خطبة الجمعة بعنوان : بداية جديدة وأمل جديد ، للدكتور خالد بدير

خطبة الجمعة بعنوان : بداية جديدة وأمل جديد ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 1 محرم 1447 هـ ، الموافق 27 يونيو 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 27 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : بداية جديدة وأمل جديد :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 27 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : بداية جديدة وأمل جديد، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 27 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : بداية جديدة وأمل جديد، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 27 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : بداية جديدة وأمل جديد : كما يلي:
أولًا: دعوةُ الإسلامِ إلى الأملِ.
ثانيًا: الأملُ صورٌ ومظاهرُ.
ثالثًا: الهجرةُ والأملُ في بناءِ الدولةِ الإسلاميةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 27 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : بداية جديدة وأمل جديد : كما يلي:
خطبةٌ بعنوان: بدايةٌ جديدةٌ وأملٌ جديدٌ.
1 محرم 1447هـ – 27 يونيو 2025م
المـــوضــــــــــوعُ
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أولًا: دعوةُ الإسلامِ إلى الأملِ.
إنَّ الإسلامَ يحثُّ أفرادَهُ على الأملِ بمستقبلٍ مشرقٍ؛ فالأملُ أساسُ الحياةِ، وكلُّ إنسانٍ لهُ أملٌ في الحياةِ.
فمثلًا: ما الذي دفعَ الطلابُ إلى الجدِّ والاجتهادِ وسهرِ الليالِي؟ إنّهُ الأملُ في التفوقِ والنجاحِ !!
وما الذي دفعَ التجارُ يقطعونَ المسافاتِ عبرَ الطرقِ والأنهارِ بالليلِ والنهارِ؟ إنَّهُ الأملُ في الربحِ والكسبِ الحلالِ!
وما الذي دفعَ الجنديُّ إلى السهرِ بالليلِ والمخاطرةِ بنفسِه وحياتِه؟ إنّهُ الأملُ في حمايةِ الوطنِ والنصرِ أو الشهادةِ!
وما الذي دفعَ الفلاحُ إلى المشقةِ في الحرثِ والغرسِ؟ إنّهُ الأملُ في الحصولِ على معيشةٍ رغدةٍ ورزقٍ وفيرٍ!!
وما الذي دفعَ الشابُ إلى العملِ والسفرِ للكسبِ هنَا وهناكَ ليجهزَ مسكنَهُ وجهازَهُ ؟ إنَّهُ الأملُ في إعفافِ نفسِهِ وإحصانِ فرجِهِ، وإنجابِ ذريةٍ يرفعونَ ذكرَهُ بعدَ موتِه!! وهلُمَّ جرًا في كلِّ المجالاتِ والمهنِ والوظائفِ…….
فينبغي على كلِّ فردٍ أنْ تكونَ حياتُهُ كلُّهَا مفعمةً بالأملِ، ولا يتركُ مجالًا لليأسِ أو القنوطِ أو الكسلِ أو الخمولِ.
وإنّنَا لو نظرنَا إلى حياةِ الأنبياءِ عليهمُ السلامُ لوجدنَاهَا كلَّهَا مفعمةً بالأملِ، فلم يكنْ لديهِم مجالٌ لليأسِ أو القنوطِ.
فهذا نوحٌ عليهِ السلامُ دعَا قومَهُ ألفَ سنةٍ إلّا خمسينَ عامًا فلم يستجيبُوا، ومع ذلكَ لم ينتابه اليأسُ والقنوطُ، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }.(العنكبوت:14).
وهذا نبيُّ اللهِ أيوبُ – عليهِ السلامُ – ابتلاهُ اللهُ سبحانَهُ وتعالى في نفسِهِ ومالِهِ وولدِهِ، إلّا أنَّهُ لم يفقدْ أملَهُ في أنْ يرفعَ اللهُ الضرَّ عنه، وكانَ دائمَ الدعاءِ للهِ، يقولُ تعالَى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }، ( الأنبياء:83 )، فلم يُخَيِّبْ اللهُ أملَهُ، فحقَّقَ رجاءَهُ، وشفاهُ وعافاهُ، وعوَّضَهُ عمّا فقدَهُ. وهذا يعقوبُ – عليهِ السلامُ – يغيبُ عنهُ أحبُّ الأبناءِ إليهِ أكثرَ مِن أربعينَ عامًا، ومع ذلك يخاطبُ أبناءَهُ بروحٍ متفائلةٍ خلّدَهَا القرآنُ فقالَ:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (يوسف: 87)، ويعودُ إليهِ يوسفُ مرةً أُخرَى كمَا سجّلَ ذلكَ القرآنُ الكريمُ.
وهذا خاتمُ الأنبياءِ والمرسلينَ ﷺ يشتدُّ بهِ وبأصحابِه الإيذاءُ والاضطهادُ والتعذيبُ، وبمجردِ أنْ اشتكَى بعضُهُم مِن شدةِ التعذيبِ، يأتي الرسولُ ﷺ مرةً أخرى ليبعثَ فيهِمُ الأملَ والتفاؤلَ مِن جديدٍ، فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». البخاري .
كما أرشدَنَا الحبيبُ ﷺ إلى الأملِ والتفاؤلِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ “. (أحمد بسند حسن ). فإذا أردتُم حياةً سعيدةً فعليكُم بالأملِ والتفاؤلِ، وما أجملَ مقولةَ الزعيمِ الراحلِ مصطفى كامل: لا يأسَ مع الحياةِ، ولا حياةَ مع اليأسِ.
فعليكُم بالأملِ والتفاؤلِ في جميعِ مجالاتِ حياتِكُم العمليةِ، وإياكُم واليأسَ والقنوطَ؛ فقد ندَّدَ القرآنُ بالقنوطِ واعتبرَهُ قرينَ الضلالِ، فقالَ تعالَى: { قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ } [الحجر: 56].
ثانيًا: الأملُ صورٌ ومظاهرُ.
تعالوا بنَا نطوفُ سويًّا في هذا العنصرِ مع صورِ ومظاهرِ الأملِ والتفاؤلِ في حياتِنَا اليوميةِ والعمليةِ، منهَا:
أملُ المذنبِ في المغفرةِ: فقد أسرفَ قومٌ في المعاصِي على عهدِ الرسولِ ﷺ وظنُّوا أنْ لا مجالَ لهُم في المغفرةِ والرحمةِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا ﷺ، فَقَالُوا : إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو لَحَسَنٌ، وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً ، فَنَزَلَ: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. (الزمر: 53)، وعن أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:”يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي؛ يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي؛ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً”. (أحمد والترمذي بسند حسن).
ومنها: أملُ المريضِ في الشفاءِ: فلا ييأسُ مريضٌ مِن عدمِ الشفاءِ مهمَا كانَ مرضُهُ عضالًا، فعليهِ أنْ يأخذَ بأسبابِ التداوِي مع التعلقِ بحبلِ اللهِ في الشفاءِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً”.(البخاري). ولنا في أيوبَ عليهِ السلامُ أسوةٌ، يقولُ تعالَى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.(الأنبياء: 83،84). ومع ذلك للأسفِ كثيرٌ مِن المرضَى يسخطُ ويوهمُ نفسَهُ بالموتِ والهلاكِ.
ومنها: أملُ العقيمِ في الإنجابِ: فإنْ كنتَ عقيمًا لا تنجبُ فلا تيأسْ مِن رحمةِ اللهِ وفيضِ عطائِه، فهذه امرأةُ إبراهيمَ عليهِ السلامُ قد بشرتْهَا الملائكةُ بالولدِ على كبرِ سنِّهَا، وهذا ما أثارَ إعجابهَا قائلةً: {يَا وَيْلَتَى آلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} (هود: 72، 73).
ومنها: أملُ المهمومِ والمغمومِ في كشفِ الهمومِ والكربِ: أيْ إذا نزلَ بكَ همٌّ أو غمٌّ أو كربةٌ لا تتضجرْ، فبابُ الأملِ مفتوحٌ، فالجأْ إلى اللهِ بالدعاءِ، فقد كان الرسول ﷺ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ :” لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.” (مسلم).
ومنها: أملُ صاحبِ الضيقِ والعسرِ والشدةِ في اليسرِ والرخاءِ: فمهمَا تكنْ اللحظاتُ العصيبةُ في حياتِكَ فتعلقْ بحبلِ اللهِ تعالى، فهذه مريمُ عليهَا السلامُ عندمَا أظلمتْ الدنيَا في عينيهَا ولم تجدْ ملجئًا مِن اللهِ إلّا إليهِ قالتْ:{يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}. (مريم: 23)، فكان الغوثُ والرحمةُ: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا}. (مريم: 24 – 26).
وها هو سيدُنَا إبراهيمُ – عليه السلامُ – عندما ألقاهُ قومُهُ في النارِ كانت النجاةُ مِن عندِ اللهِ: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}. (الأنبياء : 69 ، 70) .
وهذا يونسُ عليهِ السلامُ عندما التقمَهُ الحوتُ فلجأَ إلى اللهِ عزّ وجلّ واستمسَكَ بحبلِهِ كانت الرحمةُ والنجاةُ حاضرتينِ، يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِـنَ الظّـَالِمِـينَ * فَاسْتَـجَبـْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِـــنَ الْغَـمِّ وَكَـذَلِكَ نُنْجِـي الْمُؤْمِنِـينَ }.(الأنبياء : 87 ، 88) .
وهناك صورٌ ومظاهرُ كثيرةٌ للأملِ في مجالاتِ الحياةِ، وكلُّهَا ترجعُ إلى اختلافِ المهنِ والوظائفِ والأغراضِ والآمالِ والطموحاتِ، وكلُّ إنسانٍ له أملٌ في مجالٍ مَا، عليه أنْ يأخذَ بالأسبابِ الموصلةِ إلى أملِهِ، ويضعَ نصبَ عينيهِ النجاحَ والتفاؤلَ، لا اليأسَ والقنوطَ والكسلَ، ويكونَ حسنُ الظنِّ بربِّهِ أنَّهُ لن يخيبَ آمالَهُ وأحلامَهُ، بذلكَ يتحققُ لهُ أملُهُ ومرادُهُ، وكما قِيلَ: تفاءلُوا بالخيرِ تجدوهُ، ويحضرنِي حديثٌ في صحيحِ البخارِي مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ” أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي؛ فإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي؛ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً” ( متفق عليه ). قال ثابتُ البناني رحمه اللهُ: إنِّي أعلمُ متى يذكرُنِي ربِّي عزَّ وجلَّ، ففزعُوا منهُ وقالُوا: كيف تعلمُ ذلكَ؟ فقال: إذا ذكرتُهُ ذكرنِي أمَا قرأتُم قولَهُ تعالى: {فاذكرُونِي أذكركُم}. ولذلكَ قالَ تعالى: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } قال ابنُ كثيرٍ في تفسيرِه: “أي: مهمَا أنفقتُم مِن شيءٍ فيمَا أمرَكُم بهِ وأباحَهُ لكم، فهو يخلفُهُ عليكم في الدنيا بالبدلِ، وفي الآخرةِ بالجزاءِ والثوابِ” . ولذلك بلغَ عبدُ اللهِ بنُ جعفرٍ مبلغًا عاليًا في الجودِ، وعُوتبَ في ذلك فقالُوا له: لو ادخرتَ مالَكَ لولدِكَ بعدَكَ فقال: “إنَّ اللهَ عوّدَنِي عادةً وعودتُ عبادَهُ عادةً: عوّدَنِي أنْ يعطينِي، وعودتّ عبادَهُ أنْ أعطيَهُم، وأخشَى إذا قطعتُ عادتِي عنهم أنْ يقطعَ عادَتَهُ عنّي!. فهو لم يتوقعْ الفقرَ والخوفَ مِن المستقبلِ، وإنّما عندَهُ أملٌ ويقينٌ وتفاؤلٌ بالغدِ المشرقِ، وهكذا يجبُ أنْ نكونَ في جميعِ مجالاتِ حياتِنَا .
ثالثًا: الهجرةُ والأملُ في بناءِ الدولةِ الإسلاميةِ.
لمَّا هاجرَ الرسولُ ﷺ مِن مكةَ إلى المدينةِ كانَ عندَهُ أملٌ كبيرٌ في بناءِ الدولةِ الإسلاميةِ الجديدةِ ونشرِ الإسلامِ في ربوعِ العالمِ، وهذا الأملُ جاءَ مِن خلالِ ثلاثةِ أسسٍ هي قوامُ أيِّ مجتمعٍ إسلاميٍّ على مدَى العصورِ والقرونِ. فالأساسُ الأولُ: المسجدُ ليربطَ العبدَ بخالقهِ ورازقهِ. والأساسُ الثاني: المؤاخاةُ ليربطَ المسلمَ بأخيهِ المسلمِ. والأساسُ الثالثُ: المعاهداتُ ليربطَ المسلمَ بغيرِ المسلمِ، وبذلك قامتْ الدولةُ الإسلاميةُ وامتدتْ إلى جميعِ الأقطارِ والأمصارِ.
ومع كلِّ ذلكَ لم يركنْ المهاجرونَ إلى الأنصارِ مِن خلالِ المؤاخاةِ، متكلينَ عليهِم في السكنِ والمعيشةِ والأرزاقِ، بل سعوا وأخذُوا بالأسبابِ، وأملهُم كبيرٌ في اللهِ تعالى فهو مسببُ الأسبابِ، فنحن جميعًا نعلمُ ما حدثَ بينَ عبدِالرحمنِ بنِ عوفٍ وسعدِ بنِ الربيعِ، ” فعن أنسٍ، قالَ: قدمَ عبدُالرحمنِ بنُ عوفٍ فآخَى النبيُّ ﷺ بينَهُ وبينَ سعدِ بنِ الربيعِ الأنصارِي، فعرضَ عليهِ أنْ يناصفَهُ أهلَهُ ومالَهُ، فقالَ عبدُالرحمنِ: باركَ اللهُ لكَ في أهلِكَ ومالِكَ، دُلَّنِي على السوقِ، فخرجَ إلى السوقِ وتاجرَ حتّى أصبحَ مِن أغنَى أغنياءِ المدينةِ، يقولُ عبدُالرحمنِ بنُ عوفٍ: فلقد رأيتنِي ولو رفعتُ حجرًا لرجوتُ أنْ أصيبَ ذهبًا وفضةً.” (السيرة النبوية لابن كثير)، فقد ضربَ لنَا سعدُ بنُ الربيعِ أروعَ الأمثلةِ في الإيثارِ والمواساةِ، وضربَ لنَا عبدُالرحمنِ بنُ عوفٍ أروعَ الأمثلةِ في العفةِ والأملِ والأخذِ بالأسبابِ والسعيِ والضربِ في الأرضِ مِن أجلِ الرزقِ، وهذا تصديقٌ لقولِهِ ﷺ:” وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ؛ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ”(البخاري ومسلم) .
فهناك رباطٌ وثيقٌ بينَ الأملِ والعملِ، فالإنسانُ الذي يأملُ شيئًا ويتمناهُ لابُدَّ أنْ يعملَ ويسعَى جاهدًا لتحقيقِ أملِهِ ومرادِهِ، وكما قِيل: مَن جدَّ وجدَ، ومَن زرعَ حصدَ، ومَن طلبَ العُلَى سهرَ الليالِي. يقولُ الدكتورُ إبراهيمُ الفقِي خبيرُ التنميةِ البشريةِ -رحمه الله تعالى-: احذرْ أنْ تكونَ أهدافُكَ مجردَ آمالٍ وأمنياتٍ أو رغباتٍ، فتلكَ بضاعةُ الفقراءِ .أ.ه
فينبغِي على المسلمِ في تحقيقِ آمالِه وطموحاتِه أنْ يأخذَ بجميعِ الأسبابِ الموصلةِ إلى غايتِه وهدفِه مع التوكلِ على اللهِ تعالى، وهذا ما غرسَهُ النبيُّ ﷺ في نفسِ الصحابِي الذي أطلقَ الناقةَ متوكلًا على اللهِ، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:” اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ” (الترمذي وحسنه).
وانظرْ إلى الصحابِي الجليلِ الذي كان أملُهُ مرافقةَ النبيِّ ﷺ في الجنةِ، فعن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: ” كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ “. ( مسلم ).
فالرسولُ ﷺ لم يقلْ لهُ: طلبُكَ قيدُ التنفيذِ، أو لكَ ذلكَ، وإنَّمَا أرشدَهُ إلى كيفيةِ الوصولِ إلى أملِهِ وهو العملُ وكثرةُ السجودِ، وهذه رسالةٌ قويةٌ لكلِّ مَن لهُ آمالٌ وطموحاتٌ أنْ يربطَ ربطًا قويًّا بينَ الأملِ والعملِ، فإذَا كانَ عندكَ طموحاتٌ وآمالٌ، فعليكَ أنْ تأخذَ بكلِّ الأعمالِ والأسبابِ والوسائلِ الموصلةِ إلى آمالِك.
فعليكُم بالاجتهادِ في العملِ والتمسكِ بالأملِ، ولا سيَّمَا ونحن مقبلونَ على عامٍ هجرِيٍّ جديدٍ.
نسألُ اللهَ أنْ يجعلَ هذا العامَ عامَ طاعةٍ وخيرٍ وبركةٍ ونماءٍ وسلامٍ، وأنْ يحققَ آمالَنَا، ويرفعَ درجاتِنَا، وَأنْ يرزقَنَا مِن حيثُ لا نحتسبُ، وأنْ يحفظَ مصرَنِا مِن كلِّ مكروهٍ وسوء ؛؛؛؛؛
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف