أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، للدكتور أحمد رمضان

 شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ 11 ربيع الثاني 1447هـ - 3 أكتوبر 2025م

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، إعداد: رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 11 ربيع الثاني 1447هـ، الموافق 3 أكتوبر 2025م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر 2025م بصيغة word بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر 2025م بصيغة pdf بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، للدكتور أحمد رمضان.

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر 2025م بعنوان : شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.

 

العُنصرُ الأَوَّلُ: الوَطَنُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ

العُنصرُ الثَّانِي: الدِّفَاعُ عَنِ الأَوْطَانِ دِفَاعٌ عَنِ الدِّينِ وَالعِرْضِ

العُنصرُ الثَّالِثُ: دُرُوسٌ مِنَ التَّارِيخِ وَالسِّيرِ فِي الذَّوْدِ عَنِ الأَوْطَانِ

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 3 أكتوبر 2025م شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:

 

 شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ

11 ربيع الثاني 1447هـ – 3 أكتوبر 2025م

إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ فَسَوّى، وقَدَّرَ فَهَدَى، وأسبغَ على عبادِهِ نِعَمًا لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، وجعلَ من أعظمِ تلك النِّعَمِ نعمةَ الأوطانِ التي تُؤوي العبادَ وتَجمعُ الشّتاتَ وتَحفظُ الدِّينَ والهُويّةَ. نحمدُهُ حمدًا كثيرًا يُوافِي نِعَمَهُ ويُكافِئُ مَزيدَهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ سيِّدَنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أحبَّ وطنَهُ مكّةَ المكرّمةَ، وبَكى لفِراقِها، ودعا لمدينةِ رسولِ اللهِ ﷺ بالحبِّ كما أحبَّ مكّةَ أو أشدَّ. صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَن سارَ على نهجِهِ إلى يومِ الدِّينِ.             أمّا بعدُ؛

العناصر:

العُنصرُ الأَوَّلُ: الوَطَنُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ

العُنصرُ الثَّانِي: الدِّفَاعُ عَنِ الأَوْطَانِ دِفَاعٌ عَنِ الدِّينِ وَالعِرْضِ

العُنصرُ الثَّالِثُ: دُرُوسٌ مِنَ التَّارِيخِ وَالسِّيرِ فِي الذَّوْدِ عَنِ الأَوْطَانِ

أيّها الإخوةُ الأحبّةُ؛ حديثُنا في هذا اليومِ عن: شَرَفُ الدِّفَاعِ عَنِ الأَوْطَانِ. إنّهُ موضوعٌ يجمعُ بينَ العقيدةِ والشّريعةِ، والفِطرةِ والطّبيعةِ، والدِّينِ والدُّنيا. فما من أُمّةٍ عظُمتْ إلّا بعِزَّةِ أوطانِها، وما من أمّةٍ انهارتْ إلّا حينَ ضيّعتْ أوطانَها وفرّطتْ في حِماها. وقد قالَ بعضُ الحُكماءِ: مَن لا وطنَ لهُ لا هُويّةَ لهُ، ومَن ضيّعَ وطنَهُ ضاعَ دينُهُ وعِرضُهُ ومُستقبلُهُ.

العُنصرُ الأَوَّلُ: الوَطَنُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ

أيّها الأحبّةُ في اللهِ؛ الوَطَنُ نِعمةٌ عَظيمةٌ لا يَعرِفُ قَدرَها إلّا مَن فقدَها، ولا يشعُرُ بقيمتِها إلّا مَن تذوَّقَ مرارةَ الغُربةِ. إنَّهُ الأرضُ التي نَشأنا عليها، والهواءُ الذي تنفَّسناهُ أوّلَ مرّةٍ، والماءُ الذي جرى في عُروقِنا، والجُدرانُ التي آوتنا، والسّاحاتُ التي لعبنا فيها، والقبورُ التي تضمُّ آباءَنا وأمّهاتِنا.

وقد جعلَ اللهُ حِفظَ الأوطانِ مِن أعظمِ مقاصدِ الشّريعةِ، فقالَ سبحانهُ: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا[الحج: 40].

قالَ الإمامُ القرطبيُّ في تفسيرِها (12/70): “أي لَولا ما شَرَعَهُ اللهُ تعالى لِلأنبياءِ والمؤمنينَ من قِتالِ الأعداءِ، لَاستَولى أهلُ الشِّركِ، وعَطَّلوا ما بَيَّنَتهُ أربابُ الدِّياناتِ من مواضِعِ العباداتِ، ولَولا القِتالُ لَما بَقيَ الدِّينُ الذي يُذَبُّ عنهُ”.

وقالَ الإمامُ ابنُ كثيرٍ: “لَولا أنَّهُ يَدفَعُ عن قَومٍ بِقَومٍ، ويَكشِفُ شَرَّ أُناسٍ عن غيرِهِم، بما يَخلُقُهُ ويُقدِّرُهُ من الأسبَابِ، لَفَسَدَتِ الأرضُ، وأَهلَكَ القَويُّ الضَّعيفَ. (تفسير ابن كثير 5/435).

أيها الإخوةُ؛ انظُروا إلى حُبِّ النبيِّ ﷺ لوطنِه؛ فحينَ أُخرجَ من مكّةَ المكرّمةِ وقفَ يُخاطبُها قائلًا: «واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ، وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ» (رواه الترمذي ح 3925، صحيحٌ).

فأيُّ حنينٍ هذا؟! إنّهُ الحنينُ الذي جعلَ حُبَّ الوطنِ جزءًا من الدِّينِ والإيمانِ.

فانظُروا كيفَ كانَ الحبيبُ ﷺ يغرسُ في القلوبِ أنَّ حُبَّ الوطنِ فِطرةٌ ربّانيةٌ وعبادةٌ إيمانيّةٌ.

أيّها الكرامُ؛ حتّى الصّحابةُ تأثَّروا بفقدِ أوطانِهم. فهذا بلالُ بنُ رباحٍ رضيَ اللهُ عنهُ لمّا مرضَ بالمدينةِ أخذَ يُنشِدُ بشوقٍ لمكّةَ قائلًا:

أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً***بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ***وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ

ثم دعا علي شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا…  ثُمَّ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ”. البخاري 1889.

وقد رُويَ عن الفاروقِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: “عَمَّرَ اللهُ البُلدانَ بحُبِّ الأوطانِ” (البيهقي في المحاسن والمساوئ، ص342). وقالَ أيضًا: “لولا حُبُّ الوطنِ لخرِبَ بلدُ السُّوءِ” (ابن المرزبان في الحنين إلى الأوطان، ص40).

وقالَ أبو حامدٍ الغزاليُّ: “والبشرُ يألَفونَ أرضَهم على ما بها، ولو كانت قَفرًا مُستوحَشًا، وحُبُّ الوطنِ غريزةٌ متأصِّلةٌ في النُّفوسِ، تجعلُ الإنسانَ يستريحُ إلى البقاءِ فيه، ويَحنُّ إليه إذا غابَ عنه، ويُدافعُ عنه إذا هوجِمَ، ويَغضبُ له إذا انتُقِصَ” (حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي، للشيخ محمد الغزالي، ص86).

وقالَ ابنُ بطّالٍ في شرح البخاري (ج4، ص453): “وقد جبَلَ اللهُ النُّفوسَ على حُبِّ الأوطانِ والحنينِ إليها، وفعلَ ذلك ﷺ، وفيه أكرمُ الأسوةِ، وأمرَ أمتَهُ سرعةَ الرجوعِ إلى أهلِهم عندَ انقضاءِ أسفارِهم”.

وقالَ السُّهيليُّ: “مفارقةُ الوطنِ لهُ شِدَّةٌ على النَّفسِ، فإنَّه ﷺ لمَّا سَمِعَ قولَ ورقةَ: إنَّهم يؤذونَهُ ويكذِّبونَهُ لم يظهرْ منه انزعاجٌ لذلك، فلمَّا ذكرَ لهُ الإخراجُ تحرَّكَت نفسُهُ لحُبِّ الوطنِ وإلفِه، فقالَ ﷺ: «أَوَمُخْرِجِيَّ هُم؟»” (انظر: فتح الباري ج12، ص349).

قالَ تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]. وقالَ عزَّ وجلَّ: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة: 246]. وقالَ البيهقيُّ رحمهُ اللهُ: “إنَّ اللهَ تعالى جعلَ الجلاءَ من الوطنِ بمرتبةِ القتلِ” (شعب الإيمان، ج2، ص236).

وقالَ ابنُ رُشدٍ المالكيُّ رحمهُ اللهُ: “فسوَّى بين النَّفي—يعني من الوطنِ—والقتلِ” (بداية المجتهد، ج2، ص342).

أيّها الأحبّةُ؛ وقد عبّرَ الشعراءُ عن هذا المعنى في أبياتٍ خالدةٍ؛ فقالَ أحدُهم:

وَطَنِي لَوْ شُغِلْتُ بِالخُلْدِ عَنْهُ *** نَازَعَتْنِي إلَيهِ فِي الخُلْدِ نَفسِي

وقالَ أميرُ الشعراءِ أحمد شوقي:    وطني لو شُغلتُ بالخلدِ عنهُ *** نازعتني إليه في الخلدِ نفسي

أيّها الإخوةُ؛ فالوطنُ ليسَ تُربةً نسكنُها فقط، إنّهُ عِزّةٌ وهُويّةٌ، وهو أمانةٌ في أعناقِنا جميعًا، فمَن فرّطَ فيهِ فقد خانَ اللهَ ورسولَهُ والأمانةَ.

العُنصرُ الثَّانِي: الدِّفَاعُ عَنِ الأَوْطَانِ دِفَاعٌ عَنِ الدِّينِ وَالعِرْضِ

أيُّها الأحبَّةُ في اللهِ؛ الوَطَنُ ليسَ تُرابًا نَعيشُ عليهِ فحسب، وإنّما هو مَعقِلُ الدِّينِ، وسِترُ العِرضِ، ومَأوَى الأبناءِ والأحفادِ، ومَخزنُ الحضارةِ، والماضي، والمستقبلِ. فإذا قامَ المؤمنُ يُدافِعُ عن وطنِه، فإنَّهُ في الحقيقةِ يُدافِعُ عن دِينِه، وعن مسجدِه، وعن أهلهِ وذُرّيتهِ.

وقد قالَ النّبيُّ ﷺ في الحديثِ الصَّحيحِ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ» (الترمذي 1421، حسن صحيح).

فانظُروا كيفَ جعَلَ النبيُّ ﷺ المدافعَ عن مالِه، أو أهلِه، أو دينِه، أو وطنِه في مقامِ الشّهيدِ، لِيَدلَّنا أنَّ حِمايةَ الأوطانِ ليستْ شعاراتٍ سياسيّةً ولا خُطبًا حماسيّةً، بل هيَ عقيدةٌ راسخةٌ وواجبٌ شرعيٌّ.

قالَ الإمامُ ابنُ حجرٍ رحمهُ اللهُ: في الحديثِ دليلٌ على أنَّ مَن قُتِلَ دونَ حقٍّ من الحقوقِ فهو في سبيلِ اللهِ؛ لأنَّ حفظَ هذهِ الحقوقِ من مقاصدِ الشرعِ (فتح الباري 5/139).

شواهدٌ من السِّيرةِ النبويّةِ

أيها الإخوةُ الكرامُ؛ تأمّلوا مواقفَ الصّحابةِ في بَدرٍ الكُبرى؛ حينَ استشارَ النبيُّ ﷺ أصحابَه، قامَ سعدُ بنُ معاذٍ رضيَ اللهُ عنهُ وقالَ: امضِ يا رسولَ اللهِ لما أردتَ، فواللهِ لو خُضتَ بنا هذا البحرَ لخُضناهُ معكَ، ما تخلَّفَ منا رجلٌ واحدٌ (صحيح مسلم بشرح النووي 12/ 142، وعنده: أن القائل سعد بن عبادة).

أرأيتم عِظَمَ الاستعدادِ؟! لقد قدّموا أرواحَهم قَبلَ أموالِهم، وبذلوا النّفوسَ قَبلَ المتاعِ، ليقولوا للأجيالِ كلّها: إنَّ الوطنَ لا يُصانُ إلّا بالفِداءِ والتَّضحياتِ.

شواهدٌ من التاريخ الإسلامي

ولم يقتصرِ الأمرُ على عهدِ النبوّةِ؛ فهذا سعدُ بنُ أبي وقّاصٍ رضيَ اللهُ عنهُ يقودُ معركةَ القادسيّةِ، فيَقطعُ دابرَ الطغيانِ الفارسيِّ، ويَحمي حدودَ الإسلامِ، ليبقى الوطنُ آمنًا عزيزًا.

وهذا طارقُ بنُ زيادٍ يقفُ أمامَ جُندِه يومَ العبورِ العظيمِ ويقولُ كلمتَهُ المشهورةَ: البحرُ وراءكم والعدوُّ أمامكم، فليسَ لكم واللهِ إلّا الصبرُ والصدقُ. فكانَ النصرُ والتمكينُ.

مِصرُ وحربُ أكتوبر المجيدةُ

أيّها الأحبّةُ؛ ولعلَّ أصدقَ مثالٍ معاصرٍ على شرفِ الدفاعِ عن الأوطانِ، ما جرى في حربِ أكتوبرَ المجيدةِ. يومَ العاشرِ من رمضانَ، حيثُ وقفَ جُندُ مصرَ الأبطالُ يُسطّرونَ ملحمةً لم يعرفْ لها التاريخُ مثيلًا. عبَروا القناةَ، وحطّموا خطَّ بارليفَ، وأثبتوا للعالمِ أنَّ مِصرَ أرضُ العزّةِ والكرامةِ.

لقد كانَ ذاكَ النصرُ شاهدًا على أنَّ الدفاعَ عن الوطنِ ليسَ قضيّةَ سلاحٍ فحسب، بل هو قضيّةُ إيمانٍ وعقيدةٍ، ووحدةِ صفٍّ بينَ الجيشِ والشعبِ والقيادةِ.

أيُّها الأحبّةُ؛ الدفاعُ عن الوطنِ دفاعٌ عن الأمّ، دفاعٌ عن المسجدِ، دفاعٌ عن الكرامةِ، دفاعٌ عن التاريخِ والحضارةِ والمستقبلِ. ومن يَتخلّى عن وطنِه، فقد تخلّى عن دينِه وهُويّتِه وعِرضِه.

وقد قالَ الشاعرُ:

بَلادِي وإنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ *** وَأَهْلِي وإنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ

وقالَ آخرُ:

إِذَا لَمْ تَكُنْ مِصْرُ لِي وَطَنًا *** فَكُلُّ البِلَادِ إِذَنْ غُرْبَةُ

العُنصرُ الثَّالِثُ: دُرُوسٌ مِنَ التَّارِيخِ وَالسِّيرِ فِي الذَّوْدِ عَنِ الأَوْطَانِ

أيُّها الأحبَّةُ في اللهِ؛ إنَّ صفحاتِ التاريخِ تقُصُّ علينا أعظمَ الدروسِ والعِبرِ، وتُعلِّمُنا أنَّ حِمايةَ الأوطانِ أصلٌ راسخٌ في شَرعِ اللهِ، ومَطلبٌ فِطريٌّ جُبلَتْ عليهِ النُّفوسُ السَّويّةُ.

دعاءُ إبراهيمَ الخليلِ عليهِ السَّلامُ

انظُروا إلى الخليلِ إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ، وهو يرفَعُ القواعدَ من البيتِ الحرامِ، يدعو ربَّهُ قائلًا: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة: 126].

فأوَّلُ ما سألهُ الخليلُ هو الأمنُ للوطنِ قبلَ الرزقِ، لأنَّهُ لا قيمةَ للرزقِ بلا أمنٍ، ولا حياةَ بلا وطنٍ آمنٍ.

قالَ الإمامُ القرطبيُّ: قدَّمَ إبراهيمُ سؤالَ الأمنِ على سؤالِ الرزقِ؛ لأنَّ في انعدامِ الأمنِ لا يَهنأُ عيشٌ ولا يستقيمُ دينٌ (الجامع لأحكام القرآن 2/93).

السِّيرةُ النبويّةُ

ولمَّا هاجرَ النبيُّ ﷺ إلى المدينةِ، لم يَجعلْ أوَّلَ ما كتبَ دستورًا اقتصاديًّا أو سياسيًّا، بل كتبَ وثيقةً تؤكِّدُ على وحدةِ الصفِّ والدِّفاعِ عن الوطنِ: وإنَّ المؤمنينَ تتكافأُ دماؤُهم، وإنَّهم يدٌ على من سواهم، وإنَّ يثربَ حرامٌ جوفُها لأهلِ هذهِ الصحيفةِ. فأصَّلَ النبيُّ ﷺ مبدأ أنَّ الدفاعَ عن الوطنِ مسؤوليةٌ مشتركةٌ بين جميعِ أبنائهِ، تُصانُ بهِ الجماعةُ، وتُحفَظُ المقدَّساتُ.

صفحاتٌ من التاريخ الإسلامي

أيها الإخوةُ؛ في القادسيّةِ وقفَ سعدُ بنُ أبي وقّاصٍ رضيَ اللهُ عنهُ يقودُ المسلمينَ، ويُسطّرُ بجيشِه أعظمَ الانتصاراتِ على الفرسِ، ليؤكِّدَ أنَّ الدِّفاعَ عن الدِّينِ والوطنِ لا ينفكَّ أحدُهما عن الآخرِ.

مصرُيا عبادَ اللهِلم تخلُ في تاريخِها من مواقفَ مشرِّفةٍ.

منها ما كانَ في زمنِ صلاحِ الدينِ الأيوبيِّ، الذي اتخذَ من مصرَ قاعدةً لتحريرِ بيتِ المقدسِ من الصليبيينَ، فكانت مصرُ يومَها درعَ الأمةِ وقلبَها النابضَ.

وفي عينِ جالوتَ صرخَ السلطانُ المظفّرُ قطز: وا إسلاماه!، فانتفضَتْ قلوبُ الجنودِ، وانقشعت غمامةُ التتارِ، وسَطرَت مصرُ بجيشِها ملحمةً خالدَةً أنقذت الأمّةَ من الفناءِ.

قال الإمام الشعراوي: “انظُروا إلى التَّاريخِ: مَن الذي رَدَّ هَمجِيَّةَ التَّتارِ؟ إنَّها مِصرُ. مَن الذي رَدَّ ظُلمَ الصَّليبيِّينَ عن الإسلامِ والمُسلمينَ؟ إنَّها مِصرُ. وستظلُّ مِصرُ دائمًا رغمَ أنفِ كلِّ حاقِدٍ أو حاسِدٍ أو مُستَغِلٍّ أو مَدْفوعٍ مِن خُصومِ الإسلامِ، إنَّها مِصرُ وستظلُّ دائمًا.”

وفي العصرِ الحديثِ، جاءَ يومُ العاشرِ من رمضانَ السادسِ من أكتوبرَ، ليُسطِّرَ المصريونَ بدمائِهم ملحمةً جديدةً؛ عبروا القناةَ، وحطَّموا خطَّ بارليفَ، وأثبتوا للعالمِ أنَّ الإرادةَ أقوى من الحديدِ والنارِ.

دروسٌ وعِبرٌ

وقد قالَ الشاعرُ:

إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ *** فلا تقنعْ بمـا دونَ النجومِ

وقالَ آخرُ:

وللأوطانِ في دمِ كُلِّ حُرٍّ *** يدٌ سَلَفَتْ ودَينٌ مُستَحقُّ

أيها الأحبّةُ في اللهِ؛ هذهِ الدروسُ من التاريخِ والسيرةِ شاهدةٌ أنَّ الدفاعَ عن الأوطانِ شرفٌ باقٍ ما بقيَت الحياةُ، وأنَّ مصرَ—حفظها اللهُ—ستبقى على الدوامِ حصنًا للأمةِ، ودرعًا واقيًا لها، إذا اجتمعَ شعبُها على الكلمةِ السواءِ، والتفُّوا حولَ قيادتِهم الرشيدةِ.

أيُّها الأحبَّةُ في اللهِ؛ لقدْ تبيَّنَ لنا أنَّ الأوطانَ ليست مجرَّدَ تُرابٍ نعيشُ عليهِ، بل هي هُويَّةٌ نَحيا بها، ودِينٌ ندافعُ عنهُ، وأمانةٌ في أعناقِنا. فالوطنُ نعمةٌ من أعظمِ نعمِ اللهِ، وحِفظُهُ فريضةٌ شرعيَّةٌ، والدفاعُ عنهُ شرفٌ لا يُدانيه شرفٌ.

ولقد علَّمَنا التاريخُ أنَّ الأممَ التي تُضحِّي في سبيلِ أوطانِها تبقَى حرَّةً عزيزةً، وأنَّ التي تُفرِّطُ فيها تُصبحُ ذليلةً أسيرةً. وأرانا اللهُ في نصرِ أكتوبرَ المجيدِ صورةً باهرةً حينَ توحَّدَ الجيشُ والشعبُ خلفَ قيادتِهم الرشيدةِ، فصنعوا ملحمةً عسكريَّةً لا تزالُ تَدرُسُها الأكاديميَّاتُ العسكريَّةُ في العالمِ حتى اليومِ.

وقالَ الشيخُ محمد الغزاليُّ: الوطنُ ليسَ قطعةَ أرضٍ فحسب، بل هو كيانٌ يعيشُ في القلبِ والضميرِ، والدفاعُ عنهُ دفاعٌ عن الدينِ والكرامةِ.

وقد صدقَ الشاعرُ حينَ قالَ:

بلادي وإنْ جارتْ عليَّ عزيزةٌ *** وأهلي وإنْ ضنُّوا عليَّ كرامُ

علِّموا أبناءَكم أنَّ حبَّ الوطنِ دينٌ، وأنَّ التفريطَ فيهِ خيانةٌ.

اغرسوا في قلوبِ الأجيالِ أنَّ الدفاعَ عن الوطنِ عبادةٌ يُثابُ عليها المرءُ عندَ اللهِ.

كونوا مع أوطانِكم قلبًا واحدًا، يدًا بيدٍ، تلتفُّون حولَ قيادتِكم الرشيدةِ، تحمونَ حدودَها، وتصونونَ مقدَّراتِها.

اللَّهُمَّ احفظْ أوطانَنا آمنةً مطمئنةً، سخاءً رخاءً، وسائرَ بلادِ المسلمينَ.

اللَّهُمَّ اجعلْ مصرَ كنانتَك التي تدفعُ بها عن دينِك، واحمِها من كيدِ الكائدينَ، ومكرِ الماكرينَ.

اللَّهُمَّ أيِّدْ جيشَها بنصرِكَ، ووفِّقْ قيادتَها برعايتِكَ، وأعلِ رايتَها في العالمينَ.

اللَّهُمَّ اجعلْنا منَ الأمناءِ على أوطانِهم، الصادقينَ في ولائِهم، المخلصينَ في عطائِهم.

المراجع: القرآن الكريم

كتب الحديث: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، سنن الترمذي (الجامع الكبير)، المعجم الكبير للطبراني.

ثالثًا: كتب التفسير وشروح الحديث وغيرهما: تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، تفسير ابن كثير، فتح الباري لابن حجر، شرح البخاري لابن بطال، شرح مسلم للنووي، شعب الإيمان للبيهقي، المحاسن والمساوئ للبيهقي، الحنين إلى الأوطان ابن المرزبان، حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي، للشيخ محمد الغزالي. إحياء علوم الدين للغزالي.

د. أحمد رمضان

خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير: الدكتور أحمد رمضان

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وأيضا للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وكذلك للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

-كذلك للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

وأيضا للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى