أخبار مهمةخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقافعاجل

خطبة الجمعة : التعاون في بناء الإنسان القوي، والمبدع الذي ينتمي لوطنه (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ)

خطبة الجمعة بعنوان : التعاون في بناء الإنسان القوي، والمبدع الذي ينتمي لوطنه (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) ، بتاريخ 23 محرم 1447هـ ، الموافق 18 يوليو 2025م.

لتحميل خطبة جمعة استرشادية بعنوان : التعاون في بناء الإنسان القوي، والمبدع الذي ينتمي لوطنه (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ)  بتاريخ 18 يوليو 2025 ، بصيغة word

ولتحميل خطبة جمعة استرشادية بعنوان : التعاون في بناء الإنسان القوي، والمبدع الذي ينتمي لوطنه (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) بتاريخ 18 يوليو 2025 بصيغة pdf

عناصر خطبة جمعة استرشادية بعنوان : التعاون في بناء الإنسان القوي، والمبدع الذي ينتمي لوطنه (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) ، كما يلي:

 

 الِاتِّحَادُ جِسْرُ النَّجَاةِ وَسِرُّ الْـبَقَاءِ وَالرَّقِيِّ

 التَّعَاوُنُ نَبْضُ الْـمُجْتَمَعِ، وَمَعِينُ الْبِنَاءِ الْإِنْسَانِيِّ

    الْقُوَّةُ وَالْإِبْدَاعُ تُصَاغُ فِي رَحَابِ التَّوَاصُلِ وَالتَّضَامُنِ

    فِي دِينِنَا وَحْدَتُنَا، وَفِي تَوَحُّدِ كَلِمَتِنَا نَصْرُنَا

    الِانْتِمَاءُ لِلْأَوْطَانِ.. أَصْلُ الْوَلَاءِ وَنَبْضُ الْعَطَاءِ

    خَاتِمَةٌ: نَحْنُ بِالِاتِّحَادِ نَسْتَحِقُّ الْـحَيَاةَ وَنَصْنَعُ الْـمَجْدَ

 

ولقراءة خطبة جمعة استرشادية بعنوان : التعاون في بناء الإنسان القوي، والمبدع الذي ينتمي لوطنه (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ) ، بتاريخ 18 يوليو 2025 بعنوان، كما يلي:

 

خُطْبَةٌ بِعُنْوَانِ: التَّعَاوُنُ فِي بِنَاءِ الإِنْسَانِ الْقَوِيِّ، وَالْمُبْدِعِ الَّذِي يَنْتَمِي لِوَطَنِهِ.

 (الاِتِّحَادُ قُوَّةٌ)

بتاريخ 23 محرم 1447هـ 18 يوليو 2025م

في عالَمٍ يَتَّسِمُ بالتَّحدِّيَاتِ المُتَزَايِدَةِ والتَّغَيُّرَاتِ المُتَسَارِعَةِ، يَبْقَى مَبْدَأُ «الِاتِّحَادُ قُوَّةٌ» رَكِيزَةً أَسَاسِيَّةً لِبِنَاءِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْـمُزْدَهِرَةِ وَالْأَوْطَانِ الْقَوِيَّةِ. وَهٰذَا الْـمَبْدَأُ لَيْسَ مُجَرَّدَ شِعَارٍ يُرَدَّدُ، بَلْ هُوَ فَلْسَفَةُ حَيَاةٍ عَمِيقَةٍ، وَمَنْهَجُ عَمَلٍ يُرَسِّخُ دَعَائِمَ التَّمَاسُكِ وَالِازْدِهَارِ. فَمِنْ خِلَالِ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَاوُنِ، لَا يُـمْكِنُنَا فَقَطْ مُوَاجَهَةُ الصِّعَابِ، بَلْ نَسْتَطِيعُ أَيْضًا بِنَاءَ إِنْسَانٍ قَوِيٍّ، مُبْدِعٍ، يَنْتَمِي لِوَطَنِهِ بِصِدْقٍ وَعُمْقٍ، مُتَّخِذًا مِنْ تَعَالِيمِ دِينِنَا الْـحَنِيفِ مِنْهَاجًا، وَمِنْ تَارِيخِنَا الْعَرِيقِ قُدْوَةً.

وَسَيَكْشِفُ هٰذَا الْـمَقَالُ كَيْفَ يُشَكِّلُ التَّعَاوُنُ شِرْيَانَ الْـحَيَاةِ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا، وَيُسْهِمُ فِي صِنَاعَةِ الْأَفْرَادِ الْـمُبْدِعِينَ، وَكَيْفَ تُغْرَسُ جُذُورُ الِانْتِمَاءِ الْـحَقِيقِيِّ لِلْوَطَنِ مِنْ خِلَالِ هٰذَا التَّكَاتُفِ الْـمُبَارَكِ.

العناصر:

 الِاتِّحَادُ جِسْرُ النَّجَاةِ وَسِرُّ الْـبَقَاءِ وَالرَّقِيِّ

 التَّعَاوُنُ نَبْضُ الْـمُجْتَمَعِ، وَمَعِينُ الْبِنَاءِ الْإِنْسَانِيِّ

    الْقُوَّةُ وَالْإِبْدَاعُ تُصَاغُ فِي رَحَابِ التَّوَاصُلِ وَالتَّضَامُنِ

    فِي دِينِنَا وَحْدَتُنَا، وَفِي تَوَحُّدِ كَلِمَتِنَا نَصْرُنَا

    الِانْتِمَاءُ لِلْأَوْطَانِ.. أَصْلُ الْوَلَاءِ وَنَبْضُ الْعَطَاءِ

    خَاتِمَةٌ: نَحْنُ بِالِاتِّحَادِ نَسْتَحِقُّ الْـحَيَاةَ وَنَصْنَعُ الْـمَجْدَ

 

الِاتِّحَادُ جِسْرُ النَّجَاةِ وَسِرُّ الْـبَقَاءِ وَالرَّقِيِّ

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْبَشَرَ جَمِيعًا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَكْرَمَهُم بِالْعَقْلِ وَالتَّكْلِيفِ، وَدَعَاهُم إِلَى التَّوَاصُلِ وَالتَّرَاحُمِ، وَنَهَاهُم عَنِ التَّنَازُعِ وَالِافْتِرَاقِ؛ فَمَعْنَى الِاتِّحَادِ وَالتَّعَاوُنِ مَغْرُوسٌ فِي أَصْلِ الْـخِلْقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَفِطْرَتِهَا النَّقِيَّةِ.

قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [النِّسَاء: ١].

وَمَنْ يَتَدَبَّرُ حَالَ الْعَرَبِ قَبْلَ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ، يُدْرِكْ أَنَّهُمْ كَانُوا أَشْتَاتًا، لَا يَعْرِفُونَ نِظَامَ دَوْلَةٍ، وَلَا سُلْطَانَ قَانُونٍ، وَلَا وُجْهَةً تَجْمَعُهُمْ؛ كَانُوا قَبَائِلَ مُتَفَرِّقَةً، تَمْتَصُّهَا الْعَصَبِيَّةُ، وَتَسْتَنْزِفُهَا الْـحُرُوبُ، وَتُسَيِّرُهَا الْأَهْوَاءُ، لَا رَابِطَةَ تُوَحِّدُهُمْ، وَلَا قِيَمَةَ تُلْزِمُهُمْ، حَتَّى أَرَادَ اللهُ بِهِمُ الْـخَيْرَ، فَأَخْرَجَهُمْ مِنْ جَوْرِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، وَبَعَثَ فِيهِمْ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِرِسَالَةِ الْإِسْلَامِ، فَجَعَلَ مِنْهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، لَا يَحُدُّهَا جِنسٌ، وَلَا لَوْنٌ، وَلَا قَبِيلَةٌ؛ بَلْ تَجْمَعُهَا الْعَقِيدَةُ، وَتَرْبِطُهَا الْأُخُوَّةُ، وَتَرْتَقِي بِهَا رَابِطَةُ الْإِيمَانِ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ﴾ [الْأَنْبِيَاء: ٩٢].

وَقَدْ أَصَّلَ النَّبِيُّ ﷺ لِهٰذِهِ الْقِيمَةِ الْعُلْيَا فِي أَعْمَاقِ الْوَعْيِ الْإِسْلَامِيِّ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ الْجَامِعِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِأَعْجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى» [حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ].

فَأَرَادَ الْإِسْلَامُ أَنْ يُؤَسِّسَ الْوَحْدَةَ عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ، هُوَ الدِّينُ، لَا النَّسَبُ وَلَا الْعِرْقُ؛ فَوَحَّدَتْهُمُ الصَّلَاةُ، وَجَمَعَتْهُمُ الْقِبْلَةُ، وَغَرَسَ فِيهِمْ مَعَانِي الْـمُؤَاخَاةِ وَالْـمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ.
قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿إِنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الْـحُجُرَات: ١٠].

وَمَا كَانَتْ هٰذِهِ الْأُخُوَّةُ فِي الْإِسْلَامِ حُرُوفًا تُكْتَبُ، أَوْ خُطَبًا تُلْقَى؛ بَلْ تَجَسَّدَتْ فِي مَشَاهِدِ الْوَاقِعِ، وَتَجَلَّتْ فِي أَسْمَى صُوَرِ التَّطْبِيقِ، فَآخَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ الْـمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَالَ فِي الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْـمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

فَالِاتِّحَادُ – بِلَا شَكٍّ – لَيْسَ خَيَارًا تَكْمِيلِيًّا، وَلَا فِكْرًا نَظَرِيًّا؛ بَلْ هُوَ فَرِيضَةٌ دِينِيَّةٌ، وَسِرُّ الْـبَقَاءِ، وَسَبِيلُ النُّصْرَةِ وَالْـعِزَّةِ لِلْأُمَمِ وَالْمَجْتَمَعَاتِ.

التَّعَاوُنُ نَبْضُ الْـمُجْتَمَعِ، وَمَعِينُ الْبِنَاءِ الْإِنْسَانِيِّ

إِنَّ الْإِنْسَانَ بِفِطْرَتِهِ كَائِنٌ اجْتِمَاعِيٌّ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعِيشَ مُنْفَرِدًا عَنِ النَّاسِ، وَتَظْهَرُ عَظَمَةُ التَّعَاوُنِ فِي أَنَّهُ يُضَاعِفُ الْجُهُودَ، وَيُؤَدِّي إِلَى نَتَائِجَ أَعْظَمَ مِمَّا يُمْكِنُ لِلْفَرْدِ أَنْ يُحَقِّقَهَا وَحْدَهُ. فَإِذَا تَكَاتَفَتِ الْأَيَادِي، وَتَآلَفَتِ الْعُقُولُ، تَحَوَّلَتِ الْأَحْلَامُ إِلَى حَقِيقَةٍ، وَصَارَتِ الْأَهْدَافُ الْـكَبِيرَةُ فِي الْـمُتَنَاوَلِ.

وَإِنَّ التَّعَاوُنَ هُوَ النَّبْضُ الَّذِي يُحْيِي جَسَدَ الْـمُجْتَمَعِ، وَيَضُخُّ فِيهِ دِمَاءَ الْإِبْدَاعِ وَالِابْتِكَارِ، وَفِي ظِلِّهِ يَتَعَلَّمُ الْـإِنْسَانُ كَيْفَ يُصْغِي لِلْآخَرِ، وَيَتَقَبَّلَ رَأْيَهُ، وَيُقَدِّرَ قِيمَةَ التَّنَوُّعِ؛ وَهٰذَا مِمَّا يُثْرِي التَّجْرِبَةَ الْإِنْسَانِيَّةَ، وَيَرْفَعُ مِنْ شَأْنِ الْعَمَلِ الْـجَمَاعِيِّ.

وَقَدْ حَثَّتْ شَرِيعَتُنَا الْغَرَّاءُ عَلَى التَّعَاوُنِ، وَجَعَلَتْهُ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ﴾ [الْمَائِدَة: ٢].
فَهٰذِهِ الْآيَةُ الْـكَرِيمَةُ جَاءَتْ كَدُسْتُورٍ جَامِعٍ لِمَصَالِحِ النَّاسِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَكُلُّ تَعَاوُنٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ، وَفِيمَا يُقَرِّبُ إِلَيْهِ، وَهٰذَا هُوَ جَوْهَرُ “الْبِرِّ وَالتَّقْوَى”.

وَفِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ تَأْكِيدٌ لِهٰذَا الْمَعْنَى؛ فَقَدْ شَبَّهَ النَّبِيُّ ﷺ الْـمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ بِالْـجَسَدِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ ﷺ: «مَثَلُ الْـمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْـجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْـجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْـحُمَّى» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَهٰذَا التَّشْبِيهُ الْبَلِيغُ يُبَيِّنُ عِظَمَ التَّرَابُطِ وَالتَّكَافُلِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَسُودَ بَيْنَ أَفْرَادِ الْـمُجْتَمَعِ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ جُزْءٌ لا يَتَجَزَّأُ مِنَ الْكُلِّ، يَتَأَثَّرُ لِأَلَمِهِ، وَيُسَاهِمُ فِي قُوَّتِهِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ ﷺ: «الْـمُؤْمِنُ لِلْـمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

فَلْنَكُنْ كَمَا أَرَادَ لَنَا رَبُّنَا، وَأَرْشَدَنَا إِلَيْهِ نَبِيُّنَا ﷺ: أُمَّةً وَاحِدَةً، تَتَضَامَنُ فِي الْـمِحَنِ، وَتَتَعَاوَنُ عَلَى الْـخَيْرِ، وَتَسِيرُ نَحْوَ رِضْوَانِ اللَّهِ بِثِقَةٍ وَأَمَلٍ لَا يَنْكَسِرُ.

الْقُوَّةُ وَالْإِبْدَاعُ تُصَاغُ فِي رَحَابِ التَّوَاصُلِ وَالتَّضَامُنِ

إِنَّ التَّعَاوُنَ لَيْسَ مُجَرَّدَ وَسِيلَةٍ لِإِنْجَازِ الْـمَهَامِّ، بَلْ هُوَ بِيئَةٌ خَصْبَةٌ لِبِنَاءِ الْإِنْسَانِ الْـمُتَكَامِلِ، ذَاكَ الَّذِي يَحْمِلُ الْوَطَنَ فِي قَلْبِهِ، وَيَجْسِدُهُ فِي عَمَلِهِ. فَعِنْدَمَا يُشَارِكُ الْفَرْدُ فِي الْعَمَلِ الْـجَمَاعِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَكْتَسِبُ مَهَارَاتٍ جَدِيدَةً فَقَطْ، بَلْ تَتَشَكَّلُ فِي نَفْسِهِ شَخْصِيَّةٌ أَقْوَى، وَأَكْثَرُ نُضْجًا، يَتَعَلَّمُ كَيْفَ يُسْهِمُ بِفَاعِلِيَّةٍ، وَكَيْفَ تُصْبِحُ جُهُودُهُ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ نَجَاحٍ أَكْبَرَ، يَخْدِمُ الْـمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ لِلْوَطَنِ.

وَفِي ظِلِّ هٰذَا التَّفَاعُلِ الْـمُسْتَمِرِّ ضِمْنَ إِطَارِ الِاتِّحَادِ، تَنْبُتُ الْـمَهَارَاتُ الْـحَيَاتِيَّةُ الْأَسَاسِيَّةُ، كَقُدْرَةِ حَلِّ الْـمُشْكِلَاتِ الْـمُعَقَّدَةِ الَّتِي تُوَاجِهُ الْوَطَنَ؛ فَالْعُقُولُ الْـمُتَعَدِّدَةُ تَعْمَلُ بِتَنَاغُمٍ؛ لِإِيجَادِ حُلُولٍ مُبْتَكَرَةٍ، وَيَتَعَزَّزُ التَّفْكِيرُ النَّقْدِيُّ مِنْ خِلَالِ النِّقَاشِ الْبَنَّاءِ، وَتَبَادُلِ وَجْهَاتِ النَّظَرِ، مِمَّا يُمَكِّنُ الْأَفْرَادَ مِنْ فَهْمِ تَحَدِّيَاتِ الْوَطَنِ بِعُمْقٍ، وَابْتِكَارِ طُرُقٍ لِلتَّغَلُّبِ عَلَيْهَا.

وَفِي هٰذِهِ الْبِيئَةِ التَّعَاوُنِيَّةِ، تُوقَدُ شُرَارَةُ الْإِبْدَاعِ؛ فَإِنَّ الْأَفْكَارَ الْـمُبْتَكَرَةَ غَالِبًا مَا تُوْلَدُ فِي رَحَابِ نِقَاشَاتٍ جَمَاعِيَّةٍ، وَتَبَادُلِ خِبْرَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، تَصُبُّ كُلُّهَا فِي سَبِيلِ رِفْعَةِ الْوَطَنِ. وَإِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي يُسْهِمُ فِي إِنْجَازَاتٍ جَمَاعِيَّةٍ، يَشْعُرُ بِالثِّقَةِ، وَبِالْقِيمَةِ فِي نَسِيجِ الْـمُجْتَمَعِ، وَتَتَزَايَدُ فِيهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَطَاءِ الْـمُسْتَمِرِّ لِوَطَنِهِ، وَيُصْبِحُ أَكْثَرَ اسْتِعْدَادًا لِلتَّضْحِيَةِ فِي سَبِيلِ ازْدِهَارِهِ.

فَهٰذَا التَّكَاتُفُ لَا يُنْتِجُ فَقَطْ أَفْرَادًا أَقْوِيَاءَ، وَمُبْدِعِينَ، بَلْ يُشَكِّلُ حِصْنًا مَنِيعًا لِلْوَطَنِ، يُجَسِّدُ قُوَّتَهُ فِي تَلَاحُمِ أَبْنَائِهِ، وَرُوحِهِمُ الْإِبْدَاعِيَّةِ الْـمُتَفَانِيَةِ.

فِي دِينِنَا وَحْدَتُنَا، وَفِي تَوَحُّدِ كَلِمَتِنَا نَصْرُنَا

إِنَّ مَا تُقَدِّمُهُ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ مِنْ تَأْصِيلٍ لِمَبْدَإِ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَاوُنِ، لَيُؤَكِّدُ بِوُضُوحٍ أَنَّ هٰذِهِ الْقِيَمَ لَيْسَتْ خِيَارَاتٍ ثَانَوِيَّةً، وَلَا مُجَرَّدَ أَفْكَارٍ مَطْرُوحَةٍ، بَلْ هِيَ ضَرُورَاتٌ حَتْمِيَّةٌ لِبِنَاءِ مُجْتَمَعٍ قَوِيٍّ، مُتَمَاسِكٍ، وَإِنْسَانٍ مُبْدِعٍ، مُنْتَمٍ لِوَطَنِهِ. فَبِالِاتِّحَادِ نَصْمُدُ فِي وَجْهِ التَّحَدِّيَاتِ، وَبِالتَّعَاوُنِ نُحَقِّقُ الْإِنْجَازَاتِ، وَبِالْوَلَاءِ وَالِانْتِمَاءِ نَصُونُ هُوِيَّتَنَا، وَنَرْفَعُ شَأْنَ أَوْطَانِنَا.

وَلِذٰلِكَ، فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ الْـجَمَاعِيَّةَ تُعَدُّ مِنْ أَهَمِّ أَدَوَاتِ التَّوْحِيدِ وَالِاتِّحَادِ؛ فَالصَّلَاةُ، وَالْحَجُّ، وَالصِّيَامُ، كُلُّهَا تَجْمَعُ الْـمُسْلِمِينَ عَلَى طَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتُرَبِّيهِمْ عَلَى النِّظَامِ، وَوَحْدَةِ الصَّفِّ، فَهُمْ يَقِفُونَ صَفًّا وَاحِدًا، يَخْشَعُونَ لِرَبٍّ وَاحِدٍ، فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ.

وَلَمَّا فَهِمَ الْـمُسْلِمُونَ سِرَّ قُوَّتِهِمْ، وَتَمَسَّكُوا بِوَحْدَتِهِمْ، انْتَصَرُوا عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَذٰلِكَ فِي غَزَوَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَانَ فِيهَا الِاتِّحَادُ هُوَ سَبَبَ النَّجَاحِ. وَفِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، لَمَّا خَالَفَ الرُّمَاةُ أَمْرَ النَّبِيِّ ﷺ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ، وَانْفَصَمَ الصَّفُّ، كَانَتِ النَّتِيجَةُ هَزِيمَةً مُؤْلِمَةً.

وَكَذٰلِكَ فِي الْأَنْدَلُسِ، لَمَّا تَفَكَّكَتِ الْوَحْدَةُ، وَتَحَوَّلَتِ الدَّوْلَةُ إِلَى دُوَيْلَاتٍ مُتَنَازِعَةٍ، تَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْأَعْدَاءُ، وَضَاعَتْ حَضَارَتُهُمْ. فَالْعِبْرَةُ أَنَّ الْـوَحْدَةَ سَبِيلُ الْـبَقَاءِ، وَأَنَّ الِانْقِسَامَ سَبِيلُ الزَّوَالِ.

 

الِانْتِمَاءُ لِلْأَوْطَانِ.. أَصْلُ الْوَلَاءِ وَنَبْضُ الْعَطَاءِ

إِنَّ أَسْمَى مَا يَبْلُغُهُ الْإِنْسَانُ فِي مَسِيرَةِ التَّعَاوُنِ وَالتَّكَامُلِ، هُوَ ذٰلِكَ الشُّعُورُ الرَّاسِخُ بِالِانْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ، وَالَّذِي لَيْسَ مُجَرَّدَ عَاطِفَةٍ عَابِرَةٍ، بَلْ هُوَ وَلَاءٌ عَمِيقٌ، يَنْبُثِقُ مِنَ الْإِيمَانِ بِقِيَمِ الْوَطَنِ، وَمُقَدَّرَاتِهِ، وَتَارِيخِهِ، وَرُؤْيَتِهِ الْـمُسْتَقْبَلِيَّةِ. إِنَّهُ تَجَلٍّ نَبِيلٌ لِمَعَانِي الْـمُواطَنَةِ الصَّالِحَةِ، الَّتِي لَا تَنْظُرُ إِلَى الْوَطَنِ مِنْ مِنْظَارِ الرِّبْحِ وَالْـخُسْرَانِ، بَلْ تَتَعَامَلُ مَعَهُ بِمِنْطِقِ الْـحُبِّ، وَالْإِيثَارِ، وَالْعَطَاءِ الْـمُطْلَقِ غَيْرِ الْـمَشْرُوطِ.

**وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي الْـحُبِّ الْـوَطَنِيِّ وَالِانْتِمَاءِ الصَّادِقِ، فَعِنْدَمَا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ الْـمُكَرَّمَةِ، الْتَفَتَ إِلَيْهَا، يُخَاطِبُهَا بِقَلْبٍ يَفِيضُ أَلَمًا وَحَنِينًا، فَقَالَ:
«
إِنَّكِ لَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].
فَهٰذَا الْـمَوْقِفُ يُبَيِّنُ عِظَمَ قَدْرِ الْوَطَنِ فِي نَفْسِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَيْفَ أَنَّ فِقْدَانَهُ يَعْدِلُ أَعْظَمَ الْـمِحَنِ.

وَإِنَّ هٰذَا الِانْتِمَاءَ لَا يُولَدُ فِطْرَةً فَقَطْ، بَلْ يُغْرَسُ وَيُرَبَّى عَلَيْهِ، وَيُعَزَّزُ بِوَاسِطَةِ الْـمُؤَسَّسَاتِ التَّرْبَوِيَّةِ، بَدْءًا بِالْأُسْرَةِ الَّتِي هِيَ الْـحَاضِنَةُ الْأُولَى، وَمُرُورًا بِالْمَدَارِسِ الَّتِي تُشَكِّلُ وَعْيَ النَّاشِئَةِ، وَوُصُولًا إِلَى الْـمُؤَسَّسَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ، الَّتِي تُنَمِّي فِي الْـفَرْدِ رُوحَ الْـمُوَاطَنَةِ. وَتَتَحَمَّلُ هٰذِهِ الْـمُؤَسَّسَاتُ مَسْؤُولِيَّةَ غَرْسِ قِيَمِ التَّعَاوُنِ، وَالتَّكَافُلِ، وَالْإِيثَارِ، وَاحْتِرَامِ النِّظَامِ، وَحِفْظِ الْـحُقُوقِ، وَتَقْدِيمِ الْـمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْـمَصْلَحَةِ الْـخَاصَّةِ.

فَإِذَا شَارَكَ الْـفَرْدُ بِفَاعِلِيَّةٍ فِي بِنَاءِ الْـمُجْتَمَعِ، وَأَسْهَمَ فِي تَحْقِيقِ أَمْنِهِ وَازْدِهَارِهِ، تَرَسَّخَ فِي نَفْسِهِ الْوَلَاءُ الْـحَقِيقِيُّ، وَنَمَا فِيهِ شُعُورٌ بِالْـفَخْرِ وَالِاعْتِزَازِ، وَصَارَ أَكْثَرَ اسْتِعْدَادًا لِلتَّضْحِيَةِ فِي سَبِيلِ عِزَّةِ وَطَنِهِ وَرِفْعَتِهِ.

 

خَاتِمَةٌ: نَحْنُ بِالِاتِّحَادِ نَسْتَحِقُّ الْـحَيَاةَ وَنَصْنَعُ الْـمَجْدَ

لَقَدْ عَلَّمَنَا الْإِسْلَامُ أَنَّ الِاتِّحَادَ لَيْسَ خِيَارًا تَكْتِيكِيًّا نَلْجَأُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْأَزَمَاتِ، بَلْ هُوَ أَصْلٌ أَصِيلٌ مِنْ أُصُولِ هٰذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ، وَمَبْدَأٌ قَامَتْ عَلَيْهِ نَوَاةُ الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْأُولَى فِي الْـمَدِينَةِ الْـمُنَوَّرَةِ. فَبِالِاتِّحَادِ تُصَانُ الْأَوْطَانُ، وَتُبْنَى الْـحَضَارَاتُ، وَتُحْفَظُ الْـكَرَامَاتُ.

وَمَا أَحْوَجَنَا فِي زَمَنٍ تَفَكَّكَتْ فِيهِ الْكَلِمَةُ، وَتَمَزَّقَتْ فِيهِ الْأَوْطَانُ، وَتَكَالَبَ فِيهِ الْأَعْدَاءُ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ، إِلَى أَنْ نُحْيِيَ فِي قُلُوبِنَا رُوحَ الْأُخُوَّةِ، وَنُعِيدَ إِلَى الْـوَاقِعِ مَعْنَى الْـجَمَاعَةِ، وَنَجْعَلَ مِنَ الِاتِّحَادِ دِرْعًا يَحْمِينَا، وَسِرَاجًا يَهْدِينَا، وَسُلَّمًا نَرْتَقِي بِهِ نَحْوَ الْعِزَّةِ وَالِازْدِهَارِ.

فَلْنَسْعَ جَمِيعًا إِلَى تَعْزِيزِ هٰذِهِ الْقِيَمِ الْـمُبَارَكَةِ، وَلْنَتَكَاتَفْ؛ لِنَبْنِيَ مُسْتَقْبَلًا مُشْرِقًا لِأَوْطَانِنَا، مُسْتَلْهِمِينَ مِنْ تَعَالِيمِ دِينِنَا الْـحَنِيفِ مَا يُقَوِّي عَزِيمَتَنَا، وَيُضِيءُ دُرُوبَنَا، وَلْنَكُنْ كَمَا أَرَادَنَا اللَّهُ: أُمَّةً وَاحِدَةً، يَدُهَا بِيَدِ بَعْضِهَا، وَقُلُوبُهَا مُتَآلِفَةٌ، وَدِينُهَا وَاحِدٌ، تَسِيرُ إِلَى رِضْوَانِ رَبِّهَا بِخُطًى ثَابِتَةٍ، وَأَمَلٍ لَا يَنْكَسِرُ.

 

 

 _____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى