خطبة الجمعة القادمة : “إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح” ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان
إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ. 30 محرم 1447هـ، الموافق 25 يوليو 2025م

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : “إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح” ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ. 30 محرم 1447هـ، الموافق 25 يوليو 2025م.
-عناصر خطبة الجمعة القادمة 25 يوليو 2025م بعنوان : إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.
العُنْصُرُ الْأَوَّلُ: فَهْمُ الْوَقْتِ وَمَكَانَتُهُ فِي الْإِسْلَامِ
العُنْصُرُ الثَّانِي: إِدَارَةُ الْوَقْتِ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَحَيَاةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ
العُنْصُرُ الثَّالِثُ: ثَمَرَاتُ إِدَارَةِ الْوَقْتِ عَلَى بِنَاءِ الْإِنْسَانِ وَنَجَاحِهِ
الخطبة الثانية: العنصر الرابع: ضوابط التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 25 يوليو 2025م بعنوان : إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:
إِدَارَةُ الْوَقْتِ مِفْتَاحُ بِنَاءِ الْإِنْسَانِ النَّاجِحِ
30 محرم 1447هـ – 25 يوليو 2025م
إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان
المـــوضــــــــــوع
اَلْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْـحَيَاةَ وَالزَّمَانَ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، وَجَعَلَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُتَّسَعًا لِلْعَمَلِ، وَفُرْصَةً لِلتَّقَدُّمِ وَالِازْدِهَارِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَوْلَاهُ مِنَ النِّعَمِ وَالْفُرَصِ.
وَأشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ، الْـمُنَزَّهَ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ، الْـمُنَفَرِدَ بِالتَّصْرِيفِ وَالتَّقْدِيرِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْـمُعَلِّمُ الْأَعْظَمُ، وَالْـقُدْوَةُ الْأَسْمَى، الَّذِي قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ وَنَفْسِي الْـمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ الْوَصِيَّةُ الْخَالِدَةُ، وَالْعُدَّةُ الزَّاخِرَةُ، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطَّلَاق: ٢].
العُنْصُرُ الْأَوَّلُ: فَهْمُ الْوَقْتِ وَمَكَانَتُهُ فِي الْإِسْلَامِ
الوقتُ رأسُ مالِ المؤمنِ، ولِهَذا نبهَ القرآنُ إليه بأقسامٍ متتاليةٍ: ﴿وَالْفَجْرِ﴾، ﴿وَالضُّحَى﴾، ﴿وَالْعَصْرِ﴾. فالفجرُ بابُ النُّهوضِ بأولِ النهارِ، والضحى وقتُ السَّكينةِ وإظهارِ النعمةِ، والعصرُ مِيزانُ العملِ قبلَ الغروبِ. قال ابنُ كثيرٍ – رحمه الله – : “إنَّ العصرَ هو الزمانُ الذي تَجري فيهِ حركاتُ بني آدمَ (ابن كثير ٨/٤٩٩)، وقال الطبريُّ – رحمه الله – إنَّ الإنسانَ في نقصانٍ مستمرٍ إلا مَن شَمِلَهُ الاستثناءُ (الطبري ٢٤/٦١٧).
وما أبلغَ أن جعلَ سبحانهُ الاستثناءَ رباعيًّا يضمُّ الإيمانَ والعملَ والتواصيَ بالحقِّ والتواصيَ بالصبرِ، فجعلَ هَذِه الدعاماتِ ضبطًا لمسارِ العُمرِ. فجملٌ أربعٌ تَمتدُّ في الأيَّامِ، ومَن فقدَ ركنًا منها رأَى الخسرانَ يتسربُ إلى تفاصيلِ حياتهِ.
يقولُ الحسنُ البصريُّ– رحمه الله: يا ابنَ آدمَ إنَّما أنتَ أيامٌ إذا ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُكَ (صفة الصفوة ٢/٩٧)، وقال ابنُ مسعودٍ: ما ندمتُ على شيءٍ كندمي على يومٍ غربتْ شمسُهُ نقصَ فيهِ أجلي ولم يزدْ فيهِ عملي (سير أعلام النبلاء ٣/٨٢). تذكيرٌ بأنَّ الميزانَ الحقيقيَّ ليسَ بالدراهمِ، بل بزيادةِ العملِ الصالحِ.
ومنْ ذلك استثمارِ الوقت يُروى عن ابنِ عقيلٍ – رحمه الله – أنهُ قالَ: لا يحلُّ لي أن أضيعَ ساعةً، فإن عجزَ لساني وبصري عملتُ فكري حتى أقومَ وقد خطرَ لي ما أسطرهُ (سير أعلام النبلاء ١٩/١٢٠، ذيل طبقات الحنابلة ١/٥٠). هاهُنا درسٌ جلِيٌّ: حتى في سكونِ الجسدِ، يمكنُ للعقلِ أن يُثمرَ ويُبدعَ.
ألا ترى كيفَ يهدرُ كثيرٌ منّا الساعاتِ أمامَ الشاشاتِ؟ يهيمُ في مواقعٍ لا تُعطيهُ إلا الباطلَ وخسارةَ الوقْتِ! أليسَ هذا من أسوأِ سوءِ استثمارٍ؟!
ثمَّ يجيءُ حديثُ النبيِّ ﷺ محكمًا وصيَّةً للمراجعةِ الدائمةِ:
“لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ» (الترمذيُّ ٢٤١٧).
وفي قصة سيدنا سليمان عليه السلام العبرة والعظة: في تلك اللحظة التي امتزج فيها الهدوءُ بانشغالٍ عالٍ، بدا سليمانُ–عليه السلامُ– كأنهُ يقنصُ الزمنَ نفسه، حين فتَّشَ جَنَاحَ ريشِ أسرابِ طيورِه بدقةٍ متناهيةٍ فلم يرَ الهدهدَ بينَ أعدادٍ هائلةٍ، فارتفعَ صوتهُ بهمسٍ ملكوتيٍّ:
﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَآ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ [النمل: 20]
هذا النداءُ ليسَ عابرًا؛ بل هو علامةُ يقظةٍ فوريةٍ للفرصةِ المهدورةِ في ساعاتِ الفراغِ. ففي زمنٍ قد يهدرُ فيه البعضُ دقائقَ بلا شعورٍ، استيقظ سليمانُ–عليه السلامُ– ليغتنمَ تلك الثواني في اكتشافِ النقصِ قبلَ أن يتفاقم، فكانَ الهدهدُ يستجيبُ بلمحِ البصرِ، متجاوزًا الصحارى والسهولَ في رحلةٍ حافلةٍ بالتحدياتِ والخطرِ، لكي يؤديَ رسالةً عظيمةً لا تحتملُ التلكؤَ أو التأجيلَ.
ولما وصلَ الخبرُ إلى سليمانَ–عليه السلام– أثنَى عليهِ بقولهِ المجلَّى في التفسيرِ: «ما بلغني مثل هذا فهمًا قبل أن أرسله» (ابن كثير 6/439) وهنا يتجلّى المنحى التطبيقيُّ لإدارةِ الوقتِ.
هنا نَقفُ لنسألَ: أينَ موقعُ حصةِ الإيمانِ في قلبِكَ؟ ما وزنُ العملِ في يومِكَ؟ كيفَ تُحيي ركنَ التواصيِ بالحقِّ؟ وأينَ تُخزِّنُ صبرَكَ عندَ الأهوالِ؟ إنَّ إجاباتِكَ على هذهِ الأسئلةِ تُمهِّدُ لانطلاقِ خطواتٍ عمليةٍ لإدارةِ الوقتِ في العنصرِ الثاني إن شاءَ اللهِ.
العُنْصُرُ الثَّانِي: إِدَارَةُ الْوَقْتِ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَحَيَاةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ
يا عبادَ اللهِ، إنَّ سيِّدَنَا محمّدًا ﷺ كانَ أحرَصَ النّاسِ على الوقتِ وأحسَنَهُم تَدبيرًا لهُ وأوفَاهُم قيمةً؛ فلم يضيعْ لحظةً إلَّا في طاعةٍ للهِ تعالى أو تبليغِ رسالةٍ أو تربيةٍ وتأديبٍ أو تفريجِ كربةٍ عن مُكرَبٍ أو قيامٍ بحقٍّ محفوظٍ. تأمّلوا حياتهَ كيفَ وزَّعَ أوقاتَهُ بين القيامِ والذكرِ والتلاوةِ، مستغرقًا في قيامِ الليلِ لِيدركَ قولَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ (المزمل: 1)، ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (المزمل: 2)، فكانَ لا يَزولُ عن قلبِه الزخمُ وأَثرُهُ في الأمةِ باقيًا. ثم أخصَّ أهْلَهُ بلحظاتٍ من الحنانِ والرأفةِ، فكانَ البيتُ مدرسةً للمودّةِ والصّلةِ (تفسير السعدي 930).
كان النبيُّ ﷺ يُجيبُ السائلَ ويُرشدُ الحائِرَ ويُصالحُ المختلفينَ، ويقضي حوائجَ الفقراءِ والمساكينَ حتى إذا لمْ يُعجزهُ شيءٌ تفرَّغَ لغرسِ بذورِ الوحيِ في القُلوبِ.
وقال ﷺ: «اغتنمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناك قبلَ فَقْرِكَ، وفراغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَيَاتَكَ قبلَ مَوْتِكَ» (أبي داود 4300). وهنا ندركُ أنَّ أيامَ العطاءِ ليستْ تفاصيلَ يومٍ واحدٍ بل رحىً تدورُ بلا توقفٍ إن أعدْتَ تسخيرَ قدراتِك في كلِّ آنٍ.
وليسْ هديُه ﷺ في الدعوةِ والزيارةِ فحسب، بل في تقسيمِ الأدوارِ والإحسانِ في الصغيرِ قبلَ الكبيرِ، فقد كرّرَ قوله ﷺ: «أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدومُها وإن قلَّ» (البخاري 6388)، فكانَ يُحرصُ على فعلِ حقٍّ ولو يسيرٍ يوميًّا خيرًا من عملٍ كثيفٍ يزولُ انقطاعًا.
وكانَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ- رحمه الله- يكررُ: إنَّ اللَّيلَ والنَّهارَ يعمَلانِ فيكَ فاعملْ فيهما. )حلية الأولياء ٤/٢٧٦(
وقالَ الشافعيُّ– رحمهُ اللهُ–: «صحبتُ الصوفيةَ انْتَفِعْت منهمُ بشيئينِ: الوقتُ سيفٌ إنْ لمْ تَقْطَعْهُ قَطَعَكَ، ونفسُكَ إنْ لمْ تَشْغَلْهَا بالحقِّ شَغَلَتْكَ بالباطلِ» (مناقب الشافعي 4/177).
ألا ترونَ أنَّ كثيرًا منّا يهدرُ ساعاتِه في لهوٍ ولغوٍ أمامَ الشاشاتِ؟ يتصفّحُ دونَ هدفٍ ويجالسُ بلا فائدةٍ، ثمَّ يشتكي ضيقَ الوقتِ! إنَّما الخللُ في إدارتِنا لا في الزمانِ، وفي نظرِنا لا في الليلِ والنهارِ.
فلنقفْ وقفةَ تَدبّرٍ: ما مقدارُ قيامِ ليلٍ نعمرُ بهِ قلوبَنا؟ وما حصَّةُ وقتِنا في برِّ الأهلِ وإكرامِ الوالدينِ؟ وكيفَ نُخصِّصُ ساعةً لطلبِ العلمِ ونشرِه؟ إنَّ الإجاباتِ على هذهِ الأسئلةِ هي بَابُ انطلاقِ خطواتٍ عمليةٍ لإدارةِ الوقتِ نباشرُها في العنصرِ الثالثِ إن شاءَ اللهِ.
العُنْصُرُ الثَّالِثُ: ثَمَرَاتُ إِدَارَةِ الْوَقْتِ عَلَى بِنَاءِ الْإِنْسَانِ وَنَجَاحِهِ
يا أحِبَّةَ الإيمانِ، إنَّ من أحسنَ إدارةَ وقْتِهِ أحسنَ إدارةَ حياتِهِ! فالوقتُ كالوعاءِ؛ إن ملأْتَهُ بخيرٍ نفعَكَ، وإن تركتَهُ فارغًا ملأهُ الغافلونَ باللَّغوِ والباطلِ. فما أشرقتْ نفوسٌ بالإبداعِ، ولا أبدعتْ عقولٌ إلا وراءَها نفسٌ تُقدّرُ قيمةَ الزَّمنِ وتحسنُ استثمارهِ.
ولنذكُرْ حديثًا يُذكّرُنا بنعمتينِ غُبِتَ فيهما كثيرٌ من الناسِ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» (ابن ماجه ٤٢٦١). فهل تملأُ فراغَكَ بصدقٍ أو تُضيّعُهُ بينَ لهوٍ وبَطالٍ؟
ثمَّ يقتِلُ العجزَ خاطِرُكَ قولُ النبيِّ ﷺ: «أحب الأعمالِ إلى اللهِ أدومُها وإن قلَّ» (البخاري ٦٣٨٨)، فاقطَعْ سيفَ الوقتِ في سنواتِكَ، ولو بساعاتٍ يسيرةٍ، لتلكَ الساعاتِ وقعٌ أبقى من عملٍ كثيفٍ ثمَّ زالَ!
فلنقفْ اليومَ وقفةَ موازنةٍ: كيفَ وزَّعْتَ وقتَكَ هذا الأسبوعِ بينَ طاعاتٍ ودُنياواتٍ؟
أينَ حصّتُك مِنْ ساعةِ تأمّلٍ في كتابِ اللهِ؟ وما نصيبُكَ مِنْ ساعةٍ خصَّصتَها لطلبِ العلمِ ونشرِه؟
يا عبادَ اللهِ! إنَّ ثمَرَةَ إدارةِ الوقتِ الصَّالِحةِ لا تُحصَى، وهي بابٌ لنموِّ الإنسانِ ورِفعةِ أمَّتِه. لِنَنظُرْ معًا إلى أبرزِ هذهِ الثِّمَرِ:
أولًا – الانضِباطُ والانْتِظامُ: من حسنِ الإسلامِ تركُ ما لا يعني! قال النبيُّ ﷺ: “مَن حُسنَ إسلامِ المرءِ تركهُ ما لا يعنيهُ» (متفقٌ عليه).
ثانيًا – الثِّقةُ والاعتمادُ على الذاتِ: عَنْ أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنهُ: “إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُم آمِنًا فِي سَرْبِهِ، مَعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيِزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (الترمذيُّ ٢٤١٥).
ثالثًا – السكينةُ والإبداع والاستمرارية وعدم التسويف: حينَ تُفعِّلُ كلَّ ساعةٍ في ذكرٍ وقراءةٍ وتفكّرٍ، لا يَشغلُكَ صِغرُ اللحظاتِ، فتصيرُ النفسُ في أمانٍ دائمٍ.
قال الحسنُ البصريُّ: “لا بأسَ بالليلِ إذا استغللتَهُ بالذكرِ» (حليةِ الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني (الطبعة: دار الفكر)، المجلد الثاني، صـ147).
روى أنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ– رضيَ اللهُ عنهُ– قسَّم ليله إلى ثلاثةِ أجزاءٍ: ثُلثٌ لعبادةِ اللهِ، وثُلثٌ لأحوالِ الرعيةِ، وثُلثٌ لنومه، فلم يُخلِّفْ في عملٍ أبدًا أثرًا إلا وقد حقَّقَهُ بإحكامٍ وتفانٍ (حلية الأولياء ٤/٢٧٦). أفلستَ نفسكَ إن لم تُجربْ تنظيمَ وقتِكَ مثلَهُ!
الخطبة الثانية: العنصر الرابع: ضوابط التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي
الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولُهُ، اللهم صلِّ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعينَ.
أيُّها المسلمونَ، أصبحتْ مناوباتُ الدُّنيا تتغيّرُ بلمحِ البصرِ، وصارَ الناسُ يقضونَ أوقاتَهم بينَ الجوالاتِ والشاشاتِ. فهلْ ستَجعلُ هذا البابَ مفتوحًا للخيرِ حيثُ تُعظَّمُ الذكرُ ويُنشرُ العلمُ، أم بابًا للشرِّ حيثُ ينتشرُ الفتنُ وتُضَيَّعُ الأوقاتُ؟! إنَّ لمواقع التواصلِ ضوابطَ شرعِيَّةً وعَمَلِيَّةً تساعدُك على استخلاصِ النفعِ وتجنُّبِ الضررِ:
أولًا: التثبتُ والتحرِّي
كثيرٌ مِنَ الأضرارِ تُنشرُ بغيرِ تمحيصٍ، فلا تُشارِكْ إلا ما تأكَّدتَ مِن صدقِهِ وفائدتِهِ! قال النبيُّ ﷺ: «كفى بالمرءِ كذبًا أن يُحدِّثَ بكلِّ ما يسمعُ» أخرجه مسلم و (أبو داود ٤٨٥٥).
فاحفظْ لسانَكَ من تناقلِ الأباطيلِ، وتحقَّقْ قبلَ إعادةِ النشرِ.
ثانيًا: الأدبُ والأخلاقُ في الكلامِ
إنَّ الشاشةَ لا تَسترهُ كالحيِّ، فتجنَّبْ سبَّ الآخرينَ، ونقلَ الأخبارِ دونَ تحقّقٍ، والتنمُّرَ والغيبةَ والنميمةَ. قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣]؛ فاجعلْ لسانَكَ دائمًا كاشفًا عن نقاءِ القلبِ.
ثالثًا: الاعتدالُ في الإنفاقِ الزمنيِّ
لا تكنْ عبدَ الشاشةِ فتضيعَ عمرَكَ هباءً؛ بل قسِّمْ وقتَكَ بينَ العبادةِ وطلبِ العلمِ والعملِ والدعاءِ والترفيهِ المشروعِ. فإنَّ الفراغَ إن لم يُملأْ بالخيرِ يَملأهُ الشيطانُ بالباطلِ، فاجتنِبْ إضاعةَ الصحَّةِ والفراغِ (ابن ماجه ٤٢٦١).
رابعًا: التنوّعُ في المحتوى النافعِ
اجعلْ قائمةَ صداقاتِكَ وقنواتِكَ متنوِّعةً بينَ حلقاتِ الذكرِ، والمحاضراتِ العلميةِ، والأخبارِ المفيدةِ، والأفكارِ الخلّاقةِ. فتجدُ في ليلكَ صباحًا، وفي نهارِكَ تأملًا، ولا تحتَكَرُ الشاشاتُ على اللهوِ الفارغِ.
خامسًا: المسؤوليةُ الدعويةُ
إذا نشرتَ خيرًا أنشرتَهُ صدقةً جاريَةً، وإذا نشرتَ فتنةً كنتَ وزرَها على نَفْسِكَ. فتذكّرْ قولَ النبيِّ ﷺ:
«الدالُّ على الخيرِ كفاعلهِ» (مسلم ١٢٥٤).
وكنْ داعيةً إلى الخيرِ حيثما كنتَ، ولا تستهينْ بلمسةٍ أو رسالةٍ تُذكرُ الإخوانَ بآيةٍ أو حديثٍ.
سادسًا: السَّلامَةُ من التسلّطِ والإساءةِ
ابتعدْ عن نشرِ أشرطةِ الاعتداءِ أو المشاجرَةِ أو التجريحِ. فالفضاءُ افتراضيٌّ لكنَّ آثارهُ واقعيةٌ، وقد يُفضي بكَ إلى فتنَةٍ أو قطيعةٍ بينَ الناسِ. قال النبيُّ ﷺ:
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخرِ فلا يؤذِ جارَهُ» (متفقٌ عليه).
سابعًا: المتابعةُ والحدُّ من الإدمانِ
اجعلْ تطبيقَ التواصلِ في جهازِكَ في أوقاتٍ محدودةٍ، واحذفْ الإشعاراتِ عندَ الانشغالِ، واجعلْ ليلكَ بلا شاشةٍ ساعةً قبلَ النومِ للراحةِ النفسيةِ.
ثامنًا: المحاسبةُ الدائمةُ
في كلِّ صباحٍ ومساءٍ اسألْ نَفسَكَ: ماذا استفدتُ من شاشتي أمسِ؟ وماذا سأعوّضُ اليومَ؟ وسجِّلْ النتائجَ في دفترِكَ أو تطبيقٍ، ولا تتركْ الأمرَ للصدفةِ.
أيُها الأخوةُ، إنَّ الالتزامَ بهذه الضوابطِ يُصبِحُ منبرَكَ مساحةً للنفعِ والعلمِ، لا لمعاركَ الغوغاءِ والفرقةِ. فابدأْ الآنَ فورًا بتطبيقِ ما سبقَ، واحمِ قلبكَ ووقتكَ من الفسادِ، لتكونَ من الناجحينَ في الدنيا والآخرةِ إن شاءَ اللهِ.
اللهمَّ اجعلْ ألسنتَنا عامرةً بذكركَ، وأوقاتَنا منصرفةً إلى مرضاتِكَ، وارزقْنا الحكمةَ في التعاملِ معَ الشاشاتِ، واجعلْنا هداةً مهتدينَ غيرَ ضالَّينَ ولا مضلينَ. وصلى اللهُ على نبينا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعينَ.
للاستزادة راجع المراجع التالية: ابن كثير ٨/٤٩٩، الطبري ٢٤/٦١٧، السعدي ٩٣٠، صفة الصفوة ٢/٩٧، سير أعلام النبلاء ٣/٨٢، سير أعلام النبلاء ١٩/١٢٠، )حلية الأولياء ٤/٢٧٦( ، ذيل طبقات الحنابلة ١/٥٠. تفسير ابن كثير 8/499، الطبري 24/617، تفسير السعدي 930، صفة الصفوة 2/97، حلية الأولياء 2/147، سير أعلام النبلاء 3/82 و 19/120، ذيل طبقات الحنابلة 1/50، سنن أبي داود 4300، صحيح البخاري 6388، مناقب الشافعي 4/177، (ابن كثير 6/439).
خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
وأيضا للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
–للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وكذلك للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
-كذلك للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
وأيضا للمزيد عن مسابقات الأوقاف