خطبة الجمعة بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 18 ذو القعدة 1446 هـ ، الموافق 16 مايو 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 18 ذو القعدة 1446 هـ ، الموافق 16 مايو 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 16 مايو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 مايو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 مايو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 16 مايو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط : كما يلي:
أولًا: الإسلامُ دينُ الوسطيةِ والاعتدالِ.
ثانيًا: صورُ ومظاهرُ الوسطيةِ والاعتدالِ.
ثالثًا: أثرُ الغلوِّ والتشددِ في الدينِ على الفردِ والمجتمعِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 16 مايو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط : كما يلي:
خطبةٌ بعنوان: حبُّ التناهِي شططٌ، خيرُ الأمورِ الوسطُ
18 ذو القعدة 1446هـ – 16 مايو 2025م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط ، للدكتور خالد بدير
أولًا: الإسلامُ دينُ الوسطيةِ والاعتدالِ.
إنَّ الدينَ الإسلاميَّ دينُ الوسطيةِ والاعتدالِ، كمَا أنَّ هذه الأمةَ المحمديةَ أمةُ الوسطيةِ والاعتدالِ، قالَ تعالَى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }،[ البقرة : 143]. وهنا إعجازٌ عدديٌّ في هذه الآيةِ الكريمةِ، فعددُ آياتِ سورةِ البقرةِ 286 ÷ 2 = 143، وهذا هو رقمُ هذه الآيةِ، فكأنَّ الآيةَ نفسَهَا جاءتْ وسطًا، وكفَى بهَا رسالةً للأمةِ لتكونَ وسطًا في كلِّ شيءٍ.
والوسطيةُ هنَا تعنِي الأفضليةَ والخيريةَ والرفعةَ، فالأمةُ وسطٌ في كلِّ شيءٍ، وسطيةٌ شاملةٌ .. فهي وسطٌ في الاعتقادِ والتصورِ، وسطٌ في العلاقاتِ والارتباطاتِ، وسطٌ في أنظمتِهَا ونظمِهَا وتشريعاتِهَا، وحريٌّ بالمسلمينَ أنْ يعودُوا إلى وسطيتِهِم التي شرفَهُم اللهُ بهَا مِن أولِ يومٍ، وهذه الوسطيةُ أهَّلَتْ هذه الأمةَ ومنحتهَا الشهادةَ على جميعِ الأممِ.
و”الوسطيةُ” هي الركيزةُ الكبرَى لهذه الأمةِ حتى صارت “الوسطيةُ” مضربَ الأمثالِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: «سألَ رجلٌ الْحُسَيْنَ بْنَ الْفَضْلِ فقال: إِنَّكَ تُخْرِجُ أَمْثَالَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مِنَ الْقُرْآنِ فَهَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ” خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا”؟ قَالَ: نَعَمْ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}، وقولُهُ تعالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}» أ.ه. (الإتقان في علوم القرآن للسيوطي).
فالوسطيةُ مِن أعظمِ مقاصدِ هذه الشريعةِ الغراء، قال الإمامُ الشاطبيُّ: ” إنَّ الشريعةَ جاريةٌ في التكليفِ لمقتضاهَا على الطريقِ الوسطِ العدلِ، الآخذِ مِن الطرفينِ بقسطٍ لا ميلَ فيهِ، فإذا نظرتَ إلى كُليِّةٍ شرعيةٍ، فتأمَّلهَا تجدهَا حاملةً على التوسطِ والاعتدالِ، ورأيتَ التوسطَ فيهَا لائحًا، ومسلكَ الاعتدالِ واضحاً، وهو الأصلُ الذي يُرجَعُ إليهِ، والمعقِلُ الذي يُلجأُ إليهِ” أ.ه. (الموافقات).
ويقولُ الإمامُ ابنُ القيمِ -رحمَهُ اللهُ-: ” دينُ اللهِ وسطٌ بينَ الغالِي فيهِ والجافِي عنهُ، وخيرُ الناسِ النمطُ الأوسطُ الذينَ ارتفعُوا عن تقصيرِ المفرطين، ولم يلحقُوا بغلُوِّ المعتدين”. (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان).
وهكذا كانت الوسطيةُ والاعتدالُ الركيزةَ العظمَى لهذا الدينِ الحنيفِ، وكمَا قِيلَ: «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا».
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط ، للدكتور خالد بدير
ثانيًا: صورُ ومظاهرُ الوسطيةِ والاعتدالِ.
الوسطيةُ والاعتدالُ لهَا صورٌ ومظاهرُ كثيرةٌ تشملُ جميعَ مجالاتِ الحياةِ والتي تتمثلُ فيمَا يلِي:
الوسطيةُ في الإنفاقِ: دونَ إسرافٍ أو تقتيرٍ؛ امتثالًا لقولِه تعالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]، وقولِه تعالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا*إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}. [الإسراء:30،29]، وقولِ النبيِّ ﷺ: ” المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ”. (متفق عليه)، وهو كنايةٌ عن الشرهِ والرغبةِ في متاعِ الدنيا وملذاتِهَا، والحرصِ على التشبعِ مِن شهواتِهَا التي مِن جملتِهَا تنوعُ المآكلِ والمشاربِ والامتلاءُ منهَا.
الوسطيةُ في الاعتقادِ والتوحيدِ: فالعقيدةُ الإسلاميةُ متوسطةٌ بينَ الإفراطِ والتفريطِ، فيجبُ على المسلمِ أنْ يؤمنَ بكلِّ ما يجبُ وما يجوزُ في أقسامِ التوحيدِ الثلاثةِ: وهي الإلهياتُ والنبواتُ والسمعياتُ، دونَ إفراطٍ أو تفريطٍ.
الوسطيةُ في العبادةِ: بحيثُ لا يشددُ على نفسِه، أو يحملهَا ما لا تطيقُ، وانظروا إلى سيدِنَا رسولِ اللهِ ﷺ وهو يقولُ لعبدِ اللهِ بنِ عمروِ بنِ العاص (رضي اللهُ عنهما)، وقد علمَ أنّهُ يصومُ النهارَ ولا يفطرُ، ويقومُ الليلَ بالقرآنِ كلِّهِ ولا يرقدُ: ” فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا”. (متفق عليه)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ».(البخاري)، وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمَسْجِدَ، وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا كَسِلَتْ، أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ، فَقَالَ: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ، أَوْ فَتَرَ قَعَدَ». (البخاري ومسلم). قال النوويُّ رحمَهُ اللهُ: ” فيهِ الحثُّ على الاقتصادِ في العبادةِ، والنهيُ عن التَّعمُّقِ، والأمرُ بالإقبالِ عليهَا بنشاطٍ، وأنّهُ إذا فَتَرَ فليقعد حتى يذهبَ الفتورُ”.(شرح النووي).
الوسطيةُ في الأخلاقِ والسلوكِ: وهي تعنِي التوازنَ والتوسطَ في كلِّ ما يتعلقُ بالأخلاقِ، وذلك مِن خلالِ تجنبِ الإفراطِ والتفريطِ في أيِّ صفةٍ أو سلوكٍ أخلاقِي، وبمعنَى آخر، هي التمسكُ بالفضيلةِ التي تقعُ بينَ طرفينِ، وهي عكسُ الغلوِّ والتطرفِ، وينبغِي على المسلمِ أنْ يتعاملَ بأخلاقِ وآدابِ الإسلامِ دونَ تكبرٍ واستعلاءٍ وتشددٍ، وكذلك على الجانبِ الآخرِ بتواضعٍ دونَ ذلةٍ أو مهانةٍ، وصدقَ اللهُ حيثُ يقولُ: { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [المائدة: 54]، وهناكَ حكمةٌ مشهورةٌ تقولُ: ” لا تكن صلبًا فتكسر، ولا لينًا فتعصر”، ومعناهَا: التحذيرُ مِن الإفراطِ في الصلابةِ أو في اللينِ، وتدعُو إلى التوازنِ والاعتدالِ في التعاملِ مع الحياةِ والمواقفِ المختلفةِ.
تابع / خطبة الجمعة بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط ، للدكتور خالد بدير
الوسطيةُ في التوازنِ بينَ الجسدِ والروحِ: فالإنسانُ يتكونُ مِن جسدٍ وروحٍ، ولابّدَّ أنْ يوازنَ بينهمَا بوسطيةٍ واعتدالٍ، بحيثُ لا يطغَى أحدُ الجانبينِ على الآخرِ، لأنّهُ لو عملَ على تغذيةِ الجسدِ دونَ الروحِ فإنَّ حياتَهُ تكونُ تعيسةً شقيةً؛ لأنَّ الحياةَ بدونِ عبادةٍ حياةٌ خاويةُ الروحِ، مظلمةُ الفكرِ، منتنةُ الطبعِ، متعفنةُ الفطرةِ، مرةُ المذاقِ، ولا أدلَّ على ذلكَ مِن حالاتِ الناسِ في تلك المجتمعاتِ التي فقدت السلطانَ الروحي، حيثُ يندفعُ الكثيرُ منهُم إلى الانتحارِ نتيجةَ القلقِ النفسِي، فإنَّ عبادةَ اللهِ سبحانه وتعالى بها يحفظُ التوازنَ بينَ مطالبِ الجسمِ ورغائبِ الروحِ، وبينَ دوافعِ الغرائزِ ودواعِي الضمائر، وبينَ تطلعاتِ العقلِ وأشواقِ القلبِ، وهي مددٌ ووقودٌ لجذوةِ العقيدةِ التي تنيرُ جوانبَ النفسِ، ولذلكَ ” كان النبيُّ ﷺ إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى ” ( أبو داود )، وكلّمَا أحسَّبضيقٍ أو هَمٍّ يقولُ: ” أقمْ الصلاةَ يا بلالُ أرحنَا بهَا “( أبو داود )، فكلّمَا بعدتَّ عن العبادةِ والطاعةِ كنتَ في ضيقٍ وغمٍّ وقلقٍ نفسِي وتوترٍ وضنكٍ، والشفاءُ والعلاجُ في صلتِكَ باللهِ، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}( طه: 124 – 126).
الوسطيةُ في التوازنِ بينَ عملِ الدنيا وعملِ الآخرةِ: فالدنيا مزرعةٌ للآخرةِ، ومِن الإفراطِ أنْ ننشغلَ بالآخرةِ فقط ونضيعَ الدنيا، ومِن التفريطِ أنْ ننشغلَ بالدنيا ونضيعَ الآخرةَ، وإنّمَا جاءَ الإسلامُ بالعملِ لهمَا، قالَ تعالَى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77].
فعلَى المسلمِ أنْ يوازنَ بينَ عملِ الدنيا وعملِ الآخرةِ، وأنْ يهتمَّ بعملِ الآخرةِ؛ لأنّهُ هو الذي يصحبُهُ معهُ في الآخرةِ، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَيُوَدُّعُونَهُ، فَقَالَ: ” إِنِّي مُوصِيكَ بِأَمْرَيْنِ إِنْ حَفِظْتَهُمَا حُفِظْتَ: إِنَّهُ لَا غِنَى بِكَ عَنْ نَصِيبِكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنْتَ إِلَى نَصِيبِكَ مِنَ الْآخِرَةِ أَفْقَرُ، فَآثِرْ نَصِيبَكَ مِنَ الْآخِرَةِ عَلَى نَصِيبِكَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَظِمَهُ لَكَ انْتِظَامًا، فَيَزُولُ بِهِ مَعَكَ أَيْنَمَا زُلْتَ ” . (القصاص والمذكرين- ابن الجوزي)؛ وفي هذا المعنَى يقولُ حاتمٌ الأصمُّ رضي اللهُ عنهُ:” نظرتُ إلي الخلقِ فرأيتُ كلَّ واحدٍ يحبُّ محبوبًا، فإذا ذهبَ إلي القبرِ فارقَهُ محبوبُهُ، فجعلتَ الحسناتِ محبوبِي، فإذا دخلتُ القبرَ دخلتُ معِي”.
وكما جاءَ في الأثرِ: اعملْ لدنياكَ كأنّكَ تعيشُ أبداً، واعملْ لآخرتِكَ كأنَّكَ تموتُ غداً.
وهكذا شملت الوسطيةُ جميعَ مجالاتِ حياةِ المسلمِ، وهذه مِن أعلَى خصائصِ الدينِ الإسلامِي الحنيف.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : حب التناهي شطط.. خير الأمور الوسط ، للدكتور خالد بدير
ثالثًا: أثرُ الغلوِّ والتشددِ في الدينِ على الفردِ والمجتمعِ.
عبادَ الله: وفي مقابلِ التيسيرِ والوسطيةِ والاعتدالِ في الدينِ نهَى الشارعُ الحكيمُ عن التشددِ والغلوِّ فيه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : ” إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ “. ( البخاري ومسلم). يقولُ الحافظُ بنُ رجبٍ: ” معنى الحديث: النهيُ عن التشديدِ في الدينِ، بأنْ يحمِّلَ الإنسانُ نفسَهُ مِن العبادةِ ما لا يحتملهُ إلّا بكلفةٍ شديدةٍ، وهذا هو المرادُ بقولهِ ﷺ: ” لن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلّا غلبَهُ ” يعني: أنَّ الدينَ لا يُؤخذُ بالمغالبةِ، فمَن شادَّ الدينَ غلبَهُ وقطعَهُ.”أ.ه
وقال الإمامُ ابنُ حجرٍ رحمَهُ اللهُ:” لا يتعمَّقُ أحدٌ في الأعمالِ الدِّينيةِ ويتركُ الرِّفقَ إلّا عجَزَ وانقطعَ”. (فتح الباري).
روى ابنُ ماجةَ عن ابنِ عباسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: “يا أيُّها الناسُ، إيَّاكُم والغلوَّ في الدِّين؛ فإنّهُ أهلَكَ مَن كان قبلَكُم الغلوُّ في الدينِ”. (حديث صحيح).
فينبغِي على كلِّ مسلمٍ أنْ يعبدَ اللهَ على علمٍ وبصيرةٍ، وأنْ يحذرَ مكائدَ الشيطانِ الذي يُحيدُ عن الطريقِ المستقيمِ، ويُزيغُ عن الهديِ القاصدِ، الذي قالَ فيهِ النبيُّ ﷺ: “الْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا”. (البخاري).
إنَّ الشيطانَ يدخلُ لابنِ آدمَ مِن طريقَيِ الإفراطِ أو التفريطِ، كي يفسدَ عليهِ دينَهُ وحياتَهُ.
يقولُ ابنُ القيمِ -رحمَهُ اللهُ-: “ما أمرَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- بأمرٍ، إلَّا وللشيطانِ فيهِ نزغتان: إمَّا تقصيرٌ وتفريطٌ، وإمّا إفراطٌ وغلوٌّ، فلا يُبالِي بمَا ظفِرَ مِن العبدِ مِن الخطيئتينِ”. (الوابل الصيب من الكلم الطيب). وقال الأوزاعيُّ -رحمَهُ اللهُ-: “مَا مِن أَمْرٍ أَمَرَ اللهُ بهِ، إلّا عارضَ الشيطانُ فيهِ بخصلتينِ، ولا يُبالِى أيُّهمَا أصابَ: الغلوُّ، أو التقصيرُ”.
وأثرُ ذلكَ هو الهلاكُ والزيغُ، فعَنْ ابنِ مسعودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا» (مسلم). والمنتطعونَ: المتشددونَ. وهلاكُهُم واقعٌ لا محالةَ في الدنيا والآخرةِ، فعن جابِرٍ قال: خَرَجنا في سَفَرٍ فأَصابَ رجلًا مِنَّا حَجَرٌ فشَجَّه في رأسِه، ثم احتَلَمَ، فسألَ أَصحابَه: هَل تَجِدونَ لي رُخصَةً في التَّيَمُّمِ؟ فقالوا: ما نَجِدُ لَكَ رُخصَةً وأَنتَ تَقدِرُ على الماءِ. فاغتَسَلَ فماتَ، فلمَّا قَدِمْنا على رسولِ اللَّهِ ﷺ أُخبِرَ بذَلِكَ فقالَ: “قَتَلوه قَتَلَهُمُ اللَّهُ! أَلا سألوا إِذ لم يَعلَموا؟ ! إنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ، إنَّما كان يَكفيه أن يَتَيَمَّمَ ويَعصِبَ على جُرحِه خِرقَةً ثم يَمسَحَ عَلَيها، ويَغسِلَ سائرَ جَسَدِه”. (ابن ماجة والحاكم وصححه)، فهذه الفتوى المتشددةُ كانت سببًا في هلاكِ الرجلِ وموتِه.
ونحن نعلمُ الرجلَ الذي تشددَ في فتوى قاتلِ التسعِ والتسعينَ نفسًا بأنّهُ ليس له توبة، فكان التشددُ هلاكَهُ وقتلَهُ.
ومِن هنَا ندعُوا الجميعَ إلى فهمِ مقاصدِ الشريعةِ الغراءِ، ومراعاةِ التيسيرِ والرفقِ وعدم التشدد في الدين، ونشرِ قيمِ الإسلامِ وأخلاقِهِ وسماحتِهِ، وتطبيقِ ذلك عمليًّا على أرضِ الواقعِ؛ لنكونَ دعاةً للغيرِ بأفعالِنَا قبلَ أقوالِنَا.
نسألُ اللهَ أنْ يهدينَا إلى الحقِّ وإلى صراطِهِ المستقيمِ، وأنْ يرزقَنَا الفهمَ والحكمةَ وفصلَ الخطابِ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف