أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

 خطبة الجمعة الثانية : حَقُّ الطَّرِيقِ وَآدَابُهُ فِي الإِسْلَامِ ، للدكتور أحمد رمضان

الخطبة الأولي عن : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر

 خطبة الجمعة الثانية : حَقُّ الطَّرِيقِ وَآدَابُهُ فِي الإِسْلَامِ ، إعداد: رئيس التحرير للدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 20 ربيع الأول 1447هـ – 12 سبتمبر 2025م. بينما الخطبة الأولي عن : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر.

 

لتحميل خطبة الجمعة الثانية 12 سبتمبر 2025م بصيغة word بعنوان : حَقُّ الطَّرِيقِ وَآدَابُهُ فِي الإِسْلَامِ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

 

وكذلك : لتحميل خطبة الجمعة الثانية 12 سبتمبر 2025م بصيغة pdf بعنوان : حَقُّ الطَّرِيقِ وَآدَابُهُ فِي الإِسْلَامِ ، لـ صوت الدعاة.

-عناصر خطبة الجمعة الثانية 12 سبتمبر 2025م بعنوان : حَقُّ الطَّرِيقِ وَآدَابُهُ فِي الإِسْلَامِ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.

 

العنصر الأول: حق الطريق في نصوص الوحيين

العنصر الثاني: آثار الالتزام بآداب الطريق في المجتمع

العنصر الثالث: نماذج تاريخية وواقعية في حفظ الطريق وآدابه

العُنْصُر الرَّابِع: التَّطْبِيقَاتُ الْمُعَاصِرَةُ لِآدَابِ الطَّرِيقِ

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 سبتمبر 2025م بصيغة word بعنوان : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

وكذلك : لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 سبتمبر 2025م بصيغة pdf بعنوان : وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ *** يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر، للدكتور أحمد رمضان.

 

ولقراءة خطبة الجمعة الثانية 12 سبتمبر 2025م بعنوان : حَقُّ الطَّرِيقِ وَآدَابُهُ فِي الإِسْلَامِ إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:

 

حَقُّ الطَّرِيقِ وَآدَابُهُ فِي الإِسْلَامِ

20 ربيع الأول 1447هـ – 12 سبتمبر 2025م

إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

المـــوضــــــــــوع

اَلْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَجَعَلَ الطَّرِيقَ أَمَانَةً وَحَقًّا لِلْعَابِرِينَ، فَمَنْ حَفِظَ حُرْمَتَهُ فَقَدْ حَفِظَ الدِّينَ وَالنَّاسَ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْمُبَلِّغُ عَنْ رَبِّهِ قَوْلَهُ: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ» [رواه أبو داود ح 26]. اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

العناصر:

العنصر الأول: حق الطريق في نصوص الوحيين

العنصر الثاني: آثار الالتزام بآداب الطريق في المجتمع

العنصر الثالث: نماذج تاريخية وواقعية في حفظ الطريق وآدابه

العُنْصُر الرَّابِع: التَّطْبِيقَاتُ الْمُعَاصِرَةُ لِآدَابِ الطَّرِيقِ

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي نَمْشِي فِيهِ وَيَسِيرُ فِيهِ أَوْلَادُنَا وَنِسَاؤُنَا، لَيْسَ مَمَرًّا بَارِدًا، بَلْ هُوَ مِرْآةٌ لِلْأَخْلَاقِ، وَمِقْيَاسٌ لِلْإِيمَانِ، وَمَظْهَرٌ لِحَيَاةِ الْمُجْتَمَعِ.

العنصر الأول: حق الطريق في نصوص الوحيين

أيها الإخوة الكرام، إنَّ أول ما يُلْفِتُ نَظَرَ المتأمِّلِ أنَّ القرآنَ الكريمَ لم يترك شأنَ الطُّرُقِ سُدًى، بل خصَّهُ بالنهيِ والإرشادِ. أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللَّهِ، قَدْ جَعَلَ رَبُّنَا لِلْطَّرِيقِ حَقًّا بَيِّنَهُ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ.

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللَّهِ، أَوَّلُ مَا نَسْتَفْتِحُ بِهِ كَلَامَنَا: كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الَّذِي قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].

قال محمد سيد طنطاوي رحمه الله: “فَفِي هَذِهِ الآيَةِ تَحْذِيرٌ صَرِيحٌ مِنْ إِيذَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَيِّ مَظْهَرٍ، وَمِنْ ذَلِكَ إِيذَاؤُهُمْ فِي طُرُقِهِمْ وَمَمَرَّاتِهِمْ. قَالَ محمد سيد طنطاوي رحمه الله: “أَيْ: وَالَّذِينَ يَرْتَكِبُونَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مَا يُؤْذِيهِمْ فِي أَعْرَاضِهِمْ، أَوْ فِي أَنْفُسِهِمْ، أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ – ويشمل ايذائهم في الطرقات- مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ، دُونَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ أَوِ الْمُؤْمِنَاتُ قَدْ فَعَلُوا مَا يُوجِبُ أَذَاهُمْ.. فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا، أَيْ: فَقَدِ ارْتَكَبُوا إِثْمًا شَنِيعًا، وَفِعْلًا قَبِيحًا، وَذَنْبًا ظَاهِرًا بَيِّنًا، بِسَبَبِ إِيذَائِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ”. التَّفْسِيرُ الْوَسِيطُ لِطَنْطَاوِي (11/244).

وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: 86].

قَالَ الإِمَامُ القرطبيُّ: “قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانُوا يَقْعُدُونَ عَلَى الطُّرُقَاتِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى شُعَيْبٍ، فَيُوَعِّدُونَ مَنْ أَرَادَ الْمَجِيءَ إِلَيْهِ، وَيَصُدُّونَهُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ كَذَّابٌ فَلَا تَذْهَبْ إِلَيْهِ؛ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَفْعَلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا نَهْيٌ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ،… وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي خَشَبَةً عَلَى الطَّرِيقِ، لَا يَمُرُّ بِهَا ثَوْبٌ إِلَّا شَقَّتْهُ، وَلَا شَيْءٌ إِلَّا خَرَقَتْهُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ لِقَوْمٍ مِنْ أُمَّتِكَ يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيقِ فَيَقْطَعُونَهُ»، ثُمَّ تَلَا: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: 86]. القرطبي ج 7، ص 249 باختصار، وراجع الطبري ج 10، ص312- 314.

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].

وَمِنْ أَجَلِّ صُوَرِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ: أَنْ نُحَافِظَ عَلَى الطَّرِيقِ نَقِيًّا آمِنًا، فَنَكُفَّ أَذَانَا وَنَرُدَّ السَّلَامَ وَنُزِيلَ الْأَذَى.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا. فَقَالَ ﷺ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ». قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ». [البخاري ح 2465، مسلم ح 2121].

يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: “هَذَا الْحَدِيثُ كَثِيرُ الفوائد وهو من الْأَحَادِيثِ الْجَامِعَةِ وَأَحْكَامُهُ ظَاهِرَةٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ الْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ لِهَذَا الْحَدِيثِ – إلا بحقه – وَيَدْخُلُ فِي كَفِّ الْأَذَى اجْتِنَابُ الْغِيبَةِ وَظَنِّ السُّوءِ وَإِحْقَارِ بَعْضِ الْمَارِّينَ وَتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ وَكَذَا إِذَا كَانَ الْقَاعِدُونَ مِمَّنْ يَهَابُهُمُ الْمَارُّونَ أَوْ يَخَافُونَ مِنْهُمْ وَيَمْتَنِعُونَ مِنَ الْمُرُورِ فِي أَشْغَالِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ لكونهم لا يجدون طريقا إلا ذلك الْمَوْضِعِ”. [شرح النووي على صحيح مسلم: ج14/ ص102].

فَانْظُرُوا – رَحِمَكُمُ اللَّهُ – كَيْفَ جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ الطَّرِيقَ مَجَالًا لِعِبَادَةِ اللهِ وَخِدْمَةِ النَّاسِ، وَلَيْسَ مَجَالًا لِلْفَوْضَى وَالْأَذَى.

العنصر الثاني: آثار الالتزام بآداب الطريق في المجتمع

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللَّهِ، إِنَّ مَا شَرَعَهُ رَبُّنَا مِنْ آدَابِ الطَّرِيقِ لَيْسَ أَمْرًا هَامِشِيًّا، بَلْ هُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ لِبِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ عَلَى الْقِيَمِ وَالأَخْلَاقِ.

  • الطَّرِيقُ مِرْآةُ الأَخْلَاقِ

الطَّرِيقُ هُوَ الْمَسْرَحُ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ أَخْلَاقُ النَّاسِ وَقِيَمُهُمْ. فَالْمُسْلِمُ الَّذِي يَغُضُّ بَصَرَهُ، وَيَرُدُّ السَّلَامَ، وَيُزِيلُ الأَذَى، يَعْكِسُ صُورَةً نَاصِعَةً عَنْ دِينِهِ. قال النبي ﷺ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» [مسلم ح 35].

فجعل النبي ﷺ رفع الأذى علامة إيمانٍ راسخ، فكيف إذا اجتمع مع بقية الشعب؟

  • الطَّرِيقُ مَجَالٌ لِلتَّوَاصُلِ وَالتَّرَاحُمِ

في الطريق يلتقي الناس، فإذا التزموا بالتحية ورد السلام والكلمة الطيبة، صار الطريق ساحة رحمة وألفة.

قال ﷺ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» [مسلم ح 2564].

فَأَعْظَمُ مَظَاهِرِ هَذِهِ الْأُخُوَّةِ: حِفْظُ الطَّرِيقِ، وَتَبَادُلُ التَّحِيَّةِ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي هِيَ صَدَقَةٌ.

  • التَّرْبِيَةُ عَلَى الْمَسْؤُولِيَّةِ وَالمُوَاطَنَةِ الصَّالِحَةِ

الطُّرُقُ مِلْكٌ لِلْجَمِيعِ، وَمَنْ أَخَلَّ بِهَا أَخْلَّ بِحَقِّ الْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ. فَمَنْ يَضَعُ الْمُخَلَّفَاتِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ، أَوْ يَسُدُّهُ بِسَيَّارَتِهِ، أَوْ يَسْكُبُ الْمِيَاهَ وَالزُّيُوتَ عَلَى أَرْصِفَتِهِ، فَهُوَ مُسِيءٌ لِلْجَمِيعِ.

  • دُخُولُ الْجَنَّةِ بِأَيْسَرِ الْأَعْمَالِ

إِنَّ مِمَّا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ بِأَبْسَطِ الأَعْمَالِ: إِزَالَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ“. البخاري 652، مسلم 1914.

فَأَيُّ شَرَفٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا فِي نَجَاةِ نَفْسِكَ وَدُخُولِكَ الْجَنَّةِ بِإِزَالَةِ غُصْنٍ أَوْ حَجَرٍ؟!

  • الطَّرِيقُ مَصْدَرُ أَمْنٍ وَطُمَأْنِينَةٍ

إِذَا الْتَزَمَ النَّاسُ بِآدَابِ الطَّرِيقِ، أَمِنُوا فِي مَشْيِهِمْ، وَانْتَظَمَتْ حَيَاتُهُمْ.

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: «وَمِنَ الْعَدْلِ أَنْ يُمْنَعَ مَنْ يُؤْذِي فِي طَرِيقِ النَّاسِ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ لِلْجَمِيعِ» [المحلّى، ج8، ص342].

وَإِذَا عَرَفْنَا أَنَّ الْطَّرِيقَ يُعَبِّرُ عَنِ الْأَخْلَاقِ وَيَنْشُرُ الأَمْنَ وَالأُلْفَةَ، فَإِنَّنَا نَنْتَقِلُ إِلَى الْعُنْصُرِ الثَّالِثِ: النَّمَاذِجُ التَّارِيخِيَّةُ وَالْوَاقِعِيَّةُ الَّتِي جَسَّدَتْ هَذِهِ الْقِيمَ فِي أَجْمَلِ صُوَرِهَا.

العنصر الثالث: نماذج تاريخية وواقعية في حفظ الطريق وآدابه

نموذج من حياة النبي ﷺ

في الصحيحين: أن النبي ﷺ قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي طَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ» [البخاري ح 2472، مسلم ح 1914].

قال ابن بطّال: «إماطة الأذى عن الطريق كأنها صدقة على كل من سلم منه» [شرح البخاري، ج6، ص592].

فانظروا كيف جُعل عمل صغير سببًا للمغفرة ودخول الجنة!

من وصايا النبي لأصحابه

قال ﷺ لأبي برزة الأسلمي: «اعْزِلِ الأذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ» [مسلم ح 2618].

وصية موجزة، لكنّها تحفظ الأرواح والمجتمع.

من حياة التابعين والأئمة

ذُكر عن علي بن الحسين زين العابدين رحمه الله أنه كان يخرج ليلاً يحمل الطعام والدقيق، يضعه في طرق المدينة عند أبواب الفقراء، حتى وُجد أثر الحمل في ظهره بعد وفاته [حلية الأولياء 3/135].

فلم تكن الطرق عنده مجرّد ممرّ، بل ساحات للصدقة والإحسان.

فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ النَّمَاذِجُ الْمُنِيرَةُ قَدْ جَسَّدَتْ آدَابَ الطَّرِيقِ فِي الْمَاضِي، فَإِنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهَا أَعْظَمُ فِي عَصْرِنَا، وَهُنَا يَأْتِي الْعُنْصُرُ الرَّابِعُ: التَّطْبِيقَاتُ الْمُعَاصِرَةُ لِآدَابِ الطَّرِيقِ.

العُنْصُر الرَّابِع: التَّطْبِيقَاتُ الْمُعَاصِرَةُ لِآدَابِ الطَّرِيقِ

أيُّهَا الأَحِبَّةُ الكِرَام، مَا أَحْوَجَنَا فِي عَصْرِنَا إِلَى تَجْدِيدِ الْتَّمَسُّكِ بِآدَابِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا نُعَانِيهِ الْيَوْمَ مِنْ حَوَادِثٍ وَفَوْضَى وَمَظَاهِرَ سَلْبِيَّةٍ، إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ تَرْكِ تِلْكَ الآدَابِ الَّتِي جَاءَ بِهَا دِينُنَا الْحَنِيفُ.

  • احترام قوانين المرور

الْتِزَامُ السَّائِقِ بِالإِشَارَاتِ وَالْقَوَانِينِ لَيْسَ أَمْرًا وُضِعَ لِلتَّضْيِيقِ عَلَيْنَا، بَلْ هُوَ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الطَّاعَةِ للهِ فِي حِفْظِ النُّفُوسِ. قَالَ ﷺ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» [ابن ماجه ح 2341].

  • إفساح الطريق للمارّة

خُصُوصًا لِلضُّعَفَاءِ وَكِبَارِ السِّنِّ وَالنِّسَاءِ وَذَوِي الْاحْتِيَاجَاتِ. فَهَذَا مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِكْرَامِ الْمَرْءِ.

  • المحافظة على نظافة الطرق

إلقاء القاذورات وَالمُخَلَّفَاتِ فِي الطُّرُقِ خِلَافُ سُنَّةِ «إِمَاطَةِ الأَذَى»، وَهُوَ عَكْسُ مَا يُرِيدُهُ الإِسْلَامُ مِنْ جَعْلِ الْبِيئَةِ نَظِيفَةً زَكِيَّةً. قَالَ ﷺ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» [مسلم ح 91].

  • تجنّب السلوكيات المؤذية

مِنْهَا: السَّيْرُ عَكْسَ الاتِّجَاهِ، إِيقَافُ السَّيَّارَاتِ فِي مَمَارَّاتِ الطَّوَارِئِ، إِطْلَاقُ الأَصْوَاتِ الْمُزْعِجَةِ، التَّرَوِيعُ وَالتَّخْوِيفُ. وَقَدْ قَالَ ﷺ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» [أبو داود ح 5004].

  • نشر الكلمة الطيبة في الطريق

الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَرَدُّ السَّلَامِ مِفْتَاحُ الْأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ. فَفِي الطَّرِيقِ نُظْهِرُ صُورَةَ أُمَّةٍ مُتَحَابَّةٍ مُتَرَابِطَةٍ.

ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ أَحَدَ الْقُضَاةِ فِي الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ رَأَى رَجُلًا يُلْقِي قَاذُورَةً فِي الطَّرِيقِ، فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، وَقَالَ: «الطَّرِيقُ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، فَمَنْ أَفْسَدَهُ فَقَدْ ظَلَمَهُمْ”.

فَكَيْفَ لَوْ رَأَى مَا يَقَعُ الْيَوْمَ مِنْ فَوْضَى وَتَعَدٍّ عَلَى الْحُرُمَاتِ؟!

إذا ما مَشَيْتَ فِي الطَّرِيقِ فَكُنْ *** سَبَبًا لِكُلِّ نَدًى وَإِحْسَانِ

فَإِزَالَةُ الْأَذَى وَرَدُّ سَلَامٍ *** أَزْهَى مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْجُمَانِ

فَإِذَا رَاعَيْنَا هَذِهِ الآدَابَ فِي مَاضِينَا وَحَاضِرِنَا، وَجَعَلْنَاهَا مَنْهَجًا فِي حَيَاتِنَا، تَحَقَّقَ الْأَمْنُ، وَسَادَ السَّلَامُ، وَانْتَشَرَ الْخَيْرُ فِي الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ، وَهُنَا نَخْتِمُ الْخُطْبَةَ بِالدُّعَاءِ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ الْكِرَام، بَعْدَ هَذِهِ الرِّحْلَةِ فِي مَعَانِي حَقِّ الطَّرِيقِ وَآدَابِهِ، نُدْرِكُ أَنَّ الطَّرِيقَ مَدْرَسَةٌ لِلْأَخْلَاقِ، وَمِضْمَارٌ لِلْعِبَادَةِ، وَمِحَكٌّ لِحَقِيقَةِ الإِيمَانِ. فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ فِيهِ طَهُرَ قَلْبُهُ، وَمَنْ كَفَّ أَذَاهُ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِ، وَمَنْ أَزَالَ الأَذَى عَنْهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ نَصَحَ وَأَعَانَ وَأَرْشَدَ فَقَدْ أَحْيَا السُّنَّةَ وَعَظَّمَ شَعَائِرَ اللهِ.

قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [النساء: 36]. فَجَعَلَ ابْنَ السَّبِيلِ – وَهُوَ الْمَارُّ فِي الطَّرِيقِ – مِمَّنْ لَهُمْ حَقٌّ عَظِيمٌ فِي الشَّرْعِ.

دَعِ الطَّرِيقَ نَقِيًّا مِثْلَ أَنْفَاسِنَا *** فَالنَّظَافَةُ إِيمَانٌ وَإِحْسَانُ

وَكُنْ كَسَلَفٍ قَامُوا بِحَقٍّ لَهُ *** فَخُلِّدُوا ذِكْرًا وَبَاتُوا عُنْوَانُ

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَحْفَظُونَ حُرْمَةَ الطَّرِيقِ، وَيُؤَدُّونَ حَقَّهُ، وَيُطَبِّقُونَ سُنَنَ نَبِيِّكَ فِي حَيَاتِهِمْ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ.

اللَّهُمَّ أَمِّنْ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَاجْعَلْ شَوَارِعَنَا وَطُرُقَنَا سَالِمَةً طَاهِرَةً مُنِيرَةً.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُورِنَا لِكُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْنَا وَإِيَّاهُمْ مِفَاتِيحَ لِلرَّحْمَةِ، وَسَبَبًا لِلْأَمْنِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.

اللَّهُمَّ نَقِّنَا مِنْ مَعَاصِينَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

د. أحمد رمضان

المراجع: القرآن الكريم

كتب الحديث: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، سنن ابن ماجه، سنن الترمذي (الجامع الكبير)، سنن النسائي، مسند أحمد، شعب الإيمان للبيهقي، المعجم الكبير للطبراني، المصنف لابن أبي شيبة.

ثالثًا: كتب التفسير وشروح الحديث وغيرهما: تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، تفسير ابن كثير، خواطر الشعراوي، التفسير الوسيط لطنطاوي، تيسير الكريم الرحمن للسعدي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي، سير أعلام النبلاء للذهبي، الدر المنثور للسيوطي، مفتاح دار السعادة لابن القيم، المقاصد الحسنة للسخاوي، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الكامل في التاريخ لابن الأثير، التاريخ لابن جرير، حلية الأولياء لأبي نعيم، الزهد الكبير للبيهقي.

خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير: الدكتور أحمد رمضان

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وأيضا للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وكذلك للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

-كذلك للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

وأيضا للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى