خطبة الجمعة ، بعنوان: الاتحاد قوة كيف نبنيه ونحميه؟ د/ أحمد علي سليمان
خطبة، بعنوان: الاتحاد قوة كيف نبنيه ونحميه؟ دروس في فريضة الوحدة والاتحاد ووحدة الصف بقلم المفكر الإسلامي الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الجمعة: 23 محرم 1447هـ، الموافق 18 يوليو 2025م موقع صوت الدعاة

خطبة، بعنوان: الاتحاد قوة كيف نبنيه ونحميه؟ دروس في فريضة الوحدة والاتحاد ووحدة الصف بقلم المفكر الإسلامي الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الجمعة: 23 محرم 1447هـ، الموافق 18 يوليو 2025م
لتحميل خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 18 يوليو 2025م ، للدكتور أحمد علي سليمان بعنوان : الاتحاد سرُّ القوة والتقدم والبقاء.. كيف نبنيه؟ وكيف نحميه؟ من النص إلى الواقع دروس في فريضة الوحدة والاتحاد ووحدة الصف
منهجُ النبوةِ في ترسيخِ الوحدةِ وجمعِ الكلمة غزوة الأحزاب (الخنـدق) نموذجًا
السفينةُ لا تحتمل خرقًـا.. والأمة لا تتحمل شقاقًـا:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 18 يوليو 2025م ، للدكتور أحمد علي سليمان بعنوان: الاتحاد سرُّ القوة والتقدم والبقاء.. كيف نبنيه؟ وكيف نحميه؟ من النص إلى الواقع دروس في فريضة الوحدة والاتحاد ووحدة الصف
منهجُ النبوةِ في ترسيخِ الوحدةِ وجمعِ الكلمة غزوة الأحزاب (الخنـدق) نموذجًا
السفينةُ لا تحتمل خرقًـا.. والأمة لا تتحمل شقاقًـا ، بصيغة pdf أضغط هنا.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 18 يوليو 2025م ، للدكتور أحمد علي سليمان ، بعنوان : الاتحاد سرُّ القوة والتقدم والبقاء.. كيف نبنيه؟ وكيف نحميه؟ من النص إلى الواقع دروس في فريضة الوحدة والاتحاد ووحدة الصف
منهجُ النبوةِ في ترسيخِ الوحدةِ وجمعِ الكلمة غزوة الأحزاب (الخنـدق) نموذجًا
السفينةُ لا تحتمل خرقًـا.. والأمة لا تتحمل شقاقًـا : كما يلي:
خطبة الجمعة ، بعنوان: الاتحاد سرُّ القوة والتقدم والبقاء.. كيف نبنيه؟ وكيف نحميه؟ من النص إلى الواقع دروس في فريضة الوحدة والاتحاد ووحدة الصف
منهجُ النبوةِ في ترسيخِ الوحدةِ وجمعِ الكلمة غزوة الأحزاب (الخنـدق) نموذجًا
السفينةُ لا تحتمل خرقًـا.. والأمة لا تتحمل شقاقًـا بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الجمعة: 23 محرم 1447هـ، الموافق 18 يوليو 2025م
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة، بعنوان: الاتحاد سرُّ القوة والتقدم والبقاء.. كيف نبنيه؟ وكيف نحميه؟
من النص إلى الواقع دروس في فريضة الوحدة والاتحاد ووحدة الصف
منهجُ النبوةِ في ترسيخِ الوحدةِ وجمعِ الكلمة غزوة الأحزاب (الخنـدق) نموذجًا
السفينةُ لا تحتمل خرقًـا.. والأمة لا تتحمل شقاقًـا بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الجمعة: 23 محرم 1447هـ، الموافق 18 يوليو 2025م
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي أمرنا بالوحدة والاتحاد، ونهانا عن الفرقة والاختلاف، وجعل الاعتصام بحبله المتين عصمة لنا من الضياع والتفرق والاختلاف..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا (ﷺ) عبدُ الله ورسولُه، علَّمنا أن الجماعة رحمة، وأن يد الله مع الجماعة، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُر الميامين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما أجمل أن نستهلّ لقاءَنا هذا بذِكر الله تعالى وحمدِه وشكره!، فهو أهلُ الحمد، وبذكره تُفتَتح البركات، وبحمده تتنزّل الرحمات، وبشكره تتـنـزل الخيرات.. يقول الحق سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (الأحزاب41-43)، ويقول سبحانه: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب: 35). ويقول عز وجل: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِيْنَ يَذْكُرُوْنَ اللّٰهَ قِيَامًا وَّقُعُوْدًا وَّعَلٰى جُنُوْبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُوْنَ فِيْ خَلْقِ السَّمٰوٰتِ وَالْاَرْضِۚ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هٰذَا بَاطِلًاۚ سُبْحٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار) (آل عمران: 190-191). ويقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28).
ونستفتحه أيضا بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله (ﷺ)، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب: 56). فاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الحَقِّ بِالحَقِّ، وَالهَادِي إِلَى صِرَاطِكَ المُسْتَقِيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَقَّ قَدرِهِ وَمِقْدَارِهِ العَظِيمِ.
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: (…وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ…) (النساء: 131)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران: 102)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 70-71).
وقال الكريم جل وعلا: (…وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البقرة: 223). أما بعد…
نجتمع اليوم في بيتٍ من بيوت الله، لنتذاكر أمرًا عظيمًا، ومبدأً أساسيًّا، هو سرُّ فلاح الأفراد، ونجاح المجتمعات، وتمكين الأمم. إنه المفتاح الأصيل للنصر والتمكين، ألا وهو: “الاتحاد قوّة”.
أحباب المصطفى (ﷺ):
لقد أمرنا ربُّنا جلّ في علاه أن نكون:
• صفًّا واحدًا في الهدف والاتجاه،
• صفًّا مستقيمًا في المبادئ والقيم،
• صفًّا عتيًّا لا تهزّه العواصف والرياح،
• صفًّا شامخًا يعلو بعِزة وتواضع لله في سماء المجد بغير كِبر أو استعلاء في الأرض،
• صفًّا راسيًا، تضرب جذوره في أعماق الأرض كالجبال الرواسي،
• صفًّا قويًّا متماسكًا كالبنيان المرصوص، يشدُّ بعضه بعضًا.
ولن يتحقّق ذلك إلا بـ:
• الاعتماد على الله (سبحانه وتعالى) والعودة الصادقة إليه؛ فعزّنا وعزّتنا وقوّتنا لا تكون إلا به (جل في علاه).
• الاعتصام بحبل الله المتين؛ قرآنًا وسنةً وهَديًا نبويًّا. وتبيقًا عمليًّا.
• توحيد كلمتنا، وإخلاص نيتنا، وإحسان أعمالنا.
• اتحاد اهدافنا وغاياتنا.
• توحد صفوفنا، واتحاد قلوبنا، وتآلف أرواحنا.
أيها المؤمنون:
الاتحاد في الإسلام ليس خيارًا أو رفاهية أو أمرًا كماليًّا، بل هو:
– فريضة شرعية، فرضها الله (سبحانه وتعالى) على عباده، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ …) (آل عمران: 103). والأمر هنا للوجوب.
– سنة كونية، ذلك أن كل جماعة عندما تتحد تقوى وتنتصر، وكل جماعة تتفرق تضعف وتنهزم.
– ضرورة إنسانية وحياتية، تمليها الظروف، وتفرضها التحديات.
فيا أيها الأحباب الكرام:
إنّ أمتنا اليوم لا تحتاج إلى المال أكثر مما تحتاج إلى الوحدة، ولا إلى السلاح أكثر مما تحتاج إلى التماسك، فكم من أمةٍ فقيرةٍ متحدةٍ سادت! وكم من أمةٍ غنيةٍ متفرقةٍ بادَت!
قصة أعواد القطن عن أهمية الاتحاد.. محفورة في أعماق الذاكرة:
ما تزال تلك الحزمة اليابسة من أعواد القطن المربوطة بحبل متين، محفورةً في ذاكرتنا منذ الطفولة، وكانت إحدى الدروس الملهمة في مادة القراءة ونحن في المرحلة الابتدائية في بداية الثمانينيات من القرن العشرين…
كان مشهدًا بسيطًا، لكنه يحمل في جنباتها وطياتها من المعاني ما يفوق آلاف الكلمات.
والقصة تبدأ بدخول الوالد على أولاده، ومعه حزمة كبيرة من أعواد القطن اليابسة، وقد ربطها من وسطها بإحكام…
نظر إلى أولاده بنظراته التي تفيض حكمة وحنان وتربية.
ثم قال لهم:
«يا أولادي، هذه الحزمة تمثلكم أنتم..».
ثم تابع:
«من منكم يستطيع أن يكسرها؟»
تناولها الأول بثقة وحاول كسرها فلم يستطع..
ثم الثاني، ثم الثالث… حاول كل واحد منهم كسرها وهي مجمعة.. حاولوا مرارًا، لكنها استعصت على الانكسار؛ لأنها كانت متماسكة، قوية، عصيّة على الكسر.
عندئذ ابتسم الأب، وأيقن أن الرسالة كادت أن تصل، لطنه فكّ الحبل الذي كان يشد الأعواد معًا، ثم وزّع عليهم عودًا منفردًا.
وقال:
«جرّبوا الآن…»
فاستطاع كلٌّ منا كسر كل عوده بسهولة ويسر، وبلا عناء.
• نظر إلينا الأب بحزمٍ، وقال كلمته التي لا تزال ترنّ في وجداني حتى اليوم:
«يا أولادي… ما دمتم مجتمعين متحابين، فلن يستطيع أحد أن يهزمكم، أما إذا افترقتم، فأنتم عرضة للكسر، واحدًا تلو الآخر… واعلموا أن الاتحاد قوة، والتفرق ضعف»… وهكذا وصلت الرسالة وبشكل عملي، وصلت وتمكنت من العقول والنفوس والوجدان…
هذه القصة البسيطة، تُجسِّد درسًا عظيما في الحياة: الوحدة قوة لا تُهزم، والتفرّق بداية السقوط..
نعم هذه القصة الصغيرة، التي عشناها وعاشاها أبناء جيلي ونحن صغار، لم تكن مجرد حيلةٍ تربوية أو درسٍٍ عابرٍ، بل كانت درسًا راسخا في قوة الوحدة، ووحدة القوة، وعظمة الاتحاد، وضرورة التماسك.
وما تزال تلك الصورة، وتلك الحزمة، وتلك الكلمات… حاضرة في وجداننا، تضيء طريقنا كلما أظلمت الدنيا، وتعلّمنا أن سرّ القوة يكمن في الاجتماع، لا في التفرق، وأن الرباط الذي يجمع القلوب أعظم وأقوى وأحكم… فاللهم اجعلنا على قلب رجل واحد…
نموذج من الحكمة النبوية البالغة في إدارة الأزمات
حديث السفينة
تعاظم أهمية الاتحاد والاصطفاف وقت المِحن الأزمات والملمات
يقول النبي (ﷺ): (مَثَلُ القائِمِ علَى حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا (أي أجروْا قرعة) علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها (أي السفينة) إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ (أي ذهبوا ليأتوا بالماء) مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا (أي في أسفل السفينة) خَرْقًا (حتى نحصل منه على الماء) ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا (بكثرة الصعود والنزول والمرور عليهم)، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا (من إحداث الخرق في أسفل السفينة) هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ (أي منعوهم من هذه الفكرة التي في ظاهرها الرأفة والإحسان الخُلُقي والرقي الإنساني، في حين أن في باطنها الهلاك) نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا) ( ).
ففي هذا الحديث النبوي الشريف رسمٌ بليغ لمعالمِ المسؤولية في أبعادها الفردية والجماعية والاجتماعية وأيضًا الكونية، وتحذير عملي من أخطر ما يصيب المجتمعات:
الفوضى، والأنانية، الفتوى بدون علم، والتشرذم، عدم دراسة العواقب،…إلخ.
فليس الحديث تصويرًا أدبيًّا فحسب، بل هو دعوة صريحة إلى:
• الوحدة،
• والتخطيط الواعي،
• والنصيحة الصادقة،
• والعمل بروح الجماعة، على قلب رجل واحد، لننجو معًا في سفينة الحياة.
فإن سكتنا عن الخطأ، أو تغاضينا عن الفساد، أو افترقنا في الرأي والعمل، أو ظن كلٌّ منا أنه في معزل عن مصير الآخرين، غرقنا جميعًا، ولا ينفع حينها ندمٌ أو اعتذار.
وهذا أصلٌ من أصول الإسلام، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ …) (آل عمران: 103).
فالاتحاد ليس خيارًا أو رفاهية، بل سبيلُ نجاة، وفرضُ بقاء، وأمانُ مستقبل.
فالسفينة -أيها السادة- لها رُبَّان واحد خبير وقدير وحكيم، وله معاونون ومساعدون، وومعه مواطنون مستفيدون، ويجب أن يكون الجميع على قلب رجل واحد، ذلك أن السفينة لا تنجو إذا انقسم ركّابها، ولا تستقر إن غلبت فيها الفردية وغاب التعاون.
مع الأخذ في الاعتبار أن العبرة:
– ليست بحسن النيّة فقط،
بل بحسن الرؤية،
وسلامة التخطيط،
ودقّة التنفيذ.
ونتعلم من الحديث الشريف أن النظر القاصر والنية المجردة لا تكفي، ما لم تُبْنَ القرارات على عقلٍ راجح، وشورى صادقة، واعتبارٍ بعواقب الأمور.
وسفينة المجتمع لا تحتمل الأنانية، بل لا بد لها من وحدةٍ في الصف، وتعاونٍ في الجهد، وتراصٍّ في الهدف، وإلا غرقت.
وما أحوجنا اليوم -وأمتنا تواجه تحديات وعواصف من أعدائها- إلى أن نستعيد وحدتنا، ونلتحم كالجسد الواحد، كما قال المصطفى (ﷺ) (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) ( ).
من حديث القرآن الكريم عن الوحدة والاتحاد
والتحذير من التفرق والتنازع
إنّ الاتحاد من القيم الإسلامية العظيمة التي دعا إليها القرآن الكريم، ونهى عن نقيضها وهو التفرق والتنازع…
ففي مقام وحدة الصف:
• يقول الحق (تبارك تعالى): (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103)، والاعتصام بحبل الله أصل من أصول ديننا الحنيف.
• وقال تعالى: (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 92).
• وقال: (وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون: 52).
• وقال (عزَّ وجل): (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف: 4).
وفي مقام التعاون على البر والتقوى:
o يقول الله تعالى: (…وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2) .
وفي مقام التأليف بين القلوب وهي نعمة ومنة من الله:
يقول تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال: 63) .
وفي مقام الإصلاح بين المؤمنين:
يقول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات: 10)
وفي مقام التحذير من التفرق والنهي عن الاختلاف والتنازع:
قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: 105) .
وقال: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام: 159).
وقال: (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ…) (الشورى: 14).
وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
الاتحاد جهاد
فـ الاتحاد جهاد،
والعلم جهاد،
وإعداد العُدَّة الاقتصادية جهاد،
والتلاحم المجتمعي جهاد،
والإبداع والإنتاج والعمل والإتقان جهاد.
ولا بد من بناء البيت من الداخل باستمرار؛ إذ لا يجاهد من كان ضعيفًا متخاذلًا، ولا ينهض المتخلّفون.
وإن من أعظم أنواع الجهاد اليوم: جهاد النفس بالتفوّق العلمي، والتقدُّم التقني، والتطور التكنولوجي، … إلخ.
وجهاد ترسيخ قيم المواطنة واللحمة الاجتماعية، كما فعل نبينا العظيم سيدنا محمد (ﷺ) حين أسس دستور المدينة، الذي كان وثيقةً خالدةً في التعايش والوحدة وبناء الصف.
ولنعلم جيدًا: إن عدوّنا لا يطمع فينا إلا إذا كنا ضعفاء أو متفرّقين، ولا يهابنا إلا إذا كنا متماسكين موحّدين.
ومن هنا، لا بد أن نكون في محيطٍ قويٍّ متماسك، يحترم جيرانُه وحدتَنا، ويُقدِّر قوّتَنا، ويُدرك أن خلف كل فردٍ منا أمّةً مهابة، لا تتصدّع، ولا تنكشف عظمتُها وقوتها إلا في أوقات المحن والملمّات.
منهجُ النبوةِ في ترسيخِ الوحدةِ الاتحاد ووحدة الصف وجمعِ الكلمة
بشكل عملي ومستدام
في زمن تتكاثر فيه التحديات والملمات والمشكلات، يبقى صوتُ النبوةِ هاديًا ومصححًا وموجهًا لنا للرشد والرشاد والنجاح والفلاح، يدعو إلى الاتحاد، ويُحذر من الفرقة.
وهذه أحاديث نبوية شريفة ترسم لنا معالم النجاة والنجاح، وتؤكد أن الاتحاد فريضةٌ تحفظ الدين والدنيا… تحفظ الإنسان والأوطان… تحفظ الحق والعدل والحقوق والحريات…
يد الله مع الجماعة:
فعن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما)، أن النبي (ﷺ) قال: (يدُ اللهِ مع الجماعةِ) ( ). خُذها قاعدة: يد الله مع الجماعة.. مع المتّحدين، لا المتفرقين. مع المتراصّين، لا المتنازعين. مع المتحابّين، لا المتباغضين. نعم: يدُ الله مع من وحّدوا صفوفهم، وقلوبهم، وتكاملت عقولهم. وتعاونوا على البر والتقوى… ويا لها من رسالة عظيمة!.
النبي يجسد مشهد الوحدة… المؤمنون كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا:
عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه)، عن النبي (ﷺ) قال: (إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وشَبَّكَ أصَابِعَهُ) ( ). يا له من تشبيهٍ نبويٍّ جميلٍ وجليل!.. إذ يحمل حرارة الإيمان وبلاغة التذكير النبوس العظيم.
نعم، المؤمنُ للمؤمنِ، والمؤمنُ مع المؤمنِ، والمؤمن بالمؤمن… هما معًا كـ البنيان المرصوص، المتماسك بإحكام، يشدّ بعضُه بعضًا، ويقوّي بعضُه بعضًا، فلا تميل لبنةٌ منه إلا وقد أسندتها أختُها، ولا تضعف زاويةٌ فيه إلا وسندها الجدار المجاور.
ثم يُتبع النبي ﷺ هذا المعنى النبوي العميق بإشارة عملية بليغة، فيشبك أصابعه، ليجسّد مشهد الوحدة والتماسك، وكأنه يقول: هكذا كونوا….
مثلهم كمثل الجسد الواحد:
عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه)، عن النبي (ﷺ) قال: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) ( ).
وهنا ينتقل النبي (ﷺ) من مشهد التشابك الحسي (في حديث البنيان المرصوص)، إلى مشهد أعمق وألصق.. إلى مشهد الترابط الوجداني الحي… مشهد الجسد الواحد!
نعم، نحن كالجسد الواحد، إذا تألم فيه عضو، لم تهدأ بقية الأعضاء. وإذا اشتكى طرف، سهر له القلب والعين والبدن.. والأمة -التي وصفها الله بأنها خير أمة أخرجت للناس- تتألم بجرح أحد أفرادها، وتهتز لوَجع أحد أبنائها.
هكذا يريدنا الإسلام: قلبًا واحدًا، وجسدًا واحدًا، وأمّةً واحدة، نتراحم، ونتلاحم، ونتعاطف، ونتآزر، حتى نكون أهلاً لنصر الله، ومستحقين لتأييده.
الذئب يأكل الغنم القاصية (المنعزلة التي تناءت عن الجميع):
عن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: (…فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية) ( ). تشبيهٌ نبويٌّ بليغٌ: فالغنمة التي تنفرد عن القطيع، تكون فريسةً سهلةً للذئب، وهكذا من يعزل نفسه عن جماعة المسلمين، يكون عرضةً للفتن والانهيار.
إنها دعوةٌ واضحةٌ لعدم الشذوذ عن الصف، والتمسك بالجماعة، والاحتماء بوحدة الأمة.
الجماعة قوة وأمان، والفرقة ضعف وذلّ وهوان:
عن النعمان بن بشير، (رضي الله عنه) عن النبي (ﷺ) قال: (الجماعةُ رحمةٌ، والفُرقةُ عذابٌ) ( ).
فالجماعة مظنّة الرحمة؛ لأنها تجمع الطاقات، وتوحد الصفوف، وتسدّ الثغرات، وتُشعر الفرد بالقوة والانتماء، بينما تؤدي الفرقة إلى الضعف، وتفتح أبواب العدو، وتزرع الشحناء والبغضاء.
وقد رأينا حين اجتمع الصحابة (رضي الله عنهم) حول رسول الله (ﷺ) في غزوة بدر، وهم قلة عددًا وعدة وعتادًا، كيف نصرهم الله بوحدتهم وثباتهم، بينما تفرق العرب في يوم حنين، واغتروا بكثرتهم، فقال بعضهم: «لن نغلب اليوم من قلة»، فكانت الهزيمة في البداية، حتى عادوا واجتمعوا خلف راية النبي ﷺ، فنصرهم الله من جديد… قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (التوبة: 25-26) .
لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، والبداية من الصلاة:
الصلاة ليست مجرد عبادة روحية بين العبد وربّه، بل هي مدرسة يومية متكررة خمس مراتٍ في اليوم:
• تُعلّمنا الانضباط والوحدة،
• وتغرس فينا حب النظام والتآلف،
• وتدربنا على احترام الصف،
• والانضواء تحت راية الإمام، والسمع والطاعة فيما يُرضي الله.
وهذا المعنى يتجلى في وصايا النبي (ﷺ) المتكررة لأصحابه بتسوية الصفوف، وربط ذلك بوحدة القلوب…
فعن البراء بن عازب (رضي الله عنه) قال: كانَ رسولُ اللَّهِ (ﷺ) يأتي ناحيةَ الصَّفِّ ويسوِّي بينَ صُدورِ القومِ ومَناكبِهِم ويقولُ: (لا تختَلِفوا فتختلِفَ قلوبُكُم، إنَّ اللَّهَ وملائِكَتَهُ يصلُّونَ على الصُّفوفِ الأُوَلِ) ( ).
وعن البراء بن عازب (رضي الله عنه) أن رسول الله (ﷺ)، قال: (سوُّوا صفوفَكم لا تختلفُ قلوبُكم) ( ).
وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله (ﷺ)، قال: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فإنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِن إقَامَةِ الصَّلَاةِ) ( ). وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله (ﷺ)، قال: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ؛ فإنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِن تَمامِ الصَّلاةِ) ( ).
تأملوا… أيها الأحباب: الصلاة التي نؤديها لله خمس مرات في اليوم، جعلها النبي (ﷺ) تدريبًا عمليًّا على الوحدة والانضباط والطاعة والتراحم.
إن تسوية الصف ليست مجرد مظهر، بل وسيلة لتربية الفرد على الطاعة والانضباط والنظام؛ ليكون منسجمًا مع جماعته، متواضعًا، مسؤولًا، واعيًا بقيمة التلاحم.
فمن لا يُحسن الاصطفاف في الصلاة، كيف يُنتظر منه أن يُحسن الاصطفاف في ميادين الحياة؟
الرسالة -أيها السادة- واضحة: من لم يتقن النظام في بيت الله، لن يُحسن بناء المجتمع خارجه.
ولذلك كان أول ما يصلحه النبي (ﷺ) في الصلاة: الصف.
قال العلماء: تسوية الصف تُعلّمنا:
• المساواة: وأنه لا فرق بين غني وفقير، كبير أو صغير، إلا بالتقوى والعمل الصالح والخُلق الفاضل والأثر النافع في هذه الحياة.
• الطاعة الجماعية والامتثال لمن ولاه الله أمرنا: فلا ركوع قبل الإمام، ولا سجود قبله.
• نبذ الأنانية: أن يتخلى الإنسان عن حبّ التقدُّم على غيره، فيُقدِّر الجماعة، ويُراعي مصلحتها قبل مصلحته.
• التراحم: بأن يحرص كل مصلٍٍّ على راحة مَن بجواره، فلا يُؤذيه بحركة، ولا يُزعجه بصوت، ويُراعي ضعفه وكبر سنّه إن وُجد، ويتحلّى بالصبر واللين، فالصلاة جماعة تربية على الرحمة العملية في أضيق مساحة وأقدس مقام.
وهكذا من لا يُقيم صفّ الصلاة، لن يُقيم صفّ الأمة. والوحدة تبدأ من المسجد، وتنمو في القلب، وتثمر في المجتمع.
وصية النبي (ﷺ) ينقلها لنا سيدنا عمر رضي الله عنه
عنِ ابنِ عُمَرَ قال: خطَبَنا عُمَرُ بالجابيةِ، فقال: يا أيُّها الناسُ، إنِّي قُمْتُ فيكم كمقامِ رسولِ اللهِ (ﷺ) فينا، فقال: (أُوصيكم بأصْحابي، ثم الذين يَلونَهم، ثم الذين يَلونَهم، ثم يَفْشو الكَذِبُ حتى يَحلِفَ الرَّجلُ ولا يُستَحلَفُ، ويَشهَدُ الشاهِدُ ولا يُستَشهَدُ، ألَا لا يَخلُوَنَّ رَجلٌ بامرأةٍ إلَّا كان ثالثُهما الشيطانَ، عليكم بالجماعةِ، وإيَّاكم والفُرقةَ؛ فإنَّ الشيطانَ معَ الواحِدِ، وهو منَ الاثنَيْنِ أبعدُ، مَن أرادَ بُحْبوحةَ الجَنَّةِ، فلْيَلزَمِ الجَماعةَ، مَن سَرَّتْه حَسَنتُه، وساءَتْه سيِّئَتُه، فذلكمُ المُؤمِنُ) ( ).
ولا ريب في أن المقاصد النبوية حول الاتحاد المعاني التالية، أن:
• الجماعة مصدر رحمة إلهية.
• الفرقة تؤدي إلى الهلاك الدنيوي والديني.
• الاتحاد يُكسِب الأمة قوة ومنعة، كما أن التفكك يُضعف شوكتها.
• الشيطان يترصد المنعزلين عن الصف.
إن الأحاديث النبوية الشريفة جاءت:
– دواءً ناجعًا لأدواء الأمة
– تُؤصِّل فريضة الجماعة
– وتحذّر من مهالك الفرقة
– وتهدينا إلى سبيل النجاة والتمكين.
فلنعضَّ على هدي النبوة بالنواجذ، ولنُحْيِ خُلُقَ الاتحاد في أنفسنا، وأسرنا، ومجتمعاتنا؛ فهو صمّام الأمان، وسرّ الريادة والعمران، مصداقًا لقوله تعالى: يقول الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ …) (آل عمران: 103) .
البُعد عن الجِدال العقيم والمِراء والسفسطة وكثرة السؤال والاختلاف:
لقد نبّهنا النبي (ﷺ) إلى خطورة هذه الآفات، وأثرها الكبير في تمزيق الصفوف، وتفريق القلوب، وإهدار الطاقات… فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: خطبَنا رسولُ اللَّهِ (ﷺ) فقالَ: (… فإنَّما هلَكَ مَن كانَ قبلَكُم بِكَثرةِ سؤالِهِم واختلافِهِم علَى أنبيائِهِم، فإذا أمرتُكُم بشيءٍ فأْتوا منهُ ما استطعتُمْ، وإذا نَهَيتُكُم عن شيءٍ فدَعوهُ) ( ). وهذا تحذيرٌ واضحٌ من التكلف، وكثرة اللغو، وتتبع الهفوات، والسؤال لغير حاجة، والجدال لمجرد الجدل.
وفي حديثٍ آخر، يبيّن لنا النبي ﷺ قيمةَ ترك الجدل، وفضلَ من يترفّع عنه، ولو كان مُحقًّا، فعن أبي أمامَةَ الباهلي (رضي اللهُ عنه) أنَّ النبي (ﷺ)، قال: (أنا زعيم بَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ وإنْ كان مُحِقًّا، وبَيْتٍ في وسَطِ الجَنَّةِ لِمَن ترَك الكَذِبَ وإن كان مازحًا، وبَيْتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُه) ( ). والمعنى: أنا ضامنٌ وكفيلٌ لمن ترك المراء -ولو كان على حق- ببيتٍ في الجنة؛ لأن الجدال يُفضي إلى الشقاق، ويقود إلى الخصام والنزاع، ويزرع الأحقاد في القلوب.
إن كثرة الكلام، وكثرة السؤال بلا حاجة، وكثرة الخلاف، والمراء العقيم، والكذب -والعياذ بالله- كلها مضيعة للوقت، واستنزاف للجهد، وإيلام للنفوس، وتمزيق للصفوف.
وهنا، يكمل النبي ﷺ روشتته النبوية الجامعة لبناء القلوب، وترميم الصفوف، وتأسيس مجتمع متماسك، متحاب، متحد لا يتنازع ولا يتشتت.
أهمية الاتحاد في حياة الأمة وفي واقعها
1. سر النصر والتمكين:
فالاتحاد هو السبيل الوحيد للنهوض بالأمة، واستعادة ريادتها..
والاتحاد يقوي الأمة ويقيها من التمزق والهزيمة: فأعداء الإسلام لا ينتصرون علينا بعددهم، بل بتفرّقنا. يقول النبي ﷺ: (يوشِكُ الأُمَمُ أنْ تَداعَى عليكم؛ كما تَداعَى الأَكَلةُ إلى قَصْعتِها). فقال قائلٌ: ومِن قِلَّةٍ نحنُ يومئذٍ؟ قال: (بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، ولَينْزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدُوِّكم المهابةَ منكم، وليَقذِفنَّ اللهُ في قلوبِكم الوَهَنَ). فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ، وما الوَهَنُ؟ قال: (حُبُّ الدُّنيا، وكراهيةُ الموتِ) ( ) . وقوله: (بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ) أي: بلا وحدة، ولا تأثير.
2. العيش في أمان وسلام:
إذ لا استقرار في مجتمعٍ بلا اتحاد، فالاتحاد يشيع الطمأنينة، ويعزز الثقة المتبادلة، ويؤسس لبيئة يسودها التعاون والتفاهم. أما التنازع، فإنه يُفسد الأسر، ويُمزق الأوطان، ويهدم العمران، ويزرع الكراهية والبغضاء، ويُطلق العنان للفوضى والاضطراب. والاتحاد هو الحصن الحصين الذي يحمي المجتمعات من الانقسام، ويمنع الانزلاق في مستنقعات العنف والفتن، ويُمهّد الطريق لبناء مجتمع آمنٍ، متماسكٍ، ينعم فيه أفراده بالسلام الاجتماعي، والسكينة والسلام النفسي، والعدل المجتمعي.
3. التفرغ للإبداع والبناء والتنمية:
فالوحدة والاتحاد يؤديان إلى عدم استنفاد الجهود في صراعات أو أي أمور تترتب على التفرع، مما يتيح للأمة أن تتفرغ للعمران، وتطلق طاقاتها في ميادين العلم والعمل، وتستثمر مواردها في تطوير الإنسان وبناء الأوطان، بدلًا من تبديدها في الخلاف والفرقة والتشرذم.
4. صِيانَةُ كِيان الأمةِ وحمايةُ هُوِيَّتِها:
فالاتحاد يحفظ للأمة كِيانَها مِنَ التَّفَتُّتِ وَالتَّشَظِّي وَالِانْهِيارِ، ويشكل درعًا واقيًا يحميها من الغزو الثقافي، والانحراف العقدي، والذوبان في مشاريع التغريب، كما يصون هُويتها الحضارية، ويعزز مرجعيتها الدينية، ويجعلها عصيّة على الاختراق والذوبان، قوية بثوابتها، راسخة في مبادئها، قادرة على مواجهة التحديات مهما عظُمت.
5. تعزيز القُدرة على النهوض ومواجهة الأزمات:
ففي ظل الاتحاد، تتكامل الجهود، وتتوزع الأدوار، وتتآزر الطاقات، فتتضاعف القدرة على مواجهة التحديات والأزمات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية.
كما يُسهم الاتحاد في تسريع الاستجابة لمواجهة المحن، وتجاوز الشدائد، واتخاذ القرارات المصيرية بروح جماعية، بعيدًا عن الارتجال والانفراد، مما يُمكّن الأمة من النهوض مجددًا، واستعادة قوتها ومكانتها بين الأمم، مهما عصفت بها الأهوال.
أهمية الاتحاد في حياة الفرد
ومن الجميل أن الاتحاد لا يعود بالنفع على الجماعة فقط، بل له أثر جميل في حياة الفرد نفسه؛ إذ يمنحه ظهرًا وسندًا، ويشعره بالانتماء والقوة، فحين يكون الفرد جزءًا من منظومة متماسكة، يشعر بالأمان، ويطمئن إلى أن له من يدافع عنه إذا ظُلم، ويقف إلى جواره إذا ضعُف، ويُعينه إذا عجز. فالإنسان بطبعه ضعيف بنفسه، قوي بجلانه…
وتكن أهميته للفرد فيما يلي:
– الشعور بالقوة والسند:
الاتحاد يمنح الفرد ظهرًا وسندًا، فلا يشعر بالوحدة أو العجز، بل يجد من يسانده ويدافع عنه.
. تحقيق الأمان النفسي والاجتماعي:
الانتماء إلى وطن متماسك يبعث في النفس الطمأنينة ويبعد عنها القلق والخوف.
نيل البركة والتوفيق:
الوحدة تجلب البركة وتفتح أبواب الخير، بينما تؤدي الفرقة إلى الضعف والضياع.
تنمية روح التعاون والإيثار:
من يعيش في بيئة متحدة يتعود على العمل الجماعي وتقديم المصلحة العامة على الخاصة.
الحماية من الاستضعاف والخذلان:
الفرد في وطن قوي يكون عصيًا على الاستغلال أو الإقصاء، لأن وراءه من يسانده ويؤيده.
زيادة الفاعلية والإنتاج:
الاتحاد يضاعف الجهود ويوزع المهام، مما يساعد الفرد على أداء دوره بكفاءة أعلى.
الارتقاء الأخلاقي والتربوي:
في ظل الاتحاد، يتعلم الفرد قيم الاحترام، والتسامح، والانضباط، والرحمة، مما ينعكس على سلوكه وتربيته.
وهكذا فإن الاتحادُ فريضةٌ قرآنية، وسُنةٌ نبوية، وضرورةٌ واقعية. هو سرّ النصر، وسند الفرد، وسُلمُ الأمة نحو العز والتمكين. فاليد الواحدة لا تصفق، والأمة المتفرقة لا تنتصر، وإذا اجتمعنا انتصرنا، وإذا تفرقنا انكسرنا.
لقد أمرنا الله تعالى بالوحدة فقالت تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ …) (آل عمران: 103) .
ونهانا عن التنازع فقال: : (… وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
***
نسأل الله أن يحفظ أوطاننا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ احفظها من كل سوء، وبارك لنا فيها، واجعلها دار أمنٍ وإيمان، وسلامٍ وإسلام. اللَّهُمَّ من أرادها بسوء فاجعل تدبيره تدميره، وردّ كيده إلى نحره. اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، وهيّئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، ووفقهم لما فيه خير العباد والبلاد. اللَّهُمَّ احفظ شبابنا من الفتن، وألّف بين قلوبنا، ووفّقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا. اللهم احفظ مصر شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، طولها وعرضها وعمقها، بحارها وسماءها ونيلها، ووفق يا ربنا قيادتها وجيشها وأمنها وأزهرها الشريف، وعلماءها، واحفظ شعبها، وبلاد المحبين يا رب العالمين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا اللهم طهّر قلوبنا من الكبر، وزيّنها بالتواضع،اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
خادم الدعوة والدعاة د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
والحاصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية في خدمة الفقه والدعوة (وقف الفنجري 2022م)
المدير التنفيذي السابق لرابطة الجامعات الإسلامية- عضو نقابة اتحاد كُتَّاب مصر
واتس آب: 01122225115 بريد إلكتروني: drsoliman55555@gmail.com
يُرجي من السادة الأئمة والدعاة متابعة الصفحة الرسمية، وعنوانها:
(الدكتور أحمد علي سليمان)؛ لمتابعة كل جديد
لقراءة الخطبة أو تحميلها كاملا يرجي تحميل الخطبة من ملف pdf بالأعلي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف