أخبار مهمةخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقافعاجل

خطبة الجمعة القادمة : إِدَارَةُ الْوَقْتِ: مِفْتَاحُ العُلُوِّ وَسُلَّمُ الرِّفْعَةِ

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : إِدَارَةُ الْوَقْتِ: مِفْتَاحُ العُلُوِّ وَسُلَّمُ الرِّفْعَةِ ، بتاريخ 30 محرم 1447هـ ، الموافق 25 يوليو 2025م.

لتحميل خطبة جمعة استرشادية بعنوان : إِدَارَةُ الْوَقْتِ: مِفْتَاحُ العُلُوِّ وَسُلَّمُ الرِّفْعَةِ بتاريخ 25 يوليو 2025 ، بصيغة word

ولتحميل خطبة جمعة استرشادية بعنوان : إِدَارَةُ الْوَقْتِ: مِفْتَاحُ العُلُوِّ وَسُلَّمُ الرِّفْعَةِ بتاريخ 25 يوليو 2025 بصيغة pdf

عناصر خطبة جمعة استرشادية بعنوان : إِدَارَةُ الْوَقْتِ: مِفْتَاحُ العُلُوِّ وَسُلَّمُ الرِّفْعَةِ ، كما يلي:

 

 

ولقراءة خطبة جمعة استرشادية بعنوان : إِدَارَةُ الْوَقْتِ: مِفْتَاحُ العُلُوِّ وَسُلَّمُ الرِّفْعَةِ ، بتاريخ 25 يوليو 2025 بعنوان، كما يلي:

 

خُطْبَةٌ بِعُنْوَانِ: إِدَارَةُ الْوَقْتِ: مِفْتَاحُ العُلُوِّ وَسُلَّمُ الرِّفْعَةِ

بتاريخ 30 محرم 1447هـ 30 يوليو 2025م

الخُطْبَةُ الأُولَى

اَلْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ، وَأَوْدَعَ فِي اللَّحَظَاتِ أَسْرَارَ التَّقَدُّمِ وَالْبُنْيَانِ، وَجَعَلَ الْوَقْتَ عُمْرًا يُقَاسُ بِهِ الأَعْمَالُ، وَتُوزَنُ بِهِ الأَعْيَانُ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، شَهَادَةً نَرْجُو بِهَا نَجَاةَ الْيَوْمِ الْمِيعَادِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَكْرَمُ مَنْ قَسَّمَ أَوْقَاتَهُ بَيْنَ الْخُلُقِ وَالْخَالِقِ، وَأَزْهَى مَنْ سَارَ فِي دَرْبِ الْوَقْتِ عَلَى هُدًى وَوَعْيٍ وَتَخْطِيطٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ – وَنَفْسِيَ الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ زَادُ السَّائِرِينَ، وَعُدَّةُ الْمُتَأَهِّبِينَ، وَبِهَا يَكُونُ الْفَوْزُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

يَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الأَفَاضِلُ،إِنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ مُجَرَّدَ رَقْمٍ عَلَى سَاعَةٍ، أَوْ ظِلًّا يَتَحَرَّكُ عَلَى جِدَارٍ، بَلْ هُوَ مِيزَانُ الحَيَاةِ، وَصَوْتُ الْعُمْرِ، وَصُحْفَةُ الإِنْجَازِ الَّتِي سَتُعْرَضُ عَلَيْنَا يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ.

إِنَّهُ اللَّحَظَاتُ الَّتِي نَحْيَا فِيهَا، وَنُسَجِّلُ فِيهَا أَعْمَالَنَا، فَمَنْ أَحْسَنَ إِدَارَتَهُ، بَنَى نَفْسَهُ، وَأَحْيَا أُمَّتَهُ، وَصَعِدَ فِي مَرَاتِبِ النَّجَاحِ وَالْفَلَاحِ. وَمَنْ أَهْمَلَهُ، بَاتَ فِي نَدَمٍ، وَانْسَحَبَ مِنْ مَوْكِبِ السَّائِرِينَ.

فَفِي خُطْبَتِنَا الْيَوْمَ نَقِفُ مَعَ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْمَنْسِيَّةِ، وَالذَّهَبِ الَّذِي لَا يُشْتَرَى: “الوَقْتِ”، نُبْصِرُ مَعَانِيهِ، وَنَسْتَقْرِئُ مَنْهَجَ الْقُرْآنِ فِيهِ، وَنَتَتَبَّعُ خُطَى النَّبِيِّ فِي إِدَارَتِهِ، وَنَقِفُ مَعَ الْعُظَمَاءِ كَيْفَ جَعَلُوهُ سُلَّمَ الرِّفْعَةِ وَالْمَجْدِ.

فَتَفَكَّرُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ – فِي كَيْفِيَّةِ قَضَائِكُمْ لِوَقْتِكُمْ، فَإِنَّ الدَّقَائِقَ تَصْنَعُ الْقُرُونَ، وَالثَّوَانِي تَحْمِلُ الْمَصِيرَ، وَمَا الْمَجْدُ إِلَّا نَتِيجَةُ تَدْبِيرٍ حَكِيمٍ لِلْوَقْتِ، وَالْفَشَلُ لَيْسَ إِلَّا ثَمَرَةَ تَفْرِيطٍ فِي سَاعَةٍ.

العناصر:

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: الوَقْتُ لَا يَرْحَمُ الْمُتَكَاسِلِينَ وَيَتَفَلَّتُ مِنْ أَيْدِي الْغَافِلِينَ

العُنْصُرُ الثَّانِي: الوَقْتُ فِي مِيزَانِ الشَّرِيعَةِ: أَمَانَةٌ وَمَسْؤُولِيَّةٌ وَسُؤَالٌ يَوْمَ القِيَامَةِ

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: مَنْهَجُ النَّبِيِّ ﷺ فِي إِدَارَةِ الْوَقْتِ

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: كالْعُظَمَاءُ وَإِدَارَةُ الْوَقْتِ: حِينَ يَصْنَعُ الذَّكِيُّ مَجْدَهُ بِالسَّاعَاتِ

العُنْصُرُ الخامس: تَهْذِيبُ النَّفْسِ وَتَأْدِيبُهَا عَلَى دِقَّةِ الْوَقْتِ وَصَرَامَةِ الْمَوَاعِيدِ

العنصر السادس: ضَوَابِطُ التَّعَامُلِ مَعَ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: الوَقْتُ لَا يَرْحَمُ الْمُتَكَاسِلِينَ وَيَتَفَلَّتُ مِنْ أَيْدِي الْغَافِلِينَ

فِي دُرُوبِ الْحَيَاةِ تَمُرُّ عَلَيْنَا لَحَظَاتٌ نَحْسَبُهَا هَيِّنَةً، بَلْ نَظُنُّهَا سُدًى، وَمَا هِيَ إِلَّا دَقَائِقُ مَصِيرِيَّةٌ، تَفْصِلُ بَيْنَ نَجَاحٍ وَفَشَلٍ، وَبَيْنَ هِمَّةٍ وَخُمُولٍ، وَبَيْنَ مَجْدٍ وَذُلٍّ، وَبَيْنَ سُؤْدُدٍ وَضِيَاعٍ.

لَحْظَةٌ وَاحِدَةٌ قَدْ تَمُرُّ عَلَيْكَ، تَرَاهَا لَحْظَةَ غَفْلَةٍ، وَإِذَا بِهَا فُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ لِوِلَادَةِ فِكْرَةٍ نَيِّرَةٍ، أَوْ اتِّخَاذِ قَرَارٍ شُجَاعٍ، أَوِ اعْتِذَارٍ يُحْيِي مَوَدَّةً، أَوْ ذِكْرٍ يُرْضِي رَبًّا، أَوْ رَكْعَةٍ فِي سَحَرٍ تَفْتَحُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، أَوْ تِلَاوَةِ آيَةٍ تَرْفَعُ مَنْزِلَتَكَ فِي عَالَمِ الصَّالِحِينَ.

فَلَا تَحْقِرَنَّ اللَّحَظَاتِ، وَلَا تَسْتَهِنْ بِالدَّقَائِقِ، فَإِنَّهَا سَجَلُ عُمْرِكَ، وَصَفْحَةُ حَيَاتِكَ، وَكُلُّ سَاعَةٍ تَمْضِي لَا تَعُودُ، وَمَنْ فَرَّطَ فِي الْوَقْتِ، فَقَدْ بَاعَ أَثْمَنَ مَا يَمْلِكُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ.

وَفِي ذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ:

الْأَمْرُ جِدٌّ وَهُوَ غَيْرُ مُزَاحِ                      فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ صَالِحًا يَا صَاحِ

كَيْفَ الْبَقَاءُ مَعَ اخْتِلَافِ طَبَائِعٍ         وَكُرُورِ لَيْلٍ دَائِمٍ وَصَبَاحِ؟

تَجْرِي بِنَا الدُّنْيَا عَلَى خَطَرٍ                كَمَا تَجْرِي عَلَيْهِ سَفِينَةُ الْمَلَّاحِ

فَتَأَمَّلْ – رَحِمَكَ اللهُ – فِي أَيَّامِكَ، وَانْظُرْ: أَفِي كُلِّ سَاعَةٍ تَزْدَادُ قُرْبًا مِنَ اللهِ، وَرُقِيًّا فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْعَطَاءِ، أَمْ فِي تَفْرِيطٍ وَتَسْوِيفٍ وَتَضْيِيعٍ؟!

العُنْصُرُ الثَّانِي: الوَقْتُ فِي مِيزَانِ الشَّرِيعَةِ: أَمَانَةٌ وَمَسْؤُولِيَّةٌ وَسُؤَالٌ يَوْمَ القِيَامَةِ

إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَسْتَا مَجَرَّدَ تَعَاقُبِ نُورٍ وَظَلَامٍ، بَلْ هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ﴾ [الإِسْرَاءِ: ١٢].

وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ رَبَّانِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّمَنَ فِي مِيزَانِ الْوَحْيِ لَيْسَ هَيِّنًا، وَلَا عَابِرًا، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مَسَارٍ لِامْتِحَانِ الْعُقُولِ، وَبِهِ يُقَاسُ قَدْرُ الرِّجَالِ، وَتُوزَنُ فِيهِ الأَعْمَالُ.

وَمِنْ تَعْظِيمِ اللهِ لِلزَّمَنِ أَنْ أَقْسَمَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالْفَجْرِ﴾ [الفَجْر: ١]، وَقَالَ: ﴿وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ﴾ [الضُّحَىٰ: ١-٢]، وَقَالَ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ﴾ [اللَّيْل: ١-٢].

وَالْقَسَمُ مِنَ اللهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلتَّزْيِينِ، بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى عَظِيمِ مَا أُقْسِمَ بِهِ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العَصْر: ١-٣]، فَفِي هَذِهِ السُّورَةِ الْقَصِيرَةِ مِيزَانٌ لِحَقِيقَةِ الزَّمَنِ، فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ وَقْتَهُ فِي خِدْمَةِ الإِيمَانِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالنُّصْحِ بِالْحَقِّ وَالصَّبْرِ؛ فَهُوَ فِي خُسْرَانٍ مُبِينٍ.

إِنَّ الْوَقْتَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمِنَ النِّعَمِ الَّتِي سَيُسْأَلُ الإِنسَانُ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ نَبِيُّنَا – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

فَالنَّاسُ يُفَرِّطُونَ فِي الصِّحَّةِ حَتَّى يَمْرَضُوا، وَيُهْمِلُونَ الْفَرَاغَ حَتَّى يَشْتَكُوا مِنَ الضَّيَاعِ، وَيَبِيعُونَ أَوْقَاتَهُمْ فِي سُوقِ الْكَسَلِ وَالتَّسْوِيفِ، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا نِهَايَةَ الْعُمْرِ، تَمَنَّوْا سَاعَةً مِمَّا فَاتَهُمْ لَا تُشْتَرَى بِكُلِّ أَمْوَالِ الدُّنْيَا.

إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَسْقُطُونَ فِي فَخِّ مَصِيبَتَيْنِ خَفِيَّتَيْنِ: الْكَسَلِ الَّذِي يُؤَخِّرُهُمْ عَنْ بِدَايَةِ العَمَلِ، وَالتَّسْوِيفِ الَّذِي يُؤَجِّلُهُمْ عَنْ إِتْمَامِهِ، فَيَضِيعُ عُمُرُهُمْ بَيْنَ عَجْزٍ وَتَأْجِيلٍ، وَبَيْنَ أَمَانِيَّ لَا تُجْدِي وَأَعْمَالٍ لَمْ تُنْجَزْ.

فَكُنْ – أَخِي الْكَرِيمَ – مِمَّنْ يَسْتَشْعِرُ أَنَّ الدَّقِيقَةَ أَمَانَةٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ رَأْسُ مَالٍ، وَأَنَّ الزَّمَنَ مِيرَاثُك الَّذِي لَا يُعَوَّضُ، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: مَنْهَجُ النَّبِيِّ فِي إِدَارَةِ الْوَقْتِ

إِنَّ الْوَقْتَ كَالسَّيْلِ الْمُنْجَرِفِ مِنْ قِمَمِ الْجِبَالِ، لَا يَنْتَظِرُ مُتَرَدِّدًا، وَلَا يَرْجِعُ لِمُتَثَاقِلٍ، فَمَنْ لَمْ يَغْتَنِمْهُ فَاتَهُ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ جَرَفَهُ السَّيْلُ إِلَى مَهَاوِي الْخَسَارَةِ وَالضَّيَاعِ.

وَقَدْ جَاءَ صَاحِبُ الْجَنَابِ النَّبَوِيِّ الْمُعَظَّمِ، سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ، يُوَجِّهُنَا إِلَى قِيمَةِ الْوَقْتِ وَحُسْنِ اسْتِثْمَارِهِ، فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» [رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك، وَصَحَّحَهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ].

تَأَمَّلْ – رَحِمَكَ اللَّهُ – مَا فِي هَذَا الْبَيَانِ النَّبَوِيِّ الْمُعْجِزِ، فَلَمْ يَقُلْ: “اغْتَنِمْ أَيَّامَكَ” أَوْ “سَنَوَاتِكَ”، بَلْ خَصَّ الْفَرَاغَ، تِلْكَ اللَّحَظَاتُ الَّتِي يَظُنُّهَا الْمَرْءُ لَا قِيمَةَ لَهَا، فَإِذَا بِهَا فِي مِيزَانِ الشَّرِيعَةِ كَنْزٌ مَكْنُونٌ، وَوَقْتٌ مَذْخُورٌ، وَفُرْصَةٌ لَا تُقَدَّرُ بِالثَّمَنِ.

وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِيُضَيِّعَ وَقْتَهُ، بَلْ اسْتَثْمَرَ كُلَّ لَحْظَةٍ فِي بِنَاءِ الْإِنسَانِ، وَغَرْسِ الْإِيمَانِ، وَتَشْيِيدِ الدَّوْلَةِ، وَإِقَامَةِ الْحَضَارَةِ، فَفِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا، غَيَّرَ وَجْهَ التَّارِيخِ، وَأَقَامَ دَوْلَةً بُنِيَتْ عَلَى الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَالْقِيَمِ.

فَقَدْ كَانَ ﷺ يَقُومُ لِلَّهِ لَيْلًا، وَيَعْمَلُ لِدِينِهِ نَهَارًا، يُصَلِّي، وَيُرَبِّي، وَيُعَلِّمُ، وَيُخَاطِبُ الْعُقُولَ، وَيُبَاشِرُ شُؤُونَ الدَّوْلَةِ، وَيُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيُدَاوِي الْقُلُوبَ، وَيُقَوِّي الْعَزَائِمَ، وَيَغْرِسُ فِي أَصْحَابِهِ مَعْنَى الْإِنْجَازِ وَالْفَعَّالِيَّةِ وَالِانْضِبَاطِ.

فَكَانَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَرَى فِي الْوَقْتِ عِبَادَةً، وَفِي الْبُكُورِ بَرَكَةً، فَدَعَا لِلْأُمَّةِ بِالْخَيْرِ  ِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَقَالَ: “اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا” [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ].

وَهَكَذَا نَفْهَمُ أَنَّ مَنْهَجَ النَّبِيِّ ﷺ فِي إِدَارَةِ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ نَظَرِيًّا، بَلْ كَانَ مَنْهَجًا عَمَلِيًّا، تَطَبَّقَ فِي كُلِّ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ، وَكَانَ سَبِيلًا لِبِنَاءِ أَعْظَمِ أُمَّةٍ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ.

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: الْعُظَمَاءُ وَإِدَارَةُ الْوَقْتِ: حِينَ يَصْنَعُ الذَّكِيُّ مَجْدَهُ بِالسَّاعَاتِ

مَا وَجَدْتَ عَظِيمًا فِي تَارِيخِ الْبَشَرِ إِلَّا وَكَانَ مَنْظُومَ الْوَقْتِ، مُرَتَّبَ الْأَعْمَالِ، مُدْرِكًا لِقِيمَةِ الزَّمَنِ، فَلَا يُهْدِرُ دَقِيقَةً، وَلَا يَتَسَاهَلُ فِي لَحْظَةٍ، بَلْ يَجْعَلُ مِنْ كُلِّ سَاعَةٍ جَسْرًا إِلَى الْإِتْقَانِ، وَكُلَّ يَوْمٍ سُلَّمًا إِلَى الْمَجْدِ.

فَهٰذَا الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – حَفِظَ الْقُرْآنَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَنَظَّمَ أَوْقَاتَهُ حَتَّى صَارَ إِمَامًا فِي الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ، وَكَانَ يَقُولُ:
الْوَقْتُ كَالسَّيْفِ، إِنْ لَمْ تَقْطَعْهُ قَطَعَكَ، وَنَفْسُكَ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ، شَغَلَتْكَ بِالْبَاطِلِ“.

وَهٰذَا ابْنُ سِينَا أَلَّفَ فِي الطِّبِّ وَالْفَلْسَفَةِ وَهُوَ فِي سِنِّ الْمُرَاهَقَةِ، حَتَّى سُمِّيَ شَيْخَ الرَّئِيسِ، وَصَارَ مَرْجِعًا فِي الْعِلْمِ لِقُرُونٍ.

وَهٰذَا عَبَّاسٌ مَحْمُودُ الْعَقَّادُ جَعَلَ مِنْ وَقْتِهِ مِحْرَابًا لِلْقِرَاءَةِ وَالتَّفْكِيرِ وَالتَّأْلِيفِ، فَصَارَ مَوْسُوعَةً نَاطِقَةً، وَمِنَ الْكُتَّابِ النَّوَادِرِ الَّذِينَ لَا يَضِيعُونَ الْوَقْتَ فِي غَيْرِ فَائِدَةٍ.

فَهٰؤُلَاءِ الْعُظَمَاءُ لَمْ يُولَدُوا بِعُقُولٍ خَارِقَةٍ، وَلَا كَانَ يَوْمُهُمْ أَطْوَلَ مِنْ أَيَّامِنَا، بَلْ فَهِمُوا قَانُونَ الزَّمَنِ، وَعَرَفُوا أَنَّ الدَّقَائِقَ كَالدُّرَرِ، فَجَمَعُوهَا فِي عُقُودِ الْإِنْجَازِ، وَبَنَوْا بِهَا مَجْدًا خَالِدًا.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – كَلِمَةً تُذِيبُ الْقُلُوبَ وَتُفِيقُ الْغَافِلِينَ: مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ كَنَدَمِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ، نَقَصَ فِيهِ أَجَلِي، وَلَمْ يَزِدْ فِيهِ عَمَلِي“.

فَهٰذِهِ هِيَ نَظْرَةُ الْعُظَمَاءِ إِلَى الْوَقْتِ: لَحَظَاتٌ تُشْتَرَى بِالْحَيَاةِ، وَسَاعَاتٌ تُشَيَّدُ بِهَا أُمَمٌ، وَثَوَانٍ تَرْفَعُ أَقْوَامًا وَتَضَعُ آخَرِينَ.

العُنْصُرُ الْخَامِسُ: تَهْذِيبُ النَّفْسِ وَتَأْدِيبُهَا عَلَى دِقَّةِ الْوَقْتِ وَصَرَامَةِ الْمَوَاعِيدِ

إِنَّ إِدَارَةَ الْوَقْتِ لَيْسَتْ جَدْوَلًا مَكْتُوبًا، وَلَا سَاعَاتٍ تُسَجَّلُ عَلَى وَرَقٍ، بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ وَتَزْكِيَةٌ وَبِنَاءٌ لِشَخْصِيَّةِ الْمُؤْمِنِ.

كُلَّمَا ضَبَطْتَ دَقِيقَةً، فَأَنْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ مَعْنَى الْإِنْضِبَاطِ، وَتُرَبِّي فِي ذَاتِكَ قِيمَةَ الْإِلْتِزَامِ، وَتُؤَهِّلُ عَقْلَكَ لِلتَّفْكِيرِ الْعَمِيقِ، وَتَغْرِسُ فِي قَلْبِكَ الشُّعُورَ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ.

فَالْوَقْتُ لَيْسَ إِطَارًا لِلْأَنْشِطَةِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ أَحَدُ أَعْمِدَةِ الْإِيمَانِ، يُسْأَلُ الْإِنْسَانُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فَقَدْ قَالَ سَيِّدُ الْخَلْقِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –:

«لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»
[رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].

فَإِذَا لَمْ نُرَبِّي نُفُوسَنَا عَلَى دِقَّةِ الْوَقْتِ، وَصَرَامَةِ الْمَوَاعِيدِ، ضَاعَتِ الْأَيَّامُ، وَفَاتَتِ الْفُرَصُ، وَتَكَوَّمَتِ الْحَسَرَاتُ فِي صُدُورِنَا.

إِنَّ الْوَقْتَ هُوَ رَأْسُ مَالِ الْإِنْسَانِ، لَا يُشْتَرَى وَلَا يُسْتَرْجَعُ، وَمَنْ أَدْرَكَ قِيمَتَهُ، وَأَحْسَنَ اسْتِثْمَارَهُ، صَنَعَ مَجْدَهُ، وَغَيَّرَ مَسَارَ حَيَاتِهِ، وَكُتِبَ فِي سُجِلِّ النَّاجِحِينَ.

وَقَدْ شَدَّدَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَلَى عَظَمَةِ الْوَقْتِ، فَأَقْسَمَ اللهُ بِأَجْزَائِهِ وَمَوَاقِيتِهِ، وَوَجَّهَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِاغْتِنَامِهِ قَبْلَ فَوَاتِهِ.

وَقَدْ أَدْرَكَ الْعُظَمَاءُ سِرَّ الزَّمَنِ، فَاسْتَثْمَرُوا دَقَائِقَهُمْ، وَسَاعَاتِهِمْ، فَصَارُوا أَعْلَامًا فِي التَّارِيخِ، وَمَنَارَاتٍ لِلْهُدَى.

فَلْنُحَافِظْ عَلَى أَوْقَاتِنَا، وَلْنُرَبِّ أَنْفُسَنَا عَلَى الانضباط، وَلْنَجْعَلْ كُلَّ لَحْظَةٍ فِي عُمُرِنَا طَاعَةً، وَإِنْجَازًا، وَنَفْعًا لِلنَّاسِ، فَبِالزَّمَنِ تُبْنَى الْأُمَمُ، وَتُصْنَعُ الْحَضَارَاتُ، وَتُرْفَعُ الدَّرَجَاتُ عِنْدَ رَبِّ الْأَرْبَابِ.

الخطبة الثانية

العنصر السادس: ضَوَابِطُ التَّعَامُلِ مَعَ مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ اللِّسَانَ وَالْبَيَانَ، وَسَخَّرَ لَنَا التِّقْنِيَاتِ وَالْمَوَاقِعَ وَالْأَزْمَانَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ مَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ أَصْبَحَتْ جُزْءًا مِنْ حَيَاتِنَا، وَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ يُقَدِّرُ نِعَمَ اللهِ وَيَضَعُ لَهَا الضَّوَابِطَ.

فَاحْفَظْ لِسَانَكَ فِيهَا، وَلَا تَنْشُرْ إِلَّا مَا تُحِبُّ أَنْ تَلْقَى اللهَ بِهِ، وَإِيَّاكَ وَالطَّعْنَ وَاللَّعْنَ وَنَقْلَ الإِشَاعَاتِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٨].

اجْعَلْ لِوَقْتِكَ قِيمَةً، وَلَا تَدَعْ هَذِهِ الْمَوَاقِعَ تَسْرِقُ أَعْمَارَكَ وَتُشَغِّلُكَ عَنْ طَاعَةِ رَبِّكَ وَأَهْلِكَ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا فِي نَشْرِ بَاطِلٍ أَوْ إِفْسَادِ ذَوْقٍ أَوْ إِثَارَةِ فِتْنَةٍ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَوَاقِعَنَا مِمَّا يُرْضِيكَ، وَاجْعَلْ أَلْسِنَتَنَا نَاطِقَةً بِالْحَقِّ، وَقُلُوبَنَا مُشْتَغِلَةً بِذِكْرِكَ، وَاحْفَظْنَا وَذُرِّيَّاتِنَا مِنْ سُوءِ الْأَعْمَالِ وَالْمَقَالِ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ بُعِثَ بِالْهُدَى وَالرَّحْمَةِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

 

 _____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى