web analytics
أخبار عاجلة
خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بعنوان : "إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا" ، للشيخ كمال المهدي، بتاريخ 24 صفر 1442هـ ، الموافق 1 أكتوبر 2021م
خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بعنوان : "إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا" ، للشيخ كمال المهدي

خطبة الجمعة : إعمال العقل في فهم النص .. ، للشيخ كمال المهدي

خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، للشيخ كمال المهدي، بتاريخ 24 صفر 1442هـ ، الموافق 1 أكتوبر 2021م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بصيغة word بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، للشيخ كمال المهدي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بصيغة pdf بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا”، للشيخ كمال المهدي

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بعنوان :  “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، للشيخ كمال المهدي:

 

  • نعمةُ العقلِ من أعظمِ نعَم اللهِ تعالى على العباد.
  • نماذجٌ لنصوصٍ تُفْهَمُ على غيرِ مقصودِها.
  • أضرارُ سوءِ الفهمِ للنصِّ .
  • الرجوعُ إلى أهلِ التخصصِ في فهمِ النصوصِ.

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م ، بعنوان :  “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، كما يلي:

 

**

الحمدُ للهِ ربٍّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ المرسلين سيدِنا محمدٍ عليه أفضلُ الصلاةِ وأتم التسليمِ.

أما بعد :-  ُأحبتي في الله :-

قال تعالى (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النحل: ١٨]. حقا لا يستطيعُ الإنسانُ عدَّها ولا حصرَها فنعمُ اللهِ علينا كثيرةٌ، وآلاءُه علينا غزيرةٌ.

وإنّ مِن أعظمِ نعَم اللهِ علينا: نعمةُ العقلِ الذي مُيزنَا به عن سائرِ الحيوان، فصرنَا به ندركُ المنافعَ من المضارِّ، والخيرَ من الشرِّ، في أمرِ المعاشِ وأمرِ المعادِ.

فالعقلُ هو مناطُ التكليفِ الإلهي في الإنسان، فإذا وُجِدَ وُجِدَ التكليفُ، وإذا انعدمَ انعدمَ التكليفُ، فلا تكليفَ على قاصرٍ حتى يبلغً، ولا على مجنونٍ حتى يعقلَ؛ قال رسولُ اللهِ صلى اللهِ عليه وسلم : (رُفعَ القلمُ عن ثلاث: عن النائمِ حتى يستيقظَ، وعن الغلامِ حتى يحتلمَ، وعن المجنونِ حتى يفيقَ) رواه أحمد وأبو داود.

* وإنّ الناظرَ في دينِ الإسلامِ يجدْ أنّه دينٌ يريدُ إنساناً عاقلا مفكِّرا، يفكِّرُ بعقلِه لا يفكِّرُ بعقلِ ٠غيرِه، يريدُ إنساناً عاقلا ، لا يريدُه آلةَ صمَّاءَ ، ولا بهيمةً عجماء، تُقَادُ فتنقادٌ ، إنما له عقلٌ يدركُ ويميزُ به، فليس مقلدًا للآباءِ ولا لغيرِهم ، ولقد ذمَّ اللهُ جل وعلا هؤلاء الذين ألغوا عقولَهم فقال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [البقرة:١٧٠].

** وفي زمانِنا هذا وأيامِنا تلك تجد التعصبَ والتقليدَ الأعمىَ لشخصيةٍ أو لحزبٍ أو لجماعةٍ أو لفكرةٍ ما، ليعمي صاحبَهُ عن الفهمِ الصحيحِ بحيثُ يصيرُ فهمُه أسيرَ تلك الجهاتِ، فما صدرَ عنها فهو الحقُّ الذي لا باطلَ معه، من غيرِ أن يعرضَ ذلك على ميزانِ الوحي المعصومِ، ليعرفَ أذلك موافقٌ للحقِّ أم لا؟ وهذه مصيبةٌ كبيرةْ ابتلىَ بها المجتمعُ المسلمُ اليوم.

والعلاجُ لهذه المصيبةِ: أنْ يعلمَ المرءُ أنّ هؤلاء الناس الذين يسلمُ عقلَه وفهمَه لهم أنهم بشرٌ يخطئون ويصيبون، وليسوا معصومين من الخطأِ والهوى والزللِ.

** فالأزمةُ الآن ومنذُ زمنٍ بعيدٍ هى أزمةُ العقلِ الذى تخلفَ كثيرًا لغيابِ دعاةِ الوسطيةِ والاعتدالِ.

  • الأزمةُ الآن كيف نفهمُ الإسلامَ؟ إنها أزمةُ فهمٍ وفكرٍ.

* أحبتي في الله :- اعلموا علمَ اليقينِ أن بناءَ الفهمِ الصحيحِ أهمُّ من بناءِ المساكنِ والأجسامِ ؛ لأن صلاحَ الفهمِ طريقٌ لصلاحِ الدنيا والدينِ.

فالذى قتلَ الخليفةَ عثمانَ بن عفان رمز العطاءِ والحياءِ قال: «طعنتُ عثمانَ تسعَ طعناتٍ ستٌّ منها لله وثلاثٌ لنفسى» والحقيقةُ أنها كلها كانت للشيطانِ وهواه المريضِ، وفهمِه السقيمِ للدين هو الذى جعلَهُ يرتكبُ هذا الإثمَ العظيم.

**آفةُ المسلمين اليوم ليس هوىَ النفوسِ فحسب ولكن فسادُ العقولِ أيضا.

لقد جاءَ أهلُ العراقِ بعد مقتلِ الحسين إلى المدينةِ يسألون عن حكمِ دمِ البرغوثِ فتعجبَ عبد ُالله بن عمر من فسادِ عقولِهم، فقال لهم: تقتلون ابنَ بنت رسولِ الله وتسألون عن دمِ البرغوث.

**أحبتي في الله :- لقد تعددتْ الأفهامُ الخاطئةُ للإسلامِ العظيمِ ما بين غلوٍ أو تقصيرٍ، وإفراطٍ أو تفريطٍ، وتقديسٍ للعقلِ على حسابِ النصِّ، أو إلغاءٍ للعقل تماما فى فهمِ النصوصِ الشرعية. ِ

!!! فهناك مَن يظنُّ قوامةَ الرجلِ في قوله تعالى (الرجالُ قوامون على النساءِ) نوعًا من التسلطِ والجبروتِ والعدوانِ على المرأةِ، مع أن كلَّ موقعٍ إداريٍ لابدَّ له من قائدٍ، والأسرةُ هي اللبنةُ الأولى للمجتمعِ لابد أنْ يكونَ لها قائدٌ، والقوامةُ هى تكليفٌ لا تشريفٌ ، ومسئوليةٌ جسيمةٌ تتمثلُ في الإدارةِ الحازمةِ الرحيمةِ الساهرةِ لرعايةِ الأسرةِ، فليس هناك تضادٌ بين قوامةِ الرجلِ وكرامةِ المرأةِ، فكلاهما يكملُ الآخر.

!!! وهناك من مَن يظنُّ أنّ دينَ الإسلامِ دينٌ يحثُّ على الإرهابِ وسفكِ الدماءِ من خلال نظرتِه الظاهريةِ لهذا النصِّ القرآنيِّ دونَ إعمالٍ للعقلِ والفهمِ الصحيحِ مع أنّ النصَّ القرآنيَّ يحثُ في مضمونِه على السلامِ ولا يحثُّ على الإرهابِ والقتالِ قال تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)[الأنفال :٦٠].

هذه الآيةُ لو أننا أعملنًا العقلَ في فهمِهًا وتدبرنَاها جيدًا لوجدنَا أنها تدعوا للسلامِ.. كيف ذلك؟

نقولُ أنّ اللهً جل وعلا قال وأعدوا لهم ما استطعتُم من قوةٍ ولم يقلْ قاتلوهم إنما مجردُ إعدادٍ .. الهدفُ منه إرهابُ العدوِ. ومعنى إرهابِه أي يجد رهبةً في نفسهِ من المسلمين لما يجده فيهم من قوةٍ فلا يجرؤُ على قتالهم وبهذا نكونُ ضمنَّا جانبَ الأمنِ من العدو. والمسلمون مأمورون بعدم الاعتداءِ على أحدٍ قال تعالى: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة : ١٩٠] فهنا تحققَ الأمنُ من جانب المسلمين ومن جانب أعدائِهم… أما لو وجدَ العدوُ ضعفا في المسلمين سيتجرأُ على قتالِهم ولا يكون عنده رهبةً منهم وهنا يكون القتالُ وسفكُ الدماء… فهذا النصُّ بدون إعمالِ العقلِ فيه يُفْهَمُ فهما سيئًا ومخالفًا لمراد اللهِ تعالى.

** وتعالوا بنا لنبرهنً على كلامِنا هذا فكلُّنا يعلمُ أن الخوارجَ أيامَ الفتنةِ خرجوا على سيدِنا عليٍّ بن أبي طالب رضي اللهُ عنه وقالوا أنه ليس أميرَ المؤمنين هو أميرُ الكافرين إلى غير ذلك…. وكانوا ستةَ آلافِ رجل.

فإذا بابن عباسٍ رضي اللهُ عنهما وهو حبرُ الأمةِ وابنُ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهبُ إليهم ليحاجَجَهم (يعني يحاورَهم في سبيلِ أن يهتدوا) فذهب إليهم رضوانُ الله عليه وقال ما نقمتُم على ابنِ عم رسول الله وصهرِه؟ قالوا ثلاثةَ أشياءٍ… قال : ما هي ؟ قالوا: نزعً نفسَه من إمارةِ المؤمنين إذًا فهو أميرُ الكافرين. * الثانية: أنه حَكَّمَ الرجالَ ولا حُكْمَ إلا للهِ وقد قال الله عز وجل: “إن الحكمُ إلا لله”. * الثالثة: أنه قاتلَ فلم يأسرْ ولم يسبِ (السبايا : الأسرى من النّساءِ أو الرّجالِ الذين يَقعون في الأسرِ بعد انتهاءِ المعركةِ).

هذه الثلاثةُ قالوها وهم مستندين فيها إلى نصوصٍ شرعيةٍ قال اللهُ وقال رسولُه صلى الله عليه وسلم.  فقال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما أرأيتُم إن حاججتُكم أترجعون عما أنتم فيه؟ قالوا بلى.

قال: أما الأولى:- وهي قولُكم أنه نزعَ نفسَه من إمارةِ المؤمنين فهو أميرُ الكافرين..  فإنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد فعلًها من قبلِه لما كان في صلحِ الحديبيةِ وكان الكاتبُ علياً قال له رسولُ الله أكتبْ (بسم الله الرحمن الرحيم) وثيقةَ الصلحِ فقال سهيلٌ بن عمرو _ وكان سفيرَ قريشٍ وقتَها – قال لا ندري (ما الرحمنُ ولا الرحيم ) بل اكتبْ ما نعرفُ: (باسمك اللهم) فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم امحهَا يا علي. فمحاهَا وكتبً باسمك اللهم..

فقال : هذا ما عاهدَ عليه محمدٌ رسولُ الله سهيلَ بن عمرو.

قال سهيل: ما نعترفُ أنك رسولُ الله. لو علمنا أنك رسولُ الله لاتبعنَاك. قال امحها يا علي. امسحْ كلمةَ رسول الله.

قال علي : والله لا أمحُهَا فإني لأعلم أنك رسولُ الله.

فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أرينِيها يا على.. فأراها عليٌ للنبيِّ فمحاها بيدِه. قال خرجتُم من هذه؟ قالوا خرجنًا.

قال :** أما الثانية:- ُ فهى قولُكم (حَكَّمَ الرجالً ولا حُكْمَ إلا للهِ )

فإن اللهَ عز وجل أمرً من قتلَ أرنبًا أو صيدا وهو مُحْرِمٌ بالحجِّ والعمرةِ بأن يخرجَ ما يساويه من الأنعامِ كالبقرِ والغنمِ إلى آخره وحكم في ذلك الرجال . فربُّ العزةِ جل وعلا قال:(يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)[المائدة :٩٥].

قال أَيُحَكِّم اللهُ الرجالَ في أرنبٍ ولا يُحَكِّمُ الرجالَ في حقنِ الدماءِ؟…

وحَكَّمَ اللهُ تعالى الرجالَ في شأنِ الزوجين فقال تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)[النساء :٣٥]. فهل يُحكَّمُ في نزاعٍ بين الزوجين الرجالُ ولا يحكموا في حقنِ الدماءِ؟ فنظرَ بعضُهم إلى بعضٍ. قال خرجتُم منها؟ قالوا خرجنَا.

قال:
** أما الثالثة:-  فهى قولُكم (أنه قاتلَ ولم يأسرْ ولم يسبِ) يعني لم يأخذْ أسرى . قال ما تقولون في عائشةَ؟ وكانت عائشةُ رضي اللهُ عنها مع الطرفِ الآخرِ..

قالوا زوجَ نبِّينَا أم المؤمنين. قال أيسرُكم أن تعاملَ عائشةُ رضي اللهُ عنها بمثلِ ما يعاملُ غيرُها؟ لو قلتُم ذلك لكفرتُم ولو ادعيتُم أنها ليست أمكُم لكذبتُم بالقرآن. قال تعالى: “النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ …”. خرجتُم من هذه؟ قالوا خرجنَا.

قال سبحان اللهِ فالتفت بعضُهم إلى بعضٍ فخرجَ منهم ألفان وبقي أربعةُ آلافٍ.

إذا أخي الحبيبُ الشاهدُ من هذا الحديثِ: إنه لا ينبغي للإنسانِ أنْ ينخدعَ بكلِ مَن قال له: قال اللهُ.. قال رسولُ الله.. نعم قال اللهُ صدقَ اللهُ العظيمُ، صدقَ رسولُ اللهِ. لكن ما هو فهمُ العلماءِ لهذا النصِّ ولهذه الآيةِ؟ ما هي دلالةُ الحديثِ؟ هل هذا الأمرُ أمرُ وجوبٍ أم أمرُ استحبابٍ؟ هل هذا نهيٌ بالتحريمِ أم بالكراهةِ أم بالإباحةِ؟…

فصحةُ الفهمِ تورثُ صاحبَها سلامةَ المعتقدِ والفكرِ، فيبني عقيدتَه وأفكارَه على ما وافقَ وحي السماءِ، دون أن يتشربَ عقلُه وقلبُه الانحرافاتِ والتأويلاتِ والشبهاتِ التي يبثها ذوو الفهمِ العقيمِ.

وقد ضرب اللهُ جل وعلا لنا في القرآنِ الكريمِ في هذا الأمرِ مثالًا بنبيين كريمين، نبيِ الله داوود وابنِه سليمان. (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا…)[الأنبياء : ٨٣]

نبيُّ اللهِ داوود جاءتُه قضيةٌ عاديةٌ. … رجلٌ كان يمضي بغنمِه فمرتْ الغنمُ بأرضٍ خضراء فيها حرثٌ ( زرع ) فنزلت الغنمُ على الحرثِ فأهلكَته ؛ يعني أكلته كلَّه. …. الرجلُ لم يمنع غنمَه. …. تركها ترعى ، وتأكلُ حتى أكلتْ الحرثَ كلَّه!!!

لما رأى صاحبُ الحرثِ أرضَه وقد جردتْ من كلِّ زرعٍ وحرثٍ…. ذهبً يشكو إلى نبي الله داوود…. فحسبَ نبيُّ الله داوود قيمةَ الزرعِ وقيمةَ الغنمِ فكانت القيمةُ مماثلةً فحكم بالغنمِ لصاحبِ الحرثِ فخرج صاحبُ الغنم ليس معه إلا الكلب يعني كلبَ الغنم.ِ

فلما رأى سليمانُ ذلك قال لو حكمتُ بينكما لحكمتُ بغير ذلك…. فبلغتْ مقالتُه لأبيه داوود عليه السلام قال فبمَ كنت تحكم؟

قال أرى أن يأخذَ صاحبُ الزرعِ الغنمَ فينتفعَ من ألبانِها وأصوافِها وأن يتولى صاحبُ الغنمِ الزرعَ حتى يعودَ كما كان. قال تعالى “ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما”.

والنبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم ذكرَ لنا كما في الحديثِ الصحيحِ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه (خرجتِ امرأتانِ معهما صبيان لهما، فعدا الذئبُ على إحداهما فأخذ ولدَها، فأصبحتَا تختصِمان في الصبيِّ الباقي إلى داودَ عليه السلام، فقضى به للكبرى منهما، فمرَّتا على سليمانَ فقال : كيف أمرُكما : فقصَّتا عليه فقال : ائتوني بالسكينِ أشقُّ الغلامَ بينهما، فقالتِ الصغرى : أتشقُّه . قال : نعم ! فقالت : لا تفعلْ، حظِّي منه لها . قال : هو ابنُكِ فقضى به لها)

فالأمورُ ربما نختلفُ في استيعابِها ومن أجلِ ذلك جعلَ اللهٌ هذا التنوعَ في الخلقِ قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)[الروم : ٢٢].

وحدثَ أيضا أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم بعد غزوةِ الأحزابِ قال لأصحابِه: “لا يصلينَّ أحدكُم العصرَ إلا في بني قريظة.”

وانطلقَ الصحابةُ…. في الطريقِ دخلَ وقتُ صلاةِ العصرِ فانقسموا إلى فريقين في تفسيرِ معنى قولِ رسولِ الله: أحدُ الفريقين قالوا إنّ رسولَ الله يشرعُ عن الله يبلغُ عن اللهِ عز وجل فلن نصليَ العصرَ إلا في بني قريظة حتى ولو خرجَ الوقتُ. سنصلي في بني قريظة كما قال النبيُّ لأنه قال لا يصلين هذا نهيٌ وهذا رسولُ الله. سبحان الله !!!
الفريقُ الثاني قالوا إنما أرادَ رسولُ الله أنْ نَجِدَّ في المسيرِ حتى ندركَ وقتَ العصرِ في بني قريظة لكننا لن ندركَ لبعدِ المسافةِ وطولِ الطريقِ. فصلوا في طريقِهم.

لما جاء النبيُّ أُخبرَ بفعلهمَا فلم يعنفْ أحدا…. أقرَّ النبيُّ اجتهادَ الصحابةِ على هذا المعنى، إنّ منهم من أخذَ فيما يعرفُ في الفقهِ بعد ذلك بـ (ظاهرِ النصِّ) ومنهم من أخذَ بـ (مقصدِ النصِّ) ظاهرُ النص أنه نهي عن الصلاةِ نهائيا إلا في بني قريظة. أما مقصدُ النص أو روحُ النص المقصودُ به الجديةُ في المسيرِ لدرجة أنك ستدركُ العصرَ في بني قريظة لكن لا يعني ترك الصلاة حتى يخرجَ وقتَها. وهناك العديدُ من النصوصِ التي تبينُ ذلك..

أحبتي في الله :- صحةُ الفهمِ تُهدي صاحبهَا صدقَ العبادةِ وأنْ يسارعَ إلى مرضاةِ اللهِ تعالى، وأنْ يبتعدَ عن معصيته.

وإنّ سوءَ الفهم مصيبةٌ قد تؤدي إلى تركِ الطاعاتٍ، وارتكابِ السيئات، وقد يوصلُ بعضَ الناسِ إلى الخروجِ عن الإسلامِ بما ثقلَ به من الشبهاتِ والأفكارِ المخالفةِ لثوابتِ الإسلام وأصولهِ الراسخةِ.

* سوءُ الفهمِ يؤدي إلى الشكِّ والحيرةٍ في الأمور اليقينيةِ، فيصبحُ الإنسانُ مضطربَ الحالِ، متموجَ البال.ِ

* سوءُ الفهمِ أدى في المجتمعِ المسلمِ إلى التهاجرِ والقطيعةِ والتراشقِ بالألقابِ والاتهاماتِ والتبديعِ والتفسيقِ والتكفيرِ من غير برهانٍ من اللهِ ورسولهِ.

** وفي الختام :- أقولُ لكم أحبتي في اللهِ ليس معنى كلامِنا أنّ كلَّ واحدٍ منا يُعمِلُ عقلَه في فهمِ النصِّ من تلقاءِ نفسهِ فإعمالُ العقلِ في فهمِ النص لا يكون إلا من متخصصين من علماءِ الدين فمن اعتمدَ على عقلِه ضل…

ومن هنا أمرنَا جل وعلا أن نسألَ أهلَ العلمِ والمتخصصين لأنهم هم الذين يستطيعون أن يفهموا المقصودَ من النصِّ القرآنيِّ والنصِّ النبويِّ قال تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل : ٤٣].

وهذه السيدةُ عائشةُ رضي الله عنها ضربتْ لنا المثلَ في سؤالِ أهلِ التخصصِ فقد وردَ أنها سألتْ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن معنى آيةٍ قالتْ: قلتُ: يا رسولَ الله( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )[المؤمنون: ٦٠] أهو الذي يزني ويسرقُ ويشربُ الخمرَ؟ قال: (لا، يا بنتَ أبي بكر، أو يا بنتَ الصديق، ولكنه الرجلُ يصومُ ويتصدقُ ويصلي، وهو يخافُ أن لا يتقبلَ منه).

وصدق القائلُ :-

عليك بالوحيَيْن لا تعدُوهُما * واسلُك طـريقَهما بفـهمٍ جيدٍ ..
فـإذا تعذَّرَ فهمُ نصٍّ غامضِ * فاستفتِ أهلَ الذكر كالمُسترشِدِ ..

**
أسألُ اللهَ تعالى أنْ يرزقنَا الفهمَ الصحيحَ وأن يرزقنا علما نافعا وقلبا خاشعا ولسانا ذاكرا وبدنا على البلاء صابرا.

**
كتبه :الشيخ / كمال السيد محمود محمد المهدي..
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

عن كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

شاهد أيضاً

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور عمر مصطفي، بتاريخ 17 شوال 1445هـ ، الموافق 26 أبريل 2024م

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور عمر مصطفي

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور عمر مصطفي، بتاريخ 17 …

خطبة الجمعة بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 17 شوال 1445 هـ ، الموافق 26 أبريل 2024م

خطبة الجمعة بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور خالد بدير

خطبة الجمعة بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 17 شوال 1445 …

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024 م بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 17 شوال 1445هـ ، الموافق 26 أبريل 2024م

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل : تطبيقات حُسن الخلق ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024 م بعنوان : تطبيقات حُسن الخلق ، …

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م من الأرشيف : تطبيقات حسن الخلق ، بتاريخ 17 شوال 1445هـ – الموافق 19 أبريل 2024م

خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م من الأرشيف : تطبيقات حسن الخلق

خطبة الجمعة القادمة خطبة الجمعة القادمة 26 أبريل 2024م من الأرشيف : تطبيقات حسن الخلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Translate »