وزارة الأوقاف تعلن رسميا عن زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة

وزارة الأوقاف تعلن رسميا عن زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة ، بتاريخ 25 ذو القعدة 1446هـ ، الموافق 23 مايو 2025م.
لتحميل زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة بصيغة word
لتحميل زاد الأئمة والخطباء.. الدليل الإرشادي لخطب الجمعة القادمة بصيغة pdf
زاد الأئمة والخطباء
الدليل الإرشادي لخطب الجمعة
فتراحموا
25 ذو القعدة 1446هـ = 23 مايو 2025م
_ الخطبة الأولى: فتراحموا
_ الهــدف المــراد توصيلــه: التوعيــة بقيمــة التراحــم بيــن الزوجيــن وفضلهــا، والتحذيــر مــن مخاطــر وآثــار العنــف الأســري علــى الفــرد والأســرة والمجتمع.
* * *
_ الخطبة الثانية: أضرار الوصم الاجتماعي.
_ الهــدف المــراد توصيلــه: بيــان أضــرار الوصــم الاجتماعــي للمــرض النفســي، وللمتعــافي مــن الإدمــان، وللســجين المفــرج عنــه، وأهميــة تصحيــح المفاهيم المغلوطــة.
فتراحموا
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إن الأسـرة نـواة المجتمـع، وركـن مـن أركان اسـتقراره وبنائـه، وقـد أمر الله تعالـى بأن تُبنى الأسـرة على السـكينة والمـودة والرحمـة، فقـال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ﴾ [الـروم: .]21
العنف الأسري وأخطاره:
العنف الأسـري: هو أي سـلوك مسـيء أو عنيف يحدث داخل نطاق الأسـرة، ويُمارس من أحد أفرادها ضـد فـرد آخر، سـواء كان العنف جسـديًّا، أو نفسـيًّا، أو لفظيًّا، أو جنسـيًّا، مثل الإهانة، والتهديـد، والتحقير، أو العـزل عـن الآخريـن، أو السـب والشـتم والصراخ المسـتمر، أو ضـرب الزوجة وشـتمها، وتعنيف الأبناء نفسـيًّا أو بدنيًّـا، وإهمـال حاجاتهـم العاطفية والتربوية، أو التحكم والسـيطرة القهرية باسـم القوامة.
وهـو يـؤدي إلـى القلـق، والاكتئـاب، وضعـف الثقـة بالنفـس، أو تدهـور الصحة الجسـدية بسـبب التوتر المسـتمر، وإلـى زيـادة معـدلات الجريمـة في المجتمـع، وإلـى تفـكك الأسـرة، وتفـكك الأواصـر، وانتشـار الكراهيـة والبغضـاء، وتنشـئة جيـل معقد نفسـياً، يحمـل في طياته بذور العنـف والانحراف، كمـا أنه يضعف الـوازع الدينـي والأخلاقـي، ويفتـح البـاب أمـام الكثير مـن المشـكلات الاجتماعية.
إن العنـف الأسـري جريمـة أخلاقيـة، ومعصيـة شـرعية، وسـلوك مدمـر للنفـس والأسـرة والمجتمـع؛ فمـن ضـرب زوجتـه أو أهانهـا أو سـبّها، فليعلـم أنـه ليس من أخلاق الرجولة، ولا من سـنة سـيد المرسـلين، ومـن عنّـف أبنـاءه حتـى كسـرهم أو أرعبهـم، فقـد خالـف هـدي الرحمـة، وأفسـد نفوسًـا غضـة سـتكبر علـى الألـم والخوف.
فـلا ترفـع يـدك علـى زوجتـك أو ولـدك، فالكلمـة أقـوى مـن العصـا، واجعـل بيتـك واحـةَ سـكينة، لا ساحةَ حرب، وراجع نفسك قبل أن تزرع الألم في من حولك.
إن العنـف الأسـري ليـس مجـرد سـلوك فـردي خاطـئ، بـل هـو جريمـة لهـا آثارهـا المدمرة على الأسـرة
والمجتمـع، ويدمـر نفسـية الطفـل ويجعلـه يندفـع نحـو إدمـان وسـائل التواصـل الاجتماعـي، ثـم الانحـراف نفسـيًّا ومـن ثـم التطـرف نحـو الإرهاب أو الإلحـاد.
المعنى الصحيح: الرجال قوامون على النساء:
* قـال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النسـاء: ]34
قـال الإمـام الطاهـر بـن عاشـور: “وقيـام الرجـال علـى النسـاء هو قيـام الحفـظ والدفـاع، وقيام الاكتسـاب والإنتـاج المالـي“. التحريـر والتنويـر /5 38.
وقـال العلامـة البوطـي مـا خلاصتـه: «القوامـة علـى الأسـرة في نظام الإسلام وشـرعه، قوامة رعايـة وإدارة وليسـت قوامـة هيمنـة وتسـلّط.. ثـم إنهـا ليسـت عنوانـا على أفضليـةٍ ذاتيةٍ عنـد الله عزّ وجـلّ، يتميز بهـا الأمير أو المديـر، وإنمـا ينبغـي أن تكـون عنوانـا علـى كفـاءة يتمتـع بهـا القائـم بأعباء هـذه المسـؤولية.» [المـرأة بين طغيـان النظـام الغربي ولطائـف التشـريع الرباني.]
القوامـة ليسـت تسـلّطًا، بل مسـؤولية ورحمة، وقد قـال ﷺ: “خيرُكُم خيرُكم لِأهْلِهِ ، وَأَنَا خيرُكم لِأَهْلِي “رواه الترمذي.
ولـم يكـن ﷺ يضـرب بيـده أحـدًا، لا زوجـة ولا خادمًـا، بـل كان إذا غضـب سـكت، وإذا ضـاق صـدره خـرج، وإذا وعـظ رقّـت كلماتـه.
الرحمة والحنان أساس الأسرة:
* قـال الله تعالـى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [آل عمران.]159:
* وقال الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: .]199
* وقـال الله تعالـى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النسـاء: .]19
إن الحُـب أصـل الحيـاة الروحية وسـعادة الإنسـان، قـال النَّبِـيَّ ﷺ: «إِذَا أَرَادَ الُله عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْـلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَـلَ عَلَيْهِمْ الرِّفْـقَ»، [رواه أحمد]،
وقال ﷺ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ.» [رواه أبو داود والترمذي.]
وروى الترمـذي والحاكـم وصححـاه، عـن عائشـة J قالـت: قـال رسـول الله ﷺ: «إِنَّ مِـنْ أَكْمَـلِ المُؤْمِنِيْـنَ إِيْمَانًـا أَحْسَـنُهُمْ خُلُقًـا، وأَلطَفُهُـمْ بِأَهْلِـهِ.»
وروى ابـن حبـان في «صحيحـه» عـن عائشـة، عن النبي ﷺ: أنَّـهُ قال: «خَيْرُكُـمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِـهِ، وأَنَا خَيْرُكُمْ لأهْلـيْ.» وأخـرج الحاكـم من حديث ابن عبـاس: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ للنِّسَـاءِ.»
وعـن ثوبـان :I أن النبـي ﷺ قـال: «أَفْضَـلُ الدَّنَانِيْـرِ دِيْنَـارٌ يُنْفِقُـهُ الرَّجُـلُ عَلـى عِيَالِـهِ، ودِيْنَـارٌ يُنْفِقُـهُ الرَّجُـلُ عَلـى دَابَّتِـهِ، ودِيْنَـارٌ يُنْفِقُـهُ الرَّجُـلُ عَلـى أَصْحَابِـهِ فِـي سَـبِيْلِ الله.» [رواه مسـلم]
وقـال ﷺ: «فَاتَّقُـوا الَله فِـي النِّسَـاءِ، فَإِنَّكُـمْ أَخَذْتُمُوهُـنَّ بِأَمَـانِ الِله، وَاسْـتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَـةِ الِله.» [رواه مسلم.]
وعَـنْ مُعَاوِيَـةَ الْقُشَـيْرِيِّ، قَـالَ: قُلْتُ: يَا رَسُـولَ الِله، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟، قَـالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُـوَهَا إِذَا اكْتَسَـيْتَ، أَوِ اكْتَسَـبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ.» [رواه أبو داود.]
% سيرة سيدنا النبي ﷺ في حسن التعامل مع الأسرة:
لقد وضع لنا القاعدة في ذلك فقال ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأَنَا خَيْرُكُمْ لأهْليْ.» [رواه ابن حبان]
فـكان يعيـن أهله في البيت؛ سـئلت السـيدة عائشـة :J ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ.» [رواه البخاري.]
وقالت السـيدة عائشـة :J «ما ضرب رسـول الله ﷺ شـيئًا قط بيده، لا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يُجاهد في سبيل الله» [رواه مسلم.]
وكان عليـه الصـلاة والسـلام يسـابق زوجتـه ويداعبهـا: قالـت عائشـة :J «سـابقني رسـول الله ﷺ فسـبقته، ثـم سـابقني بعـد أن حملـت اللحـم فسـبقني، فقـال: هـذه بتلـك» [رواه أبـو داود.]
ولنتأمَّـل حالـه ﷺ حينمـا: “اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا ، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ : أَلَا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْجِزُهُ ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ : كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا ، فَقَالَ لَهُمَا : أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا ، كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ فَعَلْنَا ، قَدْ فَعَلْنَا”. رواه أبو داود.
وعـن أنـس قـال: « كَانَتْ صَفِيَّةُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَهَا ، فَأَبْطَأْتُ فِي الْمَسِيرِ، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ: حَمَلْتَنِي عَلَى بَعِيرٍ بَطِيءٍ؟! فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ بِيَدَيْهِ عَيْنَيْهَا وُيُسْكِتُهَا” رواه النسـائي في السـنن الكـبرى.
وكان ﷺ “يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا علَى رُكْبَتِهِ حتَّى تَرْكَبَ”، رواه البخاري.] وكان النبي ﷺ يقبل بنته السيدة فاطمة، وكذا كان أبو بكر يقبل بنته السيدة عائشة .
% إجراءات عملية لزيادة مساحة الترابط والألفة داخل الأسرة:
-1 الاجتمـاع علـى الطعـام: فالاجتمـاعُ علـى المائـدةِ، والأكلُ مـن إنـاءٍ واحـدٍ، مظهـرٌ مـن مظاهـرِ الترابطِ الُأسَـريِّ، وفيـه فرصـةُ تبسُّـطِ الوالـدِ مـع أولادِهِ، والاقـترابِ منهـم، وتبسُّـطِ الـزوجِ مـع زوجتِـهِ، والتـوددِ إليها. قـال ﷺ «اجْتَمِعُـوا علـى طَعامِكُـم، واذكُـرُوا اسـمَ الله عليـه، يُبـارَك لكـم فيـه.» [رواه أبـو داود.]
-2 التشاور والنقاش: قال الله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ [البقرة: .]187
كان النبـي ﷺ يستشـير أزواجـه، فنتذكر جميعا استشـارته لــخديجة J في أمر الوحـي، ووقوفها معه، وشـدها مـن أَزره، هكـذا المـرأة فإنهـا معينـة لزوجهـا إذا أشـعرها زوجهـا بقيمتهـا، فالعلاقـة بيـن الزوجين تنمو كلمـا تجـددت ودار النقـاش والحـوار بينهمـا. وفي صلـح الحديبيـة استشـار أم سـلمة فقالـت لـه: «اخـرُجْ ولا تُكلِّمَـنَّ أحـدًا منهـم كلمـةً حتَّـى تنحَـرَ بُدنَـكَ وتدعـوَ حالقَك فقـام النَّبـيُّ ﷺ فخرَج ولـم يُكلِّمْ أحـدًا منهم حتَّى نحَـر بُدْنَـه ثـمَّ دعـا حالقَـه فحلَقـه فلمَّـا رأى ذلـك النَّـاسُ جعَـل بعضُهـم يحلِـقُ بعضًـا حتَّـى كاد بعضُهـم يقتُـلُ بعضًـا.» [مسـند أحمـد.] فكانـت مشـورة أم المؤمنيـن أم سـلمة فيهـا الحـل لمـا أهـم النبي ﷺ.
-3 الاحتـرام المتبـادل بيـن أفـراد الأسـرة: قـال ﷺ: «أَكْمَـلُ الْمُؤْمِنِيـنَ إِيمَانًا أَحْسَـنُهُمْ خُلُقًـا» [رواه أحمد في مسنده.]
-4 التحلـي بالرفـق والحلـم وتجنـب الغضـب: قـال ﷺ: «إذَا أَرَادَ الُله عَـزَّ وَجَـلَّ بِأَهْـلِ بَيْـتٍ خَيْـرًا أَدْخَـلَ عَلَيْهِـمْ الرِّفْـقَ.» [رواه أحمـد]
* قـال الله تعالـى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[فصلـت: .]35
وقـد حـذر النبـي ﷺ من تسـرب البغضاء بيـن الزوجين، فقد قال ﷺ: «لَا يَفْـرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَـةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًـا رَضِـيَ مِنْهَا آخَرَ» [رواه مسـلم.] ومعنـى لا يفرك: لا يبغض.
فالشـيطان ينـزغ بيـن الزوجيـن ويفـرح إن تفككـت الأسـرة؛ فعـن جابـر I قـال: قـال رسـول الله ﷺ: «إِنَّ إِبْلِيـسَ يَضَـعُ عَرْشَـهُ عَلَـى الْمَـاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَـرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَـةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِـيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْـتُ كَـذَا وَكَـذَا، فَيَقُـولُ: مَـا صَنَعْـتَ شَـيْئًا، قَـالَ ثُـمَّ يَجِـيءُ أَحَدُهُـمْ فَيَقُـولُ: مَـا تَرَكْتُـهُ حَتَّـى فَرَّقْـتُ بَيْنَـهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِـهِ، قَـالَ: فَيُدْنِيـهِ مِنْـهُ وَيَقُولُ: نِعْـمَ أَنْتَ.» [رواه مسـلم.]
* سـألَ رجـلٌ زوجتَـهُ هـل تُبغضيننـي؟ فأجابـتْ: نعـمْ أُبغِضُـك. فانطلـقَ الرجـلُ بها إلـى عمرَ بـنِ الخطابِ يشـكو إليـه، فقالـتْ المـرأةُ لعمـرَ: إنـه اسـتحلفني فكرهـتُ أنْ أكـذبَ، فقـالَ عمـرُ: بلـى فلتكـذبْ إحداكـنَّ ولتُجَمِّـلْ، فليـسَ كلُّ البيـوتِ تُبنـٰى علـٰى الحُـبِّ، ولكـنْ معاشـرةٌ علـى الأحسـابِ والإسـلامِ. [كنـز العمـال.]
-5 الكلمـة الطيبـة والملاطفة: فالكلمـة الطيبـة في الأسـرة هـي مفتـاح لقلـوب أفرادهـا، وهـي أحـد أعظـم أسـباب الاسـتقرار والسـعادة، سـواء بيـن الزوجيـن أو بيـن الوالديـن والأبنـاء.
أمـا بيـن الزوجين؛ فامدح زوجتك/زوجك أمام الأبناء وأثناء الحديث، واسـتخدم عبارات الشـكر والثناء (شـكرا/ كـتر خيـرك/ سـلمت يداك)، شـكر الزوجة ومدحها فقـد كان ﷺ يقول عن السـيدة خديجة :J «آمَنَـتْ بِـي إِذْ كَفَـرَ بِـي النَّـاسُ، وَصَدَّقَتْنِـي إِذْ كَذَّبَنِـي النَّاسُ، وَوَاسَـتْنِي بِمَالِهَـا إِذْ حَرَمَنِي النَّـاسُ، وَرَزَقَنِي الُله عَزَّ وَجَـلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَـاءِ.» [رواه أحمد.]
وكذلـك النـداء بأحـب الأسـماء والأوصـاف؛ فقـد كان ينـادي السـيدة عائشـة J بــ «عائـش»، وهـو تصغيـر يـدل علـى الحنـان والمـودة. قَـالَ رَسُـولُ الِله ﷺ: « يا عائِشَ هذا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ قُلتُ: وعليه السَّلامُ ورَحْمَةُ اللَّهِ.» [متفـق عليـه]
وكذلك التعبير عن الحب صراحةً فقد سئل ﷺ: «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ[.»متفق عليه] وأمـا بيـن الأبنـاء والأحفـاد: فقد كان الحسـن والحسـين يصعـدان على ظهره وهو سـاجد، فلـم يزجرهما،
بـل مدحهـم وأكرمهـم بالـكلام واللمـس. وكان يقـول: «اللَّهُـمَّ إِنِّـي أُحِبُّهُمَـا فَأَحِبَّهُمَـا» [رواه البخـاري] وكان يأخذ بيد سـيدنا الحسـن أو الحسـين ويقول: «ابْنِي هَذَا سَـيِّدٌ، وَلَعَلَّ الَله أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْـلِمِينَ.» [رواه البخاري]
أضرار الوصم الاجتماعي
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
% ما هو الوصم الاجتماعي؟
هـو أن يُعيّـر الإنسـان بخطـأ سـابق، أو مـرض أصابـه، أو فقـر ألـمّ بـه، أو نسـبه، أو حتـى مظهـره، فيُصبـح منبـوذًا، محاصـرًا، محتقـرًا؛ لا لشـيء، إلا لأن النـاس نسـوا الرحمـة، وتقمّصـوا دور القضـاء والحسـاب؛ فكـم مـن تائـب صـدّه النـاس عـن طريـق الهدايـة بسـبب ماضيـه! وكـم من مظلـوم حوّلـه المجتمـع إلى مذنـب! وكم مـن فتـاة أُغلِـق في وجههـا بـاب الـزواج لأنهـا «مطلقـة!» وكـم مـن مريـض نفسـي شُـفي فبقيـت النـاس تناديـه بـ»المجنـون!» وكـم مـن فقيـر أو عامـل بسـيط يُسـخر منـه في المجالـس وكأن الكرامـة مرهونـة بالمـال!
% موقف الإسلام من الوصم الاجتماعي:
قـال تعالـى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة]71: وقـال تعالـى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبـة: 128، .]129 فديننـا يأمرنـا أن ننظـر للنـاس بعيـن السـتر والرحمـة، لا بعين التشـهير والحُكـم، والله وحده هو الحسـيب،
وهو العليم بمن يسـتحق الكرامة أو العقوبة. قال رسـول الله ﷺ: «من سـتر مسـلمًا سـتره الله في الدنيا والآخرة» [رواه مسلم.]
وقال النبي ﷺ قال: «ربّ أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره» [رواه مسلم.]
ورجـل شـرب الخمـر وأُقيـم عليـه الحد، فلعنـه بعض الصحابة، فقـال ﷺ: «لا تلعنوه، فـوالله ما علمتُ إلا أنـه يحب الله ورسـوله.» [رواه البخاري.]
وقـال في خطبـة الـوداع: «ألا لا ترجعـوا بعـدي كفـارًا، يضـرب بعضكـم رقـاب بعـض»، وأوصـى بالنسـاء والضعفـاء خيـرًا.
ولم يكن ﷺ يذكّر أحدًا بماضيه، بل يحتضن التائب، ويكرّم الضعيف، ويواسي المهموم. وقال رَسُولُ الِله ﷺ: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ الُله وَيَبْتَلِيَكَ.» [شعب الإيمان.]
وعَـنْ عَائِشَـةَ رَضِـيَ الُله عَنْهَـا قَالَـتْ: (مَـرَّ رَجُـلٌ مُصَـابٌ عَلَـى نِسْـوَةٍ، فَتَضَاحَكْـنَ بِـهِ يَسْـخَرْنَ، فَأُصِيـبَ بَعْضُهُـنَّ)، [الأدب المفـرد.]
لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وعليه حُلَّةٌ، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ، فَقالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقَـالَ لِـي النَّبِـيُّ ﷺ: «يَـا أَبَـا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَـهُ بِأُمِّـهِ إِنَّـكَ امْـرُؤٌ فِيـكَ جَاهِلِيَّـةٌ إِخْوَانُكُـمْ خَوَلُكُـمْ جَعَلَهُـمْ الُله تَحْـتَ أَيْدِيكُـمْ فَمَـنْ كَانَ أَخُـوهُ تَحْـتَ يَـدِهِ فَلْيُطْعِمْـهُ مِمَّـا يَـأْكُلُ وَلْيُلْبِسْـهُ مِمَّـا يَلْبَـسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُـمْ مَـا يَغْلِبُهُـمْ فَـإِنْ كَلَّفْتُمُوهُـمْ فَأَعِينُوهُـمْ.» [متفـق عليـه.]
وعـن أبـي هريـرة I قـال: «أُتِيَ النبيُّ ﷺ بسَـكْرَانَ، فأمَـرَ بضَرْبِهِ. فَمِنَّا مَـن يَضْرِبُهُ بيَدِهِ ومِنَّـا مَن يَضْرِبُهُ بنَعْلِـهِ ومِنَّـا مَـن يَضْرِبُـهُ بثَوْبِـهِ، فَلَمَّـا انْصَـرَفَ قَـالَ رَجُـلٌ: مـا له أخْـزَاهُ الُله، فَقَـالَ رَسـولُ الِله ﷺ: لا تَكُونُـوا عَوْنَ الشَّـيْطَانِ علَـى أخِيكُمْ.» [صحيـح البخاري.]
وقـد بيـن الرسـول ﷺ حـال أفـراد المجتمـع في تماسـكهم وتكافلهـم بصـورة تمثيليـة رائعـة، فعَـنِ النُّعْمَانِ ابْـنِ بَشِـيرٍ قَـالَ: قَـالَ رَسُـولُ الِله ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِيـنَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَـدِ؛ إِذَا اشْـتَكَى مِنْـهُ عُضْـوٌ تَدَاعَى لَهُ سَـائِرُ الْجَسَـدِ بِالسَّـهَرِ وَالْحُمى.» [رواه مسـلم.]
فـلا تكـن سـببًا في تعاسـة أحـد، ولا تقتـل أمـل تائـب بنظـرة احتقـار، ولا تطـرد مـن أبـواب الخيـر مـن جـاء يطرقه.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف