خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 7 أبريل 2023 م بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 16 رمضان المبارك 1444هـ ، الموافق 7 أبريل 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 أبريل 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 أبريل 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 أبريل 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 7 أبريل 2023 م بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر ، للدكتور محروس حفظي :
(1) السكينةُ مِن صفاتِ الأنبياءِ عليهم السلام .
(2) ما يحققُ السكينةَ والطمأنيةَ.
(3) فضائلُ العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 7 أبريل 2023 م بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبةٌ بعنوان: «السكينةُ والطمأنينةُ في القرآنِ الكريمِ، وفضائلُ العشرِ» ، بتاريخ 16 رمضان 1444 هـ = الموافق 7 أبريل 2023 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمّا بعدُ ،،،
(1) السكينةُ مِن صفاتِ الأنبياءِ عليهم السلام: إنّ السكينةَ إذا نزلتْ على القلبِ اطمأنَّ بها، وسكنتْ إليهَا الجوارحُ وخشعتْ واكتسبتْ الوقارَ، وأنطقتْ اللسانَ بالخيرِ والصوابِ، وهي حالُ النبيِّ ﷺ يومَ قامَ يصدعُ بالحقِّ في الخلقِ ويبلِّغُ دعوةَ ربِّه – عزّ وجلّ – فنالَهُ ما نالَهُ مِن الأذَى، كلُّ ذلك وهو صابرٌ محتسبٌ، وكذا حالُهُ في المعاركِ التي خاضَها ضدَّ المشركين والمتآلبين، وظهرتْ يومَ الهجرةِ حينمَا قالَ أبو بكرٍ: “لو نظرَ أحدُهُم تحتَ قدمهِ لرآنَا”، فيُجيبُهُ ﷺ: “ما بالُكَ باثنينِ اللهُ ثالثهُمَا، لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنَا” فأنزلَ اللهُ قولَهُ تعالَى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ .
ونجدُ السكينةَ في حالِ إبراهيمَ –عليه السلام– وهو يواجهُ أباهُ وقومَهُ والنمروذَ، وهو يتركُ زوجَهُ هاجرَ وولدَهُ الوحيدَ إسماعيلَ بمكةَ، وهو يهمُّ بعدَ ذلك بذبحِ إسماعيلَ في رباطةِ جأشٍ وطمأنينةِ قلبٍ في حِلّهِ وترحالهِ، ونملحُهَا أيضًا مع مُوسى– عليه السلامُ– وهو يواجهُ فرعونَ ويُثبِّتُ قومَهُ قائلًا: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وهو يواجهُ الهلكةَ المحققةَ، فالبحرُ أمامَهُ، وفرعونُ خلفهُ ووراءهُ، فيستغيثُ قومُهُ: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ فيجيبهُم: ﴿كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
ونستشفُهَا مع يوسفَ عليه السلام في مواجهتهِ لمحنٍ تعاقبتْ عليهِ وبعدَ أنْ تولَّى ملكَ مصرَ، وهو يتوجهُ إلى ربِّهِ بالدعاءِ: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ .
أخي الكريم: بالسكينةِ والطمأنيةِ يُوَاجِهُ العبدُ المَصَاعِبَ مَهْمَا اشْتَدَّتْ، وَيَتَغَلَّبُ عَلَى الشَّدَائِدِ مَهْمَا جَلَّتْ، يجتازُهَا بِقُوَّةٍ وَتَسْلِيمٍ، يتعَلَّمُ مِنْهَا الحِيطَةَ وَالحَذَرَ مِنْ غَيْرِ تَسَخُّطٍ عَلَى القَضَاءِ، يرتقِي بنفسهِ لتكونَ نفسًا مُطمئنَّةً فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، مُطمئنَّةً فِي الأَخْذِ وَالعَطَاءِ وفِي الضّيْقِ وَالرَّخَاءِ، تَبْذُلُ الخَيْرَ لِكُلِّ النَّاسِ، لا يَتَطَلَّعُ صَاحِبُهَا إِلَى مَا عِنْدَ الآخَرِينَ إِلاَّ بِمِقْدَارِ مَا يَدفَعُهُ إِلَى التَّنَافُسِ المحمود؛ لِيُحَقِّقَ النَّفع لِمُجتَمَعِهِ ووطنه ثم تَنَالُ يَومَ العَرْضِ عَلَى اللهِ شَرَفَ هذا النِّدَاءِ: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ .
(2) ما يحققُ السكينةَ والطمأنيةَ: السكينةُ نورٌ يقذفهُ اللهُ – تعالى- في قلبِ العبدِ فيشرقُ بالرضا والتسليمِ، فيزدادَ إيمانُهُ قال ربُّنَا: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، وأعظمُ ما يدخلُ السكينةَ على العبدِ، ويقضِي على القلقِ والتوترِ والهلعِ والأمراضِ النفسيةِ عندهُ قربُهُ مِن ربِّهِ – عزَّ وجلَّ – بالطاعاتِ والعباداتِ قالَ ربُّنَا: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» (البخاري) .
والإقبالُ على تلاوةِ القرآنِ بتدبرٍ, واعتبارِ معانيهِ، وأمرهِ ونهيهِ هي لبُّ السكينةِ، وأساسُ الطمأنينةِ، وقد حثَّ نبيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تلاوةِ القرآنِ، ورغّبَ فيهِ وجعلَهُ مِن أسبابِ نزولِ السكينةِ فقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» (مسلم)، ومع قدومِ، شهرِ القرآنِ يقبلُ المسلمُ على كتابِ ربِّه بشغفٍ دونَ باقِي أيامِ العامِ؛ نظرًا لإرتباطِ هذا الشهرِ بنزولِ القرآنِ فيهِ ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ﴾، وهذا شيءٌ محمودٌ حيثُ كان يفعلُهُ سيدُ الأنامِ فعن ابنِ عباسٍ قال: «كان ﷺ أجودَ الناسِ، وأجودَ ما يكونُ في رمضانَ، حين يلقاهُ جبريل، وكان جبريلُ عليه السلامُ يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ مِن رمضانَ، فيدارسَهُ القرآنَ، فرسولُ اللهِ ﷺ أجودُ بالخيرِ مِن الريحِ المرسلةِ» (متفق عليه)، ويحرصُ المسلمُ في هذا الشهرِ أنْ يختمَ القرآنَ مراتٍ ومراتٍ، وهذا بلا شك أمرٌ يُحمدُ عليهِ، لكن عندما تنظرُ إلى حالهِ آخرَ الشهرِ تجد العزيمةَ قد ضعُفتْ، والارادةَ قد فترتْ، وتجد أيضًا تعاملَهُ مع أهلهِ وجيرانهِ يجانبُ ذلك ويخالفُهُ، وكأنَّ القرآنَ نزلَ لنتعبدَ اللهَ بهِ في صلاتِنَا دونَ أنْ نتخلَّقَ بهِ في سلوكِنَا، ونجعلَهُ منهجَ حياةٍ في بيوتِنَا وبينَ أفرادِ مجتمعِنَا، ولا شكَّ أنْ فاعلَ هذا سيكونُ القرآنُ حُجَّةً عليهِ، ألَا ما أحوجنَا أنْ نرجعَ إلى حالِ الرعيلِ الأولِ، ونرى كيف كان تعاملُهُم مع القرآنِ، فقد كانوا يمكثونَ أعوامًا في حفظِ سورةٍ واحدةٍ منه، ذكرَ الإمامُ مالك أنَّ “ابْنَ عُمَرَ أقامَ على حفظِ سورةِ البقرةِ ثمانِ سنواتٍ”؛ إذ الذي يعنيهم هو العملُ والتطبيقُ لِمَا يحفظونَهُ، فالصائمُ الذي حققَ هذه المقاصدَ وجمعَ تلك الفضائلَ هو مَن تنطبقُ عليه بُشرًى سيدِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قال: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ» (أحمد والبيهقي بسندٍ صحيح)، لقد أودعَ اللهُ في كتابهِ ما مِن شأنهِ يُرققُ القلوبَ، ويهذبُ المشاعرَ، ويخلِّصُ النفسَ بما علقَ بهَا مِن أدرانِ المعاصِي ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ ألا فلينتبه المسلمُ، ويراجعُ حساباته، ويلملمُ أوراقَهُ قبلَ فواتِ الأوان، وما زالتْ دعوةُ اللهِ تجددُ للذين عطلُوا أسماعَهُم وقلوبَهُم عن التدبرِ والتفكرِ في كتابِ ربِّنَا حيثُ عاتبَهُم فقالَ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ .
أخي الحبيب: نؤدِّي العباداتِ في رمضانَ فلا نشعرُ بالسكينةِ والاطمئنانِ، وما هذا إلَّا لأنّنَا نُؤديهَا ظاهرًا ولا نؤدِّيهَا حقيقةً كما أُمِرنَا أ تؤدَّى، عباداتٌ فرّغنَاهَا مِن معانيهَا ومضامينِهَا، ثمَّ لم نُحسنْ حتَّى في هيئتِهَا، هذه العباداتُ بهذه الهيئةِ لا يمكنُ أنْ تكونَ أبدًا سببًا لسكينةِ النفسِ ولا طريقًا لهدوءِ الروحِ وسموِّهَا .
(٣) فضائلُ العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ: لقد خصَّ اللهُ العشرَ الأواخرَ بمزايَا وفضائلَ لا توجدُ في غيرِهَا مِن ليالِي الشهرِ الكريمِ، وبعطايَا لا سبيلَ لتحصيلِهَا إلّا فيها، ولذا خصَّهَا سيدُنَا ﷺ بأعمالٍ لم يكنْ يفعلُهَا في غيرِهَا، مِن ذلك:
أولًا: كثرةُ الاجتهادِ: المتتبعُ لحالِ سيدِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجد أنَّه كان إذا دخلَ العشرُ الأواخرُ جدَّ في العبادةِ وأكثرَ مِن الطاعةِ فعَن عَائِشَةَ قالتْ:«كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» (مسلم)، وذلك لِمَا يعلمُ مِن فضائلِ تلك الليالِي وعظمِهَا عندَ اللهِ، ولذا كان يأمرُ أهلَهُ بقيامِ الليلِ، ومواصلةِ العبادةِ بالنهارِ، بل كان يعتزلُ نساءَهُ فعَن عَائِشَةَ قالت:«كان النبيُّ ﷺ إذا دخلَ العشرُ شدَّ مئزرَهُ، وأحيَا ليلَهُ، وأيقظَ أهلَهُ» (البخاري)، قال ابنُ حجرٍ: فقولُهُ: «شدَّ مئزرَهُ»: «أَي اعتزلَ النِّسَاءَ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْجِدَّ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا يُقَالُ شَدَدْتُ لِهَذَا الْأَمْرِ مِئْزَرِي أَيْ تَشَمَّرْتُ لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ التَّشْمِيرُ وَالِاعْتِزَالُ مَعًا» أ.ه (فتح الباري) .
وإذا كان سيدُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعلُ ذلك مع أنَّه غُفِرَ له ذنبُهُ ورفعَ اللهُ ذكرَهُ، وشرفَ اللهُ قدرَهُ كما قال ربُّنَا ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ﴾، فلا يملُّ مِن العبادةِ، فمَا بالُنَا بنَا نحن العصاة، فعلى العاقلِ أنْ يستغلَّ تلك الليالي ولا يجعلَهَا تمرُّ كغيرِهَا دونَ أنْ يُحصلَ ثوابهَا، وعليهِ أنْ يأمرَ أهلَهُ بالقيامِ وفعلِ الخيراتِ؛ لأنَّ هذا موجبٌ لرحمةِ اللهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» (أبو داود)، وعلى هذا ربَّى سيدُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيلَ الصحابةِ فعن عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: «وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ يُصَلِّي فِي العِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ كَصَلَاتِهِ فِي سَائِرِ السَّنَةِ، فَإِذَا دَخَلَ العَشْرُ اجْتَهَدَ» (الترمذي وحسنه) .
وقيامُ الليلِ مِن أخصِّ صفاتِ أهلِ الجنةِ كما أخبرَنَا ربُّنَا ﴿كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، ويجعلُ صاحبَهُ في حالةٍ مِن الأنسِ، ويكسوهُ حُلةً مِن النورِ والبهاءِ والسكينةِ، يقولُ الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ: «عِزُّ الْمُؤْمِنِ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ، وَشَرَفُهُ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ» (شعب الإيمان)، لكن ينبغي على المسلمِ أنْ يفقهَ ويعي أنَّ قيامَ الليلِ سنةٌ فإذا كان فيه مشقةٌ أو تعارضٌ مع عملهِ بالنهارِ فليصلِّ ما استطاع؛ إذ الدينُ يسرٌ فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى حَبْلًا مَمْدُودًا بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الْحَبْلُ؟» فَقَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ» (النسائي بسندٍ صحيح) .
ثانيًا: الاعتكافُ: إنَّ الاعتكافَ في المسجدِ سنةٌ يُثابُ على فعلِهَا ولا يعاقبُ على تركِهَا روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ»، إلا أنْ يوجبهُ المسلمُ بنذرٍ أو حلفٍ، فقد روى الشيخان عن عُمَرَ أنَّه قَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ»، لكن هذا مشروطٌ بسلامةِ وأمنِ مَن يعتكف، أمّا إذا تيقنَ أو غلبَ على الظنِّ وقوعُ الضرِّ أو حصولُ المرضِ عندئذٍ لا يصحُّ الاعتكافُ؛ لأنَّ هذا يتعارضُ مع أحدِ الضرورياتِ الخمس وهي «حفظُ النفسِ البشريةِ»، ويرى الجمهورُ أنّه لا يصحُّ اعتكافُ الرجلِ إلّا في المسجدِ، والمسجدُ الجامعُ أولَى قالَ تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾، وقد أجازَ بعضُ المالكيةِ الاعتكافَ في البيتِ؛ إذ التطوعُ في البيوتِ أبعدُ عن الرياءِ، وأقربُ إلى الإخلاصِ، وأرجَى للقبولِ يقولُ ابنُ حجرٍ: (اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوطِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِلِاعْتِكَافِ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ الْمَالِكِيَّ فَأَجَازَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي وَجْهٍ لِأَصْحَابِهِ وَلِلْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يعْتَكفوا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهم؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ) أ.ه، وهذا مشروطٌ بضوابطَ منهَا:
(1) تخصيصُ مكانٍ لا يستعملُ إلّا للصلاةِ، أمّا أنْ يجعَلَ البيتَ كلَّهُ مُعْتَكفَهُ فهذا يتنافَى مع الاعتكافِ.
(2) ألّا يخرجَ مِن مُعْتَكَفِهِ إلّا لضرورةٍ ملزمةِ أو حاجةٍ مُلحةٍ كقضاءِ حاجةٍ أو غُسْلِ جَنَابَةٍ، أمّا أنْ يبقَى فيهِ بضعَ سويعاتٍ ثم يعيش حياتَهُ اليوميةَ العاديةَ فهذا يفسدُ اعتكافَهُ .
(3) فعلُ العباداتِ المختلفةِ كالذكرِ والتسبيحِ وقراءةِ القرآنِ، ولا يتكلمُ إلّا بخيرٍ.
(4) يحرمُ على الرجلِ الجماعُ ودواعيه، ولو وقعَ ذلك يفسدُ اعتكافهُ مثلمَا لو كان في المسجدِ الجامعِ.
أمّا مَن لا يستطيعُ الاعتكافَ فينبغي ألّا يحرمَ نفسَهُ وأهلَ بيتهِ الطاعةَ كلٌّ على قدرِ استطاعتهِ حتى تحصلَ لهم البركةُ، وتتنزلَ عليهم الرحمةَ، وتحضرَهُم الملائكةُ، وينفرَ عنهم الشيطان، وفضلُ اللهِ واسعٍ يكتبُ للعبدِ عندَ عذرهِ ما كان معتادًا عليهِ مِن الطاعةِ أجرهَا كما لو كان فعلَهَا .
ثالثًا: تحري ليلةَ القدرِ: التي تعدلُ عبادةَ (83) سنةً مِن عمرِ المسلمِ قالَ تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، وقد أخفَى اللهُ تعيينَهَا عن العبادِ كي يكثرُوا مِن العبادةِ، ويجتهدُوا في الطاعةِ، ولئلّا يتكاسلُوا، لكنْ أشارَ سيدُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّها في اليالِي الوتيرةِ في العشرِ الأواخرِ قالَ ﷺ: «التمسُوها في العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ ليلة القدر، في تاسعةٍ تبقَى، في سابعةٍ تبقَى، في خامسةٍ تبقَى» (البخاري)، وهي في السبعِ الأواخرِ أرجَى مِن غيرِهَا فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا، فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» (متفق عليه) .
ثم هي في ليلةِ سبعٍ وعشرين أرجَى ما تكونُ لحديثِ معاويةَ عن النبيِّ ﷺ قال: «ليلةُ القدرِ ليلةُ سبعٍ وعشرين» (أبو داود بسند صحيح)، فعلى المسلمِ الراغبِ في إصابتِهَا أنْ يكثرَ مِن الأعمالِ الصالحةِ، وألَّا يملَّ مِن التذللِ للهِ والوقوفِ ببابهِ عسى أنْ تصيبَهُ نفحةٌ مِن نفحاتِ ربِّهِ لا يشقَى بعدهَا أبدًا فعَنْ أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ» (ابن ماجه) .
وقد علمنَا سيدُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ نتضرعَ إلى اللهِ بدعاءٍ جامعٍ لكلِّ أبوابِ الخيرِ فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (الترمذي)، وعلى المسلمِ أيضًا أنْ يصفِّي قلبَهُ، ويخلي نفسَهُ عن الغلِّ والحسدِ والحقدِ للبشرِ، إذ كان هذا سببُ رفعِ تعيينِ ليلةِ القدرِ فعن عُبَادَة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ:«إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالخَمْسِ» (البخاري) .
نعم واللهِ إنَّهُ لمحرومٌ كيف لا؟ وهي ليلةٌ واحدةٌ يغفرُ اللهُ بها كلَّ ما تقدمَ مِن ذنبِكَ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه) .
اللهُمّ إنَّا نسألُكَ أنْ تحفظَ دينَنَا الذي هو عصمةُ أمرِنَا، ودنيانا التي فيها معاشُنَا، وآخرتنَا التي إليها مردنَا، وأنْ تجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ توفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيه نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر بأسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف