أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة بعنوان : إِعْلَاءُ قِيمَةِ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ، للدكتور خالد بدير

بتاريخ 21 صفر 1447 هـ ، الموافق 15 أغسطس 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : إِعْلَاءُ قِيمَةِ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 21 صفر 1447 هـ ، الموافق 15 أغسطس 2025م. 

 

تحميل خطبة الجمعة القادمة 15 أغسطس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إِعْلَاءُ قِيمَةِ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ:

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 أغسطس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إِعْلَاءُ قِيمَةِ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ ، بصيغة  word أضغط هنا.

ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 أغسطس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إِعْلَاءُ قِيمَةِ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 15 أغسطس 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : إِعْلَاءُ قِيمَةِ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ : كما يلي:

 

 أولًا: أهميةُ العملِ والحثُّ عليهِ في الإسلامِ.

ثانيًا: الأخذُ بالأسبابِ مع التوكلِ على اللهِ تعالى.

ثالثًا: العملُ والسعيُ ضربٌ مِن ضروبِ العبادةِ في الإسلامِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 15 أغسطس 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : إِعْلَاءُ قِيمَةِ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ : كما يلي:

 

خطبةٌ بعنوان: إِعْلَاءُ قِيمَةِ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ.

21 صفر 1447هـ – 15 أغسطس 2025م

المـــوضــــــــــوعُ

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ . أمَّا بعدُ:

أولًا: أهميةُ العملِ والحثُّ عليهِ في الإسلامِ .

للعملِ أهميةٌ كُبرَى ومكانةٌ رفيعةٌ في الإسلامِ، لذلكَ أمرَنَا اللهُ سبحانَهُ بالسعيِ والضربِ في الأرضِ مِن أجلِ الرزقِ، قالَ تعالي: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } ( الملك: 15)، ويقررُ الإسلامُ أنَّ حياةَ الإيمانِ بدونِ عملٍ هي عقيمٌ كحياةِ شجرٍ بلا ثمرٍ. لذلك يدفعُنَا النبيُّ ﷺ دفعًا إلى حقلِ العملِ حتى عندَ قيامِ الساعةِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ؛ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فليغرسها”. [ أحمد والبخاري في الأدب المفرد بسند صحيح ]. وإعلاءً لقيمةِ السعيِ والعملِ كان لكلٍ مِن الأنبياءِ والصالحينَ مهنةٌ يتكسبونَ منهَا مع الدعوةِ إلى اللهِ تعالَى، وفي ذلكَ يقولُ ﷺ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ». ( البخاري).

 لذلكَ حثّنَا الرسولُ ﷺ على اتخاذِ المهنةِ للكسبِ، فهي خيرٌ مِن المسألةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:” لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ فَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ” (الترمذي وحسنه).

كما كانَ سيدُنَا عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنهُ يهتمُّ بالعملِ ويرغبُ فيهِ فيقولُ: ما مِن موضعٍ يأتينِي الموتُ فيهِ أحبُّ إلىَّ مِن موطنٍ أتسوقُ فيهِ لأهلِي أبيعُ وأشترِي، وكانَ إذَا رأي فتىً أعجبَهُ حالهُ، سألَ عنهُ: هل لهُ مِن حرفةٍ؟ فإنْ قيلَ: لا. سقطَ مِن عينيهِ، وكان إذا مُدِحَ بحضرتهِ أحدٌ سألَ عنهُ: هل لهُ مِن عملٍ؟ فإنْ قيلَ: نعم. قال: إنَّهُ يستحقُّ المدحَ، وإنْ قالُوا: لا. قال: ليسَ بذاك، وكان  كلّمَا مرّ برجلٍ جالسٍ في الشارعِ أمامَ بيتهِ لا عملَ لهُ أخذَهُ وضربَهُ بالدرةِ وساقَهُ إلى العملِ وهو يقولُ: إنَّ اللهَ يكرَهُ الرجلَ الفارغَ لا في عملِ الدنيا ولا في عملِ الآخرةِ. وكان يقولُ أيضًا: “مكسبَةُ في دناءةٍ خيرٌ مِن سؤالِ الناسِ، وإنَّ اللهَ خلق َالأيديِ لتعملَ فإنْ لم تجدْ في الطاعةِ عملًا، وجدتْ في المعصيةِ أعمالًا “، وكان سعيدُ بنُ المسيبِ يتاجرُ بالزيتِ ويقولُ: واللهِ ما للرغبةِ في الدنيا ولكنْ أصونُ نفسِي وأصلُ رحمِي.”، وكان إبراهيمُ بنُ أدهمَ إذا قيلَ لهُ : كيفَ أنتَ ؟ قال : بخيرٍ ما لم يتحملْ مؤنتِي غيرِي. (إحياء علوم الدين – الغزالي).

إنَّ العملَ شرفٌ، ولو لم يكنْ الإنسانُ في حاجةٍ للعملِ، لكانَ عليهِ أنْ يعملَ للمجتمعِ الذي يعيشُ فيهِ، فإنَّ المجتمعَ يعطيه، فلابدَّ أنْ يأخذَ منهُ على قدرِ ما عندَهُ، يُروَى أنَّ رجلًا مرَّ على أبي الدرداءِ الصحابِيّ الزاهدِ – رضي اللهُ عنه- فوجدَهُ يغرسُ جوزةً، وهو في شيخوختهِ وهرمهِ، فقالَ لهُ: أتغرسُ هذه الجوزةَ وأنت شيخٌ كبيرٌ، وهي لا تثمرُ إلّا بعدَ كذا وكذا عامًا ؟! فقال أبو الدرداء: وما عليَّ أنْ يكونَ لي أجرهَا ويأكلُ منهَا غيري! ونغرس فيأكل من بعدنا!!

 وأكثرُ مِن ذلك أنَّ المسلمَ لا يعملُ لنفعِ المجتمعِ الإنسانيِ فحسب، بل يعملُ لنفعِ الأحياءِ، حتى الحيوانِ والطيرِ، والنبيُّ ﷺ يقولُ: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” [البخاري]. وبذلك يعمُّ الرخاءُ ليشملَ البلادَ والعبادَ والطيورَ والدوابَ.

ثانيًا: الأخذُ بالأسبابِ مع التوكلِ على اللهِ تعالى.

ينبغِي على كلِّ مسلمٍ في حياتِهِ العمليةِ أنْ يأخذَ بجميعِ الأسبابِ الموصلةِ إلى غايتِهِ وهدفِهِ مع التوكلِ على اللهِ تعالى، وهذا ما غرسَهُ النبيُّ ﷺ في نفسِ الصحابِي الذي أطلقَ الناقةَ متوكلًا على اللهِ، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:” اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ” (الترمذي وحسنه).

إنّ كثيرًا مِن الناسِ يقعدونَ في بيوتِهِم وينتظرونَ الرزقَ مع أنّهم لم يأخذُوا بالأسبابِ ولم يسعُوا عليهِ فكيفَ يأتِيهم؟!! لذلكَ رأَى عمرُ -رضي اللهُ عنه- قومًا قابعينَ في رُكنِ المسجدِ بعدَ صلاةِ الجمعةِ، فسألَهُم: مَن أنتُم؟ قالوا: نحن المُتوَكِّلون على اللهِ، فعَلاهّم عمرُ رضي اللهُ عنه بدِرَّتِه ونَهَرَهُم، وقال: لا يَقعُدنَّ أحدُكُم عن طلبِ الرزقِ، ويقولُ: اللهُمَّ ارزقنِي، وقد علِمَ أنّ السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّةً، كما رُويَ عنهُ أنّهُ لقيَ ناسًا مِن أهلِ اليمنِ، فقالَ: مَن أنتُم؟ قالُوا: نحن المتوكلونَ. قال: بل أنتُم المتكلونَ، إنّما المتوكلُ الذي يُلقِي حبَّهُ في الأرضِ، ويتوكلُ على اللهِ». وكان سفيانُ الثوريُّ رحمَهُ اللهُ يمُرُّ ببعضِ الناسِ وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرام، فيقولُ: ما يُجلِسُكُم؟ قالوا: فما نصنَعُ؟! قال: اطلُبُوا مِن فضلِ اللهِ، ولا تكونُوا عيالًا على المسلمين.

فمَا أجملَ الأخذَ بالأسبابِ مع التوكلِ على اللهِ، فعن عمرَ رضي اللهُ عنهُ قالَ: قالَ  رسولُ اللهِ ﷺ: ” لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ” [أخرجه الترمذي].

انظُرْ إلى السيدةِ مريمَ عليهَا السلامُ قال اللهُ فيها :{ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا، فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا} (مريم:23- 26).

تأملتُ هذه الآيةَ وقلتُ: امرأةٌ جاءَها المخاضُ (طلقُ الولادةِ) ومع ذلكَ أمرَهَا اللهُ بهزِّ النخلةِ والأخذِ بالأسبابِ، مع أنَّكَ لو جئتَ بعشرةِ رجالٍ أقوياءٍ ما استطاعُوا إلَّا رميًا بالحجارةِ، واللهُ قادرٌ على أنْ ينزلَ لها مائدةً عليهَا أشهَى المأكولاتِ، ولكنَّ اللهَ أرادَ أنْ يعطينَا درسًا بليغًا في الأخذِ بالأسبابِ والسعيِ على الرزقِ مع التوكلِ علي اللهِ تعالى.

تَوَكَّلْ على الرَّحْمن في كُلّ حالَة    * *    ولا تَتْرُكِ الخَلاَّقَ في كَثْرة الطَّلَبْ

أَلَمْ تَر أَنَّ الله قال لِمَريَم   * *     وهُزّى إِليكِ الجِذْعَ تَسَّاقَطِ الرُّطَبْ

ولو شاءَ أَنْ تَجْنِيه مِن غَير هَزّها  * *   جَنتْهُ ولكن كُلُّ أَمْرٍ له سَبَب

إنّنَا يجبُ علينَا إحياءُ سنةِ الأخذِ بالأسبابِ في الحياةِ العمليةِ والكسبِ والاحترافِ، وهذا ما كان يغرسُهُ الرسولُ ﷺ في نفوسِ أصحابِه حينمَا يتوجعُ أحدُهُم أو يتمارضُ أو يركنُ إلى الخمولِ والكسلِ، دونَ الأخذِ بالأسبابِ، معتمدًا في ذلكَ على صدقاتِ المحسنين، مع قدرتِه على الكسبِ والعملِ، نرَى الرسولَ ﷺ وجَّهَهُ إلى العملِ وحثَّهُ عليهِ، وأمرَهُ بالأخذِ بالأسبابِ، ومما يُروى في ذلكَ أنّ رجلًا مِن الأنصارِ أتَى النبيَّ ﷺ يسألُهُ، فقال: «أمَا في بيتِكَ شيءٌ؟» قال: بلَى، حِلسٌ نلبسُ بعضَهُ، ونبسُطُ بعضَهُ، وقَعبٌ نَشربُ فيهِ الماءَ، قال: «ائتنِي بهمَا»، قالَ: فأتاهُ بهمَا، فأخذَهمَا رسولُ اللهِ ﷺ بيدِهِ، وقالَ: «مَن يشترِي هذينِ؟» قالَ رجلٌ: أنَا آخذهُمَا بدرهمٍ، قالَ: «مَن يزيدُ على درهمٍ؟» -مرتينِ أو ثلاثًا-، قالَ رجلٌ: أنَا آخذهُمَا بدرهمينِ، فأعطاهُمَا إيَّاهُ، وأخذَ الدرهمينِ، وأعطاهُمَا الأنصاريَّ وقالَ: «اشترِ بأحدهِمَا طعامًا فأنبذهُ إلى أهلِكَ، واشترِ بالآخرِ قَدومًا فأتنِي بهِ»، فأتاهُ بهِ، فشدَّ فيهِ ﷺ عُودًا بيدِهِ، ثم قالَ: «اذهبْ فاحتطِبْ وبعْ، ولا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يومًا»، فذهبَ الرجلُ يَحتطبُ ويبيعُ، فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمٍ، فاشترَى ببعضِهَا ثوبًا وببعضِهَا طعامًا، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ:  «هذا خيرٌ لك مِن أنْ تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهِكَ يومَ القيامةِ، إنّ المسألةَ لا تصلحُ إلّا لثلاثةٍ، لذي فقرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجعٍ» (أبو داودَ والترمذيِّ وحسنَّه).

 فالرسولُ ﷺ لقّنَ هذا الرجلَ درسًا لا ينساهُ، وبهذا سدَّ الرسولُ ﷺ بابًا مِن أبوابِ الكسلِ والتواكلِ، فلو أنّ الرسولَ أعطاهُ مِن الصدقةِ لفتحَ بذلكَ البابَ على مصراعيهِ للكسالَى والمتواكلينَ، ولأصبحت هذه مهنتهُم كما هي مهنةُ الكثيرين في هذا العصرِ، وما يرى – مِن أمثالِ هؤلاء – في الموصلاتِ والشوارعِ والطرقاتِ لهو دليلٌ على ذلك، لهذا كلِّه حرّمَ الإسلامُ البطالةَ والكسلَ والركودَ لأنَّ ذلكَ يؤدِّي إلى انحطاطٍ في جميعِ مجالاتِ الحياةِ، فإنَّهُ يؤدِّي إلى هبوطِ الإنتاجِ، وتخلفِ الأمةِ، وانتشارِ الفوضَي، وكثرةِ المتواكلينَ، إضافةً إلى المذاقِ الغيرِ الطبيعِي للقمةِ العيشٍ وخاصةً إذا حصلَ عليهَا الكسولُ مِن عرقِ جبينِ غيرِه، فينبغِي على الفردِ أنْ يعملَ ليأكلَ مِن كسبِ يدِهِ لأنَّهُ أفضلُ أنواعِ الكسبِ، فقد أخرجَ البخاريُّ عن المقدامِ بنِ معدِي كربٍ رضي اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطّ خيرًا مِن أنْ يأكلَ مِن عملِ يدِه، وإنّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ مِن عملِ يدهِ”.

وفي الختامِ أسوقُ لكم قصةً جميلةً عن سلفِنَا الصالحِ في الأخذِ بالأسبابِ وعدمِ الكسلِ والركودِ والاعتمادِ على صدقاتِ المحسنين: يروى أنّ شقيقًا البلخِي، ذهبَ في رحلةٍ تجاريةٍ، وقبلَ سفرهِ ودّعَ صديقَهُ إبراهيمَ بنَ أدهمٍ حيثُ يتوقعُ أنْ يمكثَ في رحلتِه مدةً طويلةً، ولكنْ لم يمضِ إلّا أيامٌ قليلةٌ حتى عادَ شقيقٌ ورآهُ إبراهيمُ في المسجدِ، فقالَ لهُ متعجبًا: ما الذي عجّلَ بعودتِكَ؟ قال شقيقُ: رأيتُ في سفرِي عجبًا، فعدلتُ عن الرحلةِ، قال إبراهيمُ: خيرًا ماذا رأيتَ؟ قال شقيقُ: أويتُ إلى مكانٍ خربٍ لأستريحَ فيه، فوجدتُ به طائرًا كسيحًا أعمَى، وعجبتُ وقلتُ في نفسِي: كيف يعيشُ هذا الطائرُ في هذا المكانِ النائِي، وهو لا يبصرُ ولا يتحركُ؟ ولم ألب إلّا قليلًا حتى أقبلَ طائرٌ آخر يحملُ له الطعامَ في اليومِ مراتٍ حتى يكتفِي، فقلتُ: إنّ الذي رزقَ هذا الطائرَ في هذا المكانِ قادرٌ على أنْ يرزقنِي، وعدتُ مِن ساعتِي، فقال إبراهيمُ: عجبًا لكَ يا شقيقُ، ولماذَا رضيتَ لنفسِكَ أنْ تكونَ الطائرَ الأعمَى الكسيحَ الذي يعيشُ على معونةِ غيرِه، ولم ترضَ أنْ تكونَ الطائرَ الآخرَ الذي يسعَى على نفسِه وعلى غيرِه مِن العميانِ والمقعدين؟ أما علمتَ أنَّ اليدَ العليا خيرٌ مِن اليدِ السفلى؟ فقامَ شقيقٌ إلى إبراهيمَ وقبَّلَ يدَهُ، وقال: أنتَ أستاذُنَا يا أبا إسحاق، وعادَ إلى تجارتِه!!

فعلينَا أنْ نأخذَ بالأسبابِ في حياتِنَا العمليةِ بكلِّ صورِهَا؛ وليكنْ شعارُنَا كما قالَ أحدُهم: ينبغي أنْ نأخذَ بالأسبابِ وكأنّها كلُّ شيءٍ، ثم نتوكلُ على اللهِ وكأنّها ليستْ بشيءٍ.

ثالثًا: العملُ والسعيُ ضربٌ مِن ضروبِ العبادةِ في الإسلامِ.

مِن عظمةِ الإسلامِ وروحهِ أنَّه صبغَ أعمالَ المسلمِ – أيًا كانت هذه الأعمالُ دنيويةً أو أخرويةً – بصبغةِ العبادةِ إذا أخلصَ العبدُ فيهَا للهِ سبحانَهُ وتعالَي، فالرجلُ في حقلهِ، والصانعُ في مصنعهِ، والتاجرُ في متجرهِ، والمدرسُ في مدرستهِ، والزارعُ في مزرعتهِ،….. إلخ . كلُّ هؤلاءِ يُعتبرونَ في عبادةٍ وجهادٍ، إذا ما أحسنُوا واحتسبُوا وأخلصُوا النيةَ للهِ تعالي في عملهِم، وقد مدحَ الشرعُ الحنيفُ هؤلاء كما جاءَ في القرآنِ والسنةِ، قالَ تعالي:{ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّه وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } (المزمل: 20). يقولُ الإمامُ القرطبيُّ في تفسيرهِ لهذهِ الآيةِ: “سوَّى اللهُ تعالَي في هذه الآيةِ بينَ درجةِ المجاهدينَ والمكتسبينَ المالَ الحلالَ، فكانَ هذا دليلًا على أنّ كسبَ المالِ بمنزلةِ الجهادِ لأنَّهُ جمعَهُ مع الجهادِ في سبيلِ اللهِ”. أ.ه

وقد أكدَ الرسولُ ﷺ لأصحابهِ هذه الحقيقةَ، فعَنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، قَالَ: ” مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:”إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ”. [الطبراني ورجاله رجال الصحيح ]، وقال لسيدِنَا سعدٍ:” إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ”(البخاري) .

بل إنَّ الإسلامَ يذهبُ إلى أبعد مِن ذلك فيعدَّ المعاشرةَ الزوجيةَ طاعةً وقربةً وعبادةً، مع أنَّ فيها مآربَ أُخرى للزوجين، وفي ذلك  يقولُ ﷺ: “وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟! قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟! فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا”(مسلم) ، يقولُ الإمامُ النوويُّ – رحمَهُ اللهُ -: ” في هذا دليلٌ على أنَّ المباحاتِ تصيرُ طاعاتٍ بالنياتِ الصادقاتِ، فالجماعُ يكونُ عبادةً إذا نوىَ بهِ قضاءَ حقِّ الزوجةِ ومعاشرتهَا بالمعروفِ الذي أمرَ اللهُ تعالَى بهِ، أو طلبَ ولدًا صالحًا، أو إعفافَ نفسهِ، أو إعفافَ الزوجةِ ومنعهمَا جميعًا مِن النظرِ إلى حرامٍ، أو الفكرِ فيهِ، أو الهمِّ بهِ، أو غيرِ ذلك مِن المقاصدِ الصالحةِ.” أ.ه

إذنْ فالإسلامُ يعتبرُ سعىَ الإنسانِ على نفسهِ وولدهِ جهادًا وعبادةً يُثابُ عليها في الآخرةِ، ولو فطنَ كلُّ فردٍ إلى هذه الحقيقةِ لما توانيَ لحظةً في أداءِ عملهِ، بل إنَّه يسارعُ إلى أداءِ عملهِ بجودةٍ وإتقانٍ وإخلاصٍ، لا مِن أجلِ الحصولِ على المالِ فحسب، وإنّمَا مِن أجلِ الثوابِ الجزيلِ والأجرِ العظيمِ الذي أعدَّهُ اللهُ لهُ في الآخرةِ.

يؤخذُ مِن كلِّ ما سبقَ أنّ العملَ عبادةٌ، ولكنْ في غيرِ وقتِ العبادةِ؛ لأنَّ اللهَ وقَّتَ الصلاةَ بوقتٍ، فقالَ تعالَى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء: 103 )، وقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }.( الجمعة : 9 – 11 ).

 يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ:” لَمَّا حَجَرَ اللهُ عليهِم في التصرفِ بعدَ النداءِ بيعًا وشراءً وأمرَهُم بالاجتماعِ، أذنَ لهم بعدَ الفراغِ في الانتشارِ في الأرضِ والابتغاء مِن فضلِ اللهِ، كما كان عرَاكُ بنُ مالكٍ رضي اللهُ عنه إذا صلّى الجمعةَ انصرفَ فوقفَ على بابِ المسجدِ، فقالَ: اللهُمّ إنّي أجبتُ دعوتَكَ، وصليتُ فريضتَكَ، وانتشرتُ كما أمرتنِي، فارزقنِي مِن فضلِك، وأنت خيرُ الرازقين . وقد عاتبَ اللهُ بعضَ الصحابةِ، إذ قدمَ المدينةَ عيرٌ تحملُ تجارةً، فانشغلُوا بها وتركُوا الخطبةَ، ولم يبقَ معهُ ﷺ إلّا اثنَا عشرَ رجلًا فأنزلَ اللهُ: { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}” أ.ه

“وقِيلَ: إنَّ رجلينِ كانَا في عهدِ النبيِّ ﷺ، أحدهُمَا بياعًا فإذا سمعَ النداءَ بالصلاةِ فإنْ كانَ الميزانُ بيدهِ طرحَهُ ولا يضعهُ وضعًا، وإنْ كان بالأرضِ لم يرفعْهُ. وكان الآخرّ قينًا يعملُ السيوفَ للتجارةِ، فكان إذا كانتْ مطرقتهُ على السندانِ أبقاهَا موضوعةً، وإنْ كان قد رفعهَا ألقاهَا مِن وراءِ ظهرهِ إذا سمعَ الأذانَ، فأنزلَ اللهُ – ثناءً عليهمَا وعلى كلِّ مَن اقتدَى بهمَا – قولَهُ تعالَى: { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ( النور: 37).( تفسير القرطبي).

فعليكُم بالسعيِ والعملِ – مع إخلاصِ النيةِ للهِ تعالَي – لتنهضُوا بأنفسِكُم ووطنِكُم، وتفوزُوا بسعادةِ العاجلِ والآجلِ.

نسألُ اللهَ أنْ  يصبَّ علينَا الخيرَ صبًّا صبًّا، وأنْ لا يجعلَ عيشنَا كدًّا كدًّا ،

وأنّ يحفظَ مصرنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ .

الدعاء،،،،                                            وأقم الصلاة،،،،                            كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى