللهُ عنهُ  قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: (سِبابُ المُسْلِمِ فُسوقٌ، وقِتَالُهُ كُفْرٌ )متفقٌ عَلَيهِ، ومِنْ أَعْظَمِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ المُسْلِمُونَ التَّكْفِيرَ بِلَا مُوُجِبٍ، وَقَدْ وَقَعَ في ذَلِكَ الخَوَارجُ قَدِيمًا، وَمَا زَالَ وَاقِعًا مِمَّنَ تَبِعَ الخَوَارِجَ وَنَهَجَ نَهْجَهُمْ، مِنْ حُدَثَاءِ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءِ الأَحْلَامِ، وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُونَ خُطُورَةَ النَّتَائِجِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى التَّكْفِيرِ. وصدقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتَهُمْ فَاقْتُلْهُمْ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، هؤلاءِ هُم  الخوارِجُ الذينَ عَانتْ منهمُ الأمةُ في قديمِ عصرِهَا وحديثِهِ، فهمُ الذينَ قاتلُوا الصَّحَابَةَ – رضيَ اللهُ عَنْهُمْ – فِي مَعْرَكَةِ النَّهْرَوَانِ، حَيْثُ قَاتَلُوا أَصحابَ رسولِ اللهِ ﷺ الذينَ همْ خِيارُ النَّاسِ بعدَ الأَنبياءِ، إِنَّهُمْ الذينَ قتلُوا الخلِيفتينِ الرَّاشدينِ عُثمانَ بنَ عفَّانٍ وهوَ يقرأُ القرآنَ وَعَليًّا بنَ أبي طالبٍ – رضيَ اللهُ عنهُ – وهوَ في طريقِهِ للصلاةِ. فالتكفيرُ جرمٌ خطيرٌ وآفةٌ مِن آفاتِ العصرِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا» رواه مسلم، وَفي «الصحيحين» عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِر، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ».

وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ». أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ في «صحيحه».

قال جلَّ وعلا: ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 11]، قالَ جماعةٌ مِن المفسرين: (هو قولُ الرّجلِ لأخيهِ المسلمِ: يا فاسقٌ، يا كافرٌ). فالحذرَ الحذرَ مِن تكفيرِ الناسِ بلا علمٍ ولا فهمٍ ، الحذرَ الحذرَ مِن اتهامِ الناسِ بالباطلِ فتكونَ مِن الخاسرينَ الدنيا والآخرةِ. 

 ثانيـــًا: مِن الأسبابِ الموصلةِ للتكفيرِ   .

أيُّها السادةُ: هناكَ أسبابٌ كثيرةٌ أدتْ إلى انتشارِ التكفيرِ في المجتمعاتِ منهَا على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ: أولاهَا: الجهلُ وما أدراكَ ما الجهلُ ؟ استعاذَ  منهُ رسولُ اللهِ ﷺ منهُ، كما في مسندِ أحمدَ وغيرِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ـ رضي الله عنها ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ « بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّى إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزِلَّ أَوْ أَضِلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَىَّ)، ولَقد وردتْ فِي القرآنِ الكريمِ آياتٌ عديدةٌ للتحذيرِ مِن مَخاطِرِ الجَهلِ، قالَ تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا))( الفرقان:63 )، بل خاطبَ اللهُ نبيَّهُ ﷺ بقوله 🙁 خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )( الأعراف :199)، بل الجهلُ مِن علاماتِ الساعةِ ففي الصحيحين عن أَبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قال  النَّبِيُّ ﷺ: ( إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ ، وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ(، والجهلُ مِن أخطرِ أسبابِ الضلالِ والانحرافِ عن الحقِّ والهدى والصوابِ ، ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رضي الله عنهماـ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا ، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ”   وصدقَ مَن قالَ: (( خيرُ المواهبِ: العقلُ، وشرُّ المصائبِ: الجهلُ).

ومنها: اتباعُ الهوَى:إنَّ اتباعَ الهوَى آفةٌ مِن أعظمِ الآفاتِ، فالهوَى يستعبدُ الإنسانَ ويأسرُهُ ويجعلُهُ في ضلالٍ، قالَ جلَّ وعلا : {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (القصص: 50). وقالَ جلَّ وعلا: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية: 23. لقد دأبت الفرقُ المنحرفةُ عن هديِ الكتابِ والسنةِ على تكفيرِ مخالفِيهَا، حتى أصبحَ سمتاً للفرقِ المبتدعةِ المختلفةِ، يقولُ ابنُ تيميةَ: (ومِن البدعِ المنكرةِ تكفيرُ الطائفةِ غيرهَا مِن طوائفِ المسلمينَ واستحلالُ دمائِهِم وأموالِهِم) … وهذا حالُ عامةِ أهلِ البدعِ الذين يكفرُ بعضُهُم بعضاً … وهؤلاءِ مِن الذينَ قالَ اللهُ تعالَى فيهم: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) الأنعام: 159 ، فالكثيرُ مِن هؤلاءِ الذينَ يسارعونَ إلى تكفيرِ المسلمينَ بغيرِ بيناتٍ هم في الحقيقةِ فعلُوا ذلكَ اتباعًا لأهوائِهِم ونفوسِهِم المريضةِ، ولم يكنْ ذلكَ منهُم لعلمٍ اكتسبوهُ ليسَ عندَ غيرِهِم، بل تبعًا لهواهُم، والهوىَ يعمِي ويصمُ. وانظرْ إلى أحدِ قتلةِ أميرِ المؤمنينَ عثمانَ بنِ عفانَ رضي اللهُ عنه، فإنَّ هذا المجرمَ طعنَ عثمانَ تسعَ طعناتٍ، وقال: ثلاثٌ للهِ، وستٌ لِمَا في نفسِي. ولو صدقَ لقالَ: تسعٌ لِمَا في نفسِي. يا ربِّ سلِّم .وإذا كان صلاحُ بنِي آدمَ بالإيمانِ والعملِ الصالحِ، فإنّهُ لا يخرجُهُم عن ذلكَ إلَّا الجهلُ واتباعُ الهوَى.

ومنها: تصدرُ مِن ليسَ أهلًا للإفتاءِ:إنَّ مِن أهمِّ أسبابِ انتشارِ هذه الظاهرةِ التضييقَ على العلماءِ الراسخينَ ومنعَ الناسِ مِن الوصولِ إليهِم، فيضطرونَ إلى التماسِ العلمِ عندَ الأصاغرِ الذين يتجرأونَ على ما يقفُ عندَهُ العلماءُ، وقد قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “إنَّ مِن أشراطِ الساعةِ أنْ يُلتمسَ العلمُ عندَ الأصاغرِ”أخرجه الطبراني.

وقد استشعرَ الخليفةُ الراشدُ عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه هذا الخطرَ فحذّرَ مِن هؤلاءِ الأغرارِ: “ما أخافُ على هذه الأمةِ مِن مؤمنٍ ينهاهُ إيمانُهُ، ولا مِن فاسقٍ بَيِّنٍ فسقُهُ، ولكنِّي أخافُ عليهَا رجلاً قد قرأَ القرآنَ حتى أذلقَهُ بلسانِهِ، ثم تأولَهُ على غيرِ تأويلِهِ”.
يقولُ ابنُ قتيبةَ: “لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما كان علماؤهُم المشايخ، ولم يكنْ علماؤهُم الأحداث، لأنَّ الشيخَ قد زالتْ عنهُ حِدَّةُ الشبابِ ومتعتهُ وعجلتهُ، واستصحبَ التجربةَ في أمورِهِ، فلا تدخل عليهِ في علمِهِ الشُّبه، ولا يستميلهُ الهوى، ولا يستزلهُ الشيطانُ، والحَدَثُ قد تدخلُ عليهِ هذه الأمورُ التي أمنتْ على الشيخِ، فإذا دخلتْ عليهِ، وأفتَى هلكَ وأهلكَ”.

ومنها: الغلوُّ في الدينِ والتشددُ بغيرِ حقٍّ:

وقد حذّرَ ربُّنَا في كتابِهِ ونبيُّنَا ﷺ في سنتِهِ مِن الغلوِّ والتشددِ عمومًا، وعن الغلوِّ في تكفيرِ أهلِ القبلةِ خصوصًا في كثيرٍ مِن الآياتِ القرآنيةِ والأحاديثِ النبويةِ،  قالَ جلَّ وعلا: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}[المائدة:171]..
وعن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما، أنَّ النبيِّ ﷺ قال: (يا أيُّها النَّاسُ إيَّاكم والغُلوَّ في الدِّينِ فإنَّهُ أهْلَكَ من كانَ قبلَكُمُ الغلوُّ في الدِّينِ)). وقد نهَى النبيُّ ﷺ عن التشددِ عمومًا فقال: لا تُشدِّدوا فيُشدِّدِ اللهُ عليكم)[رواه أبو داود.

ومنها :سوءُ الفهمِ وكيفَ لا ؟ والنبيُّ ﷺ قال كما في حديثِ معاويةَ رضى اللهُ عنهما كما في صحيحِ البخاريِّ قال: قال النبيُّ ﷺ: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ)) قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: أي يفهمُه. وَحَثَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْفِقْهِ وَالْفَهْمِ، وَاسْتِخْدَامِ الْعَقْلِ فِيمَا خُلِقَ لَهُ، قَالَ ﷺ كما في حديثِ ابن مسعودٍ رضى اللهُ عنه قال قال رسولُ اللهِ ﷺ: (نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا، وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ)، وقد دعا النبيُّ ﷺ لعبدِ اللهِ بنِ عباسٍ فقال: اللهم فقههُ في الدينِ وعلمهُ التأويلَ. ولقد أخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: {تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ خِيَارَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدُّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ (

قال ابنُ القيمِ رحمَهُ اللهُ: سوءُ الفهمِ عن اللهِ ورسولِهِ أصلُ كلِّ بدعةٍ وضلالةٍ نشأتْ في الإسلامِ قديمًا وحديثًا، وأصلُ كلِّ خلافٍ في الأصولِ والفروع.

ثم قالَ ابنُ القيمِ: وهل أوقعَ القدريةُ – النفاةُ منهُم والجبريةُ- والمرجئةُ والخوارجُ والمعتزلةُ والروافضُ وسائرُ طوائفِ أهلِ البدعِ فيمَا وقعُوا فيهِ إلَّا سوءُ الفهمِ عن اللهِ ورسولِهِ؟!

مرَّ على الخوارجِ عبدُ اللهِ بنُ خبابٍ بنُ الأرتِ رضوانُ اللهِ عليهِ وعلى أبيهِ مع امرأتِهِ، فسألَ الخوارجُ عبدَ اللهِ عن عليٍّ بنِ أبِي طالبٍ رضي اللهُ عنه، وكان الخوارجُ قد كفّرُوا عليًّا بدعوَى أنّهُ حكّمَ الرجالَ في كتابِ اللهِ، واللهُ جلَّ وعلا يقولُ: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ )) الأنعام:57

فانظرْ كيفَ يستشهدُ هؤلاءِ بالآياتِ، فلمَّا سألّوا عبدَ اللهِ بنَ خبابٍ عن عليٍّ أثنَى عليهِ بمَا هو أهلُهُ، فلمَّا أثنَى عبدُ اللهِ علىَ عليٍّ قتلَهُ الخوارجُ وذبحُوهُ كما تذبحُ النعجةُ، ثم سألوا امرأتَهُ عن عليٍّ فأثنتْ عليهِ بمَا هو أهلُهُ فذبحُوهَا كمَا تذبحُ النعجةُ وبقرُوا بطنَهَا واستخرجُوا جنينَهَا مِن بينِ  أحشائِهَا، ومرَّ هؤلاءِ المجرمونَ وأيديهم ملطخةٌ بدماءِ عبدِ اللهِ وامرأتِهِ على حائطٍ للنخيلِ سقطتْ بعضُ تمراتِهِ خارجَ أسوارِهِ، فانحنَى أحدُهُم ليلتقطَ تمرةً ليأكلَهَا، فقالُوا: مهْ مهُ. ماذا تصنعُ يا رجلُ؟! كيف تستحلُ لنفسكَ تمرةً لم يأذنْ لكَ صاحبُهَا؟! وأيديهم ملطخةٌ بدماءِ عبدِ اللهِ بنِ خبابٍ وامرأتِهِ. فسوءُ الفهمِ عن اللهِ ورسولِهِ قضيةٌ مِن أخطرِ القضايَا.

لذا قالَ اللهُ جلَّ وعلا: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ))[الأنفال:22-23

إلهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ أهلاً ***وَ لاَ اَقْوَي عَلَي النَّارِ الْجَحِيْمِ
فَهَبْ لِي تَوْبَةً وَ اغْفِرْ ذُنُوْبِي*** فَاِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ الْعَظِيْمِ
وَ عَامِّلْنِي مُعامَلةً الْكَرِيْمِ ***وَ ثَبِّتْنِي عَلَي النَّهْج الْقَوِيْم

فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعملُوا بطاعةِ اللهِ: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8

حفظَ اللهُ مصرَ مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

 

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى