خُطْبَةٌ بِعُنْوَانِ: دَوْرُ الاتِّحَادِ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعَاتٍ قَوِيَّةٍ مُتَمَاسِكَةٍ (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ)

خطبة الجمعة بعنوان : دَوْرُ الاتِّحَادِ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعَاتٍ قَوِيَّةٍ مُتَمَاسِكَةٍ (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) ، بتاريخ 23 محرم 1447هـ ، الموافق 18 يوليو 2025م.
لتحميل خطبة جمعة استرشادية بعنوان : دَوْرُ الاتِّحَادِ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعَاتٍ قَوِيَّةٍ مُتَمَاسِكَةٍ (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) بتاريخ 18 يوليو 2025 ، بصيغة word
ولتحميل خطبة جمعة استرشادية بعنوان : دَوْرُ الاتِّحَادِ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعَاتٍ قَوِيَّةٍ مُتَمَاسِكَةٍ (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) بتاريخ 18 يوليو 2025 بصيغة pdf
عناصر خطبة جمعة استرشادية بعنوان : دَوْرُ الاتِّحَادِ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعَاتٍ قَوِيَّةٍ مُتَمَاسِكَةٍ (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) ، كما يلي:
-
-
تَعْرِيفُ الِاتِّحادِ
دَوْرُ الِاتِّحادِ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعَاتٍ قَوِيَّةٍ
أَهَمِّيَّةُ الِاتِّحادِ كَقِيمَةٍ إِنْسَانِيَّةٍ وَاجْتِمَاعِيَّةٍ
كَيْفِيَّةُ تَعْزِيزِ ثَقَافَةِ الِاتِّحادِ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا؟
آثَارُ غِيَابِ الِاتِّحادِ
الْـخُلَاصَة
-
ولقراءة خطبة جمعة استرشادية بعنوان : دَوْرُ الاتِّحَادِ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعَاتٍ قَوِيَّةٍ مُتَمَاسِكَةٍ (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) ، بتاريخ 18 يوليو 2025 بعنوان، كما يلي:
خُطْبَةٌ بِعُنْوَانِ: دَوْرُ الاتِّحَادِ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعَاتٍ قَوِيَّةٍ مُتَمَاسِكَةٍ
(الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ)
بتاريخ 23 محرم 1447هـ 18 يوليو 2025م
الاتحادُ هو الأساسُ في بناءِ مجتمعاتٍ قويةٍ، ومتماسكةٍ، وأوطانٍ مزدهرةٍ، ومستقرةٍ، فوحدةُ هذه الأمةِ هي سبيلُ وحدتِها، وعزِّها، وتقدمِها، فالأممُ لا تُقاسُ بثرواتِها، ولا بعددِها، بل بتماسكِها، وترابطِها، وقدرتِها على تجاوزِ الخلافاتِ؛ لتكونَ صفًّا واحدًا في وجهِ التحدياتِ.
العناصر:
تَعْرِيفُ الِاتِّحادِ
دَوْرُ الِاتِّحادِ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعَاتٍ قَوِيَّةٍ
أَهَمِّيَّةُ الِاتِّحادِ كَقِيمَةٍ إِنْسَانِيَّةٍ وَاجْتِمَاعِيَّةٍ
كَيْفِيَّةُ تَعْزِيزِ ثَقَافَةِ الِاتِّحادِ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا؟
آثَارُ غِيَابِ الِاتِّحادِ
الْـخُلَاصَة
تَعْرِيفُ الِاتِّحَادِ
يُمْكِنُنَا تَعْرِيفُ الِاتِّحَادِ بِأَنَّهُ: الِالْتِئَامٌ، وَالتَّآزُرُ بَيْنَ أَفْرَادٍ أَوْ جَمَاعَاتٍ أَوْ دُوَلٍ؛ لِتَحْقِيقِ هَدَفٍ مُشْتَرَكٍ، وَهٰذَا الْـمَفْهُومُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْكِيَانَاتِ السِّيَاسِيَّةِ الْكُبْرَى فَحَسْبُ، بَلْ يَمْتَدُّ؛ لِيَشْمَلَ الرَّوَابِطَ دَاخِلَ الْأُسْرَةِ، وَالْمُؤَسَّسَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ، وَمَجْمُوعَاتِ الْعَمَلِ، وُصُولًا إِلَى التَّرَابُطِ الْـمُجْتَمَعِيِّ الشَّامِلِ.
فَالِاتِّحَادُ مِنَ الْـمَبَادِئِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا رَبُّنَا – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى –، وَأَوْصَى بِهَا رَسُولُنَا – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –، فَالْـحَقُّ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٠٣].
وَيَقُولُ صَاحِبُ الْـجَنَابِ النَّبَوِيِّ الْـمُعَظَّمِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا: فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا، وَلَا تَفَرَّقُوا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
دَوْرُ الِاتِّحَادِ فِي بِنَاءِ الْـمُجْتَمَعَاتِ
يَلْعَبُ الِاتِّحَادُ دَوْرًا حَيَوِيًّا فِي بِنَاءِ الْـمُجْتَمَعَاتِ الْقَوِيَّةِ، وَالْـمُتَمَاسِكَةِ، عَبْرَ عِدَّةِ مَحَاوِرَ رَئِيسِيَّةٍ، نَذْكُرُهَا عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
تَعْزِيزُ الشُّعُورِ بِالِانْتِمَاءِ، وَالْهُوِيَّةِ الْـمُشْتَرَكَةِ: فَعِنْدَمَا يَتَّحِدُ الْأَفْرَادُ حَوْلَ رُؤْيَةٍ أَوْ هَدَفٍ مُشْتَرَكٍ، يَتَوَلَّدُ لَدَيْهِمْ شُعُورٌ قَوِيٌّ بِالِانْتِمَاءِ، وَهٰذَا الِانْتِمَاءُ يُعَزِّزُ قِيمَةَ الْـمُجْتَمَعِ، وَيَجْعَلُ كُلَّ فَرْدٍ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ كِيَانٍ أَكْبَرَ، لَهُ مَصْلَحَةٌ فِي نَجَاحِهِ، وَتَقَدُّمِهِ، وَهٰذَا الشُّعُورُ بِالْوَحْدَةِ يُقَلِّلُ مِنَ النِّزَاعَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ، وَيُغَذِّي رُوحَ التَّعَاوُنِ بَيْنَ الْـبَشَرِ.
تَفْعِيلُ مَبْدَإِ التَّكَافُلِ الْـاجْتِمَاعِيِّ: فَالِاتِّحَادُ لَا يَعْنِي فَقَطِ الْقُوَّةَ الْـمَادِّيَّةَ، بَلْ هُوَ أَيْضًا الرَّحْمَةُ، وَالْعَطَاءُ، وَالْـمُسَانَدَةُ.
مُجْتَمَعٌ مُتَمَاسِكٌ يَعْنِي: يَدًا تُـمَدُّ لِلْـمُحْتَاجِ، وَظَهْرًا يَسْنُدُ الضَّعِيفَ، وَقَلْبًا يَحْنُو عَلَى الْـجَارِ، فَلْيَكُنْ كُلٌّ مِنَّا عَوْنًا لِلْآخَرِ، وَلْنَجْعَلْ مِنْ أُمَّتِنَا نَسِيجًا مَتِينًا، تَحْقِيقًا لِقَوْلِ الْـحَقِّ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -:
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الْمَائِدَةُ: ٢].
تَعْزِيزُ الْأَمْنِ، وَالِاسْتِقْرَارِ: حَيْثُ إِنَّ الْـمُجْتَمَعَاتِ الْـمُتَمَاسِكَةَ أَقَلُّ عُرْضَةً لِلِانْقِسَامَاتِ، وَالصِّرَاعَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ، فَعِنْدَمَا يَتَّحِدُ النَّاسُ، يُصْبِحُونَ أَكْثَرَ قُدْرَةً عَلَى مُوَاجَهَةِ التَّهْدِيدَاتِ، وَالتَّحَدِّيَاتِ الْـخَارِجِيَّةِ وَالْدَّاخِلِيَّةِ، وَالْـحِفَاظِ عَلَى أَمْنِ الْـبَلَدِ، وَاسْتِقْرَارِهِ.
دَعْمُ التَّنَوُّعِ، وَقَبُولُ الْآخَرِ: فِي مُجْتَمَعٍ مُتَعَدِّدِ الثَّقَافَاتِ، وَالْأَعْرَاقِ، يَلْعَبُ الِاتِّحَادُ دَوْرًا مَحْوَرِيًّا فِي صَهْرِ هٰذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ فِي بُوتَقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ التَّسَامُحِ، وَالِاحْتِرَامِ الْـمُتَبَادَلِ، فَالِاتِّحَادُ لَا يَعْنِي إِلْغَاءَ الْفُرُوقَاتِ، بَلْ يَعْنِي الِاعْتِرَافَ بِهَا، وَالِاحْتِفَاءَ بِالتَّنَوُّعِ كَقُوَّةٍ إِضَافِيَّةٍ لِلْـمُجْتَمَعِ.
فَالنَّاسُ عِنْدَ اللَّهِ سَوَاسِيَةٌ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي حَدِيثِ جَابِرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِأَعْجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» [أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَالْـبَيْهَقِيُّ].
أَهَمِّيَّةُ الِاتِّحَادِ كَقِيمَةٍ إِنْسَانِيَّةٍ وَاجْتِمَاعِيَّةٍ
إِنَّ الِاتِّحَادَ لَيْسَ خِيَارًا ثَانَوِيًّا، وَلَا رَغْبَةً طَارِئَةً، بَلْ هُوَ قِيمَةٌ عُظْمَى، وَضَرُورَةٌ أَسَاسِيَّةٌ فِي حَيَاةِ الْأَفْرَادِ، وَالْـمُجْتَمَعَاتِ، وَالْأُمَمِ. وَتَتَجَلَّى أَهَمِّيَّتُهُ فِي عِدَّةِ مَجَالَاتٍ، نُفَصِّلُهَا فِيمَا يَلِي:
- تَعْزِيزُ قِيَمِ التَّسَامُحِ، وَالتَّعَايُشِ:
فَالِاتِّحَادُ يُسَاهِمُ فِي نَشْرِ رُوحِ الْـمَحَبَّةِ، وَتَقَبُّلِ الْآخَرِ، وَاحْتِرَامِ الِاخْتِلَافِ، فَعِنْدَمَا يَتَعَاوَنُ النَّاسُ بِاخْتِلَافِ أَعْرَاقِهِمْ، وَأَدْيَانِهِمْ، وَثَقَافَاتِهِمْ عَلَى الْـمَصَالِحِ الْـمُشْتَرَكَةِ، تَذُوبُ نَزَعَاتُ الْـكَرَاهِيَةِ، وَتُبْنَى جُسُورُ الثِّقَةِ، وَالْـمُوَاطَنَةِ، وَالتَّسَامُحِ.
- تَحْقِيقُ الْعَدَالَةِ، وَالْـمُسَاوَاةِ:
إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ، وَتَضَامَنُوا فِي طَلَبِ الْـحَقِّ، ضَمِنُوا تَوْزِيعَ الْـمَوَارِدِ، وَالْفُرَصِ، وَالْـمَكَاسِبِ بَيْنَهُمْ بِعَدْلٍ، وَتَجَنَّبُوا أَشْكَالَ الْـفَوْضَى، وَالِاسْتِبْدَادِ، وَالِاحْتِكَارِ. وَفِي ذٰلِكَ تَقْوِيَةٌ لِلْوِئَامِ الْـمُجْتَمَعِيِّ، وَحِفَاظٌ عَلَى الْـكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ.
- نَشْرُ الْـمَعْرِفَةِ، وَالِابْتِكَارِ:
فِي ظِلِّ الِاتِّحَادِ، تَتَوَافَرُ بِيئَةٌ خَلَّاقَةٌ لِتَبَادُلِ الْـخِبْرَاتِ، وَتَطْوِيرِ الْـمَهَارَاتِ، وَتَفْجِيرِ الطَّاقَاتِ الْإِبْدَاعِيَّةِ. فَالْـمُؤَسَّسَاتُ، وَالْـجَامِعَاتُ، وَمَرَاكِزُ الْـبَحْثِ الْـعِلْمِيِّ تُنْتِجُ فِي ظِلِّ الْـعَمَلِ الْـمُشْتَرَكِ مَا لَا تَنْتِجُهُ فِي حَالِ الْـعُزْلَةِ، وَالْـفُرْقَةِ.
- حِمَايَةُ الْـحُقُوقِ، وَتَعْزِيزُ الْـحُرِّيَّاتِ:
الِاتِّحَادُ هُوَ أَسَاسُ الدِّفَاعِ الْـمُشْتَرَكِ عَنِ الْـحُقُوقِ الْـمَدَنِيَّةِ، وَقِيَمِ الْـحُرِّيَّةِ، وَالْـكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، فَعِنْدَمَا يَتَفَقُّ النَّاسُ عَلَى دَفْعِ الْـبَاطِلِ، وَنُصْرَةِ الْـحَقِّ، يَضْمَنُونَ عَدَمَ الْـمَظْلُمَةِ، وَيَصُونُونَ الْـعُدَالَةَ فِي الْـمُجْتَمَعِ، وَيَصْنَعُونَ مَنَاخًا سِيَاسِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا يُنْصِفُ الْـجَمِيعَ.
- تَعْزِيزُ الْـهُوِيَّةِ الْـجَمَاعِيَّةِ، وَالرُّؤْيَةِ الْـمُشْتَرَكَةِ:
فَالْأُمَمُ الَّتِي تَتَّحِدُ تَخْلُقُ لِنَفْسِهَا هُوِيَّةً قَوِيَّةً، وَصَوْتًا وَاحِدًا فِي الْعَالَمِ، يُمَكِّنُهَا مِنَ التَّأْثِيرِ فِي السَّاحَةِ الدَّوْلِيَّةِ، وَحِمَايَةِ مَصَالِحِهَا الْـمَشْرُوعَةِ، وَالدِّفَاعِ عَنْ ثَقَافَتِهَا، وَحِضَارَتِهَا، وَقِيَمِهَا.
كَيْفِيَّةُ تَعْزِيزِ ثَقَافَةِ الِاتِّحَادِ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا؟
إِنَّ بِنَاءَ الْـمُجْتَمَعَاتِ الْقَوِيَّةِ، وَالْـمُتَمَاسِكَةِ، لَا يَكُونُ بِالشِّعَارَاتِ، وَلَا بِالْـخُطَبِ الْـمُجَرَّدَةِ، بَلْ بِخُطُوَاتٍ عَمَلِيَّةٍ، وَرُؤًى وَاضِحَةٍ، تَتَفَاعَلُ فِيهَا جَمِيعُ مَكَوِّنَاتِ الْـمُجْتَمَعِ، مِنْ: أُسْرَةٍ، وَمَدْرَسَةٍ، وَإِعْلَامٍ، وَمُؤَسَّسَاتٍ تَعْلِيمِيَّةٍ، وَدَعَوِيَّةٍ، وَمَدَنِيَّةٍ. وَفِيمَا يَلِي أَهَمُّ الْـمَسَارَاتِ:
- دَوْرُ الْأُسْرَةِ فِي غَرْسِ قِيَمِ الْـوَحْدَةِ:
الْأُسْرَةُ هِيَ اللَّبِنَةُ الْأُولَى فِي بِنَاءِ أَيِّ مُجْتَمَعٍ. فَإِذَا نَشَأَ الْـفَرْدُ فِي أُسْرَةٍ يُسُودُهَا الْـحُبُّ، وَالتَّفَاهُمُ، وَالْـحِوَارُ، وَاحْتِرَامُ الْـآرَاءِ، وَالْـمُسَاعَدَةُ الْـمُتَبَادَلَةُ، كَبُرَ عَلَى هَذِهِ الْـقِيَمِ، وَصَارَ نَافِعًا فِي مُجْتَمَعِهِ، يَبْنِي وَلَا يَهْدِمُ، وَيَجْمَعُ وَلَا يُفَرِّقُ.
- دَوْرُ الْـمُؤَسَّسَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ فِي تَنْشِئَةِ الْـجِيلِ الْـوَاعِي:
لَا تَكْتَفِي الْـمَدَارِسُ، وَالْـجَامِعَاتُ، بِتَقْدِيمِ الْـمَعْرِفَةِ، بَلْ عَلَيْهَا أَنْ تَغْرِسَ قِيَمَ الْـحِوَارِ، وَالْـتَّقَبُّلِ، وَالْـتَّعَاوُنِ، وَالْـتَّعَايُشِ. وَيَكُونُ ذٰلِكَ مِنْ خِلَالِ: الْـمَشَارِيعِ الْـجَمَاعِيَّةِ، وَالْـأَنْشِطَةِ الْـفِرْقِيَّةِ، وَالْـحِصَصِ التَّوْعَوِيَّةِ، الَّتِي تَبْنِي فِكْرًا جَمْعِيًّا، وَتُرَبِّي الْـفَرْدَ عَلَى مَعَانِي: “نَحْنُ”، بَدَلًا مِنْ “أَنَا”.
- دَوْرُ الْإِعْلَامِ فِي تَوْجِيهِ الْـوَعْيِ الْـجَمَاعِيِّ:
إِنَّ الْإِعْلَامَ بِمُخْتَلَفِ وَسَائِلِهِ، وَمَنْصَّاتِهِ، لَهُ قُدْرَةٌ هَائِلَةٌ عَلَى صِيَاغَةِ الرُّؤْيَةِ الْـجَمَاعِيَّةِ، وَتَأْطِيرِ الْـهُوِيَّةِ الْـمُشْتَرَكَةِ. وَيَكُونُ ذٰلِكَ بِتَسْلِيطِ الضَّوْءِ عَلَى: قَصَصِ النَّجَاحِ الْـجَمَاعِيِّ، وَالْـمُبَادَرَاتِ الْـمُشْتَرَكَةِ، وَالنَّمَاذِجِ الْـمُلْهِمَةِ، وَالْـأَعْمَالِ الْفَنِّيَّةِ الَّتِي تَرْسُمُ صُوَرًا لِلْـوِئَامِ، وَالتَّعَاوُنِ، وَنَبْذِ الْـفُرْقَةِ، وَالْـكَرَاهِيَةِ.
- دَوْرُ الْـمُؤَسَّسَاتِ الدِّينِيَّةِ، وَالْـخُطَبِ الْـمِنْبَرِيَّةِ:
الْمَسَاجِدُ، وَالْـخُطَبُ، وَالْـمَوَاعِظُ، مَحَاضِنُ قِيَمِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، فَعَلَى الْـخُطَبَاءِ، وَالْـوُعَّاظِ، أَنْ يُوَجِّهُوا الْـقُلُوبَ، وَالْعُقُولَ إِلَى قِيمَةِ الْـوَحْدَةِ، وَخُطُورَةِ الْـفُرْقَةِ، وَالْـخِلَافِ، وَذٰلِكَ بِالْـمَعَارِفِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَصَصِ السَّلَفِ، وَالْأَدِلَّةِ الْـقُرْآنِيَّةِ، وَالْـحَدِيثِيَّةِ، وَبِالْـخِطَابِ الْـوَاعِي، وَاللُّغَةِ الْمُحَبِّبَةِ.
- تَشْجِيعُ الْـمُبَادَرَاتِ الْـمَحَلِّيَّةِ، وَالْـأَعْمَالِ التَّطَوُّعِيَّةِ:
فَفِي الْأَحْيَاءِ، وَالْـقُرَى، وَالْـمُؤَسَّسَاتِ، وَحَتَّى الْـمَدَارِسِ، يُمْكِنُ إِطْلَاقُ مُبَادَرَاتٍ تُشَجِّعُ عَلَى التَّعَاوُنِ، كَحَمَلَاتِ تَنْظِيفٍ، أَوْ خِدْمَةٍ عَامَّةٍ، أَوْ دَعْمِ الْـفُقَرَاءِ، وَغَيْرِ ذٰلِكَ. فَهٰذِهِ الْـمُبَادَرَاتُ تُنَمِّي الْـمَسْؤُولِيَّةَ الْـجَمَاعِيَّةَ، وَتَجْمَعُ الْـفُرَادَى فِي يَدٍ وَاحِدَةٍ.
- الْـغُرْفَةُ الْـمِهْنِيَّةُ، وَالْـعَمَلُ النِّقَابِيُّ:
تَشْجِيعُ الْـعَامِلِينَ فِي مِهْنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الِانْتِمَاءِ إِلَى غُرْفَةٍ، أَوْ نِقَابَةٍ، تَضُمُّهُمْ، وَتُدَافِعُ عَنْ حُقُوقِهِمْ، وَتَطْرَحُ مَشَارِيعَ تَطْوِيرٍ، يُقَوِّي الْـهُوِيَّةَ الْـمِهْنِيَّةَ، وَيُقَلِّلُ التَّنَافُرَ، وَالْـفُرْقَةَ، وَيُفْسِحُ الْـمَجَالَ لِلتَّنَافُسِ الْـمُثْمِرِ.
آثَارُ غِيَابِ الِاتِّحَادِ عَلَى الْأُمَمِ وَالْـمُجْتَمَعَاتِ
إِنَّ الْوِحْدَةَ فِي حَقِّ الْأُمَمِ هِيَ مِثْلُ الرُّوحِ فِي الْـجَسَدِ، فَإِذَا فَارَقَتِ الْـجَسَدَ فَقَدَ الْـحَيَاةَ، وَإِذَا غَابَ الِاتِّحَادُ، دَبَّ الْخِلَافُ، وَتَسَرَّبَ التَّشَتُّتُ، وَتَبَدَّدَتِ الْقُوَى، وَضَعُفَ الْـبُنْيَانُ، وَهَانَتِ الْأُمَّةُ عَلَى عَدُوِّهَا، وَصَارَتْ عِرْضَةً لِلتَّدَاخُلِ، وَالْـمُؤَامَرَاتِ، وَالْـفَشَلِ الدَّاخِلِيِّ.
١ – التَّفَكُّكُ وَالصِّرَاعُ الدَّاخِلِيُّ:
فَإِذَا فُقِدَتْ الْـوَحْدَةُ، وَنَابَ عَنْهَا التَّنَافُرُ، وَالتَّفَاخُرُ، وَالْـحَسَبُ، وَالنَّسَبُ، تَشَظَّى الْـكِيَانُ الْـمُجْتَمَعِيُّ، وَصَارَ كُلُّ فَرْدٍ، أَوْ جِهَةٍ، تَسْعَى لِمَصَالِحِهَا الضَّيِّقَةِ، عَلَى حِسَابِ الْـمَصْلَحَةِ الْـعَامَّةِ. وَفِي ذٰلِكَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
“عَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّهَا حِبْلُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَإِنَّمَا تَكْرَهُونَ فِي الْـجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْـفُرْقَةِ.”
٢ – الضَّعْفُ السِّيَاسِيُّ، وَضَيَاعُ الْـهَيْبَةِ الدَّوْلِيَّةِ:
الدُّوَلُ الْـمُتَفَرِّقَةُ، وَالْـمُجْتَمَعَاتُ الْـمُنْقَسِمَةُ، لَا صَوْتَ لَهَا فِي السَّاحَاتِ الْـعَالَمِيَّةِ، وَلَا قُوَّةَ لَهَا فِي الْـمُفَاوَضَاتِ، فَتَصِيرُ أَسِيرَةَ الإِمْلَاءَاتِ، وَالضُّغُوطِ الْـخَارِجِيَّةِ. وَتَارِيخُنَا الْـمُعَاصِرُ شَاهِدٌ؛ فَمَا أَفْقَدَنَا الْقُدْسَ، وَالْـهَيْبَةَ، وَالْـقَرَارَ الْـمُسْتَقِلَّ، إِلَّا عِنْدَمَا تَفَكَّكَ الْـجِسْمُ الْإِسْلَامِيُّ، وَتَنَازَعَ الزُّعَمَاءُ.
٣ – تَعَثُّرُ الْـمَسِيرَةِ الْـتَّنْمَوِيَّةِ، وَهَدْرُ الْـمَوَارِدِ:
غِيَابُ الْـوَحْدَةِ يُؤَدِّي إِلَى تَزَاحُمِ الْـقَرَارِ، وَتَضَارُبِ الْـمَصَالِحِ، وَتَشَتُّتِ الْـمَشَارِيعِ، فَيَتَعَطَّلُ الْإِنْجَازُ، وَيَهْدِرُ الْوَقْتُ، وَتُبَدَّدُ الْـمَوَارِدُ، وَيَفْقِدُ الْـمُجْتَمَعُ تَرْتِيبَ أَوْلَوِيَّاتِهِ، وَتَصِيرُ الرُّؤَى ضَبَابِيَّةً، مُتَبَاعِضَةً.
٤ – بُرُوزُ دَوْرِ الْـعَدُوِّ، وَاسْتِقْوَاؤُهُ عَلَيْنَا:
قَدْ قَالَ اللَّهُ – سُبْحَانَهُ – فِي تَفْسِيرِ الْـحَالِ:
{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦].
فَبِالْـخِلَافِ تَضْعُفُ الْـمَنَاعَةُ، وَبِتَبَدُّدِ الْـكَلِمَةِ يُغْرِي الْـعَدُوَّ، فَيَتَسَلَّلُ فِي ثَغَرَاتِ الْـفُرْقَةِ، وَيَزْرَعُ الْـفِتَنَ، وَيَغْذِي التَّطَرُّفَ، وَيُشْعِلُ الْـخِلَافَ.
٥ – الْـفَوْضَى، وَغِيَابُ الْأَمْنِ:
فِي الْـمُجْتَمَعِ الْـمُنْقَسِمِ، تَكْثُرُ الْـجَرَائِمُ، وَتَضْعُفُ سُلْطَةُ الْـقَانُونِ، وَيَفْقِدُ النَّاسُ ثِقَتَهُمْ بِالْـمُؤَسَّسَاتِ، فَيَفْشُو الْـفَسَادُ، وَتَضِيعُ الْـحُقُوقُ، وَتَنْشَطُ الْعِصَابَاتُ، وَتَتَعَطَّلُ الْـحَيَاةُ.
وَقَدْ قِيلَ: “لَا تَسْقُطُ الْأُمَمُ بِالسُّيُوفِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ بِالتَّفَرُّقِ.”
الْـخَاتِمَةُ
إِخْوَتِي فِي اللَّهِ، يَا أُمَّةَ الإِسْلَامِ…
إِنَّ الِاتِّحَادَ لَيْسَ خِيَارًا ثَانَوِيًّا نَتَحَدَّثُ عَنْهُ فِي الْـخُطَبِ، أَوْ نَتَغَنَّى بِهِ فِي الْأَنَاشِيدِ، بَلْ هُوَ قَدَرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَشَرْطُ نَهْضَتِهَا، وَسِرُّ بَقَائِهَا، وَمِفْتَاحُ عِزِّهَا وَنَصْرِهَا، وَإِنَّ كُلَّ تَارِيخِ الْـمُسْلِمِينَ يُنْذِرُنَا، وَيُنَادِينَا: إِنِ اتَّحَدْتُمْ سُدْتُمْ، وَإِنْ تَفَرَّقْتُمْ ضَعُفْتُمْ وَذَلَلْتُمْ.
أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ نَبِيِّكُمْ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –:
«الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْـبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» [رواه البخاري ومسلم].
أَلَمْ يُخْبِرْنَا رَبُّنَا – جَلَّ وَعَلَا – بِأَنَّ الْـفُرْقَةَ عَذَابٌ؟
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: ١٠٥].
فَإِنْ كُنَّا نُرِيدُ أَنْ نَبْنِيَ وَطَنًا، وَنَرْفَعَ رَايَةً، وَنَسِيرَ بِأُجْيَالِنَا نَحْوَ الْـمَجْدِ، فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ عَقْدِ الْـعَزْمِ عَلَى الِاتِّحَادِ، وَتَجَاوُزِ الْـخِلَافِ، وَنَبْذِ الْعَصَبِيَّةِ، وَالْـمَصَالِحِ الضَّيِّقَةِ، وَنَشْرِ الثِّقَةِ، وَزِرَاعَةِ الْأَمَلِ.
إِخْوَتِي الْـمُؤْمِنِينَ…
كُنَّا أُمَّةً وَاحِدَةً، نُهَابُ وَنُرْجَى، فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا، صِرْنَا غَثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَسْتَبِيحُنَا الْـعَدُوُّ، وَيَسْتَخِفُّ بِنَا الْـقَرِيبُ وَالْـبَعِيدُ، فَهَلْ نَرْجِعُ؟ هَلْ نَصْطَفُّ؟ هَلْ نُرَمِّمُ جُدْرَانَ الْـوَحْدَةِ؟
أَجِيبُوا نِدَاءَ اللَّهِ:
{إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ} [الأنبياء: ٩٢] {إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٞ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠]
فَابْنُوا بِالْـوِئَامِ وَالْـمَحَبَّةِ صَرْحَ الْـمُسْتَقْبَلِ، وَكُونُوا فِي الْـخَيْرِ كَالْـيَدَيْنِ، تَغْسِلُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَكَالْـجَنَاحَيْنِ، لَا تَطِيرُ الْأُمَّةُ بِوَاحِدٍ.
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَوَحِّدْ صُفُوفَنَا، وَرُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَأَذِقْنَا لَذَّةَ الِاتِّحَادِ، وَحَلاوَةَ الْـوَفَاقِ، وَقِنَا شَرَّ الْـفُرْقَةِ، وَالِاخْتِلَافِ، وَالنِّزَاعِ.
آمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُمَّ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف