أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة (الثانية): خطورةُ الرشوةِ ، للدكتور أحمد رمضان

خطبة الجمعة القادمة (الثانية) : خطورةُ الرشوةِ ، إعداد: رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 23 جمادي الأولي ربيع الثاني 1447هـ ، الموافق 14 نوفمبر 2025م.

حصريا ل صوت الدعاة لتحميل خطبة الجمعة القادمة (الثانية) 14 نوفمبر 2025م بصيغة word بعنوان : خطورةُ الرشوةِ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

 

 انفراد لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 نوفمبر 2025م بصيغة pdf بعنوان : خطورةُ الرشوةِ ، للدكتور أحمد رمضان.

 

لقراءة الخطبة الأولي بعنوان: هَلّا شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ؟

عناصر خطبة الجمعة القادمة 14 نوفمبر 2025م بعنوان : خطورةُ الرشوةِ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.

 

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: حَرْمَةُ الرَّشْوَةِ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ

العُنْصُرُ الثَّانِي: كَيْفَ تُفْسِدُ الرَّشْوَةُ القَلْبَ وَالْمُجْتَمَعَ؟

العنصرُ الثالثُ: آثارُ الرشوةِ على الأفرادِ والأسرِ والدولِ

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: طُرُقُ العِلاجِ وَالتَّحصِينِ مِنْ آفَةِ الرَّشْوَةِ

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة (الثانية) 14 نوفمبر 2025م : خطورةُ الرشوةِ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:

 

  خطورةُ الرشوةِ

23 جمادي الأولي 1447هـ – 14 نوفمبر 2025م

إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ الَّذي أَمَرَ بالعدلِ والإحسانِ، ونهى عنِ الظلمِ والطغيانِ، وحرَّم أكلَ الأموالِ بالباطلِ، وجعلَ الرشوةَ من أخبثِ الطرقِ وأظلمِها، نحمدُهُ حمدًا يليقُ بجلالِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ لهُ، أَمَرَ بالقسطِ، وحرَّمَ الظلمَ على نفسِهِ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، نبيُّ العدلِ والهدى، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومن اتبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ. أمَّا بعدُ؛

عناصر الخطبة:

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: حَرْمَةُ الرَّشْوَةِ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ

العُنْصُرُ الثَّانِي: كَيْفَ تُفْسِدُ الرَّشْوَةُ القَلْبَ وَالْمُجْتَمَعَ؟

العنصرُ الثالثُ: آثارُ الرشوةِ على الأفرادِ والأسرِ والدولِ

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: طُرُقُ العِلاجِ وَالتَّحصِينِ مِنْ آفَةِ الرَّشْوَةِ

فإنَّ الرشوةَ ليستْ مجردَ مالٍ يقدَّمُ، بل هي سمٌّ في العروقِ، وخيانةٌ للأمانةِ، وجهارٌ لمحاربةِ اللهِ في حكمِهِ، وضربةٌ في صلبِ المجتمعِ، وسببٌ لضياعِ الحقوقِ وتقويضِ الدولِ.

تعريف الرشوة لغة: “قالَ سيبويهَ: من العربِ من يقولُ رشوةُ ورشى ومنهم من يقولُ رشوةُ ورشى والأصلُ رشى وأكثرُ العربِ يقولُ رشى. ورشاهُ يرشوهُ رشوًا: أعطاهُ الرشوةَ. وقد رشا رشوةً وارتشى منهُ رشوةً إذا أخذها. وراشاهُ: حاباهُ” لسان العرب لابن منظور ج6، ص160.

وشرعًا: قالَ الجرجانيُّ: “الرشوةُ: ما يُعطى؛ لإبطالِ حقٍّ، أو لإحقاقِ باطلٍ. التعريفات ص111.

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: حَرْمَةُ الرَّشْوَةِ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ

قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188]. هذه الآيةُ أصلٌ في تحريمِ الرشوةِ، قالَ البغوي في تفسيره: “لا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ مالَ بَعْضٍ بِالْباطِلِ أي مِنْ غيرِ الوجهِ الَّذي أباحَهُ اللهُ وأصلُ الباطِلِ الشيءُ الذاهِبُ والأكلُ بالباطِلِ أنواعٌ قد يكونُ بطريقِ الغصبِ والنَّهبِ … وقد يكونُ بطريقِ الرشوةِ والخيانةِ”.

وفي السنة المشرفة: عن عبدِ اللهِ بنِ عمرو رضيَ اللهُ عنهما قال ﷺ َ: لعنةُ اللهِ على الرّاشِي والمُرْتَشِي.  أبو داودَ (3580)، والترمذيُّ (1337)، وابن ماجه (2313) وأحمد (6984). حسن. ولفظٌ آخرُ صحيحٌ: “لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي”. صحيح: أبو داود (٣٥٨٢)، والترمذي (٣٣٧)، وابن ماجه (٢٣١٣).

الرَّشْوَةُ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ الظُّلْمِ

الراشيُ والمرتشيُ أي: آخذُ الرشوةِ ومعطيها في النارِ، قال الخطابيُ: إنما تلحقُهمُ العقوبةُ إذا استويا في القصدِ، فرشا المعطيُ لينالَ باطلًا، فلو أعطى ليتوصلَ بهِ لحقٍّ أو دفعَ باطلٍ فلا حرجَ. وقال ابنُ القيمِ: الفرقُ بين الرشوةِ والهديةِ أن الراشيَ يقصدُ بها التوصلَ إلى إبطالِ حقٍّ أو تحقيقِ باطلٍ، وهو الملعونُ في الخبرِ، فإن رشا لدفعِ ظلمٍ اختص المرتشيُ وحدهُ باللعنةِ”. فيض القدير للمناوي ج4، ص43.

 فَالسُّحْتُ هُوَ الرُّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الرُّشْوَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً لِيَرُدَّ بِهَا حَقًّا أَوْ يَدْفَعَ بِهَا [ظُلْمًا(  فَأُهْدِيَ لَهُ فَقَبِلَ فَهُوَ سُحْتٌ. تفسير البغوي ج3، ص58.

الرَّشْوَةُ لَيْسَتْ مَظْهَرًا مَالِيًّا بَلْ جِهَادٌ لِتَغْيِيرِ الحَقِّ: في الصحيحين:اسْتَعْمَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا مِنَ الأسْدِ، يُقَالُ له: ابنُ اللُّتْبِيَّةِ، قالَ عَمْرٌو: وَابنُ أَبِي عُمَرَ، علَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لَكُمْ، وَهذا لِي، أُهْدِيَ لِي، قالَ: فَقَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عليه، وَقالَ: ما بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنكُم منها شيئًا إلَّا جَاءَ به يَومَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ له رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، هلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ“. البخاري (7174)، ومسلم (1832).

ومعناهُ: فإذا لم يكن سيُهدَى إليه لو لم يكن موظفًا، فهي رشوةٌ مُحرّمةٌ بالإجماعِ.

قال النووي: “هَدَايَا الْعُمَّالِ حَرَامٌ وَغُلُولٌ… بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ لِغَيْرِ الْعَامِلِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ مَا يقبضه العالم وَنَحْوِهِ بِاسْمِ الْهَدِيَّةِ وَأَنَّهُ يَرُدُّهُ إِلَى مُهْدِيهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَإِلَى بَيْتِ الْمَالِ”. شرح النووي علي مسلم (12/219).

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَظَاعَةِ الرَّشْوَةِ، “أُهديَ إلى عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ هديةً فردَّها، فقيلَ لهُ: إنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كانَ يقبلُها، فقالَ: كانتْ لهُ الهديةُ هديةً، وهي لنا رشوةٌ. وقد لعنَ اللهُ الراشيَ والمرتشيَ والرائشَ، وقال بعض السلف: “هَدِيَّةُ الْعَامِلِ غُلُولٌ.” اللطائف والظرائف للثعالبي، ص246.

كَانَ رَجُلٌ يُهْدِي لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كُلَّ عَامٍ فَخِذَ جَزُورٍ فَخَاصَمَ إِلَيْهِ رَجُلًا، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَنَا قَضَاءً فَصْلًا كَمَا يُفْصَلُ الرِّجْلُ مِنْ سَائِرِ الْجَزُورِ. قَالَ: فَقَضَى عَلَيْهِ عُمَرُ ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: إِنَّ الْهَدَايَا هِيَ الرِّشَا”. الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا ص294.

لماذَا كانتِ الرَّشوةُ مِنْ أعظمِ الكبائِرِ؟ لِأَنَّهَا: تغيرُ الحَقَّ، تخدشُ العدلَ، تبيعُ الذمةَ، تفسدُ الدولَ، تسلبُ المظلومَ حقهُ، تقسيُ القلبَ.

العُنْصُرُ الثَّانِي: كَيْفَ تُفْسِدُ الرَّشْوَةُ القَلْبَ وَالْمُجْتَمَعَ؟

أيُها الإخوةُ الأفاضلُ، ليستِ الرشوةُ خطرًا ماليًا فقطْ، بل هيَ — قبلَ ذلكَ — خطرٌ قلبيٌ، ومرضٌ روحيٌ يصيبُ الفؤادَ، فيستحلُ الحرامَ، ويستميتُ في طلبِ الدنيا، ويقدمُ ما يغضبُ اللهَ على ما يرضيهِ.

أولًا: الرشوةُ تفسدُ القلبَوالقلبُ ملكُ الجوارحِ.

أَخبرَ النَّبِيُّ ﷺ: “أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ”. رواه البخاري (52) ومسلم (1599) فإذا تَغَذّى القلبُ بالحرامِ فسدَ وعميَ، وإذا تَغَذّى بالرشوةِ كان أشدَّ فسادًا؛ لأنها حرامٌ متعمدٌ يبيعُ فيه الإنسانُ نفسَهُ.

وقدْ ثبتَ فِي الترمذي حديث صحيح (3334) أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:إنَّ العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتت في قلبِهِ نُكْتةٌ سوداءُ، فإذا هوَ نزعَ واستَغفرَ وتابَ سُقِلَ قلبُهُ، وإن عادَ زيدَ فيها حتَّى تعلوَ قلبَهُ، وَهوَ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللَّه كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ “. أي: في القلوبِ، كلما أذنبَ الإنسانُ. فإذا ألفَ الرشوةَ، كثرتِ النكتُ السوداءُ، فعميَ القلبُ، وسدتْ طرقُ الهدى.

ثانيًا: الرشوةُ تسقطُ البركةَ من المالِ والعمرِ.

فِي صحيح البخاري (2387): “مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ”. والراشي والمرتشي يأخذانِ ما ليسَ لهما، فيكونُ أخذُهما من جنسِ الإتلافِ، فتذهبُ البركةُ من: المالِ، العمرِ، العافيةِ، الأهلِ، الأولادِ. ترى الراشي والمرتشي لا يستقرُ قلبُه، ولا ينعمُ بمالِه، فإن الحرامَ لا يدخلُ مالًا إلا أفسدَه.

ثالثًا: الرشوةُ تولدُ قساوةً في القلبِ..

قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 22]. وقساوةُ القلبِ شؤمٌ ولعنةٌ، فلا يتأثرُ بموعظةٍ، ولا يلينُ لحقٍّ، ولا يرحمُ مظلومًا. ومن أعظمِ أبوابِ قساوةِ القلبِ: أكلُ الحرامِ، الظلمُ، الرشوةُ، لأن الرشوةَ تتلفُ الفطرةَ، وتجعلُ الإنسانَ يقدمُ حبَّ النقودِ على القيمِ والحقِّ والعدلِ.

رابعًا: الرشوةُ تفسدُ المجتمعَ من جذورِه

الرشوةُ سمٌّ يذيبُ: العدلَ، والثقةَ، والإنصافَ، والنظامَ، والقيمَ، فالمجتمعُ الذي تنتشرُ فيه الرشوةُ يصبحُ: يبيعُ الحقَّ لمن يدفعُ، ويظلمُ من لا يملكُ، ويقدسُ المعتديَ، ويستخفُّ بالمظلومِ.

قالَ ابنُ القيمِ: “فإنَّ المرتشيَ ملعونٌ هو والراشيَ؛ لما في ذلكَ من المفسدةِ، ومعلومٌ قطعًا أنَّهُما لا يخرجانِ عن الحقيقةِ وحقيقةِ الرشوةِ بمجردِ اسمِ الهديةِ، وقد علمنا وعلمَ اللهُ وملائكتُهُ ومن لهُ اطلاعٌ إلى الحيلِ أنَّها رشوةٌ”. إعلام الموقعين ج3، ص96.

خامسًا: أعظمُ ما تفسدهُ الرشوةُ: الدينُ والقيمُ

قال المناوي: “لَعَنَ اللهُ الراشيَ والمرتشيَ والرائشَ بالشينِ المعجمةِ، وهو السفيرُ الذي يمشي بينهما يستزيدُ هذا وينتنقصُ هذا، لأنَّ الرشوةَ على تبديلِ أحكامِ اللهِ إنما هي خصلةٌ نشأت من اليهودِ المستحقينَ اللعنةَ، فإذا سرت الخصلتانِ إلى أهلِ الإسلامِ استحقوا من اللعنِ ما استحقهُ اليهودُ، كذا في المطامحِ، وقد جاء النهيُ عن الرشا حتى في التوراةِ”. فيض القدير ج5، ص268.

وقالَ ابنُ جريرٍ: “شفعَ مسروقٌ لرجلٍ في حاجةٍ فأهدى إليهِ جاريةً، فغضبَ مسروقٌ غضبًا شديدًا وقالَ: لو علمتُ أنكَ تفعلُ هذا ما كلمتُ في حاجتِكَ، ولا أكلمُهُ فيما بقيَ من حاجتِكَ. سمعتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ: من شفعَ شفاعةً ليردَّ بها حقًا، أو يرفعَ بها ظلمًا، فأهدى لهُ، فقبلَ، فهو سحتٌ”. تفسير الوسيط لطنطاوي ج4، ص160.

العنصرُ الثالثُ: آثارُ الرشوةِ على الأفرادِ والأسرِ والدولِ

أيُّهَا المسلمونَ، إنَّ الرشوةَ ليستْ ذنبًا يقفُ عندَ صاحبِه، ولا جريمةً تصيبُ المرتشيَ وحدهُ، بل هيَ بلاءٌ يتعدى، ووباءٌ يسري، يبدأُ منْ جيبِ شخصٍ، وينتهي بإسقاطِ دولةٍ، وهدمِ أمةٍ. والفقهاءُ يقولونَ قاعدةً جليلةً: “المعاصي بريدٌ للمعاطب.”، والرشوةُ منْ أكبرِ هذهِ البرابرِ.

أولًا: آثارُها على الفردِ

  • ضياعُ الدينِ وذهابُ التوفيقِ

الرشوةُ تضيِّعُ الدينَ؛ لأنَّ صاحبَها يبيعُ آخرتَهُ بدنياهُ، ويبيعُ رضا اللهِ برضا الخلقِ، ثبتَ في صحيحِ مسلمٍ (1015):إنَّ العَبدَ ليُحرَمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ يُصيبُه”. ابن ماجه (4022)، وأحمد (22438)، حديث حسن. وقال ﷺ: “تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ …”. مسلم (231). ومن أعظم الفتن: أكل الحرام. فإذا اعتاد العبدُ الرشوةَ، انفتح له بابُ فتنةٍ لا يُغْلَقُ.

  • قساوَةُ القَلبِ وضياعُ نُورِ البَصِيرَةِ

قال الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ [الزمر: 22]. والعلماء يصرّحون أن من أخطر أسباب قسوة القلب: أكل الحرام، الظلم، الرشوة.

  • انعدامُ البركةِ في الرزق

من أخذ مالًا بغير حق، فقد أعلن الحرب على البركة، قال ﷺ في صحيح مسلم (2588): “ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ”. فإذا كان المال الحلال يزدهر بالصدقة، فالحرامُ يَذْوِي بالرِّشوة”. ولذلك ترى المرتشي: كثير المال قليل السعادة، واسع الجيب ضيق الصدر، يملك كل شيء إلا البركة.

ثَانِيًا: آثَارُهَا عَلَى الأُسْرَةِ

  • الرِّزقُ الحرامُ يُغذِّي الأبناءَ بِسُمٍّ

 قال ﷺ في صحيح مسلم (1015): “يا أيُّها النَّاسُ إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا ، وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ فقالَ يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وقالَ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ قالَ وذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ يا ربِّ يا ربِّ ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغذِّيَ بالحرامِ فأنَّى يستجابُ لذلِك

فإذا دخل الحرام البيت: فسدَ قلبُ الزوج، وقست قلوبُ الأبناء، وحَلَّ النَّزَاعُ، وغابت السكينة

  • ضياعُ القُدوَة

حين يرى الابنُ أباهُ يمدُ يدهُ إلى الحرام، يسقطُ حاجزَ الخوفِ من اللهِ من قلبهِ: فكيف يصلحُ أبٌ ابنًا؟ وهو يبيعُ عدلَ اللهِ بدراهمَ لا تزيدُهُ إلا وبالًا.

  • زوالُ الثقةِ وهدمُ العلاقاتِ

الرشوةُ تفسدُ الأسرَ؛ لأنها تزرعُ البغضَ، تولدُ الشكَّ، تفقدُ الثقةَ، تشعلُ الخصامَ والعجيبُ أن كثيرًا ممن سقطوا في الرشوةِ كانوا يبحثون عن “راحة”، فوجدوا: قلقًا، نكدًا، ضيقًا في الصدرِ، وخوفًا مستمرًا.

ثالثًا: آثارُها على المجتمعِ والدولةِ

  • ضياعُ العدلِ وتمكينُ الظلمِ

الرشوةُ هي إسقاطُ العدلِ ورفعُ الميزانِ، وهي أبشعُ من الظلمِ الفردي، لأنها: تسقطُ حقَّ الضعيفِ، تعلي الباطلَ، تغيرُ أحكامَ اللهِ.

  • تعطيلُ المصالحِ وانهيارُ المؤسساتِ

الموظفُ الذي يأخذُ الرشوةَ: يوقفُ مصالحَ الناسِ، يؤخرُ المعاملاتِ، يفسدُ الأنظمةَ، ويخونُ وظيفتَهُ.

  • سُقُوطُ الدَّوْلَةِ بِالرَّشْوَةِ

التاريخُ الإسلاميُّ مليءٌ بالشواهد، أنَّ كثيرًا من الدول سقطت بسبب الرَّشَا. وما الرشوةُ إلا نَوْعٌ مِنَ الظلم.

الرشوةُ تهدمُ: الدِّين، والقلب، والأسرة، والمجتمع، والدولة، ووهي طريقٌ إلى فسادٍ شامل، لا ينجو منه أحد.

الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ

الحمدُ للهِ معزِّ من أطاعهُ، مذلِّ من عصاهُ، نحمدُهُ حمدًا يليقُ بجلالهِ، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، شهادةً نرجو بها النجاةَ يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ، ونشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، خيرُ من عبدَ ربَّهُ، وأدى أمانتَهُ، ونصحَ لأمتِهِ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليمًا كثيرًا. أما بعدُ؛

العُنْصُرُ الرَّابِعُ: طُرُقُ العِلاجِ وَالتَّحصِينِ مِنْ آفَةِ الرَّشْوَةِ

أيها المؤمنونَ، لما كانتِ الرشوةُ داءً عظيمًا، وبلاءً مهلكًا، كان لابدَّ من بيانِ طريقِ العلاجِ، وسُبلِ النجاةِ، ووسائلِ التحصينِ، لننقذَ أنفسَنا وأُسرَنا وبلادَنا من هذا الداءِ الذي أفسدَ أممًا وقوضَ الدولَ.

وسنذكرُ أهمَّ خمسةِ أسسٍ للرشدِ والعلاجِ، كلُّها قامتْ عليها النصوصُ الصحيحةُ والكلماتُ الثابتةُ للسلفِ.

أولًا: تزكيةُ القلبِ وتصحيحُ النيةِ

وإِصلاحُ القلبِ يَكونُ بِأمورٍ: الخوفُ من اللهِ، قال الله تعالى: ﴿وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُم مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175]، تَذَكُّرُ عَاقِبَةِ الرَّشْوَةِ: لَعْنَةٌ – ظُلْمٌ – ضَيَاعُ بَرَكَةٌ – هَلَاكُ أُسْرَةٍ، إصلاحُ سريرةِ الإنسان، فَلَا يُمْكِنُ لِقَلْبٍ مُمْتَلِئٍ بِالشَّهْوَةِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ الرَّشْوَةِ.

فالقلبُ إذا قَسَا، لم يَعُدْ يَرَى الرشوةَ حرامًا… بل يراها “ذكاءً”!

ثَانِيًا: التَّحَصُّنُ بِالعِلْمِ الشَّرْعِيّ

الجهلُ هو السُّلَّمُ الذي يصعدُ منه المرتشي، ولذلك قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل: 43]، والعلمُ يَكْشِفُ أمورًا: أنَّ الرشوةَ كبيرةٌ ثابتةٌ بلَعْنٍ نَبَوِيٍّ صريح، أنَّ المالَ الذي يدخل من الرشوة مالٌ خبيثٌ، أنَّ الموظفَ الذي يأخذ الرشوة لا بَرَكَةَ في رزقه، أنَّ الهديةَ في وقت الحاجة رشوة، وما رواه أبو داود في سننه (رقم 3594) بإسناد صحيح: أن النبي ﷺ قال: أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ؟!»، وهذا أصلٌ في التفريق بين الهدايا والرِّشَا.

ثَالِثًا: القَطْعُ التَّامُّ لِذَرَائِعِ الرَّشْوَةِ

لا تُتْرَكُ الرشوةُ إلا إذا قُطِعَتْ أسبابُها، ومن أهمِّ الذرائع: الهديةُ أثناءَ الوظيفة: وهي – بنصوصٍ صحيحة – غُلُولٌ.

المحاباةُ الوظيفية: وهي نَوْعٌ مِن الرِّشْوَةِ المعنوية، البطءُ في قضاء مصالح الناس، وهذا البابُ يفتحُ بابَ الرشوة.

التعاقدُ المشبوه: فإذا وقع الموظفُ في شبهة، جَرَّتْهُ إلى الرشوة شيئًا فشيئًا.

رَابِعًا: إِحْيَاءُ الرَّقَابَةِ الذَّاتِيَّةِ وَمَرَاقَبَةِ اللهِ

عملُك أمانة، وما دمتَ تأخذُ أجرًا من الدولة أو المؤسسة، فكلُّ دقيقةٍ تَتَأَخَّرُ فيها عمَّا وُكِّلْتَ به، فهي خيانة.

فإذا كانت النيّة خالصة، سَهُلَ تركُ الرشوة، وإذا فسدت النية، سَهُلَ التلذذُ بها!

خَامِسًا: بِنَاءُ مُجْتَمَعٍ لَا يَقْبَلُ الرَّشْوَةَ

الرشوةُ تُقَاوَمُ من ثلاثِ جهاتٍ:

الأسرةُ: بالقدوةِ الصالحةِ، وبتعليمِ الأبناءِ أن الحرامَ نارٌ.

المؤسساتُ: بالتطويرِ الإداريِ، وتقصيرِ المسافاتِ، ومنعِ الاحتكاكِ المباشرِ الذي يفتحُ بابًا للرشوةِ.

المجتمعُ: بالمقاطعةِ الاجتماعيةِ لمن يُعرفُ عنه الرشوةُ، كما فعلَ عمرُ مع الخائنينَ في الصدقاتِ.

الخَاتِمَةُ: عبادَ اللهِ، إن الرشوةَ ليست جريمةً ماديةً فقط، بل جريمةٌ تنزلُ في أعماقِ القلبِ، وسوءٌ يتسللُ إلى الطبيعةِ حتى يصيرَ خلقًا، ولو علمَ الراشي والمرتشي أيَّ بابٍ يفتحانِهِ على أنفسِهما، ما دنوا منه شبرًا.

واللهُ – جل جلالُهُ – يبسطُ يديهِ للتائبينَ، ويدعو العبادَ إلى أن يطهّروا قلوبَهم وأموالَهم وأعمالَهم، قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

فمن تابَ، تابَ اللهُ عليهِ، ومن ردَّ المظالمَ، ردَّ اللهُ له ما فاته من بركاتٍ، ومن نقّى مالَهُ، نقّى اللهُ صدرَهُ، ومن أصلحَ دنياهُ بالحلالِ، أصلحَ اللهُ آخرتَهُ.

يا عبادَ اللهِ، الرشوةُ تميتُ الخوفَ من اللهِ، والتقى يحييهِ، الرشوةُ تطفئُ نورَ القلبِ، والصدقُ يشعلُهُ.

الرشوةُ تقطعُ الرزقَ وإن كثرَ، والطهارةُ تباركُ في القليلِ.

فاحذروا – رحمكمُ اللهُ – من مالٍ محرّمٍ، واسألوا اللهَ أن يرزقَكم رزقًا طيبًا، وعلمًا نافعًا، وعملًا متقبلًا.

اللهم طهّرْ قلوبَنا من الرشوةِ، ونقِّ أيدينا من الحرامِ، واجعلْ أرزاقَنا حلالًا طيبًا مباركًا.

واصرفْ عن بلادِنا الفسادَ والرشوةَ وسوءَ الأخلاقِ.

واحفظْ مصرَ من كلِّ سوءٍ وفتنةٍ.

المراجع: القرآن الكريم

كتب الحديث: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، وابن ماجه، سنن الترمذي، مسند أحمد.

ثالثًا: كتب التفسير وشروح الحديث وغيرهما: تفسير الطبري، تفسير الوسيط لطنطاوي، تفسير البغوي، فتح الباري لابن حجر، شرح النووي علي مسلم، حلية الأولياء لأبي نعيم، لسان العرب لابن منظور، التعريفات للجرجاني، فيض القدير للمناوي، اللطائف والظرائف للثعالبي، الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا، إعلام الموقعين لابن القيم.

د. أحمد رمضان

خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير: الدكتور أحمد رمضان

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى