أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اَلْبِيئَةُ هِيَ الرَّحِمُ الثَّانِي وَالْأُمُّ الْكُبْرَي، للدكتور أحمد رمضان

بتاريخ 2 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 24 أكتوبر 2025م

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : اَلْبِيئَةُ هِيَ الرَّحِمُ الثَّانِي وَالْأُمُّ الْكُبْرَي ، إعداد: رئيس التحرير الدكتور أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 2 جمادي الأولي 1447هـ ، الموافق 24 أكتوبر 2025م.

 

حصريا ل صوت الدعاة لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م بصيغة word بعنوان : اَلْبِيئَةُ هِيَ الرَّحِمُ الثَّانِي وَالْأُمُّ الْكُبْرَي ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

 

 انفراد لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م بصيغة pdf بعنوان : اَلْبِيئَةُ هِيَ الرَّحِمُ الثَّانِي وَالْأُمُّ الْكُبْرَي ، للدكتور أحمد رمضان.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م بعنوان : اَلْبِيئَةُ هِيَ الرَّحِمُ الثَّانِي وَالْأُمُّ الْكُبْرَي ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.

 

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: الاستخلافُ فِي الأَرضِ وَأَمَانَةُ البِيئَةِ

العُنْصُرُ الثَّانِي: الحفاظُ علي البِيئَةِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: التَّأمُّلُ فِي آيَاتِ الكَوْنِ وَدُرُوسُهَا الحَضَارِيَّةُ

العُنصُرُ الرابع: وَاجِبُنَا نَحْوَ الْبِيئَةِ

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 24 أكتوبر 2025م : بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:

 

  اَلْبِيئَةُ هِيَ الرَّحِمُ الثَّانِي وَالْأُمُّ الْكُبْرَي

2 جمادي الأولي 1447هـ – 24 أكتوبر 2025م

إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ الذي سخّرَ لنا ما في السَّماواتِ وما في الأرضِ جميعًا منه، وأسبغَ علينا نِعَمَهُ ظاهرةً وباطنةً، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الملكُ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أن محمّدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

عناصر الخطبة:

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: الاستخلافُ فِي الأَرضِ وَأَمَانَةُ البِيئَةِ

العُنْصُرُ الثَّانِي: الحفاظُ علي البِيئَةِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: التَّأمُّلُ فِي آيَاتِ الكَوْنِ وَدُرُوسُهَا الحَضَارِيَّةُ

العُنصُرُ الرابع: وَاجِبُنَا نَحْوَ الْبِيئَةِ

أيُّها الأَحبَّةُ فِي اللهِ، حديثُنا اليومَ عن نِعمةٍ عظيمةٍ وأمانةٍ كبرى، قلّ من يلتفتُ إليها ويقدّرُها حقَّ قدرِها، إنَّها البِيئَةُ التي نحيا فيها، والتي هي ميدانُ استخلافِنا، وموضعُ ابتلائنا، ومجالُ إعمارِنا أو إفسادِنا.

قَالَ أَهلُ اللُّغَةِ: البِيئَةُ مِن بَاءَ يَبُوءُ، أَي رَجَعَ، وَمَوضِعُ البَاءَةِ هُوَ المَكَانُ الَّذِي يَرجِعُ إِلَيهِ الإِنسَانُ وَيَستَقِرُّ فِيهِ. وَفِي الاصطِلَاحِ: البِيئَةُ هِيَ الإِطَارُ الَّذِي يَحْوِي الكَائِنَاتِ الحَيَّةَ وَمَا يَرتَبِطُ بِهَا مِن مَوَادٍّ وَمَظَاهِرٍ طَبِيعِيَّةٍ.

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: الاستخلافُ فِي الأَرضِ وَأَمَانَةُ البِيئَةِ

أيُّها الأَحبَّةُ، لقد ابتدأَ القرآنُ الكريمُ الحديثَ عن الإنسانِ بقضيةِ الاستخلافِ في الأرضِ؛ فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]. فالمكانةُ الأولى للإنسانِ أن يكونَ خليفةً للهِ في أرضِه: مُصلحًا لا مُفسدًا، مُعمِّرًا لا مُخرِّبًا، حارسًا أمينًا لا سارقًا خائنًا.

وقال ابن كثير “الخليفةَ”: قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل، كما قال تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) الأنعام: 165. [تفسير ابن كثير، 1/216].

وقال سبحانه: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، أي طلبَ منكم عمارتَها، وسألكم أن تُقيموا فيها ميزانَ العدلِ والرحمةِ، لا أن تملؤوها بالفسادِ والظلمِ. بل إنَّ اللهَ عزّ وجلّ ربطَ بين الذنوبِ وبين الكوارثِ البيئيةِ، فقال: ﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: 41].

أيُّها المؤمنونَ، البيئةُ إذن أمانةٌ في أعناقِنا، ومسؤوليةٌ شرعيةٌ بين أيدينا، فلا يصحُّ أن نُلوّثَ ماءً، ولا أن نُخرّبَ زرعًا، ولا أن نُتلفَ ثروةً، فإنّ ذلك من الإفسادِ في الأرضِ الذي نهى اللهُ عنهُ.

رجلٌ رأى غُصنَ شوكٍ في طريقِ المسلمين، فقال: لعلَّهُ يؤذي أحدًا، فأزاحَهُ للهِ، فشكرَ اللهُ له فغفرَ له. قال رسول الله ﷺ:بينَما رجُلٌ يمشي بطريقٍ وجَد غُصْنَ شوكٍ على الطَّريقِ فأخَذه فشكَر اللهُ له فغفَر له“.  أخرجه البخاري (2472)، ومسلم (1914). عملٌ صغيرٌ حوَّلَ الطريقَ إلى أمانٍ، وكان سببًا لمغفرةِ الرحمنِ.

ورجلٌ اشتدَّ عطشُه، فنزلَ بئرًا فشربَ، ثم رأى كلبًا يلهثُ من العطشِ، فملأَ خفَّه ماءً وسقاهُ، فشكرَ اللهُ له فغفرَ له. قال رسول الله ﷺ: ” بينَما رجلٌ يمشي بِطريقٍ اشتَدَّ بهِ العَطشُ، فوجدَ بئرًا فنزلَ فيها، فشرِبَ ثمَّ خرجَ، فإذا كلبٌ يلهَثُ، يأكُلُ الثرَى من العَطشِ، فقال الرَّجُلُ: لقد بلغَ هذا الكلبُ من العَطشِ مِثلَ الَّذي كان بلغَني، فنزلَ البِئرَ فملأَ خُفَّهُ ثمَّ أمسكَه بفِيهِ فسَقَى الكلبَ، فشكرَ اللهُ لهُ، فغَفرَ لهُ. قالوا: يا رسولَ اللهِ، وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا؟ قال: في كُلِّ كَبِدٍ رطبَةٍ أجرٌ”.  البخاري (2363)، مسلم (2244).

وعلى العكسِ من ذلك، قال رسول الله ﷺ:عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حتَّى ماتَتْ، فَدَخَلَتْ فيها النَّارَ، لا هي أطْعَمَتْها ولا سَقَتْها، إذْ حَبَسَتْها، ولا هي تَرَكَتْها تَأْكُلُ مِن خَشاشِ الأرْضِ“.

أفلا يدلُّ ذلك – عبادَ اللهِ – على أنّ التعاملَ مع البيئةِ والكائناتِ ليس أمرًا ثانويًّا، بل هو في ميزانِ العقيدةِ والإيمانِ؟

عمرُ بنُ الخطّابِ رضي اللهُ عنه كان يتفقّدُ المراعي والطُّرقاتِ بنفسِه، ويقول: «لَوْ مَاتَتْ شَاةٌ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ ضَائِعَةً، لَظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى سَائِلِي عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أبو نعيم في “حلية الأولياء” (1/53). فانظروا رحمكم اللهُ كيف وسّعَ مفهومَ المسؤوليةِ حتى يشملَ دابّةً تمشي في الأرض!

أيُّها المؤمنونَ، إنَّ الاستخلافَ في الأرضِ لا يتحققُ بشعاراتٍ تُرفعُ، ولا بخطبٍ تُقالُ، وإنّما يتحققُ بالصدقِ العمليِّ: أن نكونَ أوفياءَ في رعايةِ الأرضِ والهواءِ والماءِ، وأن نصونَ البيئةَ من العبثِ والفسادِ، وأن نربطَ أبناءَنا بهذا المعنى العظيمِ: أنّ حفظَ البيئةِ ليس نافلةً، بل هو عبادةٌ، وقُربةٌ، وجزءٌ من شُكرِ النِّعمةِ. قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ التكاثر 8.

العُنْصُرُ الثَّانِي: الحفاظُ علي البِيئَةِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ

أيُّها الأَحبَّةُ في اللهِ، الإيمانُ عندَ النبيِّ ﷺ ليس مجرّدَ كلمةٍ تُقالُ باللسانِ، ولا عبادةً تُؤدَّى بالجوارحِ وحسب، بل هو شُعبٌ متنوّعةٌ، تشملُ العقيدةَ والعبادةَ والأخلاقَ والسلوكَ. قال ﷺ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» مسلم 35.

تأمّلوا – رعاكم اللهُ – كيف جعلَ النبيُّ ﷺ إزالةَ الأذى من الطريقِ شعبةً من شعبِ الإيمانِ! فالمؤمنُ الصادقُ ليس الذي يُطيلُ القيامَ فحسب، بل هو الذي يحرصُ أيضاً على أن تكونَ بيئتُهُ نظيفةً، طرقاتُهُ آمنةً، هواؤُهُ طيبًا، وماؤُهُ نقيًّا.

أيُّها الأحبةُ، السيرةُ النبويةُ ملأى بالدروسِ في هذا البابِ:

فكان ﷺ يُعلّمُ أصحابَهُ الترشيدَ حتى في الوضوءِ، فيقول: «لَا تُسْرِفْ فِي المَاءِ وَلَوْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» سنن ابن ماجه (425) صحيح. بل جعلَ ﷺ إماطةَ الأذى عن الطريق صدقةً، فربطَ بين العملِ البيئيِّ وبين الصدقاتِ التي تُرفعُ إلى اللهِ في صحائفِ العبدِ.

أيها المؤمنون، إذا أردنا أن نُحقّقَ كمالَ الإيمانِ، فلننظرْ إلى البيئةِ من حولِنا: لا نتركُ قمامةً في شارعٍ، ولا نُلقي نفايةً في نهرٍ. لا نسرفُ في ماءٍ ولا كهرباءٍ ولا مواردٍ. نغرسُ شجرةً، ونحمي حياةً، ونصونُ طريقًا.

إنها شُعبةٌ من الإيمانِ، لا تقلّ في ميزانِ اللهِ عن كثيرٍ من النوافلِ، بل قد تكونُ سببًا لرضوانِ اللهِ ودخولِ الجنّةِ.

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[البقرة: 195]، وما أعظمَ الإحسانَ حين يكونُ إحسانًا للخلقِ والكونِ جميعًا.

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: التَّأمُّلُ فِي آيَاتِ الكَوْنِ وَدُرُوسُهَا الحَضَارِيَّةُ

أيُّها الأَحبَّةُ في اللهِ، إنَّ القرآنَ الكريمَ دعانا مرارًا إلى التأمّلِ والنظرِ في الكونِ: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [يونس: 101]. نداءٌ يفتحُ أبوابَ التفكّرِ، ليكونَ النظرُ في السماءِ والجبالِ والبحارِ عبادةً تُرقّي القلوبَ، وتبني العقولَ، وتصنعُ حضارةً.

مَشَاهِدٌ كَوْنِيَّةٌ تَدْعُو إِلَى الإِيمَانِ

السَّماءُ المرفوعةُ بغيرِ عَمَدٍ، والنجومُ اللامعةُ، والكواكبُ الجاريةُ؛ كلّها شواهدُ على عظمةِ الخالقِ، وحُججٌ على وُجُودِه ووحدانيّتِه.

الجبالُ الرَّاسيةُ: أوتادٌ تحفظُ الأرضَ من الميدِ والاضطرابِ.

الأنهارُ الجاريةُ: حياةٌ للأرضِ والإنسانِ، وسبيلُ الرزقِ والعمرانِ.

قال تعالى: ﴿وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 20-21].

قِصَصٌ تُجَسِّدُ الحِكْمَةَ

قِصَّةُ بَئْرِ رُومَةَ: لَمَّا اشْتَدَّ العَطَشُ بِأَهْلِ المَدِينَةِ، وَكَانَتِ البِئْرُ فِي يَدِ رَجُلٍ يَبِيعُ مَاءَهَا، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلُ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ بِهَا الْجَنَّةُ؟» فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه وَجَعَلَهَا لِلْمُسْلِمِينَ. سنن الترمذي (3700) صحيح- . هَذَا مَشْهَدٌ يَرْسُمُ مَعْنَى الاِسْتِخْلَافِ وَرِعَايَةِ المَوَارِدِ الطَّبِيعِيَّةِ.

وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلا مَرَّ بِأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَهُوَ يَغْرِسُ جَوْزَةً، فَقَالَ: أَتَغْرِسُ هَذِهِ وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِيرٌ تَمُوتُ غَدًا، أَوْ بَعْدَ غَدٍ، وَهَذِهِ لَا تُطْعِمُ فِي كَذَا وَكَذَا عَامًا؟! فَقَالَ: وَمَا عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ لِي أَجْرُهَا، وَيَأْكُلُ مَهْنَأَهَا غَيْرِي” شرح السنة للبغوي ج6، ص151، وفيض القدير للمناوي ج5، ص480.

أيُّها الأحبَّةُ، إنَّ التأمّلَ في الكونِ ليس ترفًا فكريًّا، بل هو سبيلٌ إلى عبادةِ اللهِ، وإلى بناءِ حضارةٍ راشدةٍ. مَن نظرَ في النِّعمِ، ازدادَ شكرًا. مَن تأمّلَ في القوانينِ الكونيةِ، ازدادَ يقينًا. ومَن وعى رسالةَ الاستخلافِ، جعلَ من كلِّ عملٍ بيئيٍّ مشروعًا حضاريًّا يُخلّدُ للأجيالِ.

والخلاصةُ: يا عبادَ اللهِ، اجعلوا التأملَ في السماءِ والأرضِ عبادةً، واحفظوا مواردَ اللهِ أمانةً، واغرسوا للأحفادِ غراسًا يظلّون به يومًا، ويذكرونكم به دعاءً.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على نِعَمِه التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

العُنصُرُ الرابع: وَاجِبُنَا نَحْوَ الْبِيئَةِ

أيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد جَعَلَ الإنسانَ خَلِيفَةً فِي الأَرضِ، وَأَودَعَ بينَ يَدَيْهِ نِعَمًا جَسِيمَةً، وَمَوَارِدَ وَفِيرَةً، وَطَلَبَ مِنهُ أن يَكُونَ أَمِينًا عَلَيهَا، رَاعِيًا لَهَا، مُصْلِحًا فِيها، غَيرَ مُفْسِدٍ وَلَا مُبَذِّرٍ، وَواجِبُنا نَحوَ البِيئَةِ عَظِيمٌ، وَمِن هَذِهِ الوَاجِبَاتِ مَا يَلِي:

أَوَّلًا: اسْتِعْمَالُ النِّعَمِ فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ

يَقولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء: 26-27]. فَالْمُسْلِمُ الحَقُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُ مَوَارِدَ الْبِيئَةِ وَنِعَمَ اللهِ فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ، فَيَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ فِي طَهَارَتِهِ وَشُرْبِهِ، وَلَا يُلَوِّثُهُ بِالقَاذُورَاتِ. وَيَسْتَعْمِلُ النِّعَمَ فِي طَاعَةِ اللهِ.

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ: “أَيٌّ فِي التَّبذِيرِ وَالسَّفَهْ، وَتَركُ طَاعَةِ اللهْ، وَارتِكَابِ مَعصِيَتِهِ. وَلِهَذَا قَالْ: (وَكَانَ الشَّيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا). أَي جُحُودًا؛ لِأَنَّهُ أَنكَرَ نِعمَةَ اللهْ عَلَيهِ، وَلَم يَعمَلْ بِطَاعَتِهِ، بَل أَقبَلَ عَلَى مَعصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ”. [تفسير ابن كثير، 5/68].

ثَانِيًا: الشُّكْرُ بِالْعَمَلِ قَبْلَ الْقَولِ

إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَيَّنَ أَنَّ الشُّكْرَ لَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ وَحْدَهُ، بَلْ يَكُونُ بِالْعَمَلِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13].

وَفِي الأَثَرِ عَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ يَدْعُو: “اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ الْقَلِيلِ”. فَقَالَ: وَمَا الْعِبَادُ الْقَلِيلُ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: هُوَ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾. فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: “كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ” رَحِمَهُ الله” أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 10 / 332، وأخرجه الدينوري في المجالسة (1813).

فَالشُّكْرُ إِذًا عِبَادَةٌ عَمَلِيَّةٌ، وَصُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْخِلَافَةِ الصَّادِقَةِ.

ثَالِثًا: الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْمَاءِ وَمَوَارِدِ الْحَيَاةِ

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: 30]. فَالْمَاءُ أَصْلُ الْحَيَاةِ وَمِنْبَعُ الْوُجُودِ، وَمَتَى فُقِدَ أَوْ تَلَوَّثَ عَجَزَ الْإِنْسَانُ عَنْ مَعَاشِهِ، وَفَنِيَ الْحَيَوَانُ وَالنَّبَاتُ. وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُلَوَّثَ الْمَاءُ أَوْ يُسْتَعْمَلَ فِيمَا يُفْسِدُ طَهُورَهُ، فَقَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» [البخاري 239، مسلم 282].

وَقَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: “وَهَذَا النَّهْيُ فِي بَعْضِ الْمِيَاهِ لِلْتَّحْرِيمِ وَفِي بَعْضِهَا لِلْكَرَاهَةِ …، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ يُقَذِّرُهُ وَيُنَجِّسُهُ.” [شرح النووي على مسلم، 3/187 باختصار].

رَابِعًا: تَجَنُّبُ الْفَسَادِ وَالإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الوَاجِبَاتِ الَّتِي أَلْقَاهَا اللهُ عَلَى عَاتِقِ الإِنسَانِ أَنْ يَكُونَ حَارِسًا عَلَى الأَرْضِ، لَا سَارِقًا لِنِعَمِهَا، وَلَا مُفْسِدًا فِي خَيْرَاتِهَا. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: 41].

وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ التَّحْذِيرُ مِنْ صُوَرِ الْفَسَادِ كَافَّةً، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205].

فَتَأَمَّلُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ – كَيْفَ جَمَعَتِ الآيَةُ بَينَ إِفْسَادِ الأَرْضِ وَإِهْلَاكِ الْحَيَاةِ النَّبَاتِيَّةِ وَالْحَيَوَانِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الْبَقَاءِ وَمِقْيَاسُ الْعِمَارَةِ.

خامسًا: نظافةُ البيئةِ والمحافظةُ عليها

أيها الأحبةُ في اللهِ: إنَّ نظافةَ البيئةِ والمحافظةَ عليها ليست أمرًا جانبيًا ولا فرعيًا، بل هي واجبٌ دينيٌّ وأخلاقيٌّ وحضاريٌّ. فالبيئةُ هي الإطارُ الذي نعيشُ فيه، والفضاءُ الذي نتنفسُه، والحيزُ الذي نؤدي فيه عبادتَنا وعملَنا.

نظافةُ الطرقاتِ والأماكنِ العامةِ: جاء في الحديثِ الشريفِ: «إماطةُ الأذى عن الطريقِ صدقةٌ» [البخاري في الأدب المفرد 325، صحيح].

نظافةُ البيوتِ والمساجدِ والمرافقِ: فنظافةُ البيوتِ والمساجدِ ومكانِ العبادةِ والتعليمِ من أجلِّ القرباتِ، وقد أمر ﷺ بتنظيفِ المساجدِ وتطييبِها. أخرج أبو داود (455)، والترمذي (594)، وابن ماجه (758): “أمَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ببناءِ المساجدِ في الدورِ، وأن تُنَظَّفَ وتُطَيَّبَ” صحيح.

الجمالُ البيئيُّ جزءٌ من الإيمانِ: فقد قال ﷺ: «إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ» [مسلم 91]. ومن صورِ هذا الجمالِ: تنسيقُ المناظرِ الطبيعيةِ، والاحتفاظُ بالخضرةِ، وتجنبُ تشويهِ البيئةِ بالقاذوراتِ والمخلفاتِ.

إذًا: فنظافةُ البيئةِ وحمايتُها هي عبادةٌ وسلوكٌ إيمانيٌّ، وهي معيارُ رقيِّ الأممِ ومقياسُ حضارتِها.

سادسـًا: الترشيد في الاستهلاك

الاقتصاد في الطعام والشراب والموارد الطبيعية، قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأعراف: 31].

أيها الأحبةُ في اللهِ: إنَّ البيئةَ ليستْ مجردَ تُربةٍ وماءٍ وهواءٍ، بل هي الرَّحمُ الثاني الذي يحتضنُ الإنسانَ بعدَ رحمِ أمهِ، وهي الأمُّ الكبرى التي تُغذّيهِ، وتُؤويهِ، وتَمدُّهُ بسبلِ الحياةِ. فمن أحسنَ إليها حفظتْهُ، ومن جنى عليها أهلكتْهُ.

وقد سمعنا كيف أوصانا القرآنُ والسنةُ بالمحافظةِ عليها، وكيف جعلَ رسولُ اللهِ ﷺ إماطةَ الأذى عن الطريقِ شعبةً من شعبِ الإيمانِ، والغرسَ والزراعةَ صدقةً جاريةً تبقى بعدَ الموتِ.

فلنتقِ اللهَ في بيئتِنا، ولنكنْ أمناءَ عليها كما كانَ أسلافُنا، ولنغرسْ في أرضِنا صفاءً، وفي سمائِنا نقاءً، وفي مياهِنا طهورًا، ولْنتركْ بعدَنا أرضًا أجملَ، وحياةً أنقى، لأبنائِنا وأحفادِنا.

يا أيها المسلمونَ: إنَّ العمارةَ الحقيقيةَ لا تكونُ بالحجارةِ والمباني فقط، ولكنَّها تكونُ بحفظِ الأمانةِ، وأعظمُ الأماناتِ هي الأرضُ التي نسيرُ عليها، والهواءُ الذي نتنفسُه، والماءُ الذي نشربُه.

اللهم اجعلنا من الشاكرينَ لنعمِك، الحافظينَ لبيئتِنا، المحافظينَ على أرضِنا ومياهِنا وهوائِنا. اللهم باركْ لنا في أرضِنا، واسقِنا الغيوثَ، وأجرِ لنا الأنهارَ، وأخرجْ لنا الزروعَ والأثمارَ، واحفظْنا وبلادَنا من كلِّ شرٍّ وسوءٍ.

المراجع: القرآن الكريم

كتب الحديث: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، وابن ماجه، سنن الترمذي، مسند أحمد، الأدب المفرد للبخاري.

ثالثًا: كتب التفسير وشروح الحديث وغيرهما: تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، تفسير القرطبي، تفسير ابن كثير، تَفْسِيرُ الْبَغَوِيِّ، شرح النووي على مسلم، مصنف ابن أبي شيبة، المجالسة للدينوري، شرح السنة للبغوي، وفيض القدير للمناوي.

د. أحمد رمضان

خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير: الدكتور أحمد رمضان

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى