أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة للدكتور أحمد رمضان : كُنْ جَمِيلًا تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلًا

كُنْ جَمِيلًا تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلًا للدكتور أحمد رمضان / بتاريخ 30 جمادي الأولي 1447هـ ، 21 نوفمبر 2025م

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : كُنْ جَمِيلًا تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلًا ، إعداد: رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 30 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 21 نوفمبر 2025م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 نوفمبر 2025م بصيغة word بعنوان : كُنْ جَمِيلًا تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلًا ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

 

 انفراد لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 نوفمبر 2025م بصيغة pdf بعنوان : كُنْ جَمِيلًا تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلًا ، للدكتور أحمد رمضان.

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 21 نوفمبر 2025م بعنوان : كُنْ جَمِيلًا تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلًا، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.

 

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: الجَمَالُ خُلُقٌ يَنْبُعُ مِنَ الدَّاخِلِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْخَارِجِ

العُنْصُرُ الثَّانِي: أَدَبُ الِاخْتِلَافِأُصُولٌ شَرْعِيَّةٌ وَمَشَاهِدُ جَمَالٍ عَمَلِيَّةٌ

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: احْتِرَامُ الإِنْسَانِعِبَادَةٌ وَأَمَانَةٌ

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: الجَمَالُ فِي الكَلِمَةِ وَالسُّلُوكِطَرِيقٌ إِلَى قُلُوبِ النَّاسِ

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 21 نوفمبر 2025م : كُنْ جَمِيلًا تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلًا ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:

 

  كُنْ جَمِيلًا تَرَ الْوُجُودَ جَمِيلًا

30 جمادي الأولي 1447هـ – 21 نوفمبر 2025م

إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ الذي جعلَ جمالَ القلوبِ أساسَ السعادةِ، ورفعَ أهلَ الصفاءِ إلى مراتبِ الرضا والهدايةِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، خلقَ الإنسانَ وكرَّمَهُ، وزيَّنَهُ بنورِ الإيمانِ وحسنِ الخُلُقِ. وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، جمّلَ اللهُ سريتَهُ بالحكمةِ، وقلوبَ أتباعِه بلينِ الجانبِ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِه، وسلمَ تسليمًا كثيرًا. أما بعد..

عناصر الخطبة:

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: الجَمَالُ خُلُقٌ يَنْبُعُ مِنَ الدَّاخِلِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْخَارِجِ

العُنْصُرُ الثَّانِي: أَدَبُ الِاخْتِلَافِأُصُولٌ شَرْعِيَّةٌ وَمَشَاهِدُ جَمَالٍ عَمَلِيَّةٌ

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: احْتِرَامُ الإِنْسَانِعِبَادَةٌ وَأَمَانَةٌ

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: الجَمَالُ فِي الكَلِمَةِ وَالسُّلُوكِطَرِيقٌ إِلَى قُلُوبِ النَّاسِ

يا أيها المؤمنون، إن القلوبَ أوعيةٌ، فإذا امتلأت جمالًا وسلامًا أشرقتِ الحياةُ من حولِها، وإن امتلأت غِلظةً وقسوةً أظلمتِ الدنيا ولو كثرت النعمُ فيها. وإن من أعظمِ ما يورثُ السكينةَ في البيوتِ والمجتمعاتِ: جمالُ الكلمةِ، وصفاءُ النظرةِ، ورحابةُ الصدرِ. وما أصدقَ قولَ الشاعر: «كنْ جميلًاترَ الوجودَ جميلًا»؛ فهي عبارةٌ صغيرةٌ في مبناها، عظيمةٌ في معناها، تجمعُ فقهَ القلوبِ، وأدبَ الإسلامِ، وروحَ الإيمانِ.

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: الجَمَالُ خُلُقٌ يَنْبُعُ مِنَ الدَّاخِلِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْخَارِجِ

يا أيها المؤمنون، إن الجمالَ الذي يريده اللهُ لعبادِه ليس جمالًا تُدركه العيونُ، ولا بهرجًا يُغطي السطحَ، وإنما هو نورٌ يسكنُ القلبَ، فينعكسُ على الكلماتِ، ويظهرُ في المواقفِ، ويترجمُه السلوكُ دون أن يتكلّفَه صاحبه. فكم من وجهٍ جميلٍ لا يحملُ روحًا جميلة، وكم من هيئةٍ حسنةٍ تخفي صدرًا مليئًا بالقسوةِ والجفاء، وكم من إنسانٍ بسيطِ المظهرِ لكنه يحملُ قلبًا يساوي الدنيا وما فيها.

وقد قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: «إنَّ اللهَ جميلٌ يُحبُّ الجمالَ». صحيح مسلم، 91. جمالًا يطهرُ الباطنَ قبل الظاهرِ، ويهذبُ اللسانَ قبل الصورةِ، ويبني الإنسانَ قبل المظهرِ.

أيها الناس، إن القلبَ هو أصلُ الجمالِ، فإذا صلحَ صلحت النظرةُ، وتهذبتِ الكلمةُ، وتحسنتِ الأخلاقُ، وأصبح الإنسانُ مصدرَ رحمةٍ لمن حوله. وإذا فسدَ القلبُ فسدَ كل شيء، ولو تجمّل الظاهرُ بما شاء من الأصباغِ والألوان. ومن هنا قال النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ». البخاري 52، ومسلم 1599.

يا عباد الله، إن أولَ مظاهرِ الجمالِ في الإنسانِ: الكلمةُ الطيبةُ، فهي شجرةٌ مباركةٌ إذا استقرت في القلبِ أثمرت رفقًا، وأظلّت من حولها بظلالٍ من الرحمةِ. وقد قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: «الكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ» البخاري، 2989، ومسلم 1009. فكم من كلمةٍ جبرت خاطرًا منكسرًا، ورفعت روحًا ساقطةً، وأطفأت نارَ شجارٍ كادت أن تشتعل.

وأولُ طريقِ الجمالِ كذلك: نظرةٌ رحيمةٌ، لا تُفتش في العيوبِ، ولا تُسقِطُ الناسَ بظنونٍ، ولا تحكمُ عليهم بظاهرٍ. وقد قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: «إنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أنْقُبَ عن قُلُوبِ النَّاسِ ولَا أشُقَّ بُطُونَهُمْ». البخاري، 4351، ومسلم 1064.  فالنظرةُ الجميلةُ وطّنها النبيُّ قبل أن تخرج، ونقّاها القرآنُ قبل أن تُبصر.

ويا عباد الله، من الجمالِ—بل من أعظمِ الجمالِ—العفوُ عن الزلاتِ، والتماسُ الأعذارِ، وغضُّ الطرفِ عن الهفواتِ؛ فالقلوبُ الضعيفةُ تفتش عن الخطأ، أما القلوبُ الجميلةُ فتبحث عن العذر.

عَنْ سَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ عَلَى أَحْسَنِهِ مَا لَمْ يَأْتِكَ مَا يَغْلِبُكَ، وَلَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ شَرًّا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهُ فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا. الجامع لشعب الإيمان للبيهقي ج10، ص560. ما أعظمها من وصيةٍ تُشيِّدُ جدرانَ المجتمعِ على أساسِ الجمالِ وسلامةِ الصدرِ.

ولنا في رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم الأسوةُ الحسنةُ في جمالِ الخلقِ قبل جمالِ الخِلقةِ؛ فهذا الأعرابيُّ الذي بالَ في المسجدِ—في موقفٍ يثورُ له الغيورُ—لم يُقابلْه النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم بغلظةٍ، بل قال: دعوهُ ثم قال له: إن هذه المساجدَ لا يصلحُ فيها شيءٌ من هذا“. صحيح البخاري، رقم 6823، ومسلم 285. فما كان من ذلك الرجلِ إلا أن قال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا. لقد دخل جاهلًا وخرج مُحبًا… وهذا هو الجمالُ الذي يصنعه الرفقُ حين يسكنُ القلوب.

وانظروايا كرامإلى جمالِ أبي أيوبَ الأنصاريِّ رضي اللهُ عنه يوم حادثةِ الإفكِ؛ إذ قالت له زوجتُه: أما تسمع ما يقولُ الناس في عائشة؟ فقال لها: أكنتِ فاعلةً ذلك؟ قالت: لا والله. قال: فعائشةُ والله خيرٌ منكِ وأطيبُ. الدرر المنثور للسيوطي ج10، ص700. بكلمةٍ واحدةٍ أغلق بابَ الشيطانِ، وردَّ الفتنةَ، وعلّم الأمةَ أن حسنَ الظنِّ جمالٌ لا يقلُّ شأنًا عن صيامٍ أو صلاةٍ.

أيها الأحبة، إن الجمالَ الذي يريده اللهُ لكم هو أن تزرعوا الرفقَ في قلوبِكم، والعفوَ في صدورِكم، والبسمةَ على وجوهِكم، والنقاءَ في نياتِكم، وأن تكونوا مصدرَ أمانٍ في بيوتِكم وأعمالِكم ومساجدِكم.

العُنْصُرُ الثَّانِي: أَدَبُ الِاخْتِلَافِ… أُصُولٌ شَرْعِيَّةٌ وَمَشَاهِدُ جَمَالٍ عَمَلِيَّةٌ

يا أيها المؤمنون، إن الاختلافَ سنةٌ من سننِ اللهِ في خلقِه، جعله اللهُ بين الناسِ لحكمةٍ، وجعل العقولَ متفاوتةً لرحمةٍ، ولو أراد اللهُ توحيدَ الأفكارِ والطباعِ لفعَل، ولكنه قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} هود 118.

فالمشكلةُ ليست في اختلافِ العقولِ، وإنما في اختلافِ القلوبِ، فإذا اختلفتِ العقولُ واتسعت القلوبُ بقيت الأمةُ قويةً متماسكةً، وإذا ضاقت القلوبُ ضاعت العقولُ مهما اتسعت.

فلا تحكم على نيةِ أحد، ولا تُفسّر كلامَه على أسوأ محمل، ولا تجعل نفسك إلها يحكم على سرائر الخلق… فإن السرائرَ للهِ وحده.

يا عباد الله، من أعظمِ مشاهدِ الجمالِ في الاختلافِ: اختلافُ الصحابةِ يوم بني قريظة؛ إذ قال النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم:لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلَّا في بَنِي قُرَيْظَةَ. فأدْرَكَ بَعْضُهُمُ العَصْرَ في الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حتَّى نَأْتِيَهَا، وقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذلكَ، فَذُكِرَ ذلكَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ واحِدًا منهمْ”. البخاري 4199، ومسلم 1770. ومع ذلك لم يقل أحدٌ للآخر: أخطأت، ولم يقل أحدٌ: أنا خيرٌ منك.

أيها الأحبة، انظروا إلى مشهدٍ آخرَ من جمالِ الاختلافِ، يوم جاء شابٌّ إلى النبي صلى اللهُ عليهِ وسلم يستأذنه في الزنا، وهو أمرٌ عظيمٌ تتأفف منه الأسماع… لكن النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلم لم يصرخْ في وجهه، ولم يشتمْه، ولم يُخجِلْه، بل أدناه، وقرّبَه، ووضع يدَه على صدره، وقال له: أترضاه لأمك؟أترضاه لأختك؟أترضاه لابنتك؟… الطبراني في المعجم الكبير 8/162 (7679)، وشعب الإيمان للبيهقي. (5415) صحيح. فانقلب قلبُ الشابِّ من حرارةِ الشهوةِ إلى نورِ العقلِ، ومن جموحِ النفسِ إلى طهارةٍ عجيبةٍ، وقال في آخر الحديث: فخرجتُ وليس شيءٌ أبغض إليّ من الزنا. هذا هو الجمالُ التربوي… جمالٌ لا تُنشِئه العصا، وإنما تنشئه الحكمةُ ولطفُ القلبِ.

هذا هو أدبُ الاختلافِ… أدبُ الرحمةِ مع الجاهلِ، وأدبُ الحلمِ مع الغليظِ، وأدبُ الترفّقِ مع من أخطأ الطريقَ.

أيها المؤمنون، لقد ضرب عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه أروعَ مثالٍ في جمالِ الاختلافِ مع الخوارجِ؛ إذ قال: “لهم علينا ثلاث: ألا نمنعهم مساجدَ الله، ولا نمنع عنهم الفيءَ، ولا نبدأهم بقتال”. الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، ج13، ص118. يا لها من كلمة! قالها لمن كفّروه، ومع ذلك لم يسلبْهم حقَّ الإنسانِ، ولا حقَّ المسلمِ، ولا حقَّ المجتمعِ.

ومن أعظمُ المشاهدِ في القرآنِ الكريم وهو يُعلّمنا جمالَ الاختلافِ هو قولُ يوسفَ عليهِ السلام لإخوته الذين ألقوه في البئرِ ثم باعوه ثم ظلموه: {لا تثريبَ عليكم اليوم} يوسف 92.

أيها الناس، إن أدبَ الاختلافِ لا يعني تركَ الحقِّ، ولا يعني السكوتَ عن الباطل، ولكنه يعني أن تُناقشَ بقلبٍ جميلٍ، وأن تُحاورَ بلسانٍ رقيقٍ، وأن تتركَ بابَ العودةِ مفتوحًا، وألا تُغلقَ القلوبَ بالقطيعةِ والغلظةِ، لأن الأمةَ لا تنهضُ بمظهرِها، بل تنهضُ بأدبِها.

الخلافُ في العقولِ رحمةونزاعُ القلوبِ نقمة. والجمالُ ليس رأيًا يُقال، بل خلقٌ يُمارَس، ومواقفُ تصنعها النفوسُ الكبيرة.

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: احْتِرَامُ الإِنْسَانِ… عِبَادَةٌ وَأَمَانَةٌ

يا أيها المؤمنون، إن أعظمَ ما يرفعُ منزلةَ الإنسانِ عند اللهِ ليس كثرةَ ماله، ولا جمالَ صورتِه، ولا نسبَهُ، ولا جاهَهُ، وإنما يرفعُه خُلُقُه، ولطفُه، ورحمتُه، وحفظُه لكرامةِ الناسِ. وإن أولَ حقيقةٍ يعلنها القرآنُ في بناءِ مجتمعٍ جميلٍ نظيفٍ من الغِلظةِ والاحتقارِ هي قولُه تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} الإسراء 70.

هذه الآية—يا كرام—ليست مجردَ جملةٍ تُتلى، بل هي دستورٌ شاملٌ يقطع جذورَ العنصريةِ، ويهدمُ أساسَ الاستعلاءِ، ويُعلّمنا أن كلَّ إنسانٍ—أيا كان—يحملُ كرامةً وهبها اللهُ له، ولا يحقُّ لأحدٍ أن يُهينَها أو يُسقطَها.

أيها الأحبة، إن احترامَ الإنسانِ عبادةٌ قبل أن يكون خُلقًا، ومسؤوليةٌ قبل أن يكون ذوقًا، وأمانةٌ قبل أن يكون قانونًا. وقد قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ. البخاري 6064، ومسلم 2564.

يا عباد الله، إن السخريةَ—مهما خفَّت—سمٌّ يقتلُ المودةَ بين القلوبِ، ويمزقُ أواصرَ الأخوةِ، ويزرعُ في النفوسِ سوادًا لا تزولُه سنونُ الندم. وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ}. الحجرات 11.

إن اللهَ نهى عن السخريةِ لأنها تُهدم القلبَ قبل أن تُهدم العلاقة، ولأن كلمةً واحدةً قد تُطفئ نورَ إنسانٍ، وتُميتُ في صدرِه الأملَ، وتزيدُه بعدًا بدل أن تقرّبه.

أيها المؤمنون، إن احترامَ الإنسانِ ليس للمحسنِ فقط، بل حتى للمخطئ، وحتى للجاهل، وحتى للغليظِ، لأنك تُعامِلُ الناسَ بأخلاقِك لا بأخلاقِهم.

من أكرمَ الناسَ أكرمه اللهُ، ومن حفظَ قدرَهم رفع اللهُ قدرَه، ومن سعى إلى سترِهم ستره اللهُ يوم القيامةِ. احترمِ الإنسانَ لأنهُ إنسانٌ… لا لأنهُ يشبهُك. فمن فقدَ احترامَ الناسِ فقدَ جمالَ نفسِه، ومن حفظَ كرامتَهم حفظَ اللهُ كرامتَه.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أمرَنا بحسنِ الخُلُقِ، وجعلَهُ أثقلَ ما يوضعُ في الميزانِ يومَ القيامةِ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ الرحمنُ، وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، الداعي إلى كلِّ جميلٍ، والهديِّ إلى كلِّ خلقٍ نبيلٍ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِه، وسلمَ تسليمًا كثيرًا.

أيها المؤمنون… إن أعظمَ ما يُصلحُ حياتَنا ويُجمّلُ بيوتَنا ويُسكّنُ القلوبَ هو جمالُ الكلمةِ، ولطفُ التعاملِ، ورقّةُ السلوكِ. وإن الجمالَ—يا كرام—ليس وصفًا يُقال، بل عملٌ يُفعل، وأثرٌ يُترك، وعبادةٌ يتقربُ بها العبدُ إلى اللهِ في الخفاءِ والعلنِ.

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: الجَمَالُ فِي الكَلِمَةِ وَالسُّلُوكِطَرِيقٌ إِلَى قُلُوبِ النَّاسِ

يا أيها الكرام، إن الكلمةَ الجميلةَ جسرٌ يُوصِلُ الأرواحَ قبل أن تُوصِلَ المعاني، وهي مفتاحٌ من مفاتيحِ القلوبِ، وربما صلحت بها نفسٌ تائهةٌ أكثرَ مما تصلحه الخطبُ الطويلةُ أو الحججُ القاطعةُ.

يا عباد الله، إن اللهَ تعالى يربّينا على الجمالِ قبل أن يأمرَنا بالعدلِ والقوةِ؛ لأنه سبحانه يعلمُ أن الكلمةَ الحسنةَ تُطفئُ نارًا، وتُصلحُ قلوبًا، وتعيدُ للمودةِ نورَها. ولذلك قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. فصلت 34. كلمةٌ واحدةٌ أحسنُ قد تُبدّلُ عداوةً إلى محبةٍ، وقد تُحوّلُ الشدةَ إلى لينٍ، وقد تفتحُ بابًا أُغلق سنينَ طويلةً.

أيها المؤمنون، إن الجمالَ في السلوكِ عبادةٌ عظيمةٌ يغفلُ عنها كثيرٌ من الناسِ، وهي من أشرفِ أنواعِ الجهادِ؛ لأنها جهادٌ للنفسِ وغضبِها واندفاعِها. وقد قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: “ليس الشديدُ بالصُّرَعةِ، إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسَهُ عند الغضبِ”. البخاري 6114، ومسلم 2609.

إنه ميزانٌ دقيقٌ: من ملكَ نفسَهُ ملكَ الناسَ، ومن غلبَ هوى قلبِه ارتفعت منزلتُه عند اللهِ.

أيها الناس، من زرع الجمالَ في حياتِه حصد ثمراتٍ لا تعدُّ: يُحبُّه الناسُ، ويستريحون لمجالستِه، ويثقون في كلامِه، ويأنسون بقربِه، ويشعرون بدفءِ وجودِه.

وإذا رحلبقي أثرُهُ الجميلُ يملأُ ذكرى الناسِ وقلوبَهم، ويُصبح ذكرُهُ صدقةً جاريةً تمتدُّ ما امتدت الأيام.

يا عباد الله، اجعلوا كلامَكم رقيقًا… وقلوبَكم رحيمةً… وتعاملَكم حسنًا… فإن أجملَ طريقٍ إلى القلوبِ هو حسنُ الكلمةِ وجمالُ السلوكِ.

ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم ما فتح القلوبَ بالحججِ وحدها، بل فتحها بالابتسامةِ، وبالرفقِ، وبالسترِ، وبالعطفِ، وبالعفوِ عند المقدرةِ.

جمالُ الأخلاقِ يفتحُ ما لا تفتحُهُ الحُجَجُ، ويبلغُ القلوبَ التي لا يبلغُها آلافُ الكلماتِ.

إن الدنيا قصيرةٌ—يا كرام—وما أسرعَ أيامَها إذا مضت، وما أقلَّ ما يبقى للعبدِ بعد رحيلِه إلا أثرٌ جميلٌ، وكلمةٌ صادقةٌ، ووجهٌ بشوشٌ، ودمعةُ حنانٍ تركَها في قلبِ مكلومٍ، أو عفوٌ صادقٌ صانَ به كرامةَ إنسانٍ، أو بسمةٌ أحيا بها نفسًا أرهقها الألمُ.

وقد قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: “اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ“.  سنن الترمذي1987. وأحمد 21392 حسن.

يا عباد الله… إن جمالَ الأخلاقِ ليس نافلةً تُفعل، بل هو دينٌ يُدانُ به، وعبادةٌ تُرفَعُ بها الدرجاتُ، وبابٌ عظيمٌ من أبوابِ الجنةِ. فقد يُصلحُ اللهُ امرأً بكلمةٍ منك، وقد يفتحُ لك بابَ خيرٍ بعفوٍ منك، وقد يُنجيك من مصيبةٍ بلينٍ منك، وقد يرفعُ منزلتَك في السماءِ بابتسامةٍ منك.

أيها الكرام، دعونا نخرجُ من هذه الخطبةِ بعهودٍ أربعة:

أن نُجمِّلَ قلوبَنا بالنقاءِ.

وأن نُجمِّلَ ألسنتَنا بالحقِّ والرفقِ.

وأن نُجمِّلَ سلوكَنا بالتواضعِ وكظمِ الغيظِ.

وأن نُجمِّلَ اختلافاتِنا بالإنصافِ والعدلِ.

اللهمَّ اجعلْ في قلوبِنا نورًا، وفي ألسنتِنا صدقًا، وفي أخلاقِنا جمالًا، وفي بيوتنا رحمةً

واحفظ مصر من كل سوء وفتنةِ.

المراجع: القرآن الكريم

كتب الحديث: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، وابن ماجه، سنن الترمذي، مسند أحمد، سنن النسائي، المعجم الكبير للطبراني، الجامع لشعب الإيمان للبيهقي.

ثالثًا: كتب التفسير وشروح الحديث وغيرهما: تفسير ابن كثير، تَفْسِيرُ، حلية الأولياء لأبي نعيم، الدرر المنثور للسيوطي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي.

د. أحمد رمضان

خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير: الدكتور أحمد رمضان

___________________________________

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف علي صوت الدعاة 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

و للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى