أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة : التحرُّشُ آفةٌ قبيحةٌ ، للدكتور أحمد رمضان

التحرُّشُ آفةٌ قبيحةٌ

خطبة الجمعة القادمة (الثانية): التحرُّشُ آفةٌ قبيحةٌ ، إعداد: رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 25 ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 17 أكتوبر 2025م.

حصريا ل صوت الدعاة لتحميل خطبة الجمعة القادمة (الثانية) 17 أكتوبر 2025م بصيغة word بعنوان : التحرُّشُ آفةٌ قبيحةٌ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

 

 انفراد لتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 أكتوبر 2025م بصيغة pdf بعنوان : التحرُّشُ آفةٌ قبيحةٌ ، للدكتور أحمد رمضان.

 

لقراءة الخطبة الأولي بعنوان بالتي هي أحسن من هنا

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 17 أكتوبر 2025م بعنوان : التحرُّشُ آفةٌ قبيحةٌ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.

 

العنصر الأَوَّلُ: حُرْمَةُ الأَعْرَاضِ فِي الإِسْلَامِ وَخُطُورَةُ الْعُدْوَانِ عَلَيْهَا

العنصرُ الثاني: التَّحرُّشُ جريمةٌ عظيمةٌ وكبيرةٌ منَ الكبائرِ

العنصرُ الثالثُ: أسبابُ التَّحرُّشِ وخطورَتُهُ على المجتمعِ.

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: وَسَائِلُ التَّصَدِّي لِلتَّحَرُّشِ وَبِنَاءُ الْمُجْتَمَعِ الطَّاهِرِ

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة (الثانية) 17 أكتوبر 2025م : التحرُّشُ آفةٌ قبيحةٌ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:

 

 التحرُّشُ آفةٌ قبيحةٌ

25 ربيع الثاني 1447هـ – 17 أكتوبر 2025م

إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ الذي أمرَ بالعفّةِ والطهرِ، ونهى عن الفحشاءِ والمنكرِ، وحذّرَ من سبلِ الشيطانِ ومسالكِ الهوى، أحمدُهُ سبحانهُ وتعالى على آلائِهِ ونعمِهِ، وأشكرُهُ على فضلِهِ وكرمِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، جعلَ الطهرَ والعفّةَ حصنًا للمجتمعِ، وحراسةً للقلوبِ والأبصارِ، وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، خيرُ من نهى عن الفواحشِ، وأرشدَ إلى طريقِ النقاءِ والطهارةِ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.        أما بعد:

وَسَيَكُونُ حَدِيثُنَا مَعَكُمْ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ عَنْ أربعةِ عَنَاصِرَ:

العنصر الأَوَّلُ: حُرْمَةُ الأَعْرَاضِ فِي الإِسْلَامِ وَخُطُورَةُ الْعُدْوَانِ عَلَيْهَا

العنصرُ الثاني: التَّحرُّشُ جريمةٌ عظيمةٌ وكبيرةٌ منَ الكبائرِ

العنصرُ الثالثُ: أسبابُ التَّحرُّشِ وخطورَتُهُ على المجتمعِ.

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: وَسَائِلُ التَّصَدِّي لِلتَّحَرُّشِ وَبِنَاءُ الْمُجْتَمَعِ الطَّاهِرِ

أيُّها الأحبَّةُ في اللهِ، حديثُنا اليومَ عن جريمةٍ نكراءَ، وظاهرةٍ مقيتةٍ، اجتاحتِ المجتمعاتِ وصارت تؤرِّقُ الأسرَ وتُقلقُ المربِّينَ وتُفسدُ أمنَ البلادِ وسلامتَها، ألا وهيَ جريمةُ “التحرُّشِ”.

ظاهرةٌ لم تعُدْ تقتصرُ على النظرِ الخائنِ أو الكلمةِ البذيئةِ، بل تطوَّرتْ إلى أفعالٍ فاحشةٍ، واعتداءاتٍ جسديَّةٍ في وضحِ النهارِ.

العنصر الأَوَّلُ: حُرْمَةُ الأَعْرَاضِ فِي الإِسْلَامِ وَخُطُورَةُ الْعُدْوَانِ عَلَيْهَا

عبادَ الله، الإِسْلَامُ دِينُ الحَيَاةِ الكَامِلَةِ، جَاءَ بِحِفْظِ الضَّرُورَاتِ الخَمْسِ: الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالعَقْلِ وَالمَالِ وَالعِرْضِ. فَالعِرْضُ مَصُونٌ مَحفُوظٌ عِندَ اللهِ تَعَالَى، مَن تَعَدَّى عَلَيهِ فَقَدْ جَرَّمَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَأَوْعَدَتْهُ بِالعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

قالَ رسولُ اللهِ ﷺ في خُطبةِ الوداعِ –وهوَ يرسِمُ للبشريَّةِ ميثاقَ الحقِّ والعدلِ: “إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» (البخاري (4406 )، ومسلم  (1679)).

فجعلَ العرضَ – معَ الدمِ والمالِ – منَ المقاصدِ الكبرى، والتعرُّضُ لهُ بالتحرُّشِ أوِ الإساءةِ أوِ الكلمةِ أوِ النظرةِ إنما هوَ هتكٌ لحرمةٍ جعلَها اللهُ عزَّ وجلَّ مقدَّسةً.

وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].

أيها الأحبة، المتحرش جامعٌ بين ذنوبٍ كثيرةٍ: فهو ينظرُ إلى ما حرّم الله، ويؤذي المسلمَ بغير حقّ، وينتهكُ حُرُماتٍ عظيمةً، وربما وقع في الزنا أو مهدَّ له، وقد قال ﷺ: «العَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَاليَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ، وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ الفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ» (أحمد (3912)، والبزار (1956)، وأبو يعلى (5364). صحيح).

فالتَّحرُّشُ زِنًا معنويٌّ يبدأُ بالنَّظرةِ والكلمةِ، وقد ينتهي بالفاحشةِ والعياذُ باللهِ.

العنصرُ الثاني: التَّحرُّشُ جريمةٌ عظيمةٌ وكبيرةٌ منَ الكبائرِ

أيُّها الأحبَّةُ في اللهِ، ليسَ التَّحرُّشُ مجرَّدَ سوءِ خُلُقٍ أو انحرافِ سلوكٍ؛ بل هوَ كبيرةٌ منَ الكبائرِ، جاءَ في النُّصوصِ الشرعيَّةِ تشديدُ الوعيدِ عليها، وعدُّها منَ الأفعالِ التي تهدمُ المجتمعَ وتُفسدُ القيمَ والأخلاقَ.

قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “إنَّ منْ أربى الرِّبا الاستطالةَ في عِرضِ المسلمِ بغيرِ حقٍّ» (أخرجه أبو داود (4876)، وأحمد (1651)، والشاشي (208). صحيح).

فشبَّهَ النبيُّ ﷺ التعرُّضَ للأعراضِ بالرِّبا، بل جعلَهُ أربى الرِّبا؛ والرِّبا منَ السَّبعِ الموبقاتِ المهلكاتِ، فكيفَ بمَن يستحلُّ العرضَ ويستخفُّ بحرمةِ المرأةِ وكرامتِها؟!

وعن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: “إنَّ منْ أكبرِ الكبائرِ، استطالةَ المرءِ في عرضِ رجلٍ مسلمٍ بغيرِ حقٍّ» (أخرجه أبو داود (4876) واللفظ له، وأحمد (1651) مطولاً. صحيح).

أيُّها الأحبَّةُ، التَّحرُّشُ ليسَ لعبًا، ولا مزاحًا، ولا مشاهدَ عابرةً كما يظنُّ البعضُ، بل هوَ سقوطٌ في أوحالِ الفجورِ، وعدوانٌ على كرامةِ الإنسانِ التي جعلَها اللهُ ميزانَ التفاضلِ بينَ الخلقِ.

وقد روى الحاكمُ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: “الرِّبا ثلاثةٌ وسبعونَ بابًا، أيسرُها مثلُ أن ينكحَ الرجلُ أمَّهُ، وإنَّ أربى الرِّبا عرضُ الرجلِ المسلمِ».  أخرجه ابن ماجة (2275)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (8013)، والحاكم (2259)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5131). قالَ الحاكمُ: صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ ووافقَهُ الذهبيُّ.

فانظروا يا عبادَ اللهِ، كيفَ وصفَ النبيُّ ﷺ المساسَ بالعرضِ – ولو بكلمةٍ أو نظرةٍ أو تلويحٍ – بأنَّهُ أعظمُ منَ الزِّنا؛ لأنَّ الزِّنا قد يقعُ برضا الطرفينِ، أمَّا التَّحرُّشُ ففيهِ عدوانٌ على البريءِ بالقوَّةِ والإكراهِ، وفيهِ إذلالٌ لكرامةِ الضحيَّةِ، وإفسادٌ في الأرضِ.

أقوالُ العلماءِ في خطورةِ انتهاكِ الأعراضِ

قالَ الإمامُ الملا علي القاري رحمهُ اللهُ: “وإنما كانتِ الاستطالةُ في الأعراضِ أشدَّ منَ الزِّنا، لتعلُّقِها بحقوقِ العبادِ، فإنَّ العرضَ أعزُّ على النفسِ منَ المالِ” مرقاةُ المفاتيحِ 5/1925.

وقالَ الإمامُ المناوي رحمهُ اللهُ: “الإيذاءُ في الأعراضِ أشدُّ فسادًا، وأعظمُ خطرًا، لأنَّهُ يتركُ أثرًا في القلوبِ لا يزولُ” فيضُ القديرِ 4/50. فالتعرُّضُ للنِّساءِ بالتحرُّشِ جريمةٌ مركَّبةٌ: فيها ظلمٌ، وفجورٌ، واعتداءٌ، وخيانةٌ، وتضييعٌ للحقوقِ.

التشبيهُ القرآنيُّ بالمنافقينَ

عبادَ اللهِ، لقد وصفَ اللهُ تعالى في كتابِهِ طائفةً منَ الناسِ بأنَّهم مرضى القلوبِ، يتبعونَ النِّساءَ في الطرقاتِ ويؤذونَهُنَّ، فقالَ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: 60].

قالَ الفخرُ الرازي: “… الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ الَّذِي يُؤْذِي الْمُؤْمِنَ بِاتِّبَاعِ نِسَائِهِ …” التفسيرُ الكبيرُ 25/184. فجعلَ اللهُ المتحرِّشينَ في صنفِ المنافقينَ، وأوعَدَهُم باللَّعنِ والإخراجِ والعقوبةِ البالغةِ، فهلْ بعدَ هذا تخفى خطورةُ هذهِ الجريمةِ؟!

يقولُ الفاروقُ عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ: “لأنْ ألقى اللهَ بذنوبٍ فيما بيني وبينَهُ، أحبُّ إليَّ منْ أن ألقاهُ بذنبٍ في عرضِ امرءٍ مسلمٍ” مصنَّفُ ابنِ أبي شيبةَ 5/204.

فما أعظمَ هذا الكلامَ! أنْ يقدِّمَ عمرُ كلَّ ذنوبِ النفسِ بينَهُ وبينَ ربِّهِ على أنْ يظلمَ مسلم أو مسلمة في عرضِه، أو يُلحِقَ به أذًى بالقولِ أوِ الفعلِ.

إخوتي في اللهِ، إنَّ التَّحرُّشَ خيانةٌ للهِ ورسولِهِ قبلَ أن يكونَ خيانةً للمجتمعِ، وهوَ دليلٌ انحطاطٍ خلقيٍّ وانسلاخٍ منَ الفطرةِ السويَّةِ، ولذلكَ وجبَ على كلِّ مسلمٍ أن يحذرَ منَ التهاونِ فيهِ، أوِ التخفيفِ من شأنِهِ، أو تبريرِهِ بأعذارٍ واهيةٍ، فإنَّما هوَ من الذنوب العظيمة.

العنصرُ الثالثُ: أسبابُ التَّحرُّشِ وخطورَتُهُ على المجتمعِ.

أيُّها المسلمونَ، إنَّ كلَّ جريمةٍ عظيمةٍ إنَّما تنشأُ عن أسبابٍ ودوافعَ، ولا ينبغي للمجتمعِ أن يعالجَ النتائجَ فقط، بل يجبُ عليهِ أن يتفقَّهَ في الأسبابِ والجذورِ. وإنَّ جريمةَ التَّحرُّشِ التي استشرتْ وانتشرتْ، لها أسبابٌ كثيرةٌ، لو وُوجِهتْ بالحكمةِ والحزمِ لانحسرَ شرورُها وانقطعَ دابرُها.

أوَّلًا: ضعفُ الإيمانِ والانحرافُ عنِ الدينِ

أيُّها الأحبَّةُ، إذا غابَ رقابةُ اللهِ عنِ القلبِ، وخلتِ النفوسُ منْ خوفِ الجليلِ، هانتْ على صاحبِها المعاصي والفواحشُ. وقد أمرَ اللهُ تعالى المؤمنينَ بغضِّ البصرِ فقالَ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: 30].

ثانيًا: التبرُّجُ وانحلالُ الأخلاقِ

ومنْ أعظمِ أسبابِ انتشارِ التَّحرُّشِ –عياذًا باللهِ– تبرُّجُ النساءِ وظهورُهُنَّ بمظاهرِ الفتنةِ والإغراءِ، فقد قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الحديثِ الصحيحِ: “صنفانِ منْ أهلِ النارِ لم أرَهُمانساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ» [رواهُ مسلمٌ 2128 ].

وليسَ معنى ذلكَ تبرئةَ المتحرِّشِ، بل جريمتهُ أعظمُ، وإنَّما التحذيرُ منْ أنَّ كشفَ العوراتِ والتبرُّجَ وإظهارَ المفاتنِ يُعينُ أهلَ الفجورِ على جريمتِهم، ويُفسدُ القلوبَ والعيونَ، ويزيدُ الفتنةَ في الأرضِ.

ثَالِثًا: ضَعْفُ التَّرْبِيَةِ الأُسَرِيَّةِ وَغِيَابُ الرَّقَابَةِ

أيُّها الأحبَّةُ في اللهِ، إنَّ الأسرةَ مدرسةٌ أولى، وهيَ الحِصنُ المنيعُ الذي يحمي الأبناءَ والبناتِ منَ السقوطِ في حُفرِ الفواحشِ. فإذا غابتْ رقابةُ الوالدينِ، وتركوا أبناءَهم للشوارعِ والفضاءِ المفتوحِ دونَ توجيهٍ ولا نصيحةٍ، عظمَ الفسادُ وفشا التَّحرُّشُ. وفي الأثرِ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ كانَ يقولُ: «علِّموا أولادَكمُ السباحةَ والرمايةَ، وركوبَ الخيلِ، ورابطوهم على مجالسِ الذكرِ» المصنَّف لابنِ أبي شيبةَ. فكيفَ إذا تركنا التربيةَ والقيمَ والأخلاقَ؟

وقد قالَ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [النور: 19].

رابعًا: تعسيرُ الزواجِ وانتشارُ البطالةِ

ومنْ أعظمِ الأسبابِ المؤدِّيةِ إلى انتشارِ الفواحشِ والتَّحرُّشِ، تعسيرُ طريقِ الزواجِ بالشروطِ المعجزةِ والمبالغةِ في المهورِ وتكاليفِ الحياةِ. وقد قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: “يا معشرَ الشبابِ، منِ استطاعَ منكمُ الباءةَ فليتزوَّجْ، فإنَّهُ أغضُّ للبصرِ، وأحصنُ للفرجِ» [متفقٌ عليه البخاري (5066)، ومسلم (1400)].

فإذا أُغلقَ بابُ الحلالِ فُتحَ بابُ الحرامِ، وإذا صعُبَ الحلُّ الطاهرُ، سهُلتِ المعاصي والرذائلُ.

خطورةُ التَّحرُّشِ على المجتمعِ

أيُّها الأفاضلُ، ليسَ التَّحرُّشُ مجرَّدَ فعلٍ عابرٍ، بل هوَ جريمةٌ مجتمعيَّةٌ تُزلزلُ أمنَ البلادِ وتُفسدُ العلاقاتِ بينَ العبادِ. فهوَ يُؤدِّي إلى: زعزعةِ الأمنِ والطُّمأنينةِ في المجتمعِ.

إصابةِ الضحايا بالاكتئابِ والقلقِ والرغبةِ في العزلةِ.

تفكُّكِ الأسرِ وفشلِ العلاقاتِ الزوجيَّةِ.

وفي النهايةِ: انهيارِ القيمِ والأخلاقِ التي تقومُ عليها الحياةُ الإسلاميَّةُ. وقد صوَّرَ اللهُ تعالى ذلكَ أبلغَ تصويرٍ في قولِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: وَسَائِلُ التَّصَدِّي لِلتَّحَرُّشِ وَبِنَاءُ الْمُجْتَمَعِ الطَّاهِرِ

أَوَّلًا: التَّرْبِيَةُ عَلَى الْقِيَمِ وَالْخُلُقِ

أيها الأفاضلُ، إن أول حصنًا يصون الأمةَ من التحرشِ وغيره من الفواحشِ هو حصنُ التربيةِ الأسريةِ.

فالبيتُ المسلمُ المربي على القرآنِ والسنةِ يخرج أبناءً أبعدَ ما يكون عن الفجورِ والاعتداءِ.

وقد قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيتهِ» [متفق عليه، أخرجه البخاري (2554)، ومسلم (1829)، وأبو داود (2928)، والترمذي (1705)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9173)، وأحمد (5167)].

فالأبُ راعٍ في بيتِه، والأمُ راعيةٌ على بناتِها، والمعلمُ راعٍ في فصلِه، والإمامُ راعٍ في مسجدِه.

وكلُ راعٍ مسئولٌ يومَ القيامةِ هل صان الأعراضَ وحفظ القلوبَ أم أهمل وفرطَ؟

ثانيًا: غضُ البصرِ وحفظُ الفروجِ

إن أعظم وقايةً من التحرشِ أن يضبط كلُ مؤمنٍ نظرَه ويحفظ فرجَه. قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور: 30].

فكيف بمن جمع بين النظرِ الحرامِ والكلمةِ الخبيثةِ والمسِ الفاجرِ؟ إنه قد جمع أوبقاتٍ توبقُه في الدنيا والآخرةِ.

ثالثًا: تيسيرُ الزواجِ وإشغالُ الشبابِ بالحلالِ

إخوتي في اللهِ، إن من أعظم سبلِ الوقايةِ أن نيسر الزواجَ للشبابِ، فإنه حصنٌ للفرجِ، وسكينةٌ للقلبِ.

وقد قال النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم: «ثلاثةٌ حقٌّ على اللَّهِ عونُهُم: المُجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ، والمُكاتِبُ الَّذي يريدُ الأداءَ، والنَّاكحُ الَّذي يريدُ العفافَ» [لترمذي (1655) واللفظ له، والنسائي (3218)، وابن ماجه (2518)، وأحمد (7410). حسن].

فإذا سدت أبوابُ الحلالِ، فتحت أبوابُ الحرامِ، وإذا أعين الشبابُ على الزواجِ، سددنا ذرائعَ التحرشِ والزنا.

رابعًا: دورُ المؤسساتِ التعليميةِ والإعلاميةِ

لا بدَّ أن تعودَ المدارسُ والجامعاتُ إلى دورِها التربويِ، تغرسُ في النشءِ قيمَ العفةِ واحترامَ الآخرِ. ولا بدَّ من إعلامٍ يحاربُ التبرجَ والإغراءَ، ويعظمُ الحياءَ والعفةَ، ويصورُ المتحرشَ على حقيقتِه ذئبًا مفترسًا وجانيًا مجرمًا.

خامسًا: قوةُ القانونِ وسلطانُ الدولةِ

عبادَ اللهِ، إن من المقاصدِ العظيمةِ في شريعتِنا إقامةُ العقوباتِ لردعِ المفسدينَ، وقد قال سيدُنا عثمانُ وعمرُ رضي اللهُ عنهما: «إن اللهَ ليزعُ بالسلطانِ ما لا يزعُ بالقرآنِ”.  الماوردي في أدب الدنيا والدين ص 135، ابن شبة في تاريخ المدينة 3/988، ابن عبد البر في التمهيد، 1/118.

سادسًا: دعمُ الضحايا وإعادةُ الاعتبارِ

لا يجوزُ أن نلقيَ بالذنبِ على الضحايا، ولا أن نثقلَ عليهنَّ بمعاتبةٍ أو تلويمٍ، بل الواجبُ نصرتُهنَّ ودعمُهنَّ، وإعانتُهنَّ على تخطي الأزمةِ، وتأهيلُهنَّ نفسيًا واجتماعيًا.

فقد قال صلى اللهُ عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هذا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكيفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» [رواه البخاري 2444، و البيهقي (11510)، والترمذي (2255)، وأحمد (11949)].

سابعًا: تعزيزُ دورِ المساجدِ والمنابرِ

المساجدُ هي منابرُ النورِ، فلا بدَّ أن يتصدرَ العلماءُ والخطباءُ لتوعيةِ الناسِ بحرمةِ الأعراضِ وعظمِ جريمةِ التحرشِ، وبأنه من الكبائرِ التي تحبطُ الأعمالَ وتهلكُ الأعمارَ.

الْخَاتِمَةُ : أيها المسلمونُ، إنَّ التحرُّشَ ليسَ سوءَ خلقٍ فقطَ، وليسَ خطأً عارضًا يُتجاوزُ عنهُ، بل هوَ جريمةٌ منكرةٌ، وكبيرةٌ مفضيةٌ إلى الفواحشِ، وخطرٌ يهددُ أمنَ المجتمعِ وطمأنينتَهُ. والواجبُ علينا جميعًا أن نتكاتفَ، أسرًا ومؤسساتٍ، رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، لنواجهَ هذهَ الجريمةَ بكلِّ صورِها.

فإذا ربَّيْنا الأبناءَ على القرآنِ، وحصَّنَّاهُم بالقيمِ والحياءِ، ووفَّرْنا لهمُ البيئةَ الطاهرةَ، وقوَّينا أسوارَ القانونِ وسلطانَ الدولةِ، وشدَّدْنا على المجرمينَ العقوبةَ، ونصرْنا المتضررينَ والضحايا، عندَها فقط نبني مجتمعًا عفيفًا طاهرًا، يُصانُ فيهِ العرضُ، وتُحفظُ فيهِ الحرماتُ.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْ شَبَابَنَا الْعِفَّةَ وَالْحَيَاءَ، وَبَنَاتِنَا السَّتْرَ وَالصِّيَانَةَ، وَرُزْقَهُمُ الزَّوَاجَ الْحَلَالَ الْمُيَسَّرَ الْمُبَارَكَ.

المراجع: القرآن الكريم

كتب الحديث: صحيح البخاري، صحيح مسلم، صحيح ابن ماجه، سنن أبي داود، سنن الترمذي، السنن الكبرى للنسائي، مسند أحمد، المعجم الكبير للطبراني، المستدرك على الصحيحين للحاكم، مسند البزار، مسند أبي يعلي، أصول الشاشي، سنن البيهقي، شعب الإيمان للبيهقي، الأوسط لابن المنذر، مصنف ابن أبي شيبة.

ثالثًا: كتب التفسير وشروح الحديث وغيرهما: تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، تفسير القرطبي، تفسير ابن كثير، التفسيرُ الكبيرُ للرازي، جامع بيان العلم لابن عبد البر. أدب الدنيا والدين للماوردي، تاريخ المدينة لابن شبة، التمهيد لابن عبد البر. فيضُ القدير للمناوي، مرقاةُ المفاتيحِ للقاري.

د. أحمد رمضان

خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير: الدكتور أحمد رمضان

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى